وكالة أنباء الحوزة _ ثمة سؤال يطرح: ما معنى قوله تعالى (ان الذين ينادونك من وراء الحجرات ...)؟ وقد جاء الرد على هذا السؤال في الموقع الالكتروني لمركز الابحاث العقائدية الذي يشرف عليه مكتب المرجع الديني السيد علي الحسيني السيستاني.
السؤال: بسم الله الرحمن الرحيم
(( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الحُجُرَاتِ أَكثَرُهُم لَا يَعقِلُونَ * وَلَو أَنَّهُم صَبَرُوا حَتَّى تَخرُجَ إِلَيهِم لَكَانَ خَيرًا لَهُم وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )) (الحجرات:4-5)
فما هو تفسير هذه الاية؟
الجواب: في تفسير الأمثل ج 16 ص511 :
وهناك شأن آخر لنزول الآية بل هو يتعلق بالآية الأولى وما بعدها وهو أنه في السنة التاسعة للهجرة [حين كانت القبائل تفد على النبي للسلام عليه أو للمعاهدة معه] وقد عرف العام ذلك " بعام الوفود " وعند وصول ممثلي قبيلة تميم إلى النبي (صلى الله عليه وآله) قال أبو بكر : ليكن " القعقاع " (أحد أشراف تلك القبيلة) أميرها، واقترح عمر أن يكون " الحابس بن أقرع " أميرها . فقال أبو بكر لعمر أردت أن تخالفني، فرد عليه عمر بأنه لم يرد مخالفته أبدا، فتعالى الصياح والضجيج بينهما، فنزلت الآيات الآنفة ... أي لا تقترحوا في الأمور على النبي شيئا ولا تتقدموا عليه في العمل ولا ترفعوا أصواتكم عند بيت النبي.
وفي تفسير الميزان للسيد الطباطبائي ج 18 ص 310:
قوله تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الحُجُرَاتِ أَكثَرُهُم لَا يَعقِلُونَ )) سياق الآية يؤدي أنه واقع وأنهم كانوا قوما من الجفاة ينادونه (صلى الله عليه وآله) من وراء حجرات بيته من غير رعاية لمقتضى الأدب وواجب التعظيم والتوقير فذمهم الله سبحانه حيث وصف أثرهم بأنهم لا يعقلون كالبهائم من الحيوان .
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي ج 16 ص 515 :
أما الآية الأخرى فتشير إلى جهل أولئك الذين يجعلون أمر الله وراء ظهورهم، وعدم إدراكهم فتقول : (( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الحُجُرَاتِ أَكثَرُهُم لَا يَعقِلُونَ )). فأي عقل يدفع الإنسان إلى أن ينادي برفيع صوته أمام أعظم سفير إلهي فلا يلتفت إلى آداب النداء كما فعلت قبيلة بني تميم فنادت النبي بصوت مزعج يا محمد يا محمد أخرج إلينا وهو مركز المحبة والعطف الإلهي؟! وأساسا كلما ترقى عقل الإنسان زيد في أدبه فيعرف القيم الأخلاقية بصورة أحسن ومن هنا فإن إساءة الأدب دليل على عدم العقل، أو بتعبير آخر إن إساءة الأدب عمل الحيوان، أما الأدب أو رعاية الأدب فهو من عمل الإنسان ... جملة أكثرهم لا يعقلون " الأكثر " في لغة العرب يطلق أحيانا بمعنى الجميع، وإنما استعمل هذا اللفظ رعاية للاحتياط في الأدب حتى لو أن واحدا أستثني من الشمول لا يضيع حقه عند التعبير بالأكثر، فكأن الله يريد أن يقول : إني أنا الله الذي أحطت بكل شئ علما، عند الكلام على مثل هذه الأمور أراعي الأدب في ذلك فعلام لا تراعون في كلامكم هذه الناحية؟! أو لأنه يوجد فيهم أناس يعقلون حقا، ولعادة الناس وعدم التفاتهم في رفع الصوت يريد القرآن أن يحذرهم بهذا الأسلوب أن لا ينسوا الأدب وأن يستعملوا عقولهم وأفكارهم عند الكلام ... " الحجرات " : جمع " حجرة " وهي هنا إشارة إلى البيوت المتعددة لأزواج النبي المجاورة للمسجد ... وأصل الكلمة مأخوذ من " الحجر " على وزن الأجر : أي المنع لأن الحجرة تمنع الآخرين من الدخول في حريم " حياة " الإنسان ... والتعبير ب " وراء " هنا كناية عن الخارج من أي جهة كان ! لأن أبواب الحجرات كانت تتفتح على المسجد أحيانا فيقف الجهلة عندها فينادون : يا محمد أخرج إلينا، فمنعهم القرآن ونهاهم عن ذلك ! ... ويضيف القرآن إكمالا للمعنى في نهاية الآية قائلا : ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم .
صحيح أن العجلة قد تجعل الإنسان أحيانا يبلغ قصده بسرعة، إلا أن الصبر في مثل هذا " المقام " والتأني مدعاة إلى المغفرة والأجر العظيم . وحيث أن بعضهم قد ارتكبوا جهلا هذا الخطأ من قبل، واستوحشوا من هذا الأمر وحاسبوا أنفسهم بعد نزول الآية، فإن القرآن يضيف قائلا إنهم تشملهم الرحمة عند التوبة : والله غفور رحيم .