بحسب ما نقلت وكالة أنباء الحوزة سماحة آية الله مكارم الشيرازي في مقالة له حول موضوع "المهدوية"، أشار إلى هذه المسألة قائلاً:
السؤال:
هل الاعتقاد بظهور المهدي (عجل الله تعالى فرجه) عقيدة إسلامية أصيلة أم أنها مجرد فكرة دخيلة و تخديرية جاءت كرد فعل على أوضاع المسلمين المتدهورة؟
الجواب الإجمالي:
يرى بعض المستشرقين أن الإيمان بوجود مصلح عالمي كبير نشأ كرد فعل على الأوضاع الصعبة التي عاشها المسلمون في الفترات المظلمة من التاريخ. كما يعتقد بعض الباحثين الشرقيين والإسلاميين المتأثرين بالفكر الغربي أن الإيمان بـ"المهدي" والمصلح العالمي هو "فكرة مستوردة" مأخوذة من العقائد اليهودية والمسيحية. ولكن، في المصادر الإسلامية، لهذا الاعتقاد جذور إسلامية أصيلة.
الجواب التفصيلي:
هل فكرة ظهور مصلح عالمي هي مجرد ردّ فعل على الهزائم والإخفاقات؟ هل هي فكرة دخيلة على المجتمعات الإسلامية، أم أنها على العكس، تمتلك جذورًا عميقة في الفطرة البشرية وتنطلق من حب الإنسان للكمال؟ ألا يدل وجود هذا الشوق في فطرة الإنسان على وجود محبوب منتظر بالفعل؟
مع أن بعض المستشرقين يصرّون على أن الإيمان بوجود مصلح عالمي كبير هو "ردّ فعل" على الأوضاع المتدهورة للمسلمين، و مع أن بعض الباحثين الشرقيين و الإسلاميين المتأثرين بالفكر الغربي يروّجون لهذه النظرة، بل و يصرّون على اعتبار الإيمان بوجود "المهدي" (عجل الله تعالى فرجه) فكرة "مستوردة" من العقائد اليهودية و المسيحية، و مع أن بعض علماء الاجتماع الماديين يحاولون تفسير مسألة انتظار المهدي (عج) على أنها ذات جذور اقتصادية و مجرد وسيلة "لتخدير الشعوب المستضعفة"، فإن الحقيقة التي يجب الالتفات إليها هي أن هذا الاعتقاد يمتلك جذورًا فطرية متأصلة في أعماق الوجدان الإنساني، فضلًا عن كونه عقيدة إسلامية أصيلة وردت في أهم المصادر الإسلامية.
و ربما كانت الدراسات المحدودة لبعض هؤلاء الباحثين من جهة، و الرغبة في تقديم تفسيرات مادية لكل فكرة و معتقد ديني من جهة أخرى، هي التي أدت إلى ظهور مثل هذه الأفكار. و من المثير للاهتمام أن بعض الباحثين الغربيين، مثل "مارقلی یوت"، أنكروا الأحاديث الإسلامية المتعلقة بالمهدي (عج)(۱) و زعموا أنه لا يوجد دليل مقنع على أن النبي محمد (صلى الله عليه وآله) اعتبر ظهور المهدي أمرًا ضروريًا لإحياء الإسلام و تقويته. و يعتقدون أن الفوضى و الاضطرابات التي شهدها العالم الإسلامي بعد وفاة النبي (ص) أدت إلى تبنّي فكرة "المنقذ" من اليهودية و المسيحية، حيث يؤمن أتباعهما بعودة المسيح المنتظر.(۲)
لكن، من غير الواضح أي مصادر إسلامية درسها "مارقلی یوت" حتى لم يجد فيها ما يقنعه، في حين أن أهم المصادر السنية و الشيعية تحوي أحاديث صريحة حول ظهور المهدي (عج)، و هذه الأحاديث بلغت حد التواتر.
كيف يمكن تفسير أن جميع العلماء و الباحثين المسلمين تقريبًا، باستثناء قلة نادرة مثل "ابن خلدون" الذي أبدى تشكيكًا في أحاديث المهدي في مقدمة تاريخه، يؤمنون بصدور هذه الأحاديث عن النبي (صلى الله عليه وآله)، في حين أن "مارقلی یوت" وحده لم يتمكن من الاقتناع بها؟ هذه مسألة يجب أن يجيب عنها هو نفسه.
من جهة أخرى، هناك من يقول: لا يهمنا أصل الفكرة أو دوافعها، بل نهتم بآثارها. فالبعض يرى أن هذا الاعتقاد يدفع الناس إلى تحمل الآلام و الظلم، و الرضا بالواقع السيّئ، و الهروب من المسؤوليات الاجتماعية. كما يزعمون أن انتظار المهدي يغرق الشعوب المضطهدة في عالم من الأحلام، و يبعدهم عن مواجهة الواقع، و يشجع على الكسل و التقاعس عن تحمل المسؤوليات الاجتماعية.
و بعبارة أخرى، من وجهة نظر فردية، يعتبرونه عاملاً للجمود و التوقف، و من وجهة نظر اجتماعية، وسيلة لإخماد الحركات المناهضة للاستعمار.
و على كل حال، فإن أثره السلبي واضح! (۳)
الهوامش:
(۱) مقدمة في القيادة، صاحب الزماني، ناصر الدين، عطائي، طهران، ۱۳۴۵ هـ ش، الطبعة الأولى، ص ۲۰۱.
(۲) بحار الأنوار، المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي، تحقيق وتصحيح: مجموعة من الباحثين، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ۱۴۰۳ هـ ق، الطبعة الثانية، ج ۵۱، ص ۹۲.
(۳) مقتبس من كتاب: مسألة الانتظار، مكارم الشيرازي، ناصر، مطبوعات هدف، قم، بدون تاريخ، ص ۳ و ۴.
تعليقك