وكالة أنباء الحوزة - القى السيد عباس عراقجي، وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كلمة في الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي لمناقشة الاعتداءات والجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني.
وفي ما يلي نص الكلمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
معالي السيد إبراهيم طه، الأمين العام المحترم لمنظمة التعاون الإسلامي،
معالي السيد لوجون أمبلا، رئيس الاجتماع الموقر (وزير خارجية الكاميرون)،
أصحاب المعالي الوزراء،
في البداية، أود أن أعرب عن شكري الجزيل للأمين العام المحترم على عقد هذا الاجتماع في هذه الظروف الحساسة. كما أتقدم بوافر التقدير للمملكة العربية السعودية على استضافة هذا الاجتماع. إن اجتماعنا اليوم يُعقد في ظل أوضاع عصيبة، حيث يعاني سكان غزة من آلام لا توصف جراء ستة عشر شهرا من الإبادة الجماعية.
إن الوضع في فلسطين، ولا سيما في قطاع غزة، يبعث على قلق عميق. فهذه الأزمة ليست مجرد كارثة إنسانية، بل هي تجسيد صارخ لظلم تاريخي عميق بحق شعبٍ حُرم بشكل ممنهج، وعلى مدى أكثر من سبعة عقود، من حقوقه الأساسية وكرامته الإنسانية، وتعرض لاعتداءات واحتلال وحشي.
لقد تجرأ الكيان الصهيوني، بفضل الدعم المطلق وغير المشروط من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين، على ارتكاب جرائم لا يمكن تصورها، حيث ارتكب سلسلة من أفظع الجرائم الدولية، بما في ذلك جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والتطهير العرقي، والتمييز العنصري، والإبادة الجماعية. ومع الأسف، لا يزال هذا الكيان يفلت من العقاب، ويتجنب عواقب أفعاله رغم انتهاكه الصارخ للقوانين الدولية.
الزملاء الكرام،
إننا نرفض وندين بشدة الخطة الأخيرة التي طرحتها الحكومة الأمريكية بشأن التهجير القسري لسكان غزة وفرض سيطرة الحكومة الأمريكية على الأراضي الفلسطينية، باعتبارها انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة. كما نؤكد أن أي إجراء يهدف إلى تغيير التركيبة السكانية والثقافية لفلسطين المحتلة أمر غير مقبول ويتناقض مع مبادئ العدالة والقانون الدولي. وتعرب إيران كذلك عن قلقها العميق إزاء التداعيات السياسية والإنسانية لمثل هذه الإجراءات على المنطقة والعالم. فهذه المخططات لا تؤدي إلا إلى تعميق معاناة الجيل الحالي، وتضمن استمرار المآسي للأجيال القادمة.
إن التطورات في غزة تكشف بوضوح عن تواطؤ الولايات المتحدة في الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني. وللأسف، اختارت الولايات المتحدة مجددًا تجاهل الأسباب الجذرية للأزمة في غزة، والاستمرار في تحالفها الاستراتيجي مع إسرائيل على حساب انتهاك المبادئ الأساسية للعدالة وحقوق الإنسان. فمن خلال دعمها العسكري والمالي والدبلوماسي لإسرائيل، تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية مباشرة عن جميع جرائم الحرب المستمرة ضد الشعب الفلسطيني.
إن الفلسطينيين يتمتعون بحق أصيل وغير قابل للمساس في الدفاع عن أنفسهم ومقاومة الاحتلال والعدوان. وهذا الحق مُعترف به في القانون الدولي، ولا يحتاج إلى مصادقة من أي قوة خارجية. ومع ذلك، فإن معظم الدول الغربية لم تكتفِ بإنكار هذا الحق المشروع الذي تمتلكه فصائل المقاومة الفلسطينية للدفاع عن نفسها، بل قامت أيضًا بتبرير جرائم إسرائيل تحت ذريعة زائفة تُسمى "الدفاع عن النفس". ينبغي على المجتمع الدولي رفض هذه السرديات المضللة، والاعتراف بأن فصائل المقاومة الفلسطينية – التي نشأت لمواجهة الاحتلال والفصل العنصري والعدوان – هي جهات مشروعة وفقًا للقانون الدولي. وفي هذا السياق، فإن نفاق من يدّعون الدفاع عن حقوق الإنسان، والذين يمكّنون مجرمي الحرب، أمر مثير للقلق وغير مقبول على الإطلاق.
علاوة على ذلك، وبالنظر إلى التصريحات الإجرامية التي صدرت عن بعض المسؤولين السياسيين في الكيان الصهيوني، والتي تدعو إلى إبادة الفلسطينيين أو تقترح استهداف غزة بالقنابل النووية، فإنه يتوجب على المجتمع الدولي إجبار هذا الكيان – الذي يمتلك ترسانة ضخمة من أسلحة الدمار الشامل، بما في ذلك الأسلحة النووية – على الامتثال للمعاهدات الدولية الخاصة بنزع السلاح، والالتزام بمبادئ عدم الانتشار.
السيد الرئيس،
استنادًا إلى الجهود التي بذلتها منظمة التعاون الإسلامي سابقًا بشأن غزة، يجب أن يخرج هذا الاجتماع بخارطة طريق جريئة وشاملة تتناسب مع حجم الأزمة المتفاقمة في غزة. لقد حان الوقت لضمان أن تكون كلماتنا مصحوبة بإجراءات ملموسة.
نحن نؤمن بأن فرض عقوبات جماعية على الكيان الصهيوني هو إجراء عملي وفوري لا بد منه لإجباره على وقف جرائمه ضد الأبرياء في غزة وبقية شعوب المنطقة. وعلاوة على ذلك، ينبغي فرض عقوبات على جميع الشركات والمؤسسات التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ووقف أنشطتها، على الأقل في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي.
وفي هذا الصدد، يجب أن تُكلَّف الأمانة العامة بإعداد قائمة بهذه المؤسسات التي تعمل داخل الدول الأعضاء في المنظمة.
وفي الوقت نفسه، ومن أجل التأكيد على الرفض القاطع من قبل الدول الإسلامية لأي محاولات تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من أرض أجدادهم، يجب أن يتم تكليف مكتب منظمة التعاون الإسلامي في نيويورك بإعداد مشروع قرار يُدين ويرفض أي مخططات تهدف إلى ترحيل الفلسطينيين، وتقديمه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للنظر فيه واعتماده.
الأخوات والإخوة الأعزاء،
إن إرسال المساعدات الإنسانية العاجلة لتخفيف معاناة الفلسطينيين يجب أن يكون مصحوبًا بإطلاق حملة دولية لإعادة إعمار غزة، بقيادة منظمة التعاون الإسلامي، وذلك لضمان تمويل إعادة بناء المنازل والمستشفيات والبنية التحتية الأساسية في القطاع. كما أن تنفيذ برنامج لإعادة الإعمار الاقتصادي في فلسطين، وخاصة في غزة، سيساهم في تحقيق العودة الكريمة وغير المشروطة لجميع اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم.
وفي ظل استمرار تمرد الكيان الإسرائيلي على ميثاق الأمم المتحدة، وإعلانه الأمين العام للأمم المتحدة "شخصًا غير مرغوب فيه"، وعرقلته التامة لأنشطة "الأونروا"، إضافةً إلى الواقع المؤسف المتمثل في مقتل المئات من موظفي الأمم المتحدة في فلسطين، فإنه من الضروري مواصلة جهودنا لطرد الكيان الإسرائيلي من منظومة الأمم المتحدة. إن هذا الكيان، بوصفه نظام الفصل العنصري الوحيد في القرن الحادي والعشرين، والذي يعمل بشكل ممنهج على تقويض القانون الدولي، وتجاهل قرارات الأمم المتحدة، وارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية وتطهير عرقي، لا ينبغي أن يتمتع بأي شرعية داخل هذه المنظمة الدولية. كما يجب علينا دعم جميع المبادرات، داخل وخارج إطار الأمم المتحدة، التي تسعى إلى محاسبة الكيان الإسرائيلي على جرائمه.
وفي الختام، فإن إنشاء "يوم دولي لإحياء ذكرى ضحايا غزة" يمكن أن يكون بمثابة تذكير قوي بمعاناة سكان القطاع، وضمان عدم تجاهل أو نسيان الجرائم التي ارتكبها الاحتلال بحقهم. إن تخصيص مثل هذا اليوم سيخلد ذكرى الضحايا، ويبقي معاناة غزة حاضرة في الضمير الإنساني والوجدان العالمي.
السيد الرئيس،
إن الدعم المطلق والثابت من قبل حكومة وشعب الجمهورية الإسلامية الإيرانية لفلسطين أمر لا يقبل الشك، وسيظل التزامنا الراسخ تجاه القضية الفلسطينية ثابتًا في جميع الظروف. إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تدعم مشروع القرار الصادر عن هذا الاجتماع، ومع ذلك، ومن دون المساس بالتزامنا المذكور، أود تسجيل تحفظات بلادي على بعض بنود القرار، على النحو التالي، مع تقديم التفاصيل لاحقًا إلى الأمانة العامة.
1- مع احترامنا لرؤية بعض الدول الصديقة بشأن حل الدولتين، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تزال تؤمن بأن هذا الحل لن يحقق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. نحن نرى أن الحل الوحيد المقبول هو إقامة دولة ديمقراطية تمثل جميع السكان الأصليين لفلسطين. بناءً على ذلك، فإننا نتحفظ على جميع البنود الواردة في هذا القرار التي تشير إلى مفهوم حل الدولتين.
2- بالإضافة إلى ذلك، فإن موافقتنا على هذا النص لا يجوز تفسيرها، ضمنيًا أو صراحةً، على أنها اعتراف بالكيان الصهيوني بأي شكل من الأشكال.
3- وكما هو حال جميع الشعوب المحبة للسلام، فإن الشعب الفلسطيني يستحق جميع الوسائل اللازمة لممارسة حقه غير القابل للتصرف في تقرير مصيره وتحرير نفسه من الاحتلال الاستعماري الأجنبي. وبالنظر إلى الطبيعة الوحشية لقوات الاحتلال الإسرائيلي، لا ينبغي لأي شيء أن يقيد هذا الحق. ووفقًا للقانون الدولي، فإن من واجبنا دعم هذا الحق المشروع. كما نؤكد مبدئيًا دعمنا لأي اتفاق وطني فلسطيني يتم التوصل إليه بإرادة الشعب الفلسطيني نفسه.
وفي الختام، آمل بصدق أن يكون هذا الاجتماع القيّم مصدر إلهام للمجتمع الدولي لاتخاذ خطوات جادة وملموسة لتحقيق العدالة والسلام للشعب الفلسطيني. كما أتمنى أن يشكل هذا اللقاء تجديدًا للعهد تجاه قضيتهم العادلة.
شكرًا لكم.
المصدر: العالم
تعليقك