يتسم المجتمع في الجمهورية الإسلامية بالتنوع الثقافي والعرقي والديني، وهو مؤشر على تأصل هذا المجتمع وحضارته الممعنة في القدم والتاريخ، وتشكل الوحدة الوطنية بين القوميات المتعددة عامل قوة واستقرار وغنى لهذا المجتمع، وهي إحدى مؤشرات القوة للثورة والنظام الإسلامي، ولان أعداء إيران أجروا البحوث والدراسات العلمية والنفسية والإنتروبولوجية وصلوا الى نتيجة مفادها انه بضرب الوحدة الوطنية يمكن تركيع الثورة والنظام الإسلامي، فجعلوها هدفاً استراتيجياً ومحور اهتماماتهم منذ الأيام الأولى لانطلاقة الثورة وقد كشفت المزيد عنها الأحداث الأخيرة وممارسات الأعداء في سياق الحرب التركيبية التي تشن على الجمهورية الإسلامية وما زالت. الأمر الذي أكد عليه الإمام السيد علي الخامنئي في لقاء مع جمع من قادة وضباط القوة الجوية وقوات الدفاع الجوي بتاريخ 8-2-2023، وقال "إن الوحدة الوطنية أدّت دوراً عظيماً جداً في انتصار الثورة الإسلامية وفي تقدمها، ونحن نحتاج إلى تعزيز هذه الوحدة أكثر فأكثر"، وأضاف "العدو يتحرك بالنقطة المقابلة.. مخطط العدو واضح بالنسبة لنا.. ومن أهم الواجبات أمام هذه الخطة القذرة حفظ استراتيجية الوحدة..".

في الأحداث الأخيرة بدى واضحاً تركيز أجهزة استخبارات 47 دولة غربية وإقليمية على دعم الجماعات الانفصالية والمجموعات الإرهابية والتكفيرية بالمال والسلاح والإعلام، بهدف فصل المحافظات التي يقطنها قوميات وأعراق متنوعة عن المركز لكن دون جدوى، حيث رفع أبناء هذه المناطق عبر وسائط التواصل الاجتماعي شعار "حب الوطن يجمعنا" و"العلم الإيراني يجمعنا" وشاركوا بشكل غير مسبوق في المسيرات الداعمة للثورة خلال المناسبات الوطنية.

استطاعت إيران الثورة بحكمة قيادتها ووعي شعبها الحفاظ على التلاحم والوحدة الوطنية كقوة وركن لبقاء الثورة وديمومتها، وما مسيرات ذكرى انتصار الثورة الإسلامية هذا العام التي شارك فيها 21 مليون متظاهر في 1300 مدينة إيرانية بنسبة زيادة 30% عن سابقاتها إلاّ تجسيداً لمقولة الوحدة وترجمة واضحة لنجاح وموفقية إيران في حفظ التلاحم بين الشعب على اختلاف قومياته وبين الشعب والقيادة، وكانت أفضل رد على مساعي الأعداء لإيجاد الفتنة والخلافات بين أبناء إيران، وهي بمثابة استفتاء جديد على الثورة وشعبيتها ومشروعيتها، فيما أخفق العدو في هذه المواجهة في جعلها "قنبلة موقوتة" يمكن تفجيرها في أي لحظة، كما أن الإدارة الحكيمة للحكومات المتعاقبة لا سيما حكومة السيد إبراهيم الرئيسي وضمن مفهوم تحقيق العدالة الاجتماعية، عملت على ردم الهوة والتفاوت الطبقي والتنوع الثقافي والعرقي والاجتماعي والمعيشي، وإنصاف القوميات المتعددة، بإظهار عناية خاصة بها، من هنا نلاحظ حضوراً قوياً للحكومة وأجهزتها التنفيذية في الأطراف حيث الأعراق والقوميات لا سيما العرب والكرد والبلوش والأتراك والتركمان في خوزستان وكردستان وسيستان وبلوجستان وآذربيجان. مستندة الى مادة سنّها الدستور الإيراني"يتمتع شعب إيران بحقوق متساوية من أي أمة أو قبيلة، ولن يكون اللون والعرق واللغة وما إلى ذلك سببًا للامتياز".

يثير الإعلام الأجنبي المعادي لإيران قضايا مفتعلة عن حرمان الأقليات والقوميات والطوائف الإيرانية فيما الحقائق والأرقام تكشف خلاف ذلك، قد يكون من المناسب الإشارة إلى بعض منها:

أهل السنة في إيران

يدعي الإعلام الخليجي والغربي أن المسلمين السنة في إيران لا يتمتعون بحقوقهم الدينية، فيما الواقع يؤكد أن لديهم نحو 10 ألاف مسجد ودور عبادة ومركز ديني وقرآني، مع وجود ممثلين لهم في مجلس الشورى الإسلامي، بل وتعيينهم في مناصب رفيعة في مؤسسات الدولة وصناعة القرار لا سيما في القيادة العسكرية، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر قائد القوة البحرية في الجيش الإيراني الأدميرال "شهرام إيراني"، وهو من أهل السنة في محافظة كردستان.

الأقليات الدينية: حرية المعتقد والعبادة

إن المسيحيين في إيران لديهم أكثر من 250 كنيسة، وثمة كنيسة واحدة لأقل من 500 شخص من السكان. فالأقليات الدينية يتمثلون في مجلس الشورى الإسلامي، ووفقاً للمادة 64 من الدستور، فإن للمسيحيين الأرمن من الجنوب والشمال ممثل واحد لكل منهما، وللمسيحيين الآشوريين والكلدان ممثل واحد، وللزرادشتيين والكليميين (اليهود) ممثل واحد لكل منهما.

الدستور وحرية التعبير

أتاح الدستور الإيراني، حرية التجمع وإقامة التظاهرات لجميع المواطنين، شرط عدم حمل السلاح أو الإخلال بمبادئ الإسلام. وفي إيران أكثر من 250 حزباً رسمياً و515 نقابة عمالية. فيما تعرض القنوات الرسمية التلفزيونية الإيرانية برامج متنوعة عن هذه القوميات وعاداتهم وتقاليدهم وثقافاتهم وبلغاتهم المتنوعة، وسمحت لهم بإنشاء قنوات تلفزيونية بلغاتهم العربية والكردية والآذرية وغيرها.

حكومة رئيسي: عناية خاصة بالقوميات

منذ انطلاق عمل حكومته أظهر السيد رئيسي اهتماماً خاصاً واستثنائياً بالمحافظات في الأطراف تلك التي تقطنها قوميات وعرقيات مختلفة ونشير هنا الى بعض الإنجازات:

-عودة بحيرة أرومية في محافظة آذربيجان (القومية التركية) إلى الحياة بعد نقل المياه إليها، وتضمن المشروع إيصال مياه الشرب الصالحة، من خلال نفق بطول 360 كيلومتراً، وقناة بطول 11 كيلومتراً، ويؤمّن 500 مليون متر مكعب من المياه للبحيرة. وتم إنفاق 35 ألف مليار ريال على تنفيذ هذا المشروع المهم، حتى الآن. ويعد أكبر مشروع بيئي في الشرق الأوسط، والذي سيكون طريقاً لبدء 19 مشروعًا بمرحلة التشغيل.

-مشروع الغدير الذي أمّن المياه الشاملة ل 26 مدينة و1600 قرية في محافظة خوزستان الجنوبية (القومية العربية)، ويستفيد منه حوالي 4.7 مليون شخص، بمقدار 450 مليون متر مكعب سنوياً. تم إنفاق أكثر من 3900 مليار تومان حتى الآن على هذا المشروع (أكثر من 129 مليون دولار). تم الانتهاء منه في غضون 10 أشهر، وهو تعبير عن الوفاء لأبناء خوزستان بكافة قومياتهم على تضحياتهم ومساندتهم للثورة الإسلامية والنظام، "فهذه الأرض التي هي أرض المجاهدين، وأرض الشهداء والمضحين الذين وقفوا ببراعة في وجه العدو وخلقوا الفتوحات" وفق خطاب السيد إبراهيم رئيسي خلال افتتاح المشروع.

وأخيرا، كتعبير عن هذا التنوع ومصدر الغنى الثقافي أنشأت الجمهورية الإسلامية عام 2021 حديقة الثقافة في مدينة كرج جنوب طهران يُعرض فيها زخارف ونماذج مبان وثقافات القوميات المتعددة في إيران، ولقي المشروع استحسان وترحيب منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة اليونسكو.

قد يتساءل البعض ما سر هذه الوحدة الوطنية والتلاحم بين الإيرانيين، لا سيما بين القوميات والأقليات والطوائف الدينية المتعددة؟، ولماذا فشل الأعداء في إثارة الخلافات بينهم، أو إبعادهم عن الثورة والنظام الإسلامي؟، لا شك أن الوعي والبصيرة وحب الوطن والإيمان كلها أسباب حقيقية صنعت هذه الصورة الفسيفسائية الجميلة عن إيران، لكن من أراد التعمق في الأسباب وسبر غور الحقائق في إيران التي اكتشف العدو أنه اخطأ في حساباته كما قال الإمام السيد الخامنئي "وضعوا مخططات شاملة لكنهم أخطأوا الحسابات"، من أراد أن يعرف السر العظيم لهذه الوحدة فليقرأ في كتاب ذلك القائد الثمانيني المُلهم الذي يعشقه الإيرانيون وتزداد محبوبيته وشعبيته لدى الشعب الإيراني والشعوب العربية والإسلامية والمستضعفة يوماً بعد آخر بالرغم من محاولات التصويب عليه واستهدافه في الأحداث الأخيرة الداخلية، والعدو قبل الصديق يعرف الحقيقة هذه.