۲ آذر ۱۴۰۳ |۲۰ جمادی‌الاول ۱۴۴۶ | Nov 22, 2024
«صلاح الدين المصري» رئيس الرابطة التونسية للتسامح

وكالة الحوزة - صرح «صلاح الدين المصري» رئيس الرابطة التونسية للتسامح: إن الحج بما يحتويه من اجتماع وحركة روحية وسياسية إنما هو رحمة مهداة من رب العالمين؛ ليحفظ الإسلام و الأمة الإسلامية.

وكالة أنباء الحوزة - قال «صلاح الدين المصري» رئيس الرابطة التونسية للتسامح خلال مقابلة مع مراسلنا: يعتبر الحج من أعظم العبادات الإسلامية من حيث الابعاد الروحية والاجتماعية والسياسية، وتحتوي هذه العبادة رمزيات متنوعة تجمع المسلمين وتجمع عامة المؤمنين بالله والذين يجمعهم أب الانبياء عليهم السلام مؤسس التوحيد ابراهيم عليه السلام، واستطاعت هذه العبادة أن تكون أحد الاجتماعات البشرية الكبرى التي يتجاوز عدد الحجيج ثلاثة ملايين، ويمكن ان يصل إلى أضعاف ذلك العدد لو فتحت الادارة المشرفة الباب أمام طلبات المسلمين من مختلف البلدان.

وفیما یلي نص المقابلة:

الحوزة: هذا العام، بعد انقطاع أعوام، سيوفّق بعض الحجاج مثل اليمنيين للمشاركة في حج التمتع. ما الدروس والعبر والرسائل في برامج العبادة ومناسك الحج لحياتنا اليوم؟

يعتبر الحج من أعظم العبادات الإسلامية من حيث الابعاد الروحية والاجتماعية والسياسية، وتحتوي هذه العبادة رمزيات متنوعة تجمع المسلمين وتجمع عامة المؤمنين بالله والذين يجمعهم أب الانبياء عليهم السلام مؤسس التوحيد ابراهيم عليه السلام، واستطاعت هذه العبادة أن تكون أحد الاجتماعات البشرية الكبرى التي يتجاوز عدد الحجيج ثلاثة ملايين، ويمكن ان يصل إلى أضعاف ذلك العدد لو فتحت الادارة المشرفة الباب أمام طلبات المسلمين من مختلف البلدان.
و هذه السنة تشهد عودة حجيج اليمن الذين تم حرمانهم بسبب العدوان السعودي الاماراتي من ٱداء هذا الركن الإسلامي ويعاني عشرات ٱلاف المسلمين من نفس ظاهرة الحرمان، ويحظى الحج بمكانة عظيمة في قلوب المؤمنين والمسلمين ومن المؤسف أن الإدارة المشرفة على هذه العبادة العظيمة عاجزة عن تحقيق أهدافه الكبرى، وتمارس في كثير من الأحيان سياسة العقاب الجماعي ضد الحجيج، فيتم التضييق على فئات معينة من المسلمين خوفا من بروز الأبعاد السياسية والجهادية والشعب اليمني المسلم كان ٱخر ضحايا هذه الإدارة العدوان السعودي الاماراتي على اليمن طيلة السبع سنوات الماضية تم حرمانهم من ٱداء الحج.
هذه السنة وبعد صعود أفق الحل والتفاوض وإمكانية الوصول إلى حل سياسي للأزمة وإيقاف العدوان السعودي فان اليمنيين يعودون إلى الحج ويمكن ان يكون الحج مناسبة إسلامية عالمية استثنائية في هذه السنة لتثبيت المصالحات العربية والإسلامية ولاستعادة بوصلة الأمة السياسية الشرعية من حيث واجب الوحدة في مواجهة مختلف التحديات ومن حيث واجب العمل على دعم المقاومة الفلسطينية لأجل تحرير المسجد الأقصى ومدينة القدس وفلسطين كاملة ومن حيث العمل الجماعي لأجل حفظ الثوابت الإسلامية في الأسرة والمجتمع فالحج بما هو إحياء ذكرى ابراهيم واسماعيل وهاجر يوجب على كل حاج أن يشارك في مسيرة تحطيم أصنام الشرك والظلم والجور، إن ميثاق ابراهيم عليه السلام إنما عهد الولاية لله والعدل وعهد الرفض والمقاومة لكل ظالم، " إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي؟ قال لا ينال عهدي الظالمين ".

الحوزة: الحفاظ على وحدة المسلمين من أهم تأكيدات الإمام الخميني - رحمة الله عليه - وقائد الثورة الإسلامية. يمكن للمجموعات العرقية والطوائف المختلفة والشيعة والسنة أن يحوّلوا الحج إلى ملتقى للوحدة ورمز للأمة الواحدة. أخبرنا عن أهمية هذه القضية. وما واجبات الحجاج والقيّمين على الحج في هذا الصدد؟

يعتبر الإمام الخميني رحمه الله من أكثر فقهاء المسلمين المعاصرين اهتماما بإحياء الصيغة المحمدية الروحية والاجتماعية والسياسية للعبادة الإسلامية، وقد عرفته الأمة الإسلامية قبل انتصار الثورة وبعده، ثابتا على نفس القيم الاسلامية في الدعوة إلى الوحدة والقيام الجماعي ضد الظالمين المعتدين ومنذ ستينات القرن الماضي كانت بياناته واضحة بمناسبة الحج وغيرها من المناسبات في التذكير بأن أمة المليار مسلم يجب أن تستعيد هويتها وكرامتها ورسالتها الالهية في الأرض. وتعتبر مسيرة البراءة من المشركين والظالمين والمستكبرين التي دعا الإمام الخميني إلى إنجازها أثناء مناسك الحج، خطوة في طريق الإصلاح الديني، وتجسيدا معاصرا لنداء القرآن الكريم الذي اعتبر الحج سببا أساسيا لجلب المنافع الكبرى للأمة الإسلامية، وأكبر المنافع هي الوحدة والتحرير.
إن اجتماع المسلمين في ظلال المسجد الحرام لا يكتمل دون تحرير المسجد الأقصى من الغدة السرطانية الصهيونية، وهل يستقيم الحج ويرتضيه المسلمون بينما يرزح الملايين من ابناء الأمة تحت سياط الفقر والمرض والجهل والاحتلال الظالم؟!
لقد أراد الإمام الخميني رحمه الله أن يكون الحج الابراهيمي إحياء لروح الجهاد والكرامة وطهارة الروح من دنس الاستكبار العالمي وهزيمة النفس أمام مذلة حب الدنيا ومذلة الخوف من فراعنة الزمان ورغم ما تعرض له حجيج البيت الحرام، بيت الأمن والسلم، من اعتداءات متكررة راح ضحيتها مئات الشهداء وٱلاف الجرحى. فإن تصميم القيادة الإسلامية على حفظ الصيغة المحمدية الثابتة للحج استمرت والعزم لم يضعف ولم يصبه الوهن، " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ". إن الحج بما يحتويه من اجتماع وحركة روحية وسياسية إنما هو رحمة مهداة من رب العالمين؛ ليحفظ الإسلام والأمة الإسلامية.
و الإمام الخميني رحمه الله أوجز هذه المعاني في فقرة قصيرة من احد بياناته:
"' إن فريضة الحج التي هي "لبيك" بحق وهجرة إلى الله إنما هي بركة إبراهيم عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وآله وسلّم بمعنى لا لجميع الأصنام والطواغيت والشياطين وأبنائهم، وأي صنم أكبر من الشيطان الأكبر أمريكا ناهبة العالم.. إن إعلان البراءة من المشركين تعتبر من الأركان التوحيدية، والواجبات السياسية للحج، فحاشا أن يتحقق إخلاص الموحدين في جهنم بغير إظهار السخط على المشركين والمنافقين.." ورغم ان المدة التي يقضيها الحاج في تلك الأماكن الشريفة، قصيرة فيمكنها أن تغير الكثير في الفرد والأمة، ولا يمكن أن ينفصل الحج عن الأمة الإسلامية وعن قرب وصولها إلى لحظة القيام العالمي لأجل الحق والحقيقة.
و كل حاج يمكن أن يمر أمامه المشهد الانساني القادم الذي وصفه القرآن الكريم " إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس بدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا".
و الحج يرسم دين الله الذي يخاطب أولي الألباب والعقول، ويصنع حياة إيمانية تتناسب مع بيت الله والناس، حياة السلم والعدالة والأخوة والحرية الجوهرية وتحقق منافع للمستضعفين من الناس.

الحوزة: البراءة من المشركين وإعلان الاشمئزاز من المستكبرين من برامج الحج المهمة. ما أثر إعلان هذه البراءة في تنوير أذهان المسلمين؟

يمكننا الحديث عن أحد الأهداف الأساسية في المنهج الثوري الإسلامي الذي اعتمده الإمام الخميني رحمه الله وهو استعادة الرؤية التوحيدية العميقة والشاملة، وذلك في مواجهة الشرك والظلم الشامل والحج مناسبة إسلامية ميدانية عالمية تحمل في داخلها الرؤية التوحيدية وتجسدها في أرقى تجلياتها، لكن الحكام الظالمين بحكم طبيعتهم ووظيفتهم فإنهم انتزعوا الخصائص المعنوية الأساسية في الحج، وأفقدوه حقيقته وحافظوا على شكله فصار الحج عبادة فردية منعزلة عن الأمة الإسلامية وعن المسؤوليات الإسلامية وعملوا على فصله نهائيا عن السياسة الاسلامية وواجبات الأمة في مقاومة الظالمين والانتصار للمظلومين والمستضعفين، وعاش الحجيج حالة اغتراب تام عن حقيقة الحج، ويسمّي الإمام الخميني هذا الحج باسم " الحج الأمريكي ". فلا علاقة بين الحج الامريكي وبين أن يتابع الحاج معاناة المسلمين الفلسطينين على يد الكيان الغاصب .
الحج الامريكي وبين أهم قضية يشهدها العالم الإسلامي حاضراً في التحركات المشبوهة لقادة الدول الإسلاميّة الرامية إلى إقامة العلاقات مع الكيان المحتل وتسويق اتفاقات التطبيع مع العدو الصهيوني. إن مسيرة البراءة من المشركين الظالمين وفي مقدمتهم الغدة السرطانية الصهيونية والشيطان الأكبر الأمريكي، إنما تهدف إلى إحياء هذه الرؤية التوحيدية الشاملة.
حيث تأخذ عملية الإصلاح شكلا عمليا يتدرب فيه المسلم على المشاركة الفعلية والتفاعل الوجداني مع التغييرات الإيمانية التي أعدها الله للحاج، كما ان مسيرة البراءة والمقاومة تحتوي خطوة عملية في إعلان الانتماء إلى الأمة الإسلامية التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتجاوز جريمة اللامبالاة، حيث قال الله سبحانه، سورة فصلت 33: " ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ".
كما جاء في نداء الإمام الخميني في تعريف صرخة الحجيج التي تجمع بين الولاء والبراءة:
" إن صرختنا اليوم في إعلان البراءة من المشركين والكفار هي صرخة في وجه الظلم والاستبداد، هي صرخة الأمة التي فتكت فيها جرائم الشرق والغرب وعلى رأسهم أمريكا وأذنابها، ونهبت البيوت والأوطان والثروات، إنّ من فلسفة الحج أن يلبي صرخات الظلامة المنطلقة من فلسطين وأفريقيا وأفغانستان، بل يستجيب لكل المظلومين والمستضعفين في العالم، لأنّ الحج"قيام": ﴿جَعَلَ اللهُ الكَعبةَ البيتَ الحَرامَ قياماً لِلنّاس...﴾. ف"البيت الذي أُسس للقيام. وهذا القيام للناس لا بُدّ من الاجتماع فيه لهذا الهدف الكبير، وتعيين منافع الناس في تلك المواقف الشريفة".
هذا هو تقييم الإمام ونظرته إلى الحج، وليست منافع الناس أن يذهبوا هناك ويجلبوا البضائع، ويبتاعوا السلع الأمريكية التي حرّمها الإمام، وفي توضيحه للآية الكريمة: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ التي يبين فيها القرآن فلسفة الحج، يقول الإمام رحمه الله: " أيّ نفع أعلى وأسمى من أن تقطع أيدي جبابرة العالم والجائرين من التسلط على البلدان المظلومة، وتصبح ثرواتها العظيمة بأيدي أبنائها".
إن منهج الإصلاح والتغيير الذي يعتمده الإمام الخميني هو تفعيل القدرات المعنوية العظيمة الكامنة في الأمة الإسلامية وفي الإسلام المحمدي.

الحوزة: التأكيدات الأخرى لقادة الإسلامية الاستفادة المعنوية الحجاج من الحج وأنه يجب ألا ينخرطوا في أي عمل غير ضروري وبخاصة التسوّق. ما أهمية هذا التأكيد في الوضع الحالي؟

يؤكد السيد الخامنئي على أهمية التوجه نحو الأبعاد الروحية خلال رحلة الحج من بدايتها إلى نهايتها واذا كان بحق للحاج أن يقوم ببعض أعمال التسوق بعد التحلل، إلا أن استثمار وقت الحج كله في ٱداء العبادات وفي الطواف بالكعبة وزيارة مدينة الرسول الاكرم محمد صلى عليه وٱله والأماكن الشريفة المحيطة بمكة وبالمدينة، تعتبر ذات اولوية قصوى وتزيد في ارتباط الحاج برسالته، إن الحج بما هو ساحة العشق والفناء في الله يستوعب وجود الانسان واهتمامه وتصبح محبته للاخرين وهديته التي سيعود بها لهم عند اللقاء بهم بعد الحج هي دعاؤه لهم وصلاته لهم وما هداه لهم من تلاوة ٱيات عطرة عند المسجد الحرام، يمكننا أن نجعل الحج منطلقا حقيقيا للتغيير في حياة الأمة الإسلامية.

الحوزة: بالنظر إلى محدودية فرصة أيام الحج والإمكانات المعنوية الكبيرة المتاحة للحجاج، ما توصيتكم لهم؟

جاءت في كتاب الله العزيز وصية عظيمة لكل مسلم قصد القيام لأجل الله والطواف ببيت الله والسير على خطى رمز التوحيد والعدل ابراهيم عليه السلام: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾.

ارسال التعليق

You are replying to: .
captcha