وكالة أنباء الحوزة ـ هناك سؤال يطرح: كيف يمكن الاجابة عن الشبهات المثارة حول مسألة السرداب؟ وقد جاء الرد على هذا السؤال في الموقع الالكتروني لمركز الابحاث العقائدية الذي يشرف عليه مكتب المرجع الديني السيد علي الحسيني السيستاني.
السؤال: اريد توضيحا كاملا عن مسألة السرداب والاجابة عن الشبهات المثارة حوله.
الجواب: كان الإمام المهدي (عليه السلام)، خلال الفترة الأولى من حياته يعيش في بيت أبيه الإمام العسكري (عليه السلام)، وكان يتستر عن عيون الحكام وجواسيسهم، ويلجأ أحياناً إلى مخبأ في البيت يسمونه (السرداب)، وكان السرداب - ولا يزال حتى اليوم - يستعمل في بيوت العراق للوقاية من حر الصيف اللاهب.
فإذا اشتدّ الطلب عليه، أو حوصر بيته.. كان يخرج من البيت محاطاً بعناية الله ورعايته، ويغيب مدة يحضر فيها المواسم الدينية. أو يزور مجالس أصحابه الأوفياء، يحل مشاكلهم ويقضي حوائجهم، من حيث لا يعرفه إلاّ الصفوة المخلصون منهم.
وحين بدأت غيبته الكبرى (عليه السلام)، خرج من بيت أبيه في سامراء، إلى أرض الله الواسعة، يعيش مع الناس، ويقاسي ما يقاسون، ويحضر مواسم الحج وغيرها من المناسبات، دون أن يعرفه أحد، حسب التخطيط الإلهي، والمصلحة الإسلامية العامة، الأمر الذي هو سر من سر الله وغيب من غيبه، كما قال الصادق (عليه السلام). وقد استغلّ الحاقدون زيارات المؤمنين لمرقد الإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام)، في سامراء، واتّهموهم بالقول بأنّهم يعتقدون أنّ الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) دخل السرداب وما زال فيه وهذا - لا شك افتراء رخيص وادّعاء باطل.
فقد عرفنا أنّ المهدي (عليه السلام)، غادر بيت أبيه نهائياً ليعيش كما يعيش غيره من الناس. وذلك حتى يحين وقت المهمة التي ادّخره الله لها، فيظهر ليحقّ الحق ويزهق الباطل، ويملأ الدنيا قسطا وعدلاً، بعد أن ملئت ظلماً وجوراً، تسليماً بقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، الذي لا ينطق عن الهوى، ومصداقاً لوعد رب العالمين بأن يرث المؤمنون الأرض وما عليها.
وعلينا نحن إلى ذلك الوقت.. وقت ظهوره الشريف، أن نجند أنفسنا لنكون من أعوانه وأنصاره، وذلك بأن نتقيد بتعاليم رسالة جدّه المصطفى (صلى الله عليه وآله)، وأن نكون من أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتأبى الظلم وتحارب الظالمين، لنستحقّ أن نكون من جنوده (عليه السلام)، جنود الحق والعدل والإيمان، داعين إلى الله سبحانه أن يعجّل فرجه، ويسهّل مخرجه، ويجعلنا من أنصاره، والدعاة إلى سبيله. شبهة قديمة:
كما قلنا أن السرداب هو المكان الذي يحفر تحت الأرض في الأماكن الحارة عادة يكون بعيداً عن الشمس وقريباً من الرطوبة يكون بارداً، وقد كان ذلك من القديم، ولكن اعتقاد الشيعة به ليس لأجل انه يسكن فيه الإمام حيث لم يتفوه بذلك أحد قط ، بل لأجل انه كان في بيت الإمام الهادي والإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وان الإمام الحجة كان في أوائل عمره فيه لأجل كونه تراثاً فيه ذكريات الأئمة نحترمهز وأما كون الإمام يسكن فيه، فهو تهمة مفتراة وهي ليست تهمة مستحدثة بل كانت من القديم.
نعم، هناك رواية واحدة تقول أن الإمام حينما هجموا عليه بعد الصلاة على أبيه التجأ إلى السرداب وغاب عن الأنظار ولكن ليس معنى ذلك انه مقيم فيه إلى الآن.
وقد علق الأستاذ محمد أبو زهره عن الفرقة الاثنى عشريه بقوله: ((والاثنا عشريه، يرون أن الإمامة بعد الحسين لعلي زين العابدين ابنه، ثم لمحمد الباقر، ثم لجعفر الصادق وبعد جعفر الصادق ابنه موسى الكاظم، ثم لعلي الرضا، ثم لمحمد الجواد، ثم علي الهادي، ثم للحسن العسكري، ثم لمحمد ابنه، وهو الإمام الثاني عشر، ويعتقدون انه دخل سردابا في دار أبيه بسر من رأى وأمه تنظر إليه، ولم يعد بعد، وهو المهدي المغيب، ويترقبون كل حين ليحكم ويملا الأرض عدلا...)).
وليت الأستاذ أبو زهره قد تأمل - ولو قليلا - لوجد نفسه غنيا عن هذه المقولة المجحفة، فالإمامية تقول بغيبة الإمام المهدي (عليه السلام) ودخوله إلى السرداب كانت حاله طارئة دفعته للاختفاء فيه عند مداهمه السلطة لبيت أبيه (عليه السلام)، وكانت خطوة احترازية ذكيه، أربك فيها السلطة وقت ذاك بعد أن كانت القوة المسلحة المرسلة من قبلالخليفة لم تتوقع دخوله في سرداب بيته فان إخفاء نفسه في بيته المداهم لم يكن متوقعا، فمن المستبعد لديهم أن المهدي الملاحق من قبلها يختفي في مكان قريب منها، ثم هو يخرج من بينهم خارج الدار وهم ينظرون إليه لعدم توقعهم أن الملاحق هذا الفتى الذي يخرج من السرداب ولم يعرفوا شكله حيث أخفاه أبوه عن أعين العامة، فمتى يتاح للقوة المداهمة معرفته وملاحقته بعد ذلك؟ هذا ما كان من خبر السرداب الذي ترويه الشيعة، وهو الموافق تماما للخطوات الاحترازية الأمنية المتخذة من قبل أي شخص مطارد وقد دوهم بيته غيلة فضلا عن المهدي الذي اتخذ في اختفائه خطوات طبيعية، ثم هي مناورة سريعة غير مرتقبة لا من قبل النظام، ولا من قبل القوة المداهمة حيث أربكها تماما واسقط ما في أيديها ورجعت خائبة لم تحقق مهمتها بعد ذلك.
اذن ،لم تعد كلمه (السرداب) انتقاصا لمسألة الغيبة، حتى يعدها الآخرون عملية مستهجنة تدلل على سخف فكرة الغيبة، فأصل الغيبة ومستلزماتها لا علاقة لها أصلا بقضية السرداب، إنما هو مقدمة تكتيكية كان الإمام قد عملها بعد مداهمة قوات الأمن لبيته ثم يعاجلهم بعد ذلك بالخروج فورا دون أدنى تأخير، فلم تكن مسألة السرداب هي المعبر عن الغيبة أذن. ولم يقل أحد أن سيظهر من السرداب! بل تردد في الأحاديث انه يخرج في بيت الله الحرام. نعم، قد وردت زيارة في السرداب، كما وردت زيارات في أماكن أخرى ، بل تستحب زيارته في كل مكان وفي كل زمان. إن اعتماد مفردات بسيطة مستهجنة سوف يوحى للآخرين شعورا بالسخرية والاستخفاف، وهكذا فان اقتران أية فكرة مهما تكن عظيمة في جميع خطواتها بهذا النحو من المفردات الساذجة سيوحي بسذاجتها لما يتركه هذا الاقتران من انطباع نفسي لدى القارئ أو السامع، فالسرداب الذي جعله البعض شعارا لغيبة الإمام المهدي، هو تسرع غير لائق في تحليل فكرة إسلامية أصيلة استندت إلى برنامج علمي دقيق وخطوات أمنية محسوبة فضلا عن دعمها بنصوص نبوية متواترة. إن خطوات المشاريع التثقيفية خصوصا في طرح غيبة المهدي، ترافقها خطوات استفزازية، تحفز القارئ إلى الحذر من فكرة المهدي، وتسلمه إلى دائرة التشكيك في مبتنيات الفكرة المهدوية.
ولعل من أحسن من أنصف في مجال التاريخ للفرقة الاثنى عشرية هو الأستاذ أبو زهرة، ومع ذلك فان توجسا يحيط كلامه بالحذر مرة والاستخفاف ثانية عند طرحه لعقيدة المهدي، ولعل الذي دعاه إلى ذلك عدة أمور، منها: أولا: الموروث الثقافي الذي يطارده.
وثانيا: فان عدم رجوعه إلى أحاديث نبوية قد سلم هو بها كما سلم غيره عن ظهور المهدي، قد أربك تقييماته هذه فجاءت وكأنها استجابة لمشاريع تقليدية مضادة.
وثالثها: ولعل الأهم هو إغفاله لكتب علماء الإمامية ومراجعة ما أثبتته بطرق الفريقين حول فكرة المهدي وكونها فكرة إسلامية قالت بها جميع المذاهب، وان مسألة السرداب لم تكن شعارا لأطروحة الغيبة الإلهية، وإنما هي من افرازات العصبية المذهبية، ابتدعها نفر للتقليل من شأن هذه الأطروحة والاستخفاف بفلسفتها. وقد ساهمت حقبة فكرية غير ناضجة في قلب صورة الحدث الإسلامي، وراحت تزاحم مبتنيات تركيبة العقل المسلم، الذي درج على مرتكزات الخلافة، والتي عنونتها أدبيات الفكر المعصومي على إنها خلافة نبوه. وجاهدت مبتنيات سياسية غير رشيدة أن تعنونها على أنها خلافة ملك قيصري، أو أبهة كسروية، وبين هذين العنوانيين حفلت مطولات التاريخ الإسلامي بـ(لائحة من التبريرات) يتكفلها الكاتب التقليدي ليلزم بها القارئ المتطلع إلى قراءة الحدث الإسلامي بموضوعية وواقعية، وهيأت هذه الحقبة الفكرية للكاتب الإسلامي أن يكون مجرد سارد قصصي يحاكي في نقل التاريخ قصص ألف ليلة وليلة، ليسرد الحدث الإسلامي هكذا دون تحليل، أو إذا أحسن التدبير فانه لا يكون سوى مخرج لدراما قصصية يتفكه بها القارئ ليضيفها إلى دائرة ترفه الأدبي. أثقلت الحقبة الأموية كاهل التاريخ الإسلامي بخروقات يرتكبها الخليفة الأموي، ليطلب بعد ذلك من (كتابالبلاط) أن يؤرخوا شخصية الإسلامية على أنها أسهمت في تطوير المفهوم الإسلامي، وإعلاء كلمة اللّه في ظل حكمه. لم يكن هذا التحرك الفكري ينطلق من فراغ، بل كان على أنقاض سياسة ما بعد الرسول (صلى الله عليه وآله)، والتي فتحت أبواب (التبرير السياسي) واستخدام (مصطلحات الاعتذار)، فمن محاولة إطفاء نائرة الفتنة التي توجسها كادر السقيفة، كانت أهم أطروحة تبريرية سياسية لم تلق نجاحا ملحوظا، حتى محاولات استخدام اصطلاحات اعتذارية، كالإجماع، وأهل الحل والعقد، واقل ما يقال أنها محاولات مرتبكة أخفقت في مجال التطبيق الميداني. هذه السياسة استخدمها الأمويون، ولهج في تطويرها منظروهم من (كتاب البلاط)، فقدموا صيغا تبريرية جاهزة يستخدمها البلاط حتى ما بعد حياة الخليفة الأموي، فمن اللهو والعبث الذي قرره (كتاب البلاط) على انه تقدم رائع في مجال الفن الإسلامي، وصورة من صور تواضع الخلافة، إلى الترف والبذخ داخل البلاط، الذي عبروا عنه انه قمة الكرم والسخاء، ومن البطش والجبروت الذي امتاز به آل أمية، فصوروه بأنه البأس والشجاعة في ذات اللّه وعزة الدولة الإسلامية، إلى حالات الإخفاق الفكري والثقافي، فكان في منظوره حالة من حالات الوعي الفكري والنضوج الثقافي. لم تتوقف حالات الخرق الفكري هذه عند بني أمية فحسب، بل تابعهم على ذلك بنو العباس، وافتتحوا عهد حكمهم بأهم شعار تبريري رفعوه كلافته ثورية تنادي (بالرضا من آل محمد (صلى الله عليه وآله))، وأكدوا على ذلك في جميع أدبياتهم حتى بدأت شعاراتهم تتهاوى إبان عهد خليفتهم السفاح الذي قرر مشروع ملاحقة آل علي والتضييق عليهم، وأكد ذلك المنصور، وطوره الرشيد، وتبعه الباقون. وإذا أردنا دراسة هذه الحقب الحاكمية ومعرفة ما أثقلته من خروقات شرعية وفكرية وثقافية على المفهوم الإسلامي، فان دراسة تقليدية لم تكن لتقدم المطلوب، بل محاولة دراسة (التاريخ المقارن) بين قائمتين من مدرستي النزاع كفيلة بان تقدم الرواية الإسلامية الواعية.
فدراسة قائمة خلفاء مدرسة النص المتمثله بآل البيت النبوي عليهم صلوات اللّه، وما صاحبها من قراءة سيرة الأئمة الأطهار الذين مثلوا الورع والتقوى والهدى والخير والصلاح، كفيله بان تكشف خروقات قائمة خلفاء مدرسة الإجماع، وهو كما ترى فضح (للتاريخ التبريري) الذي درج عليه البعض من الكتاب، وإسقاط لجميعالمرتكزات المغلوطة في أذهان الأمة، من أن الخليفة ملك كسروي، أو أمير قيصري، بل أن الخلافة وراثة نبوه، وحمل رسالة، وعيبه وحي السماء. الخاتمة:
وعليه ليس اشتهار هذا السرداب بسرداب الغيبة لان الحجة (عليه السلام) غاب فيه كما زعمه البعض من يجهل التاريخ ، بل لان بعض الأولياء تشرف بخدمته وحيث انه مبيت الثلاثة من الأئمة ومعبدهم طوال المدة، كما حظى فيه عدة من الصلحاء بلقائه صار من البقاع المتبركة فينبغي إتيانه بخضوع وحضور قلب والوقوف على الباب والدعاء. وإن الامامية تعتقد أن الحجة اسمه يطابق اسم رسول الله، وكنيته كنيته وشمائله شمائله، وقد ولد في سر من رأى في 15 من شعبان سنة 256 هـ … فلما توفى أبوه غاب عن الأنظار لا انه دخل في السرداب وأمه تنظر إليه كما توجد هذه العبارات في بعض كتب العامة وان الشيعة الامامية براء من هذه المعتقدات التي يلصقها بهم من أراد الحط من كرامة مذهبهم. لقد أجمعت الفرقة الناجية على هذا الرأي الحسن الذي يعتري من الخرافات والخزعبلات الواهنة.
والقدسية التي نعقدها ما هي إلا ارتباط روحي ووجداني مع اثر من آثار ثلاثة أئمة من أئمة المسلمين في مكان واحد.
أوردت كتب التاريخ في عصر قتل الإمام الحسين (عليه السلام) قضية في غاية الغرابة.
فعندما حمل راس الحسين (عليه السلام) على أسنة الرماح وطافوا به البلدان والأقطار مروا براهب مسيحي يتعبد في صومعته. أناخوا الرحال قليلا ليستريحوا من عناء السفر فسألهم الراهب: رأس من هذا فقالوا: له رأس الحسين بن فاطمة بنت محمد فسكت قليلا ثم أعاد الراهب السؤال مرة أخرى: رأس من هذا؟ فقالوا له هو رأس الحسين بن فاطمة بنت محمد. ثم أعاد نفس السؤال عليهم مرة ثالثة مما أثار غضبهم. تعجب الراهب من عملهم واستنكر عليهم فعلتهم المشينة فقال لهم: هذا ابن بنت نبيكم قتلتموه وسلبتم أهل بيته وعياله ونحن لم نجد ما نتقرب به إلى الله فنصبنا معبدا لحافر حمار نبينا المسيح نتبرك به ليقربنا إلى الله زلفا. فاسلم الراهب ببركة رأس الحسين (عليه السلام) بعد أن حمل عليهم وأثقل القول فيهم. فهل يصح أن نلام ونحن نتتبع آثار العترة الطاهرة ونبحث عن بركاتهم وكل ما يتصل بهم مهما كانت ظروف تلك الموجودات وطبائعها الكونية.
قطعا لا … إن التجاذب الروحي وعنصر العاطفة الذي يتأجج مع اقتراب المحبوب من حبيبه هو أساس السلوكيات التي نسلكها مع تلك الآثار الطيبة كتعبير على مدى الحب المتفجر من جوانب المحبين والموالين للائمة (عليهم السلام).
رمز الخبر: 349992
٢١ يوليو ٢٠١٧ - ٠٠:٣٠
- الطباعة
وكالة الحوزة ـ هناك سؤال يطرح: كيف يمكن الاجابة عن الشبهات المثارة حول مسألة السرداب؟ وقد جاء الرد على هذا السؤال في الموقع الالكتروني لمركز الابحاث العقائدية الذي يشرف عليه مكتب المرجع الديني السيد علي الحسيني السيستاني.