وكالة أنباء الحوزة - أعّد مُحلِّل الشؤون العربيّة في إذاعة الجيش الإسرائيليّ، المُستشرِق جاكي حوغي، تقريرًا مطولاً عن قائد حماس، يحيى السنوار، وتمكّن من الحصول على سجلّه الأكاديميّ خلال فترة سجنه، قائلاً: “في الفترة ما بين عامي 1995 و2002، سُجِن السنوار في سجن هادريم، حيث تابع دراساته الأكاديمية من خلال الجامعة المفتوحة. إنّ مراجعة قائمة المواد التي اختارها أمر مفاجئ وغير مفاجئ في نفس الوقت. فمع مرور الوقت، وبعد تأخير كبير، والذي كلف إسرائيل غاليًا، أصبح من الواضح أنّ السنوار، الذي أصبح الآن أعظم عدوٍّ لإسرائيل، كان يتطور بشكلٍ مطردٍ”.
وتابع في تقريره، الذي نُشِر بصحيفة (معاريف) العبريّة، “اليوم، عندما يتحدث الناس عنه، فإنّ ذلك عادة ما يكون في سياق الرهائن أو الحرب. ولكن بالنظر إلى الوراء، فمن الواضح أنّ التهديد الاستراتيجيّ الذي يشكله يحيى السنوار نما تحت أنف إسرائيل، وأحيانًا حرفيًا في فنائنا الخلفيّ”.
وأردف: “مؤخرًا، عثرت على السجلات الأكاديمية للسنوار من فترة وجوده في السجن. في ذلك الوقت، سمحت سلطات السجن للسجناء الأمنيين بمواصلة الدراسة الأكاديميّة من خلال التعلم عن بعد في الجامعة المفتوحة. واستغل السنوار هذه الفرصة على أكمل وجه، حيث أنهى 15 دورة في أقسام العلوم الإنسانية والاجتماعية، وكلّها درسها بجدّْ واجتهادٍ من داخل زنزانته”.
وأوضح: “مثل غيره من السجناء، كان يُموِّل دراسته بنفسه، مستخدمًا المنحة الشهرية التي تُقدمها السلطة الفلسطينية. كان يُتقن العبرية وتحسنت بمرور الوقت، ممّا ساعده على مواجهة التحديات الأكاديمية. وفي وقتٍ لاحقٍ، قام بترجمة كتابيْن من العبرية إلى العربية: السير الذاتية لرؤساء الشاباك السابقين يعقوب بيري (اقتل أو تُقتل) وكارمي جيلون (الشاباك بين الشقوق). وعلى الرغم من مصادرة سلطات السجن لهذه الترجمات، فإنّ المعرفة والبصيرة التي اكتسبها السنوار ربّما خدمته ورفاقه بشكلٍ جيّدٍ”.
وأكّد أنّ ” السنوار بدأ رحلته الأكاديمية في عام 1995، بعد 7 سنوات من سجنه. كان لديه الكثير من الوقت، واستغله، امتدت دراسته لمدة 7 سنوات أخرى. حصل على درجاتٍ جيّدةٍ، بمتوسط درجات 90. وكان هذا بمثابة الإطار التعليمي الثاني في حياته. في وقت سابق، في الثمانينيات، حصل على درجة البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها من جامعة غزة”.
و”رغم أنّ أغلب مقرراته كانت في التاريخ، فإن اختيارات السنوار للمناهج الدراسية في الجامعة المفتوحة تكشف عن استراتيجيةٍ واضحةٍ ومتعمدةٍ. فقد سعى إلى فهم المجتمع الإسرائيليّ، وأسس الوجود اليهوديّ، والبنية الحكوميّة لدولة إسرائيل، ولا عجب في ذلك”.
و”الأمر المدهش هو فشل إسرائيل في تبنيّ نهجٍ مماثلٍ. فكم من كبار صناع القرار الإسرائيليين، سواء من المدنيين أو العسكريين، يُظهرون أيّ فضولٍ بشأن الحمض النووي للوجود الفلسطينيّ؟ وكم منهم يسعى إلى معرفةٍ متعمقةٍ بالثقافة العربيّة أو الإسلاميّة؟ ولعل العلاقات مع الفلسطينيين كانت لتكون أقل دموية إذا فهمت إسرائيل حقًا نظرتهم للعالم”.
“أظهر السنوار اهتمامًا شديدًا بالفترات التكوينيّة للتاريخ اليهودي. التحق بدورتين إضافيتين تركزان على تلك الحقبة: تاريخ الشعب اليهودي خلال فترة الهيكل الأول ويهودا وروما، والتي تعمقت في تاريخ الشعب اليهودي خلال الإمبراطورية الرومانية. غطت هذه الدورات مواضيع مثل حكم هيرودس، وتدمير الهيكل الثاني، وثورة بار كوخبا”.
وأضاف: “من هناك، واصل السنوار استكشاف الفترات اللاحقة في التاريخ اليهودي. درس اليهود في عصر التغيير، وهي دورة حول وضع الوزراء اليهود في البلاط الملكي الأوروبي منذ القرن الخامس عشر فصاعدًا. كما درس أيضًا بين اليهود والمسيحيين: اليهود والمسيحيون في أوروبا الغربية حتى العصر الحديث المبكر، والتي تناولت الحياة اليهودية في الأراضي المسيحية منذ ولادة المسيحية حتى العصر الحديث. أنهى السنوار دراسته بدرجة 93”.
ولفت إلى أنّه “من خلال دراسته، اكتسب السنوار أيضًا معرفة متعمقة بدولة إسرائيل، فدرس تاريخ الصهيونية في مساق بين صهيون والصهيونية 1881-1914، حيث حصل على أعلى درجة له وهي 96. بالإضافة إلى ذلك، درس مساق أنماط المجتمع في إسرائيل، الذي بحث في جذور المجتمع الإسرائيلي والعلاقات بين عناصره المختلفة”.
وتابع: “في العلوم الاجتماعية، درس السنوار (الحكومة والسياسة في إسرائيل)، وهي دورة أساسية في العلوم السياسية تشبه دروس التربية المدنية. وقد تناولت الدورة الديمقراطية الإسرائيلية، وفصل السلطات، والأحزاب السياسية، والنظام الانتخابي، وتضمن قسمًا عن الأقليات. وبلغت دراساته في العلوم الاجتماعية ذروتها في دورة (التجارب في الفضاء: فصول في جغرافية الاستيطان في أرض إسرائيل)”.
وأوضح المُحلِّل أنّه منذ عام 2011، لم يعد يُسمح للسجناء الأمنيين بمواصلة الدراسات الأكاديمية عن بُعد. كان يُعتقد أنّ التعليم قد يُخفف من حدة آراء بعض السجناء. من المغري أنْ نقول إنّ السنوار استغل النظام، أنّه استخدم دراسته لشحذ نظرته القاتلة للعالم. لكن من المهم أنْ نتذكر أن ليس كلّ سجين عضوًا متشددًا في حماس، فربّما لم تكن معرفته الأكاديميّة ومعرفته بإسرائيل بمثابة أداة للتدمير”.
وخلُص المُستشرِق الإسرائيليّ إلى القول: “على الرغم من براعته الأكاديمية، لم يكمل السنوار شهادته. كان ينقصه بضع دورات فقط. لم يكمل لأنّه لم يكن بحاجةٍ إلى ذلك. كان لديه الوقت والأموال للاستمرار، لكن هدفه لم يكُنْ الحصول على شهادةٍ من جامعةٍ إسرائيليّةٍ. كان هدفه استخراج المعرفة التي يحتاجها، وبمجرد أنْ فعل ذلك، توقف”، على حدّ تعبيره.
المصدر: رأي اليوم