الاثنين 31 مارس 2025 - 14:23
خلال إلقاء خطبة عيد الفطر.. آية الله اليعقوبي يؤكد على أهمية الحق والعدل

وكالة الحوزة - في يوم عيد الفطر، أقام سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي صلاة العيد في مكتبه في النجف الاشرف، وألقى خطبةً تطرق فيها إلى مفهوم الحق ومخالفة أكثر الناس له، مستنداً إلى الروايات الشريفة والآيات القرآنية.

وكالة أنباء الحوزة - أقام آية الله الشيخ محمد اليعقوبي صلاة عيد الفطر المبارك بمكتبه في النجف الاشرف، وألقى سماحته خطبتي صلاة العيد في جمع من المؤمنين، مستلهماً من الآيتين ٧٠ من سورة المؤمنون و٧٨ من سورة الزخرف، حيث قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} (المؤمنون:70) وقال تعالى {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} (الزخرف:78).

‏وأشار سماحتُهُ بعد بيان المعنى اللغوي للآيتين الكريمتين إلى أن المتحصل من مجموع كلمات أهل اللغة أن معنى الحق فيه ركنان: الثبوت والاستحكام مع كونه مطابقاً للواقع وموافقاً للغرض الصحيح؛ ولذا كان نقيضاً للباطل تارة بلحاظ فقدان الركن الأول فيه، فإن الباطل لا استحكام فيه ولا ثبوت. قال تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} (الإسراء:81) {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ} (الأنفال:8)، ونقيضاً للضلال تارة أخرى بلحاظ فقدان الركن الثاني، قال تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} (يونس:32). لافتاً إلى أن (الحق) من الأسماء الحسنى، لأن وجود الله تعالى و توحيده و صفاته الحسنى هو الحق المطلق. وكما عليه الأكثر في تفسير الآية التالية، قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} (النور:25). فهو سبحانه الحق، وما نزله حق، وما حكم به حق، وما قضى به حق، وما وعد به حق، ومن بعثهم حق، وما دعا إليه حق. وما سوى ذلك باطل وضلال وزُخرُف وغرر. فلا يتوقع من عاقل أن يترك الحق ويسير خلف الباطل مع ما فيه من الضلال والابتعاد عن الواقع والصواب.

وقال: لكن النتائج كانت على العكس، كما تنبئ الآيتان الكريمتان، فإن أكثر الناس عزفوا عن الحق وكرهوه وقاوموه واستجرأوا الباطل ونصروه. وهي نتيجة غريبة لكنها حقيقة واقعة كرّرها القرآن الكريم بحسرةٍ وأسف. وقد أكدّها في عشرات الآيات الكريمة بألفاظ متعددة، مثل قوله تعالى: (ولكن أكثر الناس لا يؤمنون، لا يشكرون، لا يعلمون) أو مثل قوله تعالى: {فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} (الإسراء:89).

وأكد سماحتُهُ على أن الروايات الشريفة قد دلت على أن المصداق الأكمل والأوضح للحق الذي لا ريب فيه هو رسول الله وأمير المؤمنين (صلوات الله عليهما). وروى هذا المعنى علي بن إبراهيم في تفسيره، قال: (الحق رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع)). والدليل على ذلك قوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ} (النساء:170)، يعني بولاية أمير المؤمنين (ع). ويشهد له ما ورد من الروايات في تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (الأنفال:32)، حيث نزلت في النعمان بن الحارث الفهري الذي أنكر بيعة النبي (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (ع) يوم الغدير بالإمامة والخلافة من بعده، مشيراً سماحته إلى أن هذا الكُره قد استمر لكل ما هو حق ودفع شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) وأتباعه ثمناً باهظاً من أرواحهم وأموالهم وسائر حقوقهم لأنهم على الحق.

وأوضح أن الآية ٧١ من سورة المؤمنون ذكرت أحد أسباب كرههم للحق، وهو أنه يخالف أهوائهم. فهم يريدون ديناً ونظاماً للحياة يلبي شهواتهم ويحفظ مصالحهم ويعزّز نفوذهم وامتيازاتهم، لكن هذا غير ممكن لأنه يؤدي إلى ضلال وفساد كبير. ولا يمكن أن يأمر به إله الحق، قال تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} (المؤمنون:71). لافتاً إلى وجود أسباب أخرى لكره البعض لأهل الحق، ولعل من أهمها الحسد. وقد أشارت بعض الآيات المباركة لذلك.

ولفت سماحتُهُ إلى أن هذه الظاهرة المؤلمة في حياة البشر تتكرر أيضاً بدرجات متفاوتة مع كل الأنبياء والرسل والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) ومع العلماء الربانيين العاملين المخلصين ولنفس الأسباب المتقدّمة، مما يوجب الحسرة والألم والاستنكار والاستغراب. قال تعالى: (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون) (يس/30). مشيراً إلى أن الآية الكريمة أبقت باب الأمل بتحقق الهداية والصلاح مفتوحاً، حيث وصفت المعرضين عن الحق بالأكثرية، وهذا يعني وجود قلة تحب الحق وتعتنقه وتثبت عليه، لأنهم حافظوا على سلامة فطرتهم. لذا على العاملين الرساليين أن لا يستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه، وأن لا يشعرهم كثرة أعدائهم بالإحباط واليأس، فهذا دليل نجاحهم وتأثيرهم في الناس. ولو كانوا فاشلين ولا يمتلكون القدرة على الإصلاح والتغيير، لما عاداهم أحد ولا حسدهم أحد.

وفي ختام خطبتيه ألمح سماحتُهُ إلى تحذير أهل البيت (ع) من التجاوز على أهل الحق، بل أن مجرد عدم نصرة الحق وخذلانه هو نصرة للباطل، مستشهداً بقول أمير المؤمنين (ع) في الذين توقفوا عن بيعته. (وقيل إن الحارث بن حوط اتاه عليه السلام، فقال له: أتراني أظن أن أصحاب الجمل كانوا على ضلالة؟ فقال عليه السلام: يا حار، إنك نظرت تحتك، ولم تنظر فوقك فحرت، إنك لم تعرف الحق فتعرف أهله، ولم تعرف الباطل فتعرف من أتاه). فقال الحارث: فإني اعتزل مع سعد بن مالك وعبد الله بن عمر. فقال عليه السلام: إن سعدا وعبد الله بن عمر لم ينصرا الحق، ولم يخذلا الباطل.

المصدر: قناة مكتب آية الله الشيخ محمد اليعقوبي

سمات

تعليقك

You are replying to: .
captcha