وكالة أنباء الحوزة - ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي نصّ الحوار الذي أجراه مع الدكتور طلال عتريسي والذي جرى فيه التطرّق إلى جرائم الكيان الصهيوني في غزّة وقتله أكثر من 32 ألفاً من المدنيّين، إضافة إلى تدمير البنى التحتيّة هناك، وتمّ الحديث عن أنّ هذه القضيّة جعلت جبهة المقاومة تفرض نفسها كحق مشروع في دعم المقاومة بوجه الجبهة الأمريكيّة والإسرائيليّة.
إن العدو الصهيوني يراهن على أن المعركة بعد طوفان الأقصى ستكون بينه وبين حركة حماس لوحدها، وأنه يستطيع أن ينتصر فيها من خلال عزل حركة حماس التي ستقاتل بمفردها، خصوصاً وأنه شذب تأييد الولايات المتحدة والدول الغربية التي سارعت بالحضور مباشرة إلى الكيان الصهيوني؛ الرئيس بايدن، وزيرُ خارجيته، الرئيس الفرنسي والرئيس الألماني. كلُّ الغرب أتى إلى الكيان الإسرائيلي لإعلان الدعم والتأييد، فأطلق يد الجيش الإسرائيلي في غزة، وكان يعتقد أنه بعد التهديدات الأمريكية للأطراف الإقليمية خصوصاً حزب الله وإيران والقوى الأخرى بغية عدم التدخل في هذه المعركة؛ سيكون الانتصار أسهل للعدو الإسرائيلي ما إذا كان يواجه لوحده حركة حماس والفصائل الأخرى. ومن منظور الغرب فهم يعدون دعم "إسرائيل" والوقوف إلى جانبها سياسياً وإعلامياً، وإرسال عشرات آلاف القذائف إلى الجيش الإسرائيلي أمراً طبيعياً. لكن ما حصل هو خلاف التوقعات الغربية؛ فقد انخرط حزب الله في المعركة مباشرة من الجبهة الجنوبية في لبنان، وعدّها معركة مساندةٍ وتشتيتٍ للقوة الإسرائيلية التي تنشر مائة ألف جندي على الحدود مع لبنان. ثم تتالت الجبهات فشكل هذا الأمر إرباكاً حقيقياً سواء للكيان الإسرائيلي وجيشه، أو للحكومات الغربية، فتفرّعت الجبهات إلى جبهة داخلية في غزة، وجبهة على الحدود مع لبنان وجبهات أخرى في اليمن والعراق وسوريا.
كرّست هذه المعادلة حقّ حركة حماس في الحصول على الدعم من جبهة المقاومة مثلما يحصل الكيان الإسرائيلي على الدعم من الدول الغربية ومن الولايات المتحدة الأمريكية. إذن هذه المعركة أتاحت لمحور المقاومة أن يتجسد بشكل فعلي وأن يخلق معادلة جديدة. العدو الإسرائيلي يدفع الأثمان الباهظة في هذه المعركة، والجيش لا يعيش أفضل أيّامه باعتراف الجنرالات والضباط وخبراء الموساد وغيرهم. وهذه المعركة ستفتح الأفق للمستقبل على حق محور المقاومة بالتدخل في أي معركة مقبلة طالما أن الغرب يتدخل إلى جانب العدو الإسرائيلي، وهذا طبعاً أسهم في رفع المعنويات عند حركة حماس والشعب الفلسطيني، وعلى العكس من ذلك فقد أسهم في خفض المعنويات عند المستوطنين خصوصاً على الحدود الشمالية مع لبنان.
أثبتت جبهة المقاومة بمختلف مكوّناتها، في لبنان واليمن والعراق وفلسطين، في معركتها ضد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني في المنطقة، ودفاعاً عن شعب غزة المظلوم، دورها في فلسفة تشكيل جبهة المقاومة كجبهة نشطة ديناميكية وفعّالة في الميدان. مارأيكم في ذلك؟
تشكيل جبهة مقاومة فعالة ونشطة أصبح أمراً واقعاً وحقيقياً. قبل طوفان الأقصى كانت جبهة المقاومة تهديداً؛ أي كان هنالك إعلان بأنه إذا حصلت عمليات اعتداء ستكون الجبهة واسعة في الشرق الأوسط كلِّه. بعد طوفان الأقصى تحوّل هذا التهديد إلى واقع فعلي، وشاهد العالم كلّه كيف اشتعلت الجبهات على أكثر من مستوى وبظروف مختلفة. الجبهة من جنوب لبنان هي الأشد عنفاً على العدوّ وهي التي أدّت إلى تهجير نحو مائة ألف مستوطن من المستوطنات المحاذية لجنوب لبنان، وأصبح هؤلاء يشكلون ضغطاً قوياً على القيادة السياسية لأنهم لايستطيعون العودة إلى بيوتهم. جبهة اليمن شكلت ضغطاً اقتصادياً كبيراً على العدوّ بسبب منعها البواخر والسفن التي تنقل الغذاء والتموين والمواد المختلفة للعدو، والأمرلا يقتصر على ذلك، فاليمن أصبح في حالة مواجهة مباشرة مع الأمريكي والبريطاني، وكل الضربات التي مارستها الولايات المتحدة وبريطانيا على اليمن لم تردعه عن المواجهة. وفي العراق أيضاً بدأت المواجهة باستهداف المواقع العسكرية الأمريكية ثم باستهداف قلب الكيان الصهيوني.
إذن فُتحت الجبهات على أوسع نطاق، وهذا طبعاً يشتّت القدرات الإسرائيلية ويشتت القرار الأمريكي. الولايات المتحدة اليوم لا تعرف ماذا تفعل؛ تنخرط في معركة مباشرة مع اليمن ولا تحقق أي نتيجة، هي لا تريد توسيع الحرب لتصبح شاملة في المنطقة، لكنها تنخرط في صراعات مع أطراف في المنطقة. وبسبب هذه الفاعلية لأطراف محور المقاومة لا تستطيع إسرائيل أن تفكر في شنّ أي حرب على جبهة ثانية، وكل التصريحات للأمنيين والعسكريين الإسرائيليين يدل على أن وضع الجيش ليس جيداً، وأن معنويات الجنود متدنية، ويصرّحون بأن التهديد يتعاظم من جبهة لبنان ومن جبهة اليمن وأنهم لا يستطيعون الردّ عليها حتى لا تندلع حرب أخرى مع اليمن.
إذن كانت هناك فاعلية حقيقية وجدية ومهمة وإستراتيجية لجبهات محور المقاومة على اختلاف أدوارها، هذا يعني أن أي ترتيبات مستقبلية في المنطقة للوضع الإقليمي ستكون جبهة المقاومة طرفاً أساساً فيها، وسيكون لليمن نفسه دور أساس في أي معادلة إقليمية جديدة. وهذا له علاقة بالقدرات والفاعلية التي أثبتها محور المقاومة في المواجهة المباشرة ليس مع العدو الصهيوني فحسب بل حتى مع الإدارة الأمريكية التي تبدو عاجزةً عن وقف مساندة محور المقاومة لغزة، وعاجزة عن ردع محور المقاومة وعن ردع اليمن تحديداً عن هذا التدخل والإسناد.
إنّ الدعم الكبير الذي قدمته الولايات المتحدة والغرب للكيان الصهيوني في حرب غزة، كشف عن ضرورة وجود جبهة أخرى لمواجهة الجبهة العبرية-الأمريكية-الغربية. هل تمكنت جبهة المقاومة في هذه المواجهة من توجيه ضربات لمصالح الصهاينة والأمريكيين خاصة بعد عملية طوفان الاقصي؟
فرضت جبهة المقاومة نفسها كحقّ مشروع في دعم المقاومة الفلسطينية في مقابل الجبهة الأمريكية الغربية الإسرائيلية التي تقف صفاً واحداً، وترفض إعلان وقف إطلاق النار. جبهة المقاومة فرضت منطق هذه الجبهة ومنطق محور المقاومة؛ بمعنى أنه كيف يحق للكيان الصهيوني أن يتلقى الدعم والمساعدة على مختلف المستويات العسكرية والمالية والاقتصادية والإعلامية والسياسية، ولايحق لغزة وحركة حماس وحركة الجهاد أن تتلقى الدعم نفسه من أطراف محور المقاومة، تجلى هذا الأمر حقيقة في التغيير الذي حصل في الرأي العام العالمي، فقد شهدنا في الأسابيع الأولى كيف أنّ الرأي العام الغربي لم يتحرّك على مستوى العالم، لكن تحرك جبهة المقاومة وصمود وبطولة المقاومة في فلسطين فرض نفسه كمحور ثابت وقوي على الرأي العام العالميّ في مقابل المجازر التي كان يرتكبها جيش الاحتلال، ولهذا السبب كانت الشعارات في العالم: "أوقفوا الإبادة والمذبحة بحقّ الشعب الفلسطيني" و"فلسطين حرة" وهذا نتاج الجهد المشترك لمحور المقاومة الذي أصبح حقاً مشروعاً. واليوم لايستطيع أحد في العالم أن يقول لماذا تدعمون حركة حماس؟ لأن الغرب يدعم الكيان الإسرائيلي، ويغطي على المجازر التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي، وهذا الأمر يكرّس أيضاً منطق المقاومة في مقابل منطق التطبيع ومنطق السلام ومنطق التنسيق الأمني مع العدو.
جبهة المقاومة خلقت وضعاً جديداً بعد طوفان الأقصى، كلّ منطق التطبيع اليوم تراجع إلى الخلف وقدم محور المقاومة نموذجاً في التعاطي مع القضية الفلسطينية؛ نموذج الدعم المباشر في مقابل نموذج بعض العرب الذين قدموا التطبيع. اليوم محور المقاومة بما فعله، وبالصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني طوال 6 أشهر جعل التطبيع في زاوية خلفيّة، وأصبحت القضية الفلسطينية و محور المقاومة العنوان الأبرز، وأي بحث في قضية فلسطين يتناول محور المقاومة ولا يتناول دول التطبيع ومحور التطبيع، هذا كلّه من نتائج طوفان الأقصى ومن نتائج التنسيق بين أطراف محور المقاومة الذي هو حق مشروع، وأصبح كذلك بعد معركة طوفان الأقصى في مقابل محور آخر يدعم الكيان الصهيوني.