بحسب وكالة أنباء الحوزة، فقد تناول المؤتمر الأسس الفقهية و الفكر الاستراتيجي لقائد الثورة في مجالات السياسة، الاقتصاد، الدراسات الإسلامية، الثقافة، الإدارة، الحقوق، و التعليم و التربية.
معرفة القرآن و الاستفادة من تعاليمه؛ أبرز ملامح المنظومة الفكرية لقائد الثورة
ألقى آية الله الكعبي كلمته في المؤتمر، الذي عُقد اليوم 13 إسفند في قاعة الحكمة بجامعة قم، حيث أشار إلى تميز اجتهاد قائد الثورة الإسلامية عن فقهاء عصره في عدة مسائل، أبرزها امتلاكه لمنظومة فكرية متكاملة تؤثر مباشرة في استنباط الأحكام الشرعية. و أوضح أن هذه المنظومة تمثل المفاهيم التي طرحها في خطته العامة للفكر الإسلامي.
و أضاف أن من السمات البارزة في فكر قائد الثورة هي الفلسفة و الحكمة المتصلة بالامتدادات الاجتماعية، و التي تُعرف بـ"الفلسفة المضافة"، حيث طرحها ضمن إطار يتماشى مع الإسلام.
و أكد نائب رئيس جماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم أن قلة من المفكرين و الفقهاء اهتموا بامتداد الفلسفة في القضايا الاجتماعية و السياسية، مشيرًا إلى أن بعض آثار هذه الامتدادات يمكن ملاحظتها في فكر الشهيد المطهري، و آية الله المصباح، و الشهيد الصدر. إلا أن ما يميز قائد الثورة هو اهتمامه بتطبيق الحكمة و الفلسفة في العلوم الإنسانية و الحياة الاجتماعية و السياسية، مما يجعلها ذات أثر تحولي في الحياة البشرية.
و أشار آية الله الكعبي إلى أن أحد الأبعاد المهمة في الفكر الفقهي للقيادة هو منظومته الفكرية الشاملة، التي تنطلق من التوحيد، بمعنى نفي العبودية لغير الله، حيث يرى أن إقامة التوحيد في جميع المجالات هو الهدف الأسمى للمجتمع الإسلامي.
و أكد أن من أبرز معالم المنظومة الفكرية لقائد الثورة الإسلامية هو التفسير العميق للقرآن، حيث لا يقتصر على فهم الآيات ضمن الأحكام الفقهية فقط، بل يسعى لاستخراج القواعد العامة و المفاهيم القرآنية التي تساهم في بناء نظام فقهي شامل.
تحويل نظام الجاهلية إلى نظام حضاري الإسلامي
أوضح آية الله الكعبي أن قائد الثورة يرى أن التحدي الرئيسي في المجال القرآني هو تحويل نظام الجاهلية إلى نظام حضاري إسلامي. و قد استخدم بعض المفكرين السنّة، مثل سيد قطب، مصطلح "نظام الجاهلية"، لكن ما قدمه كان عامًا، بينما قام قائد الثورة بتحديد ملامح هذا النظام و تفكيكه، ثم صاغ نموذجًا لنظام الحضارة الإسلامية، ليطرحه في سياق المنظومات الفقهية.
و أشار إلى أن قائد الثورة يعتبر الجاهلية الحديثة أكثر تعقيدًا من الجاهلية القديمة، حيث يرى أنها تتخذ أشكالًا معقدة مثل "الجاهلية الحديثة"، المدعومة بالعلم و التكنولوجيا و أسلحة الدمار الشامل.
و أضاف أن قائد الثورة يحدد أربعة أنظمة فرعية للجاهلية في القرآن، أهمها النظام المعرفي الجاهلي، الذي يقوم على الجهل و التخمين و الوهم، بينما يطرح الإسلام نظامًا معرفيًا مبنيًا على اليقين، الحكمة، التزكية، و التعليم.
تفكيك النظام القبلي إلى نظام سياسي قائم على الحق أشار آية الله الكعبي إلى أن النظام السياسي الجاهلي يتمثل في الحكم القبلي، الذي عارضه الإسلام و أبدله بنظام سياسي يقوم على التوحيد، الأخوة، و المساواة. و هذا النظام، وفق رؤية قائد الثورة، لا يزال صالحًا لمواجهة أنظمة الاستبداد المعاصرة، التي تدّعي الديمقراطية بينما تقوم على احتكار السلطة و الثروة بين فئة محدودة من الناس.
و ضرب مثالًا على ذلك بالنظام الأمريكي، مشيرًا إلى تقرير مركز "بيو" للأبحاث، الذي أظهر أن 1% من أثرى الأمريكيين امتلكوا 32% من ثروة البلاد في عام 2021، بينما لم يمتلك 50% من السكان سوى 2% من الثروة.
و أكد أن الديمقراطية الغربية ليست إلا واجهة زائفة، و أن حقوق الإنسان كما تطرحها الدول الغربية تقتصر على معاييرها الخاصة، حيث لا تعترف بحقوق شعوب الشرق الأوسط على نحو عادل.
الأبعاد الأخلاقية و الاجتماعية في المنظومة الفكرية لقائد الثورة أوضح آية الله الكعبي أن النظام الأخلاقي في الجاهلية يقوم على الاستعراض و التفاخر، بينما استبدله الإسلام بنظام أخلاقي يقوم على التزكية و الكمال الذاتي. كما أن النظام الاجتماعي الجاهلي كان قائمًا على العصبية القبلية، بينما استبدله الإسلام بنظام اجتماعي يقوم على الرحمة، المسؤولية الاجتماعية، الوحدة، و السلام.
و أشار إلى أن الجاهلية الحديثة تتجسد في "العلم بلا إيمان"، مما يؤدي إلى تدمير البشرية، بينما يؤدي "الإيمان بلا علم" إلى التخلف. و بالتالي، فإن النظرية الحضارية لقائد الثورة تجمع بين ثنائيات مثل العلم و الإيمان، العقلانية و المعرفة، العدالة و الحرية، الرحمة الداخلية و الحزم مع الأعداء.
الاجتهاد الجواهري كأساس للنظرية الحضارية للقيادة أكد آية الله الكعبي أن النظرية الحضارية لقائد الثورة تستند إلى الاجتهاد الجواهري الأصيل، مع مراعاة مقتضيات العصر و معرفة واقع الإنسان المعاصر، مما يجعلها قادرة على تقديم حلول فقهية قابلة للتحقق.
و أشار إلى أن هناك ثلاثة أركان لهذه النظرية:
إبراز الهوية الإسلامية الإيرانية. فتح آفاق المعرفة عبر الاستفادة من التجارب البشرية وتعميقها. إنتاج قوة ردعية دفاعية وأمنية وعسكرية، و تعزيز المقاومة الحضارية. رؤية قائد الثورة حول الاجتهاد الحيّ و المبدع
من جانبه، أكد حجّة الإسلام و المسلمين أحمد حسين شريفي على ضرورة إدخال أفكار قائد الثورة الإسلامية في الأوساط الأكاديمية داخل و خارج البلاد، مؤكدًا أن سماحته يرى أن الاجتهاد يجب أن يكون حيًّا و مرتبطًا بالواقع الاجتماعي.
و أشار إلى أن قائد الثورة يرى أن من أهم شروط الاجتهاد هو الإلمام بالعلوم الإنسانية الحديثة، مع التأكيد على ضرورة استيعاب أصول الفقه التقليدي، مؤكدًا أن كل ابتكار فقهي يجب أن يلتزم بالمنهج الاجتهادي الجواهري، و إلا فإنه سيكون انحرافًا يؤدي إلى التراجع و السقوط.
المنظومة الفكرية لقائد الثورة: إطار مستقل و نظرة شاملة أكد حجّة الإسلام و المسلمين صلح ميرزائي أن المنظومة الفكرية لقائد الثورة تتكوّن من شبكات متعددة من الأنظمة، مثل نظام التعليم، الإدارة، و السياسة، و هي مترابطة ضمن إطار شامل و مستقل.
و أشار إلى أن قائد الثورة بدأ في صياغة هذه المنظومة منذ خطبه في عام 1348هـ.ش (1969م)، حيث كان يسعى لربط القضايا الاجتماعية بالقرآن، و استخلاص الحلول منها.
و اختتم المؤتمر بالتأكيد على ضرورة نشر و توسيع نطاق هذه الرؤية الفكرية في المحافل العلمية، و العمل على تحقيق أهدافها في مختلف مجالات الحياة.
تعليقك