وكالة أنباء الحوزة - قال العالم الدين الشيعي اللبناني و مدير المعهد الشرعي الإسلامي في لبنان فضيلة الدكتور «الشيخ حسين أحمد الخشن» خلال مقابلة مع مراسلنا: إنّ الإمام الصادق (ع) احتلّ مكانة رفيعة في نفوس الفقهاء والعلماء وأئمة المذاهب الإسلامية، وكان بحق المرجع الذي يدين له الجميع بالحب من جهة، وبالتقدير العلمي من جهة أخرى.
قال الشيخ محمد أبو زهرة: "ما أجمع علماء الإسلام على اختلاف مذاهبهم كما أجمعوا على فضل الإمام الصادق (ع) وعلمه"، وقد أصاب الشيخ أبو زهرة في كلامه كَبِد الحقيقة، فمن يراجع كلمات أئمة المسلمين وعلمائهم يجد صدق ما قاله.
هذا مالك بن أنس قال: "ما رأت عيني ولا سمعت أذني ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علماً وعبادة وورعاً.
وهكذا، فإنّ أبا حنيفة – كما سجل التاريخ – صرّح بأعلمية الإمام الصادق (ع) على من سواه، فقد روي عنه: " ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد".
وقد استدل أبو حنيفة على أفقهية الإمام (ع) بأنّه هيّأ له أربعين مسألة – بطلب من المنصور – من مشكلات المسائل، يقول أبو حنيفة: " فجعلت ألقي عليه ويجيبني فيقول: أنتم تقولون كذا، وهم يقولون كذا، ونحن نقول مذا، فربما تابعنا، وربما تابعهم، وربما خالفنا، حتى أتيت على الأربعين مسألة"، ثمّ عقّب أبو حنيفة قائلاً: "أعلمُ الناس أعلمهم باختلاف الناس".
وهذا معيار جميل، في تحديد الأعلمية في الأشخاص.
و فیما یلي نص المقابلة:
الحوزة: كما تعلمون عاش الإمام في وقت كان المسلمون يجهلون امور دينهم واحكام شريعتهم؛ لان الحكومات انذاك اهملت الشؤون الدينية اهمالا تاما حتى لم يعد البعض يفقه امور دينه. ما هو دور الإمام في إحياء الدين في ذلك الزمن؟
إنّ المرحلة الانتقالية التي عاشها الإمام الصادق (ع) بين دولة يأفل نجمها (الأموية) وأخرى يبزغ فجرها (العباسية) أتاحت له (ع) فرصة من الحرية ليدلي بدلوه، ويقوم بدوره على صعيد إحياء الدين في النفوس وتجديد ما اندرس منه على مستوى النصوص، ولذا يمكن عدّه بحق مجدّد الدين الإسلامي في تلك المرحلة، ويمكن أن نشير إلى معالم مدرسته التجديدية في النقاط التالية:
أولاً، الانفتاح على محتلف المشارب في الساحة الإسلامية:
إنّ مدرسة الإمام الصادق (ع) ليست مدرسة منغلقة على أتباع مذهب بعينه بل هي مدرسة إسلامية متنوّعة تضمّ في صفوفها أتباع المذاهب كافة من الشيعة والسنة وغيرهما.
ثانياً، جامعة العلوم والمعارف:
فقد امتازت مدرسة الصادق (ع) بأنّها تضمّ شتى التخصصات والعلوم الإسلامية، فقد خرج من مدرسته (ع) متخصصون في تفسير القرآن وفي الفقه الإسلامي وفي علم الكلام والمناظرة..
ثالثاً، الأصالة والتجديد:
فقد زاوجت هذه المدرسة بين الأصالة المتمثلة في الاعتماد على مرجعية الكتاب والسنة وبين التجديد في إطار إعطاء تطبيقات جديدة وتفسيرات حديثة لنصوص الكتاب والسنة.
وكان الإمام الصادق (ع) يرى أنّ تطور الزمان وتغيّر المكان يؤثران على الحكم الشرعي؛ على سبيل المثال : قال في كلمة له (ع) حول موضوع اللباس: "خير لباس المرء لباس أهل زمانه".
وعُرف عنه (ع) أنه كان يلبس الألبسة الجيدة، وعندما عوتب باختلاف سيرته عن سيرة جده أمير المؤمنين (ع)، كان جوابه (ع) بتفسير هذا الاختلاف على ضوء تغيّر الزمان. والمكان..
رابعاً، التصدي للتحديات والإشكاليات المستجدة التي تواجه الدين:
فقد عُرف عنه (ع) أنه واجه حركة الزندقة والإلحاد في عصره بمنطق سديد منتهجاً معها أسلوب الحوار والجدال بالتي هي أحسن ومقارعة الشبهة بالحجة، وقد سجلت الحديث والتاريخ الكثير من حواراته ومحاججته مع الزنادقة.
الحوزة: كان من اهم ما عني به الامام هو نشر الفقه الاسلامي الذي يحمل روح الاسلام وجوهره وتفاعله مع الحياة. كيف ترى موقع الامام بين الشيعة والسنة؟
لا شكّ أنّ الإمام الصادق (ع) – للمتأمل في حياته وسيرته – هو (ع) فوق المذاهب، مع أنّه (ع) صاحب مذهب في كثير من قضايا الفكر والدين.
وإمامته (ع) الجامعة هذه تتجلّى:
أولاً: إنّه (ع) كان منفتحاً على الآخرين، ولذا كان عدد من تلامذته هم من أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى، من أمثال السكوني وطلحة بن زيد وغياث بن كلوب وغيرهم ممن نصّ الرجاليون على أنهم من أهل السنة إلا أنّ سنّيتهم لم تمنع من جلوسهم تحت منبر الإمام الصادق (ع) وأن يغدق (ع) من علمه.
ثانياً: كان يتولى الإجابة على أسئلة المستفتين على خلاف مذاهبهم، فيجيب الشخص بما يعلمه عن مذهبه ويبيّن له في السياق رأي مدرسة أهل البيت (ع). وكان يأمر فقهاء أصحابه بأن يسيروا بهذه السيرة كما أوعز بذلك إلى بعض تلامذته، وهو معاذ بن مسلم النحوي فقد روى في حديثه عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال: بلغني أنك تقعد في الجامع فتفتي الناس؟ قلت: نعم، وأردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج. إني أقعد في المسجد فيجيء الرجل فيسألني عن الشيء، فإذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بما يفعولون، ويجيء الرجل أعرفه بمودتكم وحبكم فأخبره بما جاء عنكم، ويجيء الرجل لا أعرفه ولا أدري من هو، فأقول: جاء عن فلان كذا وجاء عن فلان كذا، فأدخل قولكم فيما بين ذلك.
قال: فقال ليّ: اصنع كذا، فإني كذا أصنع".
ثالثاً: إنّ الوحدة الإسلامية عند الإمام الصادق (ع) لم تكن تقتصر على البعد النظري فحسب، بل كانت تمتد إلى الجانب العملي، إنْ من خلال سلوكه الشخصي مع أبناء المجتمع الإسلامي المتنوّع مذهبيا أو من خلال تعاليمه لأصحابه وأتباعه بأن يصلوا في مساجد المسلمين وأن يعودوا مرضاهم ويشهدوا جنائزهم ألخ. وهذه الميزة في شخصيته (ع) جعلته موضع تقدير واحترام عند أئمة المسلمين فضلاً عن عامتهم.
الحوزة: فقد تفوق الامام (ع) على جميع اهل عصره في جميع الفضائل والكمالات ومكارم الاخلاق والصفات. هل كان المرجع الاعلى للعلماء ومعلمهم جميعا في عصره؟ وعن الإمام الصّادق(عليه السَّلام): (العامِل لظلم والمُعين له والرّاضي به شُركاء ثلاثتهم). [الكافي ج2: 333.] كيف يمكن التحذي الى هذا الحديث وكلام الإمام في الظروف الراهنة؟
كما قلنا للتو، إنّ الإمام الصادق (ع) احتلّ مكانة رفيعة في نفوس الفقهاء والعلماء وأئمة المذاهب الإسلامية، وكان بحق المرجع الذي يدين له الجميع بالحب من جهة، وبالتقدير العلمي من جهة أخرى.
قال الشيخ محمد أبو زهرة: "ما أجمع علماء الإسلام على اختلاف مذاهبهم كما أجمعوا على فضل الإمام الصادق (ع) وعلمه"، وقد أصاب الشيخ أبو زهرة في كلامه كَبِد الحقيقة، فمن يراجع كلمات أئمة المسلمين وعلمائهم يجد صدق ما قاله.
هذا مالك بن أنس قال: "ما رأت عيني ولا سمعت أذني ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علماً وعبادة وورعاً.
وهكذا، فإنّ أبا حنيفة – كما سجل التاريخ – صرّح بأعلمية الإمام الصادق (ع) على من سواه، فقد روي عنه: " ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد".
وقد استدل أبو حنيفة على أفقهية الإمام (ع) بأنّه هيّأ له أربعين مسألة – بطلب من المنصور – من مشكلات المسائل، يقول أبو حنيفة: " فجعلت ألقي عليه ويجيبني فيقول: أنتم تقولون كذا، وهم يقولون كذا، ونحن نقول مذا، فربما تابعنا، وربما تابعهم، وربما خالفنا، حتى أتيت على الأربعين مسألة"، ثمّ عقّب أبو حنيفة قائلاً: "أعلمُ الناس أعلمهم باختلاف الناس".
وهذا معيار جميل، في تحديد الأعلمية في الأشخاص.
ومن أهم مزايا شخصيته العلمية ليس في كون الجميع كان يرجع إليه ويستفيد منه فحسب بل في كونه لم يرجع إلى غيره في استقاء العلوم، باستثناء والده الإمام الباقر (ع) وهذا ما يجعل المعيار الذي طرحه الخليل بن أحمد الفراهيدي في حقّ جده علي (ع) منطبقاً على الصادق (ع) بحذافيره، والمعيار هو قول الفراهيدي: "حاجة الكلّ إليه واستغناؤه على الكل، دليل أنه إمام الكل".