وكالة أنباء الحوزة – كتب الشهيد مرتضی مطهری مقالا تحت عنوان "الغدير والوحدة الإسلامية" بمناسبة ذكرى حلول واقعة غدير خم.
الاستاذ شهيد مرتضی مطهری من العلماء الذين يقف لهم الإنسان إحتراماً وتقديراً كيف لا وهو المفكر والأديب والكاتب الذی أسهمت كتاباته فی تزويد الباحثين بكل ما هو مفيد وجديد فرسم بحروف من نور درر أنارت المكتبة الإسلامية واضافت الی الكنوز والميراث الإسلامی الغنی كنزا جديدا والشخص الذی يقرأ آثار الشهيد مطهری الأدبية والعلمية يدرك أنه شخص يتمتع بذوق عال وحس مرهف وبلاغة فی اللفظ والمعنی، مخاطباً بها كل شرائح المجتمع معالجا قضايا ومسـائل بإسلوب متين ودقيق ومنطقی .
فی هذا المقال الذی بين أيدينا تلخيص لإحدی مقالاته التی جاءت فی كتاب الوحدة «مجموعة مقالات». طبع هذا الكتاب تحت إشراف وزارة الإرشاد الإسلامی الإيرانية فی عام ۱۹۸۳ م تحت عنوان الغدير والوحدة الإسلامية .
الغدير كتاب قيم أحدث هزة وموجة عارمة فی العالم الإسلامی خصوصا ً في وسط العلماء والمفكرين الإسلاميين فنظروا للكتاب من جوانب متعددة أدبية، تاريخية،كلامية، تفسيرية واجتماعية ويمكننا أن نلقی علی هذا الكتاب القيم نظرة من الجانب الإجتماعی وخصوصاً فيما يتعلق "بالوحدة الإسلامية".
من أهم المسائل التی يجب علی العلماء والمصلحين والمفكرين الإسلاميين فی عصرنا الحاضر الالتفات اليها هي مسألة اتحاد الطوائف والجماعات الإسلامية وخصوصاً فی الأوضاع الراهنة التي يرتبص العدو بالمسلمين ويهاجمهم بكل الوسائل المتاحة لاشعال الفتن إذ يجب المسلمين أن يعوا مثل هذه المكائد .
الأخوة الإسلامية والوحدة الإسلامية من المسائل التی أشار إليها الشارع وأكد علی أهميتها بل إعتبرها من مقاصد الشريعة ، فالقرآن الكريم والسنة المطهرة والتاريخ الإسلامی العريق يشهدون علی ذلك .
السؤال الذی يطرح نفسه هنا هو هل تأليف ونشر كتاب الغدير- بغض النظرعن موضوعه الأصلی الذی طرحه مؤلفه فی اقدم قضية خلافية بين المسلمين – يكون حائلا أمام الطريق المقدس والسامی والنموذجی للوحدة الإسلامية؟
فی المقام الأول يجب أن نوضح ونشرح مفهوم أصل موضوعنا وهوالوحدة الإسلامية ثم نعرج علی مضامين كتاب الغدير ومؤلفه الشيخ العلامة امينی طيب الله ثراه .
ماذا يقصد بالوحدة الإسلامية ؟ هل يقصد بها أن يتم اختيار مذهب واحد من بين المذاهب المتعددة ؟ أم ُتترك كل المذاهب جملة وتفصيلاً ؟ أم يقصد بها أن تجمع المشتركات بين المذاهب وتترك الإختلافات بينها ويصنع مذهب جديد علی هذا النسق ؟ أم يقصد أن الوحدة الإسلامية ليست لها ای صلة بالمذاهب المختلفة بما لديها من اختلاف بينها امام أعدائها ؟ المخالفون لإتحاد المسلمين من أجل أن يضعوا عقبات أمام الوحدة الإسلامية وضعوا لها مفهوما غير منطقی فاطلقوا عليها وحدة المذاهب حتی تهزم من الوهلة الاولی، من البديهی أن الوحدة الإسلامية عند العلماء والمفكرين الإسلاميين ليست حصراً علی مذهب واحد أو أن تجمع المشتركات بين المذاهب أو رفض الإختلافات بينها، فهذا قد لا يكون ايضاً منطقيا ولا عقلانياً ولا عملياً ولكن رأی العلماء والمفكرين هو وحدة صف المسلمين وتضامنهم وقوفهم أمام عدوهم المشترك .
يتفق العلماء المسلمون علی أن لديهم القدرة التی تمكنهم من أن يضعوا إتحاد قوی ومحكم والمسلمون جميعهم موحدون بالله الواحد الأحد، قرآنهم واحد يقرون بالرسول محمد(ص) خاتم الانبياء والمرسلين ويتجهون صوب قبلة واحدة يحجون لرب واحد لا اله الا هو ويصلون بكيفية واحدة ويصومون بكيفية واحدة يكوّنون أسرة ويربون أولادهم بنفس القيم والمبادئ التی جاءت فی دينهم الحنيف وعند موتهم يدفنون ايضاً بنفس الكيفية التی نصت عليها سيرة سلفهم الصالح وكثير من الأمور الجزئية التی يشترك فيها المسلمون مع بعضهم البعض.
المسلمون اصحاب عقيدة واحدة وثقافة وتراث واحد وحضارة واحدة، وحدة فی كل شيء فی الرؤی والمعتقدات الدينية، العبادة، الدعاء والتضرع، فی العادات والتقاليد الإجتماعية و.. هذا يكفی أن يصنع أمة واحدة مقتدرة قوية عظيمة تخضع لها القوی العظمی فی العالم وتخر أمامها راكعة وخصوصاً قد جاء ذلك فی القرآن الكريم حيث يقول الله سبحانه وتعالی: (إنما المؤمنون إخوة) فهم مرتبطون بهذه الدعوة مع بعضهم البعض فی الحقوق والواجبات. مع كل هذا لماذا لايستفيد المسلمون من هذه النعمة التی أنعم الله بها عليهم تحت ظل هذا الدين الحنيف فالشيء الذی يحقق الوحدة الإسلامية هو مراعاة أحاسيس البعض وترك الأحقاد والضغائن وعدم إشعال فتيل الفتنة واتاحة المجال ليسود جو الاخاء والود فيما بينهم والبعد كل البعد عن سب وشتم البعض ورمی البعض بالأكاذيب والإفتراء والتهم الباطلة ، فإذا روعى ذلك تتحقق الوحدة ويصبح المسلمون كالبنيان المرصوص. وأن يحترم كل منهم رأی الآخر فيكون ذلك ديدن المسلمين مع بعضهم وايضاً عند دعوتهم للغير لدخول الاسلام (ادعوا الی سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتی هی أحسن).
جاء الدور لكی نتعرف علی الشيخ العلامة امينی رحمة الله عليه مؤلف كتاب الغدير ونتعرف علی جزء صغير من آرائه حول الوحدة الاسلامية وإتحاد االمسلمين .. هل يراها سماحته فقط الوحدة الإسلامية من دائرة التشيع ام من دائرة الاخوة الاسلامية ؟ أم يری أن مسئلة الوحدة الاسلامية أوسع من ذلك تضم كل من نطق بالشهادتين فتكون تلك الأخوة التی صرح بها القرآن الكريم ؟
ما هو الدور الذی يلعبه كتاب الغدير فی الوحدة الاسلامية هل هو دور إيجابی أم سلبی؟
العلامة امينی رحمة الله عليه كان يعتقد ويؤمن بضرورة الوحدة الاسلامية واتحاد المسلمين ..من هنا نقف علی بعض النقاط التی اشار اليها رحمه الله فی كتابه القيم الغدير .نسأل المولی عز وجل أن يوفقنا فی إختيارها:
ففی مقدمة الجزء الاول اشارة صغيرة الی أن الغدير له دور فی العالم الاسلامی مستقبلا... يقول رضوان الله عليه: نحن نعد ونحسب انفسنا فی خدمة الدين الاسلامی واعلاء كلمة الحق وإحياء الامة الاسلامية .
جاء فی الجزء الثالث فی الصفحة ۷۷ تحت عنوان (نقد وإصلاح) : الأكاذيب والتهم الباطلة هی التی تزرع بذرة الفساد والفتن وتولد العداء وتشتت وتشق شمل جماعة المسلمين فيتعارض ذلك مع مصلحة المسلمين...).
ايضا جاء فی الجزء الخامس تحت عنوان”نظرية كريمة” حول رسائل وشهادات التقدير التی وصلت من مصر تشيد بكتاب الغدير يقول : حرية الآراء والمعتقدات حول المذاهب لا تمزق مطلقا شمل الاخوة الاسلامية التی نص عليها القرآن الكريم إنما المؤمنون اخوة برغم شدة التوتر، والمجادلات الكلامية والمذهبية.
نحن المؤلفين والكتاب فی اقطار واطراف العالم الاسلامی وأطراف العالم الإسلامی بيننا خلافات ولكن لدينا شيء جامع الا وهو الإيمان بالله ورسوله ، نحيا بروح واحدة هی روح الإخاء وكلمة الإخلاص .
نحن المؤلفين كلنا تحت راية واحدة هی راية القرآن الكريم ورسوله (ص) وشعارنا لا اله الإ الله محمد رسول الله، نعم نحن حزب الله والحامين والمدافعين عن هذا الدين .
العلامة امينی فی مقدمة الجزء الثامن تحت عنوان «الغدير يُوحد الصفوف فی الملأ الإ سلامی » أوضح أن لكتابه دوراً أساسياً فی إيجاد الوحدة الإسلامية ويرد علی الذين قالوا إن الغدير أوجد التفرقة وزاد فی الفتنة بين المسلمين !!! ورد علی ذلك بشدة وأثبت خلاف ذلك : الغدير رفع كثير من سوء الفهم الذی كان حاصلا وقرب المسلمين مع بعضهم البعض كما اشار لبعض اقوال علماء المسلمين غير الشيعة ليبرهن ويأكد علی صحة حديثه .
ماذا فهم الآخرون من كتاب الغدير؟
أدرك كثير من علماء السنة منهم محمد عبد الغنی حسن المصری حيث يقول : الغدير فی اللغة العربية بمعنی بركة الماء وأسال المولی عز وجل أن يجعل هذه البركة بمائها الزلال تكون سببا فی صفاء ونقاء الأخوة الشيعة والسنة ، فيضعوا ايديهم فوق ايدی بعض لبناء أمة إسلامية متحدة .
عادل الغضبان مدير مجلة مصرية يقول : هذا الكتاب ای الغدير أوضح وشرح منطق الشيعة ، ومن هذا يستطيع اهل السنة أن يفهموا الشيعة بالصورة الصحيحة الشيء الذی يقود الی تقارب الآ راء والی وحدة الصف.
يقول دكتور عبد الرحمن كيالی : كتاب الغدير يحتوی علی مجموعة كبيرة وغنية من المتون وجدير بالمسلم أن يطلع عليها حتی يدرك كيف أن المؤرخين قد قصروا فی تدوين الحقائق التاريخية .
هذه لمحة بسيطة تعكس دور العلامة امينی الذی من خلال مجهوداته التی بذلها فی كتابه الغدير وخاصة فی أمر الوحدة الإسلامية.
فی الختام نسال الله سبحانه وتعالی أن يرحم العلامة امينی بقدر ما قدم لهذه الأمة من الخير إنه نعم المولی ونعم النصير .
المصدر: رابطة الحوار الديني للوحدة