الثلاثاء 27 مايو 2025 - 15:50
ضرورة البحث في القضايا الفكرية والمعرفية لطلبة الدراسات الإسلامية وطلبة الحوزة العلمية

وكالة الحوزة - في ظلّ التحديات الفكرية المتجددة، تُطالب أوساط علمية بتطوير مناهج الدراسات الإسلامية عبر دمج المقاربات المعرفية والفلسفية لتمكين طلبة الحوزات من مواجهة إشكالات العصر.

وكالة أنباء الحوزة - في خضمّ التحديات الفكرية والتحولات المعرفية التي تعصف بالعالم الإسلامي، يبرز السؤال عن دور المؤسسات الدينية وطلاب العلم في مواكبة هذه المتغيرات والتصدي لها بوعي وعمق. وفي هذا الإطار، قدّم سماحة السيد فاضل الموسوي الجابري من علماء النجف الأشرف رؤيةً حول ضرورة تعميق البحث في القضايا الفكرية والمعرفية لدى طلبة الدراسات الإسلامية والحوزات العلمية، باعتباره مدخلًا أساسيًا لتجديد الخطاب الديني ومواجهة التحديات المعاصرة.

وإليكم نص مقال سماحته:

مقدمة

تواجه الأمة الإسلامية اليوم تحديات فكرية ومعرفية غير مسبوقة، تضع أبناءها، وخصوصًا المتخصصين في العلوم الدينية، أمام مسؤوليات مضاعفة في حفظ العقيدة وصيانة الفكر الإسلامي من التشويه أو الاختزال. وفي طليعة هؤلاء، يقف طلبة الحوزات العلمية وطلاب الدراسات الإسلامية، بوصفهم المؤتمنين على وعي الأمة وهويتها الدينية. ومن هنا تبرز الحاجة الماسّة إلى ترسيخ البحث في القضايا الفكرية والمعرفية ضمن البناء الحوزوي، لا بوصفه ترفًا علميًا، بل ضرورة لحماية الدين والتفاعل مع متغيرات العصر.

أولًا: تعريف القضايا الفكرية والمعرفية

يقصد بالقضايا الفكرية تلك المسائل المرتبطة بالفهم الإنساني لمفاهيم كبرى كالله، الإنسان، الوجود، المعرفة، العقل، القيم، والدين. وهي تُعالج في حقول متعددة من الفلسفة، علم الكلام، الإبستمولوجيا، وفلسفة الدين.

أما القضايا المعرفية، فهي تتناول آليات المعرفة، وحدودها، ومناهج التفكير، ومصادر اليقين.

ثانيًا: أهمية هذه القضايا لطلبة الدراسات الدينية

1. تحصين الذات العلمية والعقائدية

الانفتاح على الفكر العالمي وتطورات المعرفة الإنسانية يفرض على طلاب الحوزة امتلاك أدوات التحليل العقلي والنقدي الكفيلة بمواجهة الشبهات الفكرية المعاصرة، التي غالبًا ما تتسلل عبر نظريات فلسفية أو تيارات معرفية ذات طابع إشكالي.

2. إدراك الواقع ومخاطبة تحدياته

الخطاب الديني الذي لا يلامس قضايا الإنسان المعاصر يبقى أسير النمطية والانزواء. ومن دون وعي معرفي وفكري، يعجز طالب العلم عن فهم أزمات الإنسان الحديث في مسائل الهوية، والحرية، والدين، والإيمان، والعدالة، والعقلانية.

3. توسيع أفق الاجتهاد ومصادره

القضايا الفكرية تعزز ملكة التحليل والاستنباط؛ ففهم فلسفة الأحكام، وعلل التشريعات، وبنية المفاهيم الدينية، لا يتم إلا من خلال وعي أعمق بالمقدمات الفلسفية والمعرفية التي تقف خلف الأحكام.

4. التكامل بين علوم النقل والعقل

من أبرز خصائص المنهج الإسلامي تكامله بين النقل والعقل، ولا يتحقق ذلك إلا إذا تخرّج من الحوزات علماء يُجيدون اللغة الشرعية ويُتقنون أدوات التفكير المعرفي والفلسفي.

ثالثًا: نماذج من أعلام الفكر الحوزوي

قدّمت الحوزة العلمية شخصيات بارزة دمجت بين الفقه والفكر، منها:

الإمام محمد باقر الصدر: الذي أسّس فكراً إسلامياً معاصراً عبر مؤلفاته "فلسفتنا" و"اقتصادنا" و"الأسس المنطقية للاستقراء"، مما جعل منه نموذجًا للفقيه المفكر.

العلامة الطباطبائي: الذي سعى في مشروعه المعرفي إلى تأصيل الفلسفة الإسلامية ضمن إطار قرآني، عبر كتابه "أصول الفلسفة والمذهب الواقعي".

الشهيد مطهري: الذي أعاد قراءة العقائد الإسلامية بلغة الفكر المعاصر وأدواته، وساهم في توعية الجيل الجديد بثوابت الإسلام العقلانية.

الشيخ محمد مهدي شمس الدين والشيخ محمد جواد مغنية: وقد قدما مقاربات عقلانية نقدية لمفاهيم دينية واجتماعية بلغة الفكر الإسلامي المتجدد.

رابعًا: خطوات عملية لإدماج الفكر في التكوين الحوزوي

1. إدخال مقررات معرفية وفكرية ضمن المناهج الرسمية، كفلسفة الدين، مناهج المعرفة، تيارات الفكر المعاصر.

2. إقامة حلقات فكرية وورش عمل حوارية تُناقش أبرز الإشكالات المعاصرة كالعلمنة، الإلحاد، النسبية، ومشكلة المعنى.

3. تنمية القراءة النقدية والفكرية لدى الطالب، وتشجيعه على الكتابة في قضايا العقل والوجود والإنسان.

4. الربط بين مباحث أصول الفقه ومباحث المعرفة، مثل حجية الظن، مفاهيم الشك واليقين، وقاعدة قبح العقاب بلا بيان وغير ذلك .

خامسًا: النتائج والتوصيات

النتائج:

• البحث الفكري يُعزز من قدرة طالب العلم على التصدي للتحديات المعاصرة.

• الفكر والمعرفة ليسا بديلًا عن الفقه، بل امتداد له في ميادين العقل والإنسان والمجتمع.

• غياب التكوين الفكري في الحوزات يُفضي إلى ضعف خطابها في مواجهة الفكر المعولم.

التوصيات:

• ضرورة إصلاح مناهج الحوزة بما يضمن التكامل بين العقل والنقل.

• تشجيع مشاريع فكرية داخل الحوزة تؤسس حواراً حضارياً مع الفكر العالمي.

• إعداد مراكز فكرية متخصصة ترفد الحوزة ببحوث نظرية وتحليلية في الفكر المعاصر.

خاتمة

إن مستقبل الحوزات العلمية مرهون بقدرتها على إعادة إنتاج ذاتها، لا عبر التكرار، بل عبر التجديد الواعي. ولن يتم ذلك إلا عبر تفعيل البعد الفكري والمعرفي في تكوين طلابها، بحيث لا يكتفون بفهم النص، بل يدركون أفق النص في سياق التفاعل مع إنسان العصر. فالعالِم الذي يجمع بين الفقه والفكر، هو الذي يُضيء درب الأمة في زمن الغربة والاضطراب.

السيد فاضل الموسوي الجابري

٢٨ ذو القعدة ١٤٤٦ - النجف الأشرف

ضرورة البحث في القضايا الفكرية والمعرفية لطلبة الدراسات الإسلامية وطلبة الحوزة العلمية
السيد فاضل الموسوي الجابري

المصدر: وكالة أنباء الحوزة

سمات

تعليقك

You are replying to: .
captcha