وكالة أنباء الحوزة - قال الله عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا﴾ النازعات/30، أي بسَطَها ومهّدها بحيث تصبح صالحةً للسكن والسير، وفي كتاب (محاولة لفهمٍ عصريّ للقرآن) ما نصّه: "دحاها" أي جعلها كالدحية "البيضة"، وهو ما يوافق أحدث الآراء الفلكيّة عن شكل الأرض.
ولفظة (دحا) تعني أيضاً البسط، وهي اللفظة العربيّة الوحيدة التي تشتمل على البسط والتكوير في الوقت نفسه، فتكون أَوْلى الألفاظ على الأرض المبسوطة في الظاهر المكوّرة في الحقيقة.
ورُوِي عن الإمام الباقر(عليه السلام) قوله: "لمّا أراد الله تعالى أن يخلق الأرض، أمرَ الرياح فضرَبنَ وجهَ الماء حتّى صار موجاً، ثمّ أزبَد فصار زبداً واحداً، فجمعَه في موضعِ البيت ثمّ جعله جبلاً عن زبَد، ثمّ دحا الأرض مِن تحته، وهو قول الله تعالى: ﴿إنّ أوّل بيتٍ وُضِعَ للناسِ لَلّذي ببكّةَ مُباركاً﴾".
وتشيرُ الروايات المُعتَبَرة إلى أنّ الله سبحانه وتعالى بسط الأرض بمعنى مدّها من تحت الكعبة المشرَّفة، وليس في هذا اليوم خلقت الأرض وقد تقدّم كلام التبيين في كونها كانت مخلوقةً من قبل، إلّا إنّها في هذا اليوم وهو الخامس والعشرون من شهر ذي القعدة الحرام بُسطت.
وتؤيّد ذلك الأحاديثُ الشريفة، فعن أبي عبدالله الإمام الصادق(عليه السلام) قال: (إنّ الله تعالى دحا الأرض من تحت الكعبة إلى منى، ثمّ دحاها من منى إلى عرفات، ثمّ دحاها من عرفات إلى منى، فالأرض من عرفات وعرفات من منى، ومنى من الكعبة) تفسير نور الثقلين: ج5/ص502.
وإنَّ أوّل موضعٍ تحدَّدَ في هذه الأرض هو موضعُ الكعبة الشريفة، ثمَّ بسط الله تعالى الأرض من جوانب هذا الموضع، فهو المركزُ الذي انبسطت الأرض من بين أفنيته وجوانبه، وذلك هو معنى دحوّ الأرض من تحت الكعبة الشريفة.
وهذا اليوم مباركٌ ويُستحبُّ فيه:
- الصوم: وردت عدّة روايات تؤكّد على صيام هذا اليوم العظيم، منها: قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (وأنزَلَ اللهُ الرحمةَ لخمس ليالٍ بقين من ذي القعدة، فمن صام ذلك اليوم، كان له كصوم سبعين سنة).
وعَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي وَأَنَا غُلَامٌ، فَتَعَشَّيْنَا عِنْدَ الرِّضَا(عليه السَّلام) لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ.
فَقَالَ لَهُ: "لَيْلَةُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وُلِدَ فِيهَا إِبْرَاهِيمُ(عليه السَّلام)، وَوُلِدَ فِيهَا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، وَفِيهَا دُحِيَتِ الْأَرْضُ مِنْ تَحْتِ الْكَعْبَةِ، فَمَنْ صَامَ ذَلِكَ الْيَوْمَ كَانَ كَمَنْ صَامَ سِتِّينَ شَهْراً".
- الدعاء: يُستحبُّ أن يُدعى في هذا اليوم بهذا الدعاء: (اَللّهُمَّ داحِيَ الْكَعْبَةِ، وَفالِقَ الْحَبَّةِ، وَصارِفَ اللَّزْبَةِ، وَكاشِفَ كُلِّ كُرْبَة، أَسْأَلُكَ في هذَا الْيَوْمِ....) إلى آخر الدعاء الموجود في مفاتيح الجنان وباقي كتب الأدعية.
- الصلاة: ركعتان تُصلّى عند الضحى، بالحمد مرّة والشمس خمس مرّات، وتقول بعد التسليم: (لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ الْعَلىِّ الْعَظيمِ)، ثمّ تدعو وتقول: (يا مُقيلَ العَثَراتِ أَقِلْني عَثْرَتي، يا مُجيبَ الدَّعَواتِ أَجِبْ دَعْوَتي، يا سامِعَ الأَصْواتِ اِسْمَعْ صَوْتي، وَارْحَمْني وَتَجاوَزْ عَنْ سَيِّئاتي، وَما عِنْدي يا ذَا الْجَلالِ وَالإكْرامِ).
هذا وقد ذُكِر في بعض كتب الأدعية وأعمال الأيّام أنّ زيارة الإمام الرّضا(عليه السلام) في يوم دحو الأرض من أفضل الأعمال المستحبّة.