وكالة أنباء الحوزة - انبثقت الفنون الاسلامية المتنوعة وهي تحمل بين طياتها أساليب متطورة وملامح مميزة مقارنة بأنماط الفنون الإقليمية والعالمية الاخرى، وقد جاء هذا التنوع في الفن الإسلامي نتيجة للفروقات المحلية التي كانت موجودة قبل الإسلام، وساعد هذا التنوع على اكساب الفن الاسلامي ديناميكية خاصة ذات حيوية مبدعة متجددة وزاهية الألوان فالتنوع في حد ذاته ميزة طبيعية في الفن الإسلامي، طالما أن العالم الذي افرزه عالم واسع مترامي الأطراف ومن شأن هذا الاتساع الجغرافي أن يولد وينتج تعددا وتنوعا يؤدي بطبيعة الحال إلى نمو أساليب فنية ومهارات متنوعة ذات صبغات إقليمية واسلوبية تميز بعضها عن البعض الاخر.. ولكنها تكون محكمة بمبادئ وخصائص مشتركة تجمعها في اطار واحد.
وللفن الإسلامي مبادئ وخصائص عامة تميزه كما هو حال باقي الفنون الاخرى في العالم، فهو قد استمد عناصره من فنون الحضارات السابقة بعد ان انتقى منها ما يمكن صياغته واستقراؤه برؤية إسلامية، حيث برزت ملامحه المستقلة عن باقي الفنون واشتركت بخصائص عامة تكونت تلقائياً ضمن أطار الفكر الفلسفي الإسلامي، تدفع المشاهد المتأمل لمظاهره وشواهده الفنية للبحث عن الخطابات الضمنية بين الدال والمدلول لتلمس الجمال بعيداً عن النفع المادي... ومن اهم هذه المبادئ والخصائص :
1. مبدأ التصحيف والتغفيل:
وهما يعدان من المبادئ المهمة في الفن الاسلامي، فقد فرض مبدأ وحدانية الخالق على الفن العربي الاسلامي مبدأين احدهما (التصحيف) الذي يدل على تحوير معالم الواقع وتعديل نسبه وابعاده على وفق مشيئة الفنان، فأتجه بنظريته الحدسية إلى الكشف عن الجوهر الخالد الذي لا يقبل التجزئة ولا التباين فألغى الجوانب الحسية الزائلة التي تعيق الحدس عن أدراك غايته وهي الجوهر الحق، إما (التغفيل) فيعني الابتعاد عن تشبيه الشيء بذاته إلى التمثيل الكلي والمطلق، أي بمعنى اخر العزوف عن الحياة الدنيا واللجوء الى الله دائما وابداً.
2. مبدأ التجريد :
وهو من الخصائص المهمة في الفن الاسلامي ويرجع سببه الاساسي الى مبدأ التصحيف، الا ان بوادره الاولى كانت موجودة عند العرب منذ العصور القديمة، فقد كان الإنسان القديم يجرد الأشكال عند رسمه لها.. ولكن مع ظهور الفكر الفلسفي الإسلامي تم أعادة صياغة هذا الفن ضمن أطار الفكر الإسلامي، مما ساعد على صقل شخصية الفنان المسلم واعماله الفنية وإبرازها برؤيا جمالية تجريدية خالصة.
3. مبدأ ملء الفضاء :
وهو احد مظاهر تزيين العمائر الإسلامية في المساجد والأضرحة والقصور والمدارس، ولا يكاد يخلو اثر من الآثار الإسلامية من زخرفة او نقش تزييني.. فقد كانت ومازالت من لوازم العمل الفني الإسلامي، فالفنان المسلم يكره الفراغ بطبيعته ويرغب في شغل السطوح والمساحات بالزخارف، ويعتقد عدد من الباحثين ان ذلك مرده أحساس الفنان المسلم بالفضاء الشاسع المحيط بالبيئة العربية من صحاري وجبال ووديان، مما دفعه الى محاولة تغيير ذلك الواقع، بأثراء السطوح الفنية بالتفاصيل الدقيقة لمظاهر الفن الإسلامي العديدة، كما هو الحال في زخرفة المصاحف والابنية الدينية والسجاد والتحف المعدنية والابواب الخشبية وزخارف الاقمشة، مما اثرى التحف الفنية والابنية بزخارف ونقوش متنوعة ومنتظمة ذات بنية جمالية لا تخلو من المضامين الدينية.
4. مبدأ محاكاة جمال الجوهر:
ان الفن الاسلامي يمثل شكلا مهما من اشكال الفكر الجمالي.. وكان وسيبقى من انبل النشاطات الفنية المرتفعة لمستويات المحاكات الروحية، بعيدا عن تغييب النكهة الحسية للتأمل او التخيل، فهناك وظيفتان أساسيتان للفن وفقاً للحاجة الجمالية، اولاهما أثارة التأمل والتخيل عند المتلقي، اما الثانية فهي وظيفة التأثير عن طريق التنوع البارع في معالجة الموضوعات المنجزة فنياً.. فمحاكاة الجمال في الفن الاسلامي تتضمن محاكاة المثل المجردة لرموز العالم البرزخي المتواجدة في العالم المادي.
5. مبدأ الوحدة والتنوع:
ومعنى هذا المبدأ ان يدور الشكل في فلك مركز واحد.. وان يندمج في تركيب العمل الفني، ويحاول المتلقي من خلاله ان يعثر على صور النظام والتناسب والانسجام اثناء تنقل بصره بين اجزاء العمل الفني، وبالتالي يتحقق الجمال المثالي الرائع الذي يسعى الفنان اليه من عمله.
فمن المؤكد ان اول ما يجذب انتباه المتلقي للفنون الاسلامية هو الوحدة في التنوع داخل العمل الفني، فهو من اهم صفات العمل الفني الاسلامي الناجح، ويكون ذلك من خلال التنوع في الاشكال الفنية، كما في الزخرفة والتنوع في البنية التكوينية للأشكال الزخرفية، والتنوع في الاعمدة والقباب والمقرنصات والأبواب والتحف الفنية وغيرها، اضافة الى التنوع في التقنية الفنية المستخدمة ضمن نظام موحد يشتمل على علاقة الجزء بالجزء والجزء بالكل، وهذا النظام الموحد هو بناء فني متماسك الاجزاء من حيث التكوين، يولد خطاباً جمالياً يستقبله المتلقي حين انتقال بصره بين ثنايا الأعمال الفنية الإسلامية،
6. مبدأ التقشف او تحويل الخسيس إلى نفيس:
حينما دعت العقيدة الإسلامية إلى الابتعاد عن مظاهر الترف واعتناق الزهد.. شاحت الانظار إلى كل ما هو عرضي على انه زائل، وهذا ما تبناه الفنان المسلم في تنفيذ اعماله الفنية، فقد عمد على استخدام الخامات الرخيصة لإنجاز اعماله كالجص والصلصال وبعض انواع الخشب واضاف انواع من الزخارف الرقيقة والجميلة عليها، حيث كان الفنان المسلم يحول هذه المواد والخامات الرخيصة إلى أعمال فنية نفيسة ذات قيمة فنية جمالية عالية.
7. مبدأ المنظور الروحي:
عمد الفنان المسلم على عدم استخدام المنظور الخطي المعتمد في الفنون الاخرى في تكويناته الزخرفية.. و استخدم في غلب اعماله الفنية المنظور الروحي بديلا عنه، في محاولة منه للابتعاد عن التجسيم والاقتراب من تسطيح الاشكال واختزال وتجريد مفرداتها المستوحاة من اشكال الطبيعة.
8. مبدأ التناسق والتوازن:
وهنا يعني ضرورة وجود التناسق العام والتوازن القائم بين الاجزاء واستكمال التكوين الفني كله، وهذا ما نلاحظه جلياً في كل الاعمال الزخرفية الاسلامية المصاغة من قبل الفنان المسلم.
9. مبدأ الخطوط المنظمة :
الخطوط المنظمة تعد من اهم المبادئ العامة في الفن الاسلامي، فلا يكاد أي تكوين زخرفي بمختلف انواع الزخارف الاسلامية يخلو منها، فهي تكون بمثابة الخارطة والدليل المرشد للفنان المسلم في تنفيذ ابداعاته الفنية الزخرفية.