وكالة أنباء الحوزة - توفي الرئيس السيد إبراهيم رئيسي ومعه وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان وبعض من المسؤولين الكبار في حادث تحطم الطوافة التي كانت تقلهم في محافظة آذربيجان الشرقية الواقعة في شمال غرب البلاد. فقدت بذلك إيران رئيسا قد طبع عهده بمبادرة تصالحية مع جيرانه الخليجيين. جاءت، العام الماضي، إعادة إحياء العلاقات بين الجمهورية الإسلامية في إيران وجارتها المملكة العربية السعودية، مع ما تمثل كل منهما من نفوذ في الشرق الأوسط، لتشكل معبرا آمنا وسالكا لتعويم علاقات إيران مع الدول الخليجية الاخرى باستثناء العراق الذي تقيم معه علاقات وثيقة من خلال تواجدها السياسي القوي فيه.
بعد غياب السيد رئيسي، دخلت البلاد في طور تصريف الأعمال وتسيير أمور الناس والإدارات إلى حين إجراء انتخابات رئاسية، حدد موعدها في نهار الجمعة الواقع في 28 حزيران الحالي. يسأل المراقبون والمحللون السؤال التالي: هل سيستمر الجو الإيجابي الذي أرساه الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي مع دول الجوار؟
للإحاطة بهذا السؤال، علينا تقصي ما تنطوي عليه التوجهات في السياسة الخارجية للمرشحين الستة المتنافسين على سدة الرئاسة، وهم محمد باقر قاليباف، سعيد جليلي، مسعود بزشكيان، الشيخ مصطفى بورمحمدي، علي رضا زاكاني وأمير حسين قاضي زاده هاشمي، بعد أن أعلن مجلس صيانة الدستور عن أهليتهم من بين حوالى ثمانين تقدموا بترشيحاتهم.
يأتي محمد باقر قاليباف من خلفية عسكرية وهو يضع في المقدمة مواجهة التهديدات المشتركة. يعتبر أن الإنفتاح على دول خليجية معينة يكتسب سمة الضرورة، وهو يشدد على تعزيز وسائل الدفاع الإيرانية لحماية بلده من أي تهديدات من دول الخليج التي وقعت تحالفات مع الولايات المتحدة الأميركية. لكن قاليباف، من جهة أخرى، وبالرغم من مواقفه التي تتسم بالتصلب والتشدد، قد ترك الباب مفتوحا، من خلال برنامجه الإنتخابي، للحوار مع الدول الخليجية للتوصل إلى حل النزاعات. شدد قاليباف أيضا على إمكانية أن تشكل الدبلوماسية، إلى جانب عمليات التفاوض، آليات ذات فعالية أكيدة توصل إلى بر الإستقرار الإقليمي ، إنما ضمن الشروط التي تصون المصلحة الإيرانية.
تندرج مقاربة المرشح سعيد جليلي حيال الدول الخليجية في إطار رؤيته الأوسع للسياسة الخليجية التي تجعل من الإستقلالية الإقليمية ومقاومة التدخل الخارجي من الأولويات. ينادي سعيد جليلي بتعزيز التحالفات مع دول تشارك مقاومة مشابهة ضد السياسات الغربية، ويضع بين أهدافه تمتين الروابط الإستراتيجية والإقتصادية بين إيران ودول المنطقة بعيدا عن التأثير الغربي. يتضمن ذلك التركيز على اتفاقيات دفاع مشترك، شراكات إقتصادية إقليمية والتعاون في المسائل الأمنية.
أما مسعود بزشكيان، من جهته، فيؤكد في برنامجه تجاه دول الخليج، على الدبلوماسية والتفاوض كأدوات رئيسية. وهو يسعى إلى تجنب الصراعات مع ضمان عدم المساس بكرامة إيران الوطنية. ويشير هذا الموقف إلى إمكانية المزيد من المشاركة البناءة مع دول الخليج المجاورة.
يضع المرشح الرئاسي، الشيخ مصطفى بورمحمدي، رؤيته للعلاقة مع دول الخليج ضمن مقاربة ثلاثية الأرجل. يبحث ركنها الأول عن الدفاع عن حقوق المسلمين من خلال دعمه للقضية الفلسطينية خصوصا بعد ما يحصل في غزة مع آلة الحرب الإسرائيلية. ينادي الشيخ بورمحمدي بتوحيد الجهود لتأمين الحماية اللازمة لحقوق المسلمين في أنحاء الكرة الأرضية. يتوجب بالتالي التنسيق والعمل مع دول الخليج لتحقيق هذا المبتغى. يرمي الركن الثاني من تلك الثلاثية إلى إرساء التعاون الأمني والإقتصادي بين إيران والدول الخليجية، بحيث يتحقق ذلك من خلال تطوير المصالح المشتركة، مع التأكيد على تعزيز الأمن والإستقرار في المنطقة. يرى الشيخ بورمحمدي، من الضرورة بمكان، العمل المشترك الدؤوب على مواجهة الأعداء الخارجيين وتمتين العلاقات بين الدول الإسلامية. يكمن الركن الثالث من مقاربة المرشح بورمحمدي في التصدي للتدخل الأجنبي في شؤون المنطقة عبر التفاف دول الخليج حول إيران لصد هذا التدخل والحفاظ على استقرار المنطقة.
يشدد علي رضا زاكاني على تعزيز العلاقات الإقتصادية والسياسية مع الدول المجاورة، بما في ذلك دول الخليج، إذ يعتبر ان إحداث تحسين في العلاقات مع الغرب لا طائل منه في ما يتعلق بحل المعضلات ذات الصفة الإقتصادية وهو يسعى للتعويض عن ذلك في التوجه نحو سياسات تتكئ على الخبرات والقدرات المحلية، كما والتعاون الإقليمي مع الصين وروسيا.
يشدد أمير حسين قاضي زاده هاشمي في حملته على "دبلوماسية القوة"، بهدف تعزيز نفوذ إيران الإقليمي واستقلالها في السياسة الخارجية. ويهدف إلى بناء علاقات قوية مع الدول المجاورة، وخاصة تلك المتحررة من النفوذ السياسي الأمريكي، بما يتماشى مع سياسة العلاقات الدولية الاستراتيجية للرئيس الراحل إبراهيم رئيسي.
بعد استعراض مقاربات المرشحين للرئاسة الإيرانية، يمكننا الوصول إلى قناعة أن حسن الجوار والتعاون مع الدول الخليجية هما عاملان اساسيان في بناء سياسات إيران الخارجية. يعود ذلك إلى أسباب وعوامل عدة، ألا وهي الأهمية الجغرافية والسياسية لتلك الدول، أسباب إقتصادية وتجارية، أسباب متعلقة بالأمن والإستقرار الإقليميين، التنافس مع القوى الخارجية وأسباب متصلة بالسياسة الداخلية الإيرانية.
في ما يتعلق بالأهمية السياسية والجغرافية للدول الخليجية، تقع تلك الأخيرة في جوار إيران التوي وتتحكم بمضيق هرمز الذي يعتبر الممر الأهم عالميا لعبور ناقلات النفط. لذا، تغدو العلاقات الجيدة مع دول الخليج فرصة لإيران لتعزيز بسط سيطرتها ونفوذها على هذه المنطقة من العالم، الأمر الذي من شأنه أن يضع إيران في مركز جيوسياسي، تستطيع من خلاله أن تؤثر على قوة تدفق النفط العالمي.
أما من حيث الإقتصاد والتجارة، فتملك دول الخليج ثروات ضخمة جدا، لا بل هائلة، من النفط والغاز. لذا، تشكل العلاقات الجيدة معها سبيلا لإيران كي تخفف من وطأة العقوبات الإقتصادية التي فرضها الغرب عليها. يضاف إلى ذلك أن فتح أبواب التعاون بين إيران وجيرانها يدر حتما بالنفع على الجميع، وخصوصا على إيران التي تعتمد على التعاون مع الدول المحيطة بها، الخليجية خصوصا، لدعم إقتصادها الداخلي وإرساء النمو المستدام، في ظل ما تشهده من تحديات إقتصادية أكان على المستوى الداخلي أم على الصعيد الخارجي.
من حيث الأمن والإسقرار الإقليميين، تلعب العلاقات السوية بين إيران وجيرانها دورا كبيرا في تحسين ظروف ملائمة، إذ أن التوترات الدائمة يمكن ان تؤدي في نهاية المطاف إلى نشوب صراعات عسكرية تؤثر بشكل سلبي جدا على الأوضاع في المنطقة. المثال على ذلك حين تبرم الولايات المتحدة الاميركية صفقات تسليح ضخمة مع دول الخليج، فهي تدخل من باب التوترات لتخيف الدول المعنية من إيران وتبيعها بالتالي العتاد العسكري. أضف إلى ذلك، أن التعاون الأمني الصادق بين إيران وجيرانها يمكن أن يحد بشكل كبير من تفشي ظاهرة الإرهاب في المنطقة.
إذا نظرنا إلى موضوع التنافس مع الدول والقوى الخارجية، يمكننا استنتاج أنه إن عمدت إيران إلى ترسيخ العلاقات مع الدول الخليجية، فإن ذلك سيمكنها بشكل لافت من مواجهة محاولات الدول الغربية والولايات المتحدة الاميركية على وجه الخصوص، لبسط هيمنتها على منطقة الخليج الفارسي. ومن هذا المنطلق تعمل إيران على تمكين تحالفاتها، في إطار السعي إلى تأمين تصفير إبرة الميزان مقابل القوى الخارجية وبالتالي التقليل من تأثيرها عليها.
وأخيرا تفرض السياسة الداخلية نفسها من باب سعي المرشحين لإظهار أنفسهم لناخبيهم أنهم قادرون على تحسين واقع علاقات إيران الخارجية ودعم مكانتها على المستوى الدولي. ويرى عدد من المراقبين أن هذه الخطوة من الأوراق المربحة في جو الإنتخابات التنافسي.
يجمع المرشحون بالتاكيد، كل وفق مقاربته الخاصة، في برنامجه الإنتخابي، على ضرورة التواصل الإيجابي والبناء مع دول الجوار في الخليج الفارسي. هل سنشهد تعزيزا في الموقف السياسي الآخذ في الإنفتاح على دول الخليج ، بعد فوز المرشح الأوفر حظا من بين المرشحين الستة، خصوصا في حمأة الحرب الدائرة بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي، والتي قد تشعل المنطقة كلها إن وسع هذا الأخير من رقعتها؟
الكاتب: يوسف آلبرت صادق من لبنان