رأى الإمام الخامنئي أن قطع الدول الإسلاميّة علاقاتها بالكيان الصهيوني ضربة حاسمة لهذا الكيان، فما إمكانات العالم الإسلاميّ لتحقيق هذا، وكيف يستطيع توجيه الضربة الحاسمة إلى "تل أبيب"؟
بسم الله الرحمن الرحيم. في الإجابة عن هذا السؤال المهم بخصوص العلاقة ومناخها وجوانبها شتى مع الكيان الصهيوني، الأمر الذي ورد في كلام قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي، لا بد أن نلاحظ أننا في مواجهة هذا الكيان المحتل الغاصب الغاشم يجب أن نختار طرق عدة لمواجهة الطموحات التوسعية لهذا الكيان الذي لا يلتزم أي التزامات دولية ولا إنسانية ولا قانونية ولا عالمية ولا أي إطار من الأطر المألوفة لدى الشعوب في العالم. إن الطريقة الأولى هي التركيز على الجانب الإعلامي لكشف الجرائم البشعة التي يرتكبها هذا الكيان، وطبعاً «طوفان الأقصى» تساعد في هذا الموضوع إلى حد كبير، عدا التأثير البليغ للمواجهة الإعلامية في كشف الممارسات الإجرامية لهذا الكيان.
الطريقة الثانية هي الجانب السياسي المتمثل في الآليات الدبلوماسية عبر تنظيم اجتماعات طارئة لقمة الدول الإسلامية أو «منظمة التعاون الإسلامي» أو «جامعة الدول العربية» أو منظمة الأمم المتحدة، وفي صون العلاقات الخاصة بين مختلف البلدان وخاصة الإسلامية والجارة في المنطقة عبر مفاوضات ولقاءات ومحادثات جادة للضغط على هذا الكيان وجعله يتراجع عن اعتداءاته الدامية ضد الشعب الفلسطيني وبخاصة سكان غزة.
نأتي إلى ما أشار إليه سماحة القائد وهو الجانب الاقتصادي. نعلم أن بلداناً كثيرة في العالم وبخاصة الإسلامية تتمتع بإمكانات واسعة من شأنها أن تبني علاقات تجارية مع الدول. ولذلك تصدّر بعض المنتجات النفطية والبتروكيماوية والغاز وما شابه من المواد الصلبة والمعدنية إلى الكيان الصهيوني. كذلك هناك بعض المنتجات الإسرائيلية يمكن أن تستفيد منها بعض البلدان فتستوردها من الكيان. هذه العلاقات من تصدير واستيراد تنعش الاقتصاد الإسرائيلي. في النتيجة، إذا أردنا أن نخوض في المجال التطبيقي والعملي، فعلى البلدان الإسلامية أن تستغل هذه الفرصة المتاحة للضغط على الكيان، لا الاكتفاء بالهتافات.
لا أريد الكشف عن أسماء البلدان ذات العلاقات التجارية الواسعة في منطقة الخليج الفارسي وغربي آسيا حسب المصطلح الشائع أو حتى شمالي أفريقيا، وهذا يشمل الماء أو المواد التموينية التي تصل أو تصدر إلى الكيان الصهيوني. إن الصادرات إليه كالمواد التموينية تقوي الكيان حتماً وتشجعه على هذه الممارسات الإجرامية والتصرف البشع والهجوم على الشعب الفلسطيني المضطهد.
لذلك اقترح السيد القائد مقترحاً يشتمل على عنصرين أساسيين، أحدهما أنّه على المجتمع العربي والإسلامي أن يقطع علاقاته التجارية مع إسرائيل، فلا استيراد للمنتجات الإسرائيلية ولا تصدير أيّ ما تحتاجه "إسرائيل" بشدة، وهذا ما نعبر عنه بالضربة القاضية في الضغط على الكيان الصهيوني كي يتراجع عن هذه الممارسات.
ما دور الخواص في بلدان العالم الإسلامي وخاصّة النخب العلميّة والجامعيّة في حثّ حكوماتهم على قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني أو تقليصها على الأقل، ولا سيما الاقتصادية؟
في ما يخص دور النخبة في المجتمع العربي والإسلامي بمختلف أقطاره، أي في قارة آسيا والمشرق الغربي أو قارة أفريقيا والمغرب العربي، إن الدول العربية والإسلامية لا تزال متأثرةً بالنخب وبخاصة علماء الدين. فمنذ بداية الاحتلال الإسرائيلي الغاشم في منتصف القرن الماضي، نلاحظ أن روّاد فكرة تحرير فلسطين وإعادة الأراضي الفلسطينية إلى أصحابها كانوا من علماء الدين، وأسماء كثيرة تتلألأ وتلمع في التاريخ مثل عز الدين القسام وغيره من العلماء في فلسطين وسوريا ولبنان وسائر البلدان. كان العلماء رياديين في الدعوة إلى تحرير فلسطين ومواجهة الاحتلال الصهيوني.
في المدة الأخيرة خفت هذا الضوء. ولذلك لا بد من ملاحظة أمرين أساسيين:
الأمر الأول دور هؤلاء العلماء، ففي الأمة الإسلامية مجموعة كبيرة من المسلمين يشاركون في إحياء الشعائر والاجتماعات الدينية في المساجد والأماكن المقدسة، ويستمعون لخطابات العلماء، إضافةً إلى ظهورهم الثقافي في الجامعات والمدارس العلمية. كما أن المجلات والصحف والمواقع الإلكترونية والمعلوماتية كلها آلية مناسبة تمكن للنخبة في العالم الإسلامي الاستفادة منها.
الأمر الثاني يتعلق بتحديد المشكلة وتقديم الحلول، فإلى جانب علماء الدين النخبُ من أصحاب الفكر والمثقفين والفنانين والأكاديميين والجامعيين يمتلكون رؤية أوسع من عامة الناس ولديهم قدرة على التأثير المباشر في المستمعين لأقوالهم ومن يتابعون آراءهم وأفكارهم.
في المحصّلة، وإذا تمكن هؤلاء من أداء دورهم الريادي والإيجابي في بلورة قضية فلسطين وتقديم الحلول، فلا شك أن سائر الناس والفئات الاجتماعية إلى حدّ كبير ستتابع هذه الآراء وستطبقّها قياداتهم، وهذا ما نتأمله بل نراه رأسمال ثميناً كما أشار الإمام الخامنئي. ينبغي للشريحة النخبوية في العالم الإسلامي أن تقوم على دورها في هذا المجال.
إذا انتهت مطالبة الخواص والنخب في النهاية إلى القطع التام أو الجزئي للعلاقات الاقتصاديّة بين الحكومات المسلمة والكيان الصهيوني، فما التأثير الذي سيتركه هذا في الروحيّة الجماعيّة للأمّة الإسلاميّة؟
سبق وتحدثنا عن التأثير المباشر في الشارع وتوجيهه بصورة صحيحة إذا أدت النخبة دورها. لكن في كل مجتمع هناك أصحاب القرار وهناك صناع القرار، وهناك منظّرون وهناك أصحاب فكر. نعم، قد لا يستطيع أصحاب الرأي والمثقفون إحداث التغيير التطبيقي والعملي لكنهم قادرون على تغيير الفكر والرؤية لدى المجتمع.
إذا دعم هؤلاء قطع العلاقات مع "إسرائيل" كلياً ورفض التطبيع لأنه ليس لمصلحة الأمة الإسلامية ولا المجتمع العربي ولا المنطقة ولا الأحرار في العالم، وإذا بثّوا هذه الفكرة وأشاعوها وتغيرت نظرة المجتمع إثر ذلك، فلا شك أن هذا التكاتف والمساهمة من الشارع مع من نراهم قياديين في هذا المجال سيؤدي إلى ظهور نوع من الضغط المباشر لإيقاف الجرائم الإسرائيلية وربما يتطور إلى إزالة هذا الكيان المحتل من الوجود.
لماذا؟ لأن العالم ينظر إلى هذه المواقف خاصة بعد «طوفان الأقصى»، فقد شاهدنا أن الرأي العام العالمي التفت على نطاق واسع إلى الملف الفلسطيني، واختار التفكير ثانية بعد أن دخلت قضية فلسطين في بوتقة النسيان. اليوم يهتم الرأي العام العالمي بقضية فلسطين ويبحث عن حلول لها، وإذا أخذت الأمة الإسلامية بالحسبان الآراء والأفكار لدى العلماء والنخب في العالم والمجتمع الإسلامي، فسيتكوّن رأي عام إسلامي، ولا شك أنه يؤثر مباشرةً في تغيير الموقف من الكيان الصهيوني، وهذا ما نتوقع نتاجه من العلاقة المباشرة بين النخبة وعامة الناس.