وکالة أنباء الحوزة – واليوم الشعوب الإسلامية في مختلف أنحاء المنطقة حذو الثورة الإسلامية في إيران في سعيها إلى تحقيق مبادئها وحريتها وحقها في تقرير المصير. إن انتفاضة الشعوب في البحرين وغيرها من البلدان العربية، وتشكيل جماعات المقاومة في العراق، اليمن ولبنان... مستمدة من تعاليم الإمام الخميني (ره).
وفي هذا الصدد، أجرت المراسلة الدولية لوكالة أنباء الحوزة حوارا مع المحلل العراقي "قاسم سلمان العبودي".
الحوزة: في بلدكم (العراق، ..) ما هي تأثيرات انتصار الثورة الإسلامية فی ایران على الفئات المؤثرة والثقافية في المجتمع وعامة الناس؟ يرجى إعطاء بعض الأمثلة؟
كان العراق قبيل الثورة الأسلامية المباركة في أيران يغلي على صفيح ساخن . وكان نظام البعث الدموي يحارب الشباب الحركي الذين ألتفوا حول الشهيد المرجع السيد محمد باقر الصدر رضوان الله تعالى عليه ، الذي أشار وبشكلٍ واضح إلى مرجعية السيد الأمام الخميني أعلى الله مقامهُ لما لهذه المرجعية من ثقل كبير على الساحة الأسلامية . فكان الشباب الرسالي بدأو حراكاً ثورياً تزامن الى حد كبير مع ثورة الكاسيت التي أطلقها الأمام الخميني والتي أنتشرت كا النار في الهشيم في تلك الأيام ، لكن المشكلة كانت تكمن في صعوبة ترجمة منطوق تلك الكلمات التي كانت تأتي بصوت الأمام الراحل . لكن المشكلة حُلت من خلال بعض الطلبة الإيرانيين الذين كانوا يتواجدون في حوزة النجف الأشرف. في خضم هذه الأحداث السريعة ما بين (ترحيل ) الأمام الخميني وأعتقال السيد محمد باقر الصدر ، كنا نرى أن الثورة الأسلامية في العراق قادمة لا محالة . وقد أستشعر النظام البعثي المجرم عبر مجساته الخبيثه في العراق أن هناك حراك شبابي في العراق يريد أن يثور ضد طغمة البعث ، لذا عمد النظام إلى أطلاق سراح السيد الصدر لتهدأت الشارع العراقي الذي بدا مستعداً للتغيير.
في هذه الأيام نجحت الثورة الأسلامية في أيران و عودة الأمام الخميني من فرنسا ، فكان صدى هذه الثورة المباركة كبيرا جدا في الأوساط الشبابية التي تأثرت بشخصية الأمام الخميني رضوان الله عليه . فكانت اهم مؤثرات الثورة في الداخل العراقي هو تبيين الخيط الأبيض من الخيط الأسود الفاصل بين مؤيدي الثورة من عدمها في الأوساط الحوزوية . فقد ظهرت بيانات كثيرة مؤيدة ومباركة للثورة الأسلامية الأيرانية ، وكان هناك بالمقابل أحجام لدى بعض الشخصيات البارزة في النجف الأشرف من تأييد الثورة أو مباركتها ، وقد فُسر وقت ذاك بأن التقية واجبة ( لدى البعض ) بعدم تأييد الثورة ، وكان هذا أسوء سيناريو صدر من البعض في النجف الأشرف ، وكان هذا البعض ممن يسير خلفهم كثير من الشباب المؤمن . لقد أستثمر السيد محمد باقر الصدر هذه الواقعة المميزة في تأريخ الشيعة وأنبرى لتأييد هذه الثورة عبر تحشيد المؤمنين للأحتفال في المساجد والحسينيات عبر وكلاء السيد المرجع في مدن العراق كافة وكانت فعاليات كبيرة جداً وموثرة وقد أقلقت النظام البعثي كثيرا ، مما دفع السلطات إلى أعتقال السيد محمد باقر الصدر وثلة من وكلائه وطلابه وكان لذلك الأعتقال أنعكاس كبيرا على مقلدي السيد المرجع الذين تظاهروا بشكل مباشر في المدن العراقية من بغداد وحتى أطراف مدينة البصرة مروراً بجميع المدن العراقية الأخرى . فأعتقل من أعتقل، وهرب من هرب من بطش السلطة ، وكان الهروب هذه المرة صوب الجمهورية الإسلامية التي حباها الله بتلك الثورة المباركة .
الحوزة: لو لم تنتصر الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني (رض)، ماذا ستكون وضع قضیة الفلسطينیة الآن؟
من الأمور المهمة التي يجب أن نتذكرها هنا ، أن الأمام الخميني ( رض ) كان في وقت تواجده في النجف الأشرف قد خصص مبلغاً من الحقوق الشرعية ( الأموال ) لدعم الشعب الفلسطيني والثورة الفلسطينية، وهو أول من شرع هكذا مورد من المراجع العلمية في النجف . معنى ذلك ان السيد الأمام كان يولي الثورة الفلسطينية أهتمام بالغ الأهمية ويعتبر دعم نظال الشعب الفلسطيني ضرورة شرعية . بعد نجاح الثورة الأسلامية وأسقاط نظام الشاه العميل ، أسقط الأمام الخميني كل الأتفاقات الثنائية بين ايران الشاه والكيان الصهيوني وقد تم طرد أركان السفارة الصهيونية من طهران، وتسليم المبنى إلى وفد دولة فلسطين ، وهو أجراء لم تستطع كل الدول العربية القيام به.
لقد أخذت الثورة الفلسطينية بعداً آخر ومساحة أخرى بعد نجاح الثورة الأسلامية في ايران . فقد تم خذلان المقاومين الفلسطينيين من قبل المجتمع الدولي عموماً ، والعربي على وجه الخصوص . فكانت ايران هي الداعم الأول والرئيسي للشعب الفلسطيني بصراعه مع العدو الصهيوني ، وقد كلف ذلك الدعم الحكومة الأيرانية الشيء الكثير ولازال لهذه اللحظة تدفع ايران ثمن دعمها للمقاومة الفلسطينية عبر الحصار الاقتصادي الجائر من قبل الأستكبار العالمي . أن الأنتصار الكبير اليوم للشعب الفلسطيني أنما هو نتاج ذلك الدعم الأسلامي الأيراني لفلسطين المحتلة . فأننا نقول لو لا الدعم الأيراني لحركة حماس ، فضلاً عن باقي المحاور المقاومة في اليمن والعراق ولبنان والذي تأسس أصلاً بدعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، لكانت قضية فلسطين اليوم نسياً منسيا.
الحوزة: لماذا أصبحت إيران هدفاً للتهديدات الإعلامية (۲۵۰ وسيلة إعلام عربية وغربية وإنجليزية وعبرية) و۲۹۸ قناة باللغة الفارسية وعشرات القنوات الكردية والتركية التي تنتج وتبث برامج معادية للجمهوریة الاسلامیة وتنشر الأكاذيب ضد الجمهورية الإسلامية، بعد انتصار الثورة الإسلامية حتی الان ؟
عندما أنتصرت الثورة الأسلامية الأيرانية أعلنها السيد الأمام بأن الثورة لا شرقية و لا غربية . وهذا يعني أن أيران لن تتماهى مع دول الأستكبار العالمي بشرقهِ وغربه مما أشعل فتيل حرباً باردة ضد الجمهورية الاسلامية سرعان ما تحولت إلى حرب مباشرة من خلال دعم نظام صدام الأستبدادي الذي تم أستغفاله في أكبر مؤامرة على الشعب العراقي والأيراني . ومنذ ذلك التاريخ أجتمع العالم بأسره على حرب ايران بشتى الوسائل لأسقاط ثورتها المباركة . فكان الأعلام الأصفر الخبيث واحداً من تلك الوسائل التي عملت على قيادة العقل الجمعي في منطقة الشرق الاوسط وأغلب دول العالم تقريباً . لكن القيادة الربانية الحكيمة التي أنتهجتها الدولة الاسلامية أفرغت تلك الوسائل من مفهومها الأعلامي الخبيث . نجاح الجمهورية الإسلامية بالصمود في وجه الحصار الغربي ، وتحويل هذا الحصار إلى منجز حقيقي ، دفع الآلة الأعلامية الغربية والعربية لتشويه صورة أيران أمام العالم ، لكن سلوك الجمهورية الإسلامية الداعم لقضايا التحرر في العالم أثبت للناس أن أيران نصير المستضعفين ، ولن يكون الأعلام منصفاً في تلك الهجمة الشرسة ولن يغيير الحقائق امام الرأي العام الدولي وخصوصاً في مسألة دعم نضال الشعب الفلسطيني ، ونصرة قضايا الأمة . بل أبعد من ذلك هوه دعم الشعوب غير المسلمة مثل فنزويلا وروسيا والصين أمام جبروت الولايات المتحدة الأستكباري . لهذا وذاك نرى أن تأثير هذا الأعلام والقنوات الفضائية لم يعد ذو تأثير كبير رغم القنوات الاعلامية الكبيرة والكثيرة.
الحوزة: برایکم ، ما هي تأثيرات انتصار الثورة الإسلامية على صحوة شعوب المنطقة وحتى خارجها مثل الشعوب الدول الغربية والأوروبية والإفريقية لاسیما شباب فی العالم ؟
كان ولازال صدى الثورة الاسلامية يؤثر بشكل كبير على مستوى العالم . فكثير من الأدعياء الذين أعطوا صورة قاتمة للدين الإسلامي ، من الذين أفرغوا الدين من محتواه الأسلامي الصحيح . فكانت معالجات الثورة ، وسلوك قيادتها الرباني أعاد إلى الأذهان صورة الدين المحمدي الأصيل . لذا رأينا هناك تفاعل كبير من قبل شعوب العالم الغير مسلمة مع الثورة الإيرانية التي رسمت ملامحها الأصلية المستنبطة من الأحكام الشرعية الناصعة . فمن كان ينظر على ان ايران شرطي الخليج في زمن الشاه العميل ، تغيرت نظرته إلى الواقع الجديد وبدأ يتعاطى مع قيادات الثورة من منطلق آخر . فرأينا مثلاً سلوك الرئيس السوري الراحل حافظ اسد الداعم العربي الوحيد للنظام الاسلامي في ايران بحربه مع دول الاستكبار . ورأينا أن ليبيا وعلى لسان رئيسها الراحل معمر القذافي في اجتماعات الدول العربية كان ينصف ايران وثورتها من خلال تحميل نظام صدام مسؤولية شن الحرب الظالمة على ايران . هذا فضلاً عن شعوب المنطقة والعالم التي بدأت تستوعب السلوك الحضاري والثقافي للدين المحمدي الأصيل من خلال التعاطي مع القضايا الكبرى.
نرى ان تأثير الثورة الاسلامية كان واضحاً على الشعوب المستضعفة التي رأت في أيران مساند لقضاياها سواءاً في أوربا أو أفريقيا او اسيا . وما الإتفاقات الثنائية بين ايران وروسيا ، وايران والصين ، وايران وباقي دول غرب آسيا لهي مصداق واضح لنجاح ايران وثورتها المؤثرة في دول وشعوب العالم الحر .
الحوزة: لو لم تقم الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة الإمام الخميني (رض)، فكيف سيكون وضع دول المنطقة مع وجود القوى العظمى الاستکباریة كأمريكا والدول الغربية وعدوان النظام الصهيوني؟
لقد عاشت دول منطقة الخليج والشرق الأوسط ردحاً من الزمن تحت الأحتلال الصهيوني والأمريكي ، وطبعاً ليس أحتلال أراضي وجيوش بالمفهوم الاحتلالي الواضح ( علما أن بعض الدول الخليجية لديها قواعد عسكرية أمريكية فيها) ، بل هو هيمنة أستكبارية على القرار السياسي في تلك الدول ، حتى جائت الثورة الأيرانية لتميط اللثام عن تلك الظاهرة التي تعاني منها دول المنطقة . أن ديدن الأستكبار الصهيوني والامريكي هو أستعباد شعوب العالم العربي والإسلامي وقد رأينا بعض الدول العربية والخليجية كيف أنساقت إلى تطبيع مخزي ومذل مع الكيان الصهيوني . وكان المخطط الأساسي هو إنشاء ما يسمى ( دولة أسرائيل ) الكبرى في الشرق الأوسط . لكن وهج الثورة الاسلامية اعطى شحنة ثبات على مستوى المواجهة مع المشروع الاسرائيلي الأمريكي . فقد تحولت بعض البلدان العربية إلى دول ممانعة . بل أبعد من هذا تحولت بعض الدول العربية إلى محور المقاومة المسلحة مثل اليمن ولبنان والعراق . وأصبحت تلك الدول رقماً صعباً في المعادلة الدولية.
وذلك كله ببركة الثورة الأسلامية الايرانية التي أبطلت المخططات الرامية إلى صناعة خارطة جديدة للشرق الأوسط.
الحوزة: بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، تشكلت جماعات المقاومة الإسلامية في اليمن والعراق ولبنان وسوريا، وحركات الصحوة في دول مثل نيجيريا، وما هو تأثير إنشاء هذه الجماعات على مستقبل شعوب المنطقة؟
من بركات الثورة الإسلامية أنها ثورة عابرة للحدود . بمعنى ثورة المظلوم ضد الظالم. لذلك بعد أن أنتصار الثورة الاسلامية في ايران بدأت بعض شعوب المنطقة في العالم العربي تعي ضرورة أسقاط الأنظمة الشمولية التي كانت تحكم بالحديد والنار . لقد وجدت تلك الشعوب المتطلعة إلى الحرية بضرورة أستنساخ التجربة الأيرانية التي أسقطت الهيمنة الأمريكية على أرض الواقع في أيران . فقامت بعض الشعوب بالأنتماء الحقيقي للثورة الاسلامية أيدولوجيا وعقائدياً فكانت ثمرة هذا الأنتماء هو تأسيس حزب الله اللبناني في جنوب لبنان ، وحركة المقاومة الإسلامية في العراق وأنصار الله في اليمن . وكانت هذه الخنادق المقاومة الناشئة بحاجة ماسة إلى دعم سياسي ومعنوي وحتى مادي من قبل القيادة الأيرانية التي لم تتردد بالدعم . وعلى ضوء ذلك فقد تمددت رقعة المواجهة الفلسطينية مع الجانب الصهيوني متأثرة بتلك الثورة التي أقتلعت جذور الاستكبار والأستبداد الشاهنشاهي العميل . أن انبثاق حركات التحرر في لبنان والعراق و اليمن وانصهارها في بودقة الثورة الأسلامية جعلها في مقدمة الدول الرافضة للهيمنة الأمريكية والصهيونية . والآن بدأت شعوب العالم العربي والإسلامي ترى صدقية محور المقاومة بالتصدي للمخططات الغربية الرامية إلى استعباد الشعوب . فلسطين بقيت طي النسيان ولم يستطع العرب مجتمعين من تحرير شبر واحد من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
لكن بركة الثورة الأسلامية جعلت المقاوم الفلسطيني يفرض شروطه اليوم على ساحة التفاوض مع الكيان الصهيوني الغاصب . فلم تقف الحرب في غزة ألا بشروط المحور المقاوم الفلسطيني ، وهو ما عملت عليه الثورة الإسلامية وقيادتها الربانية.
كذلك الحال في نيجيريا ذلك البلد الذي عانى من الظلم والفقر والأستبداد والذي تحول إلى خلية نحل مقاوم للنظام الغربي وأدواته الاحتلالية ، متأثراً بالثورة الاسلامية التي فتحت ذراعيها لكل مستضعفي العالم.
ختاماً نقول ، لو لا لطف الله تعالى لنا بهذه الثورة الأسلامية المباركة ، لكان اليوم في كل مدننا العربية والأسلامية شارع مسمى بأسماء قادة الكيان الصهيوني . بفضل الله تعالى وقيادة الثورة الاسلامية الايرانية اليوم شوارعنا وعواصمنا تضج بأسماء شهدائنا الذين أرتقوا دفاعاً عن المبادىء الإسلامية الصحيحة . الشكر لله تعالى ولقيادة الثورة الاسلامية الايرانية الذين دعموا مستضعفي الأمة في مشارق الأرض ومغاربها.
مجرية الحوار: وجيهة سادات حسيني
تعليقك