وكالة أنباء الحوزة ــ تحرير حلب أواخر عام 2016، وما أعقبه من تراجع في إمكانية الجماعات المسلحة، من تحقيق إنجاز ميداني، افقد المسلحين إرادة القتال لديهم، وساد جو من الإحباط في صفوفهم، وسخط على قياداتهم، ما انعكس سلباً على ما يسمى "الحاضنة الشعبية"، التي غرر بها، نتيجة الشعارات البراقة التي رفعها الإرهابيون، والمواقف السياسية التي اصدرها بعض دول الإقليم والغرب.
يمكن القول أن هزيمة المسلحين وداعميهم في حلب، تخطت مفاعيلها حدود الجغرافيا والميدان، إلى المشهد السياسي العام، الذي ارخى بظلاله على الأحداث مؤخراً، فبات للمشهد العسكري تأثير كبير، على مسار المفاوضات الدولية المرتبطة بالأحداث السورية، وكما قيل سابقاً، فالحرب امتداد للسياسة، لكن بوسائل أخرى.
عسكرياً، كانت للجيش السوري اليد الطولى، فللمرة الأولى منذ نحو 8 سنوات، تعاد سيادة الدولة السورية على كامل الطريق الدولي الممتد من حلب شمال مروراً بحماة وحمص في الوسط، إلى دمشق ودرعا جنوباً، وصولاً إلى الحدود الاردنية، مع ما يعنيه هذا الأمر من اعادة انتعاش التجارة داخل المحافظات السورية أولاً، ومع الخارج في مرحلة لاحقة. فهذا الطريق هو الأطول في البلاد، ويبلغ نحو 432 كيلومتراً، ويعد ممراً أساسياً للاستيراد والتصدير.
يساهم فتح الطريق الدولي في تنشيط الحركة الاقتصادية الداخلية بين جميع المحافظات السورية، لاسيما وأن الثروات الصناعية والمناطق الخصبة والمدن الصناعية تتوزع على جانبي هذا الطريق، وكان الجيش السوري قد سيطر في وقت سابق على أهم ثلاث مدن يمر بها الطريق الدولي في ادلب، وهي: خان شيخون ومعرة النعمان وسراقب، في انجاز يُضاف الى سجّل انتصارت الجيش السوري الميدانية، والتي ستشكّل نقاط قوة في الميدان السياسي.
هذا الانجاز، تبعه تقدم كبير في محاور ريف حلب الشمالي والشمالي الغربي، بعد عملية قضم وعزل تدريجي اسهمت بسقوط مناطق واسعة تحت قبضة القوات السورية من منطقة الليرمون شمالاً وصولاً إلى بلدة بيانون القريبة من بلدتي نبل والزهراء، ما ثبت احكام السيطرة على اوتوستراد غازي عنتاب من دوار الليرمون وصولاً لمنطقة تل رفعت ومرعناز.
سياسياً، يبدو الأمور على عكس ما كانت تريد حكومة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الذي ماطل في تنفيذ ما التزم به في سوتشي، من ابعاد الإرهابيين عن هذا الطريق الدولي، واعادة فتحه بالتعاون مع القوات الروسية، الموجودة في سوريا بطلب من حكومة دمشق. مماطلة لاكثر من عام، وبعد ان استنفذت كامل الأساليب السياسية، كان لا بد من الحسم العسكري.
يعدُّ اتفاق سوتشي في سبتمبر/أيلول 2018، أحد أهم هذه المحطات بعد تفاهمات أستانا، التي تعاملت مع إدلب ومحيطها الممتد على ثلاث محافظات أخرى في أرياف حلب وحماه واللاذقية، كإحدى مناطق لخفض التصعيد، وأقامت تركيا نقاطاً عسكرية للمراقبة هناك.
وفي منتصف الشهر الاول من العام الحالي بدأت تظهر بوادر عملية عسكرية للجيش السوري في ريفي حلب وإدلب، لاسيما بعد فتح معابر امانة لخروج المدنيين في كل من الحاضر وأبو الضهور والهبيط، الامر الذي يعد تنفيذا لبنود اتفاق سوتشي، بما يخص الطريق الدولي حلب - دمشق.
وكانت وزارة الدفاع السورية قد صرحت في اواخر الشهر الاول من العام الجاري، بأن الجيش مصمم على وضع حد نهائي لخروقات واعتداءات تنظيم جبهة النصرة والمجموعات التي تتبع له على المدنيين في المناطق الآمنة، ومواقع الجيش في حلب وإدلب، مشيرةً إلى أن التنظيمات الإرهابية تواصل خروقاتها في منطقة خفض التصعيد في محافظة إدلب وغرب حلب مستهدفين باعتداءاتهم اليومية المناطق السكنية.
وقبل بدء العملية العسكرية الحالية، اعتبرت موسكو أنّ أنقرة لم تنفذ أهم بنود اتفاق سوتشي، بالفصل بين مقاتلي المعارضة والمجموعات الإرهابية، إذ أظهرت التحرّكات العسكرية أن الاختلاف الروسي - التركي تجاوز المستوى السياسي.
بدوره عمل الجيش السوري على تحقيق انجازات نوعية في ريفي حلب وادلب، منها تأمين كامل اوتستراد حلب-دمشق الدولي، وتأمين محيط مدينة حلب بالكامل بعد عملية عسكرية محكمة اتبعت تكتيك القضم التدريجي تارةً والعزل والتطويق تارة أخرى، من العيس إلى خان طومان وصولاً لبرنة وزيتان ومعرة النعمان وسراقب.
وفي الوقت الذي يهدد الرئيس التركي بعملية عسكرية في إدلب على غرار العمليات العسكرية التركية السابقة داخل الأراضي السورية، في حال لم تسحب دمشق قواتها، إلى ما بعد النقاط التركية، أمنت القوات السورية مدينة حلب في انجاز نوعي لا يقل أهمية عن الصفعة الاولى التي تلقتها الفصائل المسلحة ومن معها في احياء حلب الشرقية.
وعلى طاولة المفاوضات المقبلة، اوراق سياسية سورية قوية، قد لا تجد أنقرة سبيلاً للتعاون مع الوضع المستجد، سوى تقديم التنازلات، والتراجع عن سياستها التخريبية في سوريا، بحال أرادت أن تحفظ ما تبقى من ماء وجهها في الإقليم، خصوصاً وأن رهانها على المسلحين قد فشل، وسرعان ما سينقلبون وبالاً عليها، كما قال الرئيس السوري بشار الأسد عام 2013، "ليس من الممكن استخدام الإرهاب كورقة لتلعب بها ثم تضعها في جيبك، لأن الإرهاب هو مثل العقرب الذي لا يترددّ في لدغك عندما يحين الوقت".