بحسب تقرير وكالة أنباء الحوزة، وُلد آية الله السيد محمود علائي طالقاني عام ۱۳۲۶هـ (أسفند ۱۲۸۹ش) في قرية گلیرد بمنطقة طالقان.
بدأ تعليمه منذ سن الخامسة في الكتاتيب، حيث تعلّم القرآن و الكتب الدراسية المتداولة آنذاك على يد الملا سيد تقي أورازاني، ثم بدأ بدراسة العلوم الحوزوية على يد والده. في سن العاشرة، توجّه إلى قم للدراسة في مدارس الرضوية و الفيضية، و بعد ذلك رحل إلى النجف الأشرف و نهل من علوم كبار العلماء آنذاك. حصل على إجازة الاجتهاد من السيد أبو الحسن الأصفهاني و الشيخ عبد الكريم الحائري، كما حصل على إجازة الرواية من شهاب الدين المرعشي و القمي. خلال الأعوام ۱۳۱۷-۱۳۱۸ش عاد إلى طهران، حيث درس الفلسفة و الحكمة على يد الميرزا خليل كمرهای. كان سبب عودته إلى طهران، وفقًا لما ذكره، هو ترسيخ العقائد الإيمانية لدى الشباب، و بدأ أنشطته الثقافية عبر كتابة المقالات و إلقاء الخطب. كان يرى أن حل أزمات المجتمع يكمن في العودة إلى القرآن و نهج البلاغة، و لهذا كان يعقد جلسات لتفسير القرآن للشباب.
خلال فترة اعتقاله بين عامي ۱۳۴۳ و ۱۳۴۶ش في سجن قصر، كان يقيم صلاة الجمعة. و في عام ۱۳۴۷ ش، أقام أول صلاة جمعة مستقلة عن الدولة في مسجد جامع نارمك بطهران.
حضوره الفعال في الجمعيات
شارك طالقاني في العديد من المحافل و الجمعيات الدينية و الفكرية في تلك الفترة، و منها جمعية الطلاب المسلمين في جامعة طهران، و جمعية المهندسين المسلمين، و حركة فدائيي الإسلام. لكن أبرز أنشطته كانت خلال الأعوام ۱۳۳۹-۱۳۴۱ش، حيث ألقى خطبًا في الجمعية الدينية الشهرية، متناولًا القضايا الاجتماعية و السياسية المعاصرة. و كان من بين الشخصيات البارزة في هذه الجمعية مرتضى مطهري و محمد إبراهيم آيتي.
كانت الفجوة بين الحوزويين و الأكاديميين من أهم القضايا التي أقلقت طالقاني، إذ كان يعاني من هذا الحاجز الكبير بين الفئتين. بذل جهودًا كبيرة للتقريب بينهما، و كان مسجد هدايت في طهران من أبرز مراكز هذه الأنشطة.
حركة النهضة الوطنية
مع تشكيل حركة النهضة الوطنية الإيرانية، و التي ضمّت تيارين رئيسيين هما التيار القومي و التيار الديني، كان طالقاني داعمًا لهذه الحركة. ركّز بشكل خاص على دعم الحركات النضالية و الثورية، و سعى جاهدًا إلى إيجاد التفاهم و التلاحم بين مختلف أجنحة الحركة. في البداية، كان أعضاء النهضة متحدين ضد الاستبداد و الاستعمار، لكن سرعان ما بدأ الانقسام و التفرقة بين صفوفهم.
خلال أحداث الثورة البيضاء للشاه، كان طالقاني من أشدّ المعارضين لهذا الاستفتاء. ففي بيان أصدره بتاريخ ۲ بهمن ۱۳۴۱ش، أوضح موقفه المناهض للإقطاعية، و أشار إلى أنه ليس ضد الإصلاحات الحقيقية، لكنه اعتبر أن الاستفتاء مجرّد مسرحية هزلية ما دامت حرية الصحافة و التعبير غير مكفولة، و مادام الدستور يُنتهك. و في اليوم التالي، ۳ بهمن ۱۳۴۱ش، تم اعتقاله إلى جانب مهدي بازرگان و يد الله سحابي و سُجنوا، و كان الهدف من اعتقالهم، إلى جانب مجموعة من رجال الدين و أعضاء الجبهة الوطنية، إقصاء المعارضة أثناء إجراء الاستفتاء.
عودته إلى الساحة بعد السجن الأخير بعد الإفراج عنه من آخر سجونه في آبان ۱۳۵۷ش، كان طالقاني ينوي التقاعد لفترة بسبب تقدمه في العمر و ضعف قواه البدنية و النفسية. لكنه تلقّى رسالة من الإمام الخميني من باريس تحثّه على مواصلة دعم و توجيه الثوار، كما أن الترقّب الكبير من قبل العلماء و المثقفين و الطلاب و القوى الثورية، دفعه إلى تغيير قراره. كان يدرك أن النظام البائد ربما يسعى إلى إبعاده عن الساحة ليستخدم غيابه كأداة لإضعاف الثورة، فقرر الالتحاق مجددًا بالحركة الثورية. و قال: فكّرت في سبب إفراج النظام عني، رغم أن خروجي سيزيد من حدة النضال. و بعد دراسة أوضاع الثورة، أدركت أن البلاط و أجهزة الأمن يريدون وضعي في مواجهة الإمام و تحويلي إلى قطب منافس له.
مجلس الثورة
كان مجلس الثورة من أهم المؤسسات التي أدّت دورًا محوريًا في قيادة الثورة، سواء قبل انتصارها أو بعده. في البداية، كان هناك مجلسان منفصلان، ثم قام الإمام الخميني بتأسيس المجلس الثوري، و بعد ذلك تم الإعلان عن وجود مجلس ثوري آخر.
طالقاني قد تم تشكيله. و قد نُقل أن هذا التوازي في العمل كان بسبب عدم اطلاع طالقاني على تشكيل مجلس الثورة بأمر من الإمام. و بعد هذا الحدث، بعث الإمام رسالة مفادها أن يتولى آية الله طالقاني رئاسة مجلس الثورة.
بعد انتصار الثورة الإسلامية، كان يسعى إلى جمع مختلف القوى السياسية من أجل توحيد الأمة و تحقيق الانسجام فيما بينها تحت قيادة الإمام الخميني. و لذلك، كان يوصي جميع القوى بأن يلتقوا بالإمام و يعلنوا تضامنهم مع قيادته.
و مع انتصار الثورة الإسلامية، برز دور آية الله طالقاني كما كان قبل الثورة، و كان يُشار إليه بوصفه رفيقًا وفيًّا للإمام الخميني رحمه الله. و من مسؤولياته، كان عضويته في مجلس الثورة و الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور، حيث كان ممثلًا عن شعب طهران في هذه الهيئات.
كما لعب آية الله طالقاني دورًا مهمًا في إقامة صلاة الجمعة، و بعد طرح المسألة على الإمام الخميني، حظي بموافقته، فعُيِّن إمامًا لصلاة الجمعة في طهران. وقد اختار آية الله طالقاني جامعة طهران كمكان لإقامة الصلاة، بهدف جذب المصلين إلى الجامعة، وجمع الأكاديميين في صفوف المصلين، ومزج التدين بالفكر المستنير. وقد أمَّ ست صلوات جمعة في طهران، كانت أولها في الخامس من مرداد ۱۳۵۸ هـ.ش (۲۷ يوليو ۱۹۷۹م)، وآخرها في السادس عشر من شهريور ۱۳۵۸ هـ.ش (۷ سبتمبر ۱۹۷۹م).
الأوسمة التي منحها الإمام الخميني لـ"أبي ذرّ الزمان"
الجميع يعرف الإمام الراحل (رضوان الله تعالى عليه)، فقد كان بعيدًا عن المجاملات و التملّق. و إذا منح لقبًا أو وسامًا لأحد، أو أشاد به، فإن ذلك كان نابعًا من فهمه العميق و معرفته الكاملة بتلك الشخصية، و من منطلق الواجب الذي كان يشعر به. لا أظن أن بين شخصياتنا الثورية، سواء من العلماء أو غيرهم، من نال هذا العدد الكبير من الأوسمة من الإمام!
۱. المجاهد العظيم الشأن.
۲. الأخ العزيز جدًا.
۳. قضى عمره في الجهاد و التوعية و الإرشاد.
۴. انتقل من سجن إلى سجن و من معاناة إلى أخرى.
۵. لم يفتر أبدًا في جهاده العظيم و لم يتراخَ.
۶. كان بالنسبة للإسلام بمنزلة الصحابي الجليل أبي ذرّ.
۷. كان لسانه الناطق حادًا كحدّ سيف مالك الأشتر و قاطعًا.
۸.كان موته مبكرًا، لكن عمره كان مباركًا.
۹. رحمة الله على والده الكريم، الذي كان في طليعة المتقين.
۱۰. الساعد القوي للإسلام.
(النقاط العشر السابقة مأخوذة من رسالة الإمام الخميني بمناسبة رحيل آية الله طالقاني).
۱۱. مرت سنة على رحيل شخصية عظيمة و عزيزة و ثمينة.
(نادراً ما كان الإمام الخميني يصدر بيانًا في ذكرى وفاة شخصية أخرى).
۱۲. مضى عام على فقدان رجل كان بإمكانه تقديم خدمات قيّمة للثورة الإسلامية و أهداف الإسلام المقدسة.
۱۳. كان قادرًا على تهدئة النفوس القلقة التي كانت مصدرًا للقلق و الانقسام.
۱۴. المجاهد العظيم و العالم اليقظ، الذي تحمل منذ شبابه حتى آخر لحظات حياته، المشاق والسجون والضغوط في سبيل خدمة الإسلام والأمة الإسلامية، ولم يتراجع أبدًا عن هذه الخدمة الشريفة، بل واصل جهوده لتحقيق الهدف والثورة.
۱۵. الراحل المجاهد الملتزم، والمكافح العظيم الشأن، طالقاني العزيز، التحق بجوار أسلافه العظام. (النقاط الخمس السابقة مأخوذة من رسالة الإمام الخميني في الذكرى السنوية لرحيل آية الله طالقاني).
۱۶. لقد فقدنا أخًا، وفقدت أمتنا أبًا، وفقد الإسلام مجاهدًا.
۱۷. كان السيد طالقاني متعدد الأبعاد، فقد كان من سلالة النبي (صلى الله عليه وآله).
۱۸. كان عالمًا. كان خادمًا للأمة.
۱۹. كان مفكرًا.
۲۰. كان مفسرًا للقرآن.
۲۱. كان إنسانًا متعهّدًا.
۲۲. كان معارضًا للنظام الحاكم.
۲۳. كان رافضًا للتيارات اليمينية و اليسارية.
۲۴. كان طالقاني خادمًا للأمة، والأمة تقدر خدامها. (النقاط العشر السابقة مأخوذة من كلمات الإمام الخميني في مدرسة فيضية بقم).
۲۵. كان المرحوم طالقاني مستقيمًا في فكره و سلوكه و عمله.
۲۶. لم يكن منحرفًا نحو اليمين أو اليسار.
۲۷. لم يكن متأثرًا بالغرب ولا بالشرق، بل كان متشبّعًا بالإسلام.
۲۸. كان يسعى لتطبيق تعاليم الإسلام، و كان رحيله خسارة كبيرة للأمة.
(النقاط الأربع السابقة مأخوذة من كلمات الإمام الخميني في لقائه مع عائلة آية الله طالقاني).
۲۹. إن اسم ذلك الفقيد السعيد، نظرًا لخدماته الجليلة للإسلام والمسلمين، ونضاله المستمر ضد الظلم والطغيان والاستعمار الشرقي والغربي، سيسجل في تاريخ الأحرار والساعين إلى الحق والعدالة. (رد الإمام الخميني على برقية تعزية حافظ الأسد).
۲۹. كان عالمًا عاملاً، عالِمًا يسعى لنصرة الشعب، وليس مجرد مثقف نظري. (من كلمات الإمام الخميني في لقائه مع عشائر أذربيجان الشرقية).
۳۰. رحل المرحوم السيد طالقاني، لكنه رحل وهو مرفوع الرأس. (من كلمات الإمام الخميني في لقائه مع مجموعة من النساء).
" أبوذر الزّمان" في مرآة وصفات قائد الثورة الإسلامية
إذا كنت أُحيي ذكراه، فذلك بسبب شخصيته المعنوية، و جهاده و تضحياته، و ألمه و حرصه، و بسبب حبه لوحدة الأمة الإسلامية. احترام روح طالقاني و شخصيته و اسمه ليس لأجل الألقاب و العناوين. فقد كان آية الله طالقاني بحقّ إنسانًا عانى الكثير، و قضى أربعين عامًا في ساحة النضال. لقد كان يحمل همّ الدين، و كان يقف ضد الاستبداد و الطغيان. حاول العدو استغلال مكانته و شعبيته لتقويض الثورة، لكن قبضته القوية كانت صفعة على وجه العدو... (من خطبة صلاة الجمعة، ۲۱ شهريور ۱۳۵۹ش).
لقد كان هذا الفقيد عالمًا مجاهدًا، صامدًا، زاهدًا و طاهرًا. و اجتاز امتحانًا صعبًا بنجاح، سواء في مرحلة النضال أو بعد انتصار الثورة، حيث واجه التحديات السياسية و الأمنية العصيبة بعد الثورة، لكنه اجتازها بجدارة... (من خطبة صلاة الجمعة، ۲۳ شهريور ۱۳۸۶ش).
كان السيد طالقاني شخصية ثمينة جدًا. فقد تجلى في شخصه نموذج فريد خلقه الله. كان إنسانًا صريحًا، صافي القلب، و صادقًا في كلامه. و من أبرز صفاته، صفاء قلبه و صدقه.
عندما كان الإنسان يجلس معه، لم يكن يرى سوى الصدق و الصفاء و الاستقامة، حقًا لم يكن يُلاحظ أي شيء آخر. بالإضافة إلى ذلك، كان رجلًا يتمتع بثقةٍ كاملةٍ بالنفس... لم يكن مطلقًا يتأثر بالقوى و السلطات و المظاهر و ما شابه ذلك... و مع ذلك، كان يُظهر التواضع أمام الإمام.
لقد رأيتُ تواضعه أمام الإمام، سواء في غيابه أو في حضوره. في غياب الإمام، قال لي: "السيد الخميني أحيانًا يقول أمورًا تبدو للإنسان و كأنها غير قابلة للتحقق، ثم نرى أنها تتحقق بالفعل! إنه متصلٌ بمصدرٍ عظيم!" و في حضور الإمام، رأيتُ بنفسـي كيف كان يُبدي أقصى درجات التواضع أمامه.
إن الشخصيات الخالدة في التاريخ تحمل في ذاتها مثل هذه الفضائل، و ينبغي الكشف عنها، و التعرف عليها، و تقديمها إلى الناس. إن السيد طالقاني يستحق حقًا التكريم و الاحترام. لا تسمحوا بأن يُنسى اسمه، أو تُنسى خصاله، أو تُحرَّف علاقته الحقيقية بالثورة إلى علاقاتٍ غير حقيقية. يجب عليكم الحيلولة دون ذلك وعدم السماح به...
(من كلمة سماحة القائد في لقائه مع أعضاء لجنة تكريم آية الله طالقاني، ۲۵ مرداد ۱۳۹۵ش).
المصدر:
صحيفة الإمام
مركز أبحاث التاريخ المعاصر
الموسوعة الإسلامية
تعليقك