وكالة أنباء الحوزة - أشارت دار الإفتاء الى ان العلماء قد استقروا على أن قبور الأولياء والصالحين من المواضع المُشَرَّفة والمباركة التي تعود بركتها على الداعي فيها؛ فيكون ذلك أرجى للدعاء، وأقرب للقبول.
حكم الدعاء عند قبور أولياء الله الصالحين
قرَّر العلماء أنَّ قبور الصالحين مواضعٌ مباركة يُستَجاب عندها الدعاء؛ فإنَّ قبور أهل الجنة روضات من رياض الجنة؛ إذ يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الْقَبْرُ إِمَّا رَوْضَةٌ مِن رِيَاضِ الْجنَّةِ، أَو حُفْرَةٌ مِن حُفَرِ النَّارِ» أخرجه الترمذي في "السنن" من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، والطبراني في "المعجم الأوسط" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وابن أبي الدنيا في "القبور" والبيهقي في "إثبات عذاب القبر" من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
وروى الحافظ أبو موسى المديني في "اللطائف من علوم المعارف" (رقم: 306) عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه قال: [قبورُ العِبَادِ مِن أهل السُّنَّة روضةٌ مِن رياض الجنة] اهـ.
أقوال العلماء في حكم الدعاء عند قبور أولياء الله الصالحين
قبور الصالحين تتنزل عليها البركة والصلاة من الله تعالى في كل آنٍ؛ فإنه لا يخلو زمان من عبدٍ يُصلي داعيًا في صلاته بحصول الصلاة والبركة على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كما في الصلاة الإبراهيمية، وهذا يقتضي تجدّد الصلوات والبركات والرحمات على أضرحتهم وقبورهم في كل لحظة وحين؛ فهم موضع نظر الله تعالى، ومَن نالهم بسوء أو أذًى فقد تعرَّض لحرب الله عز وجل؛ كما جاء في الحديث القدسي: «مَن عادى لي وَلِيًّا فقد آذَنتُهُ بالحَربِ» رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
قال العلامة الشوكاني في "تحفة الذاكرين" (1/ 71-72، ط. دار القلم): [فصل فِي أَمَاكِن الْإِجَابَة وَهِي الْمَوَاضِع المُبَارَكَة. (قوله: وهي المواضع المباركة) أقول: وجه ذلك أنه يكون في هذه المواضع المباركة مزيد اختصاص؛ فقد يكون ما لها من الشرف والبركة مقتضيًا لعود بركتها على الداعي فيها وفضل الله واسع وعطاؤه جمٌّ، وقد تقدم حديث: «هُمُ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ»؛ فجعل جليس أولئك القوم مثلهم مع أنه ليس منهم، وإنما عادت عليه بركتهم فصار كواحد منهم، فلا يبعد أن تكون المواضع المباركة هكذا فيصير الكائن فيها الداعي لربه عندها مشمولًا بالبركة التي جعلها الله فيها؛ فلا يشقى حينئذٍ بعدم قبول دعائه] اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (7/ 388، ط. دائرة المعارف النظامية): [قال الحاكم في "تاريخ نيسابور": سمعت أبا بكر محمد بن المؤمل يقول: خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة مع جماعة من مشايخنا، وهم إذ ذاك متوافرون إلى زيارة قبر علي بن موسى الرضا بطوس، قال: فرأيت من تعظيمه، يعني ابن خزيمة، لتلك البقعة وتواضعه لها وتضرعه عندها ما تحيرنا] اهـ.
وروى الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (1/ 445، ط. دار الغرب الإسلامي): [عن إبراهيم الحربي أحد أئمة الحديث أنه قال: قبر معروف -يعني الكرخي- الترياق المجرب. وروى أيضًا عن المحاملي أحد أئمة الحديث أنه قال: أعرف قبر معروف الكرخي منذ سبعين سنة ما قصده مهموم إلا فرج الله همه] اهـ.
قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (9/ 343-344، ط. مؤسسة الرسالة): [وعن إبراهيم الحربي قال: قبر معروف الترياق المجرب، يريد إجابة دعاء المضطر عنده؛ لأن البقاع المباركة يستجاب عندها الدعاء] اهـ.
وقال ابن حبان في "الثقات" (8/ 457، ط. دائرة المعارف العثمانية) في ترجمة علي بن موسى الرضا: [وقبره بسناباذ خارج النوقان مشهور يزار بجنب قبر الرشيد قد زرته مرارًا كثيرة، وما حلت بي شدة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر علي بن موسى الرضا صلوات الله على جده وعليه ودعوت الله إزالتها عني إلا استجيب لي وزالت عني تلك الشدة، وهذا شيء جربته مرارًا فوجدته كذلك] اهـ.
وفي كتاب "الحكايات المنثورة" للحافظ الضياء المقدسي الحنبلي بخطه وهو مخطوط محفوظ بالمكتبة الظاهرية تحت رقم (98 مجاميع): أنه سمع الحافظ عبد الغني المقدسي الحنبلي يقول: [إنه خرج في عضده شيء يشبه الدُّمَّل، فأعيته مداواتُه، ثم مسح به قبر أحمد بن حنبل فبرئ ولم يعد إليه] اهـ.
وقال نور الدين ملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (1/ 19، ط. دار الفكر) ما نصه: [قال شيخ مشايخنا علامة العلماء المتبحرين شمس الدين بن الجزري في مقدمة شرحه "للمصابيح": إني زرت قبره بنيسابور (يعني الإمام مسلم بن الحجاج القشيري) وقرأت بعض "صحيحه" على سبيل التيمن والتبرك عند قبره، ورأيت آثار البركة ورجاء الإجابة في تربته] اهـ.
والصلاة في المساجد التي بها أضرحة الأولياء والصالحين صحيحة ومشروعة، بل ومستحبة أيضًا، وذلك ثابت بالكتاب والسُّنَّة وفعل الصحابة وإجماع الأمة الفعلي. وأما حديث: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ والنَّصارى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنبِيائِهم مَساجِدَ» فمعناه السجود لها على وجه تعظيمها وعبادتها كما يسجد المشركون للأصنام والأوثان، يدل على هذا المعنى الرواية الصحيحة الأخرى للحديث عند ابن سعد في "الطبقات الكبرى" عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ: «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا، لَعَنَ اللهُ قَوْمًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»، فيكون المعنى: اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُسجَدُ له ويُعبَد كما سجد قومٌ لقبور أنبيائهم، وهو دعاء وخبرٌ وليس نهيًا.
المصدر: صدى البلد