ألقى آية الله عليرضا أعرافي خطبته في صلاة الجمعة الموافق 11 أبريل 2025 م في مصلى قدس بمدينة قم، وقال: "نعيش أيامًا حساسة، وصلاة الجمعة كانت دائمًا حصناً منيعاً للثورة، ورمزاً لعزة وشموخ إيران، وحاضرة دوماً في ميدان الدفاع عن القيم الإلهية، ومبادئ الثورة الإسلامية، والشعب".
وأضاف: "يجب أن نتنبه ولا ننسى ما دبره المستكبرون على مدى قرون لإيران، والعالم الإسلامي، والمشرق. لقد رسموا مسارين، إما أن تستسلم الشعوب وتتحول إلى شعوب تابعة وضعيفة تتحرك وفق منطق الغرب المادي، أو أن تصبح أرضها محروقة ودولها منهارة". وأشار إلى أن روح الاستكبار لا تقبل إلا أحد هذين المسارين للعالم، لا سيما للعالم الإسلامي، وتابع: "لكن الثورة الإسلامية غيرت هذا المنطق الغربي بعد قرون من الخنوع، ودعت الشعوب إلى التحرر من مسارات الذل والدونية".
وتابع قائلاً: "لقد قدّمت الثورة الإسلامية طريقاً ثالثاً يدعو إلى أن نكون شجعاناً، أعزاء، حكماء، وثابتين. وقد سلك الشعب الإيراني هذا الدرب، واليوم يحاول الجميع تهميش هذا المسار وهذه الرسالة الجديدة التي أطلقتها الثورة للعالم، والتي جعلت من الكرامة والمقاومة عنوانًا لها". الشعب الإيراني لا يتراجع
وأكد مدير الحوزات العلمية: "اليوم، إذ نقتدي بالشهداء الأبرار، والإمام الراحل، وننصاع لقيادة الثورة، نقولها بوضوح: لن نكون أبقاراً حلوباً، ولن نرضى بأن نكون أرضاً محروقة، بل سندافع عن عزة إيران والعالم الإسلامي بالحكمة، والثبات، والشجاعة، والبسالة، وسنثبت أن خطاب الثورة الإسلامية لن يتراجع عن هذا المسار المضيء".
وشدد: "لن يأتي اليوم الذي يتراجع فيه شعب صمد نصف قرن دفاعاً عن مبادئه. فالتاريخ حاضر أمامنا، يُظهر كيف سُلبت أجزاء من أرضنا بسبب ضعف الحكّام، وضاعت كرامتنا".
وأضاف: "تجربة الدفاع المقدس المضيئة، بما يزيد عن 200 ألف شهيد، ماثلة أمامنا، حيث لم يسمح هذا الشعب البطل أن يُفقد شبراً من تراب الوطن أو يُنتقص من كرامته الإسلامية". على الشباب أن يتعلموا من الماضي ودعا الشباب
قائلاً: "اعلموا أن أسلافكم، من المجاهدين والشهداء، صبروا وصمدوا، وحافظوا على شرف إيران والإسلام والثورة الإسلامية. وهذه الدروس لا تزال صالحة ليومنا هذا. فمن أراد الثبات في وجه الأعداء، فعليه أن يتمسك بهذه القيم".
وشدد على أن "مطالب الشعب الإيراني تتعلق بالكرامة والعزة، ويجب أن تنطلق كل خطوة من موقع المبادرة والشجاعة والثبات، لا من منطلق التبعية أو الحاجة أو الطمع تجاه الآخرين".
ضرورة الحفاظ على الاستعداد العسكري وأشار إلى ضرورة "الحفاظ على الجهوزية القتالية"،
قائلاً: "الضعف محظور، والنوم غفلةٌ مؤذيةٌ لمستقبل الكرامة. ينبغي أن يكون التقدم العلمي والتكنولوجي، في المجالات النووية وغيرها، وحل مشاكل الناس، من أولويات المسؤولين".
وحذر من جعل التفاوض قضية مثيرة للانقسام قائلاً: "لا ينبغي أن تتحول البلاد إلى رهينة التفاوض أو التبعية للخارج. على الجميع أن يعمل وفق الأطر التي رسمها قائد الثورة. لا يجوز فرض شيء أو الزيادة أو النقصان عنه".
وأكد عضو مجلس خبراء القيادة على خطورة "الحرب الإدراكية" التي يشنها العدو قائلاً: "يسعى الأعداء لتجريد جيل اليوم من الإيمان، والثقة بالنفس، والأمل. لكن على هذا الجيل أن يكون في طليعة التحركات الكبرى".
وقال: "المقاومة النبيلة قد تعرضت لصدمات، ولكن لا يظننّ الأعداء أن خيوطها قد تقطعت، أو أن بركانها قد خمد. فبركان المقاومة ما زال حياً في قلوب المؤمنين، ولن يخبو". وتابع: "الأنظمة الإسلامية جلبت لنفسها عاراً عظيماً، إذ أن حكاماً جبناء، خائفين وتابعين، أصبحوا وصمة عار.
لقد قُتل أكثر من 50 ألف شخص. وويلٌ لكم على صمتكم! أمة قوامها نحو ملياري مسلم، تملك طاقات هائلة، تقف متفرجة على تمزيق أطفال فلسطين وغزة. ولكن فليعلموا أن في قلوب المؤمنين اشتعال الجهاد، والإيمان بالمقاومة، وبركان الغضب الإسلامي، الذي سيمزق وثيقة الظلم".
وقال في ختام هذه المحور: "الشعب الإيراني سيسير على درب الإمام والشهداء، درب بناء الوطن، والتقدم، وتجاوز قمم العلم، مع الحفاظ على القيم الإلهية، والحجاب والعفاف، وسيظل حاضراً في ميدان الدفاع عن المستضعفين، يهتف: إنا على العهد".
و أشار إلى أن "النظام العبادي في الإسلام، وكذلك في مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وإن كان يشترك مع الأديان والمذاهب الأخرى في بعض الأمور، إلا أنه يتميز عنها أيضاً". وأوضح أن "العبادة هي جوهر الثقافة الإسلامية، وتلقي بظلالها على جميع أبعاد حياة الإنسان المسلم. فالفرد المسلم تتجلى في شخصيته وثقافته الفردية والاجتماعية مظاهر التواضع، والثناء، وعبادة الله".
وتابع: "كما يجتهد الإنسان المسلم في تحقيق العبودية الفردية لله، ينبغي عليه كذلك نشر منطق وثقافة العبودية لله في بيته ومجتمعه". وأردف: "منطق الإسلام يؤكد أن نجعل العبادة محوراً في بناء الذات، وأن تكون دوافعنا وسلوكياتنا منطلقة من عبوديتنا لله، ويجب أيضاً أن تتحول هذه العبودية إلى منطق وخطاب اجتماعي"
واكد إلى أن "أولى مسؤولياتنا التربوية تجاه المجتمع تبدأ من البيت، ويجب علينا أن نرسّخ منطق الله في الأسرة، وخاصة لدى الأبناء والأجيال الناشئة، إذ لا يرى الإسلام أي إنسان كجزيرة منفصلة عن محيط الأسرة والمجتمع". وقال: "البيت هو الخلية الأساسية في المجتمع، ومنه تنطلق التربية العقائدية، والعبادية، والأخلاقية، والدينية. ومنطق القرآن يؤكد أن مسؤولية الوالدين لا تقتصر على التربية الجسدية أو العلمية أو الاقتصادية، بل تشمل التربية السلوكية، والأخلاقية، والعقائدية، وهذه جوانب أساسية يجب متابعتها داخل الأسرة".
وتابع عضو مجلس خبراء القيادة: "الوالدان هما راية التربية الشاملة، ويجب أن يهتما بجميع أبعاد حياة أبنائهم. فالأبناء أمانة إلهية، ولهم أبعاد متعددة، وعلى الوالدين أن يكونا راعين لها كلها".
وقال: "إن التربية العبادية وتوجيه الإنسان نحو مركز الوجود هو روح التربية الإسلامية. القرآن الكريم عرض لنا قصص أنبياء كإبراهيم، ونوح، وإسماعيل، ويعقوب، ولقمان... وجميعهم أكدوا هذا المعنى".
مشيرا إلى دعاء النبي إبراهيم: «رَبِّ اجْعَلْنِی مُقِیمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّیَّتِی»، قائلاً: "رغم أن إبراهيم لم يكن قد رزق بالولد بعد، إلا أنه دعا من أجل صلاح ذريته". وتابع: "وقال في موضع آخر: «رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَیْنِ لَکَ وَمِنْ ذُرِّیَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَکَ». فهو كان ينظر إلى المستقبل، ويدعو بأن تكون ذريته أمة تقيم الصلاة، ويبرز من بينهم قائد يرشدهم إلى عبودية الله".
وختم قائلاً: "رسالة الوالدين تجاه الأجيال القادمة تبدأ بالنفقة المادية، وتنتهي بالرعاية الروحية. والآية «یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَکُمْ وَأَهْلِیکُمْ نَارًا» هي من أعظم آيات التربية، فهي تأمر بأن نقي أنفسنا وأهلينا من نار جهنم، كما نقي أنفسنا منها".
تعليقك