وكالة أنباء الحوزة - بمناسبة الانتصار الإلهي الذي أنجزته المقاومة الإسلامية في لبنان على الكيان الصهيوني الغاصب في حرب تموز، وجّه سماحة قائد الثورة الإسلامية، الإمام الخامنئي، إلى سماحة الأمين العام لحزب الله في لبنان، السيد حسن نصر الله، في 16/8/2006، رسالةَ مباركةٍ جاء فيها: «أحيّيكم كما أوجّه التحيّة إلى سائر الإخوة وأبطال ساحات الجهاد وأقبل سواعدكم وأيديكم جميعاً».
هذا نص رسالة الإمام الخامنئي الكامل:
الأخ المجاهد والعزيز جدّاً،
سماحة السيّد حسن نصر الله، أدام الله عمره وعزّه وعافيته،
سلام عليكم بما صبرتم،
السّلام عليكم وعلى سائر الإخوة وعلى كلّ فرد من مجاهدي حزب الله.
ما أهديتموه إلى الأمة الإسلامية بجهادكم ومقاومتكم المنقطعة النّظير يفوق حدود وصفي. جهادكم الشّجاع والمظلوم الذي أفاض عليكم بالنّصر الإلهي أثبت مرّة أخرى ألا جدوى للأسلحة المتطورة والمميتة أمام الصّبر والإيمان والإخلاص، وأنّ الشعب الذي يتمتّع بالإيمان والجهاد لا يمكن أن تغلبه سطوة القوى الجائرة. لقد كان نصركم انتصاراً للإسلام. لقد استطعتم بحول وقوّة من الله إثبات أنّ القوّة العسكرية ليست منحصرة في العتاد والسلاح والطائرات والبوارج والدبابات، بل هي قوّة الإيمان والجهاد والتضحية المترافقة مع العقل والحكمة والتدبير. لقد فرضتم تفوّقكم العسكري على الكيان الصهيوني، ورسّختم تفوقكم المعنوي على مستوى المنطقة والعالم، وهزئتم بأسطورة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر وهيبته، وأظهرتم هشاشة الكيان الغاصب. لقد منحتم العزّة للشعوب العربية وأظهرتم للجميع على أرض الواقع قدراتهم التي كانت تنكرها الدعايات والسياسات الاستكبارية لعقود. ما حدث حجّة من الله على الحكومات والشعوب الإسلامية كافة خاصة تلك التي في منطقتنا. لقد كنتم مرّة أخرى مصداقاً لكلام القرآن النوراني: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13)} (آل عمران، 12-13).
أولو الأبصار هؤلاء هم التجمّعات المليونية والشباب الغيورون والمؤمنون في بلدان المنطقة، والسياسيون الصالحون، والحكام والقادة المستقلّون والحكماء.
لقد فضحت مظلوميّة جهادكم العدو، وأماطت اللثام عن صورته الحقيقيّة: قتل المدنيين دون رحمة، إغراق الأطفال الأبرياء والنّساء العزّل في بحر من الدماء، مجزرة قانا ومثيلاتها، تدمير الآلاف من البيوت وتشريد الآلاف من العائلات، تدمير البنى التحتية في مناطق حيويّة في لبنان... فجائع من هذا القبيل. كلها كشفت للجميع عن الوجه الحقيقي للحكام الأمريكيين وبعض الحكومات الأوروبية إلى جانب الصورة الكريهة والمنبوذة للكيان الصهيوني. لقد كشفت مدى تلوّث شعاراتهم المنافقة في مجال حقوق الإنسان والحرية والديموقراطية بالكذب والرّذالة والخداع. كشفت الفجائع والجرائم التي تُرتكب بحق المجتمع البشري عندما يكون حُكام البلاد أعداء للرحمة والشفقة والمنطق والصدق. إنّ تصريحات الرئيس الأمريكي الأخيرة حول كون جرائم الكيان الصهيوني «خطوات دفاعية» وادعاءاته المضحكة حول «انتصار إسرائيل» في حرب لبنان وضعت نموذجاً واضحاً لانعدام الرحمة هذا والشقاء وانعدام المنطق أمام أنظار الجميع. أما لبنان - وما أدراك ما لبنان! - فلقد تلألأ ببركة شعبه وهمته وشجاعته. لقد أخطأ العدو في ظنّه أنّه يستهدف أضعف حلقة بين بلدان المنطقة باستهدافه لبنان، وأنّه بذلك سوف يفرض خطّته الوهميّة في ما يخص منطقتنا. العدو، أي أمريكا وإسرائيل، كان غافلاً عن صبر الشعب اللبناني وذكائه وشجاعته. كان غافلاً عن قوّة لبنان وشدّة ساعده. كان غافلاً عن السنّة الإلهيّة: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة، 249).
لقد وجّه إليه الشّعب اللبناني وشبابه الشّجعان وسياسيّوه الأذكياء صفعة قاسية جعلته يفيق من هذه الغفلة. يسعى العدو اليوم إلى قطع هذا السّاعد القوي والمجرّب، وإلى بثّ الفرقة والخلاف بين السياسيّين، وهو يعمل على نشر جرثومة الجزع والشكّ بين الناس. على الجميع أن يكونوا يقظين حيال ضخّ السموم هذا. ستفلحون - بحول وقوّة من الله - في إخماد هذه المؤامرات وستحققون انتصاراً ثانياً، إن شاء الله. الجهاد الواقع على عاتقكم اليوم في هذه الساحة الجديدة يحوز الأهميّة نفسها التي يتمتّع بها جهادكم في الساحة العسكريّة، وما يحدّد المصير النهائي هو الصبر والتوكل والحكمة والإخلاص. أحيّيكم كما أوجّه التحيّة إلى سائر الإخوة وأبطال ساحات الجهاد وأقبّل سواعدكم وأيديكم جميعاً.
السيّد علي الخامنئي
16/8/2006