۵ آذر ۱۴۰۳ |۲۳ جمادی‌الاول ۱۴۴۶ | Nov 25, 2024
عيد الغدير

وكالة الحوزة _ يوافق اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة الذكرى المباركة لإكمال الدين وتتويج الإمام علي (ع) بإمرة المؤمنين، وبهذه المناسبة الميمونة نقدم مقالا يناقش قضية هذا الحدث العظيم.

وكالة أنباء الحوزة _ يوافق اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة الذكرى المباركة لإكمال الدين وتتويج الإمام علي (ع) بإمرة المؤمنين، وبهذه المناسبة الميمونة نقدم مقالا يناقش قضية هذا الحدث العظيم. 
 
إن كلمة «حديث الغدير» تتضمن إشارة إلى حادثة تاريخية وقعت في السنة الأخيرة من حياة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله. وبالذات في الأشهر الأخيرة منها. حيث إنه صلى الله عليه وآله قد حج حجته المعروفة بـ «حجة الوداع» ـ وهي الحجة الوحيدة له صلى الله عليه وآله ـ فلما قضى مناسكه، انصرف راجعاً إلى المدينة، ومعه جموع غفيرة تعد بعشرات الألوف من المسلمين، فلما بلغ موضعاً يقال له: «غدير خم»: في منطقة الجحفة، التي هي بمثابة مفترق، تتشعب منه طرق المصريين، والمدنيين، والعراقيين، وبلاد الشام.
 
نزل جبرائيل عليه في ذلك الموضع، في يوم الخميس، في الثامن عشر من ذي الحجة بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} (1)، حيث أمره الله سبحانه أن يقيم علياً إماماً للأمة، ويبلغهم أمر الله سبحانه فيه.
 
فأمر الرسول [صلى الله عليه وآله] برد من تقدم من الناس، وحبس من تأخر منهم. ثم صلى بهم الظهر، وبعدها قام بهم خطيباً على أقتاب الإبل، وذلك في حر الهاجرة. وأعلن، وهو آخذ بضبع علي [عليه السلام]: أن علياً أمير المۆمنين، ووليهم، كولاية رسول الله [صلى الله عليه وآله] لهم. حيث قال:
 
«من كنت مولاه فعلي مولاه «قاله ثلاث أو أربع مرات» اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله..».
 
فنزلت الآية الكريمة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}(2).
 
ثم طفق القوم من الصحابة يهنئون أمير المۆمنين [عليه السلام]، وفي مقدمتهم الشيخان: أبو بكر، وعمر، وغيرهما من المعروفين من صحابة رسول الله [صلى الله عليه وآله](3).
 
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}(4).
 
نزلت هذه الآية الشريفة في حجة الوداع، لتۆكد على لزوم تبليغ النبي [صلى الله عليه وآله] ما أمر به من أمر الإمامة. وولاية علي [عليه الصلاة والسلام] على الناس. كما ذكرته المصادرالكثيرة والروايات الموثوقة.. ولسنا هنا بصدد الحديث عن ذلك.
 
إن من يراجع كتب الحديث والتاريخ، يجدها طافحة بالنصوص والآثار االثابتة، والصحيحة، الدالة على إمامة علي أمير المۆمنين [عليه الصلاة والسلام]، ولسوف لا يبقى لديه أدنى شك في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأل جهداً، ولم يدخر وسعاً في تأكيد هذا الأمر، وتثبيته، وقطع دابر مختلف التعلُّلات والمعاذير فيه، في كل زمان ومكان، وفي مختلف الظروف والأحوال، على مر العصور والدهور.
 
وقد استخدم في سبيل تحقيق هذا الهدف مختلف الطرق والأساليب التعبيرية، وشتى المضامين البيانية: فعلاً وقولاً، تصريحاً، وتلويحاً، إثباتاً ونفياً، وترغيباً وترهيباً، إلى غير ذلك مما يكاد لا يمكن حصره، في تنوعه، وفي مناسباته.
 
وقد توجت جميع تلك الجهود المضنية، والمتواصلة باحتفال جماهيري عام نصب فيه النبي صلى الله عليه وآله رسمياً علياً [عليه السلام] في آخر حجة حجها [صلى الله عليه وآله]. وأخذ البيعة له فعلاً من عشرات الألوف من المسلمين، الذين يرون نبيهم للمرة الأخيرة.
 
وقد كان ذلك في منطقة يقال لها «غدير خم» واشتهرت هذه الحادثة باسم هذا المكان. وهي أشهر من أن تذكر.
 
ولسنا هنا بصدد البحث عن وقائع ما جرى، واستعراض جزئياته، ولا نريد توثيقه بالمصادر والأسانيد، ولا البحث في دلالاته ومراميه المختلفة. فقد كفانا مۆونة ذلك العلماء الأبرار،جزاهم الله خير جزاء وأوفاه(5).
 
وإنما هدفنا هو الإلماح إلى حدث سبقه بفترة وجيزة، وهو ما حصل ـ تحديداً ـ في نفس حجة الوداع التي هي حجته الوحيدة، والتي نصب فيها النبي [صلى الله عليه وآله] علياً إماماً للأمة، وهو في طريق عودته منها إلى المدينة.
 
وذلك لأن التعرف على هذا الحدث الذي سبق قضية الغدير لسوف يمكننا من أن نستوضح جانباً من المغزى العميق الذي يكمن في قوله تعالى: {وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (6). ولكننا قبل ذلك، لا بد لنا من إثارة بعض النقاط المفيدة في هذا المجال فنقول:
 
إن من طبيعة الزمن في حركته نحو المستقبل، وابتعاده عن قضايا الماضي، هو أن يۆثر في التقليل من أهمية الأحداث الكبيرة، التي يمر بها، وتمر به، ويساهم في أفولها شيئاً فشيئاً، حتى تصبح على حد الشبح البعيد البعيد، ثم قد ينتهي بها الأمرإلى أن تختفي عن مسرح الذكر والذاكرة، حتى كأن شيئاً لم يكن.
 
ولا تحتاج كبريات الحوادث في قطعها لشوط كبير في هذا الاتجاه إلى أكثر من بضعة عقود من الزمن، مشحونة بالتغيرات والمفاجآت.
 
وحتى لو احتفظت بعض معالمها ـ لسبب أو لآخر ـ بشيء من الوضوح، ونالت قسطاً من الاهتمام، فلا يرجع ذلك إلى أن لها دوراً يذكر في حياة الإنسان وفي حركته، وإنما قد يرجع لأنها أصبحت تاريخاً مجيداً، يبعث الزهو والخيلاء لدى بعض الناس، الذين يرون في ذلك شيئاً يشبه القيمة، أو يعطيهم بعضاً من الاعتبار والمجد بنظرهم، وربما يكون ثمة أسباب أخرى أيضاً.
 
ولكن قضية الغدير، رغم مرور الدهور والأحقاب، وبعد ألف وأربع مائة سنة زاخرة بالتقلبات العجيبة، وبالقضايا الغريبة، ومشحونة بالحروب والكوارث، وبالعجيب من القضايا والحوادث.
 
ورغم المحاولات الجادة، والمتتابعة للتعتيم عليها، وإرهاقها بالتعليلات والتعللات غير المعقولة، باردة كانت أو ساخنة، بهدف حرفها عن خطها القويم، وعن الاتجاه الصحيح والسليم.
 
وكذلك رغم ما عاناه ويعانيه المهتمون بها من اضطهادوغربة، وتشريد ومحنة، وما يصب على رۆوسهم من بلايا ومصائب، وكوارث ونوائب.
 
نعم، رغم ذلك كله وسواه، فإن هذه الحادثة بما تمثله من قضية كبرى للإيمان وللإنسان، قد بقيت ولسوف تبقى القضية الأكثر حساسية وأهمية، لأنها الأكثر صلة بالإيمان وبالإنسان، والأعمق تأثيراً في حياة هذا الكائن، وفي بنية شخصيته من الداخل، وعلى علاقاته بكل من وما يحيط به، أو يمت إليه بأدنى صلة أو رابطة من الخارج.
 
وهي كذلك القضية الأكثر مساساً وارتباطاً بمستقبل هذا الإنسان، وبمصيره، إنْ في الدنيا، وإنْ في الآخرة.
 
وهذا بالذات هو السر في احتفاظ هذه القضية بكل حيويتها، وحساسيتها بالنسبة إليه، على مر الدهور، وتعاقب العصور، ولسوف تبقى كذلك كما سيتضح فيما يأتي.
 
إذا كان الأمر كذلك فلا يبقى مجال للإصغاء لما قد يثيره البعض، من أنه: سواء أكان الحق في ذلك لعلي [عليه السلام]، وقد اغتُصِبَ منه، وأقصي عن منصب هو له، أم لم يكن الأمر كذلك، فإن هذه القضية قد تجاوزتها الأحداث، وأصبحت تاريخاً يحكيه البعض، وينساه آخرون، كأي حدث تاريخي آخر.
 
فلم يعد الوقوف عندها والاهتمام بها مجدياً، ولا مفيداً، إن لم نقل: إن فيه ما يوجب الفرقة، ويرسخ التباعد، بما يثيره من كوامن وضغائن.
 
نعم.. لا مجال لهذا القول؛ فإن قضية الغدير، لا تزال ولسوف تبقى هي القضية الأساسية والرئيسة بالنسبة للمسلمين بل للناس جميعاً، وهي المفتاح للباب الذي لا بد من الدخول منه لحل المشاكل المستعصية الكبرى، وبعث الإسلام العزيز من جديد، وبناء قوته، وبث الحياة والحيوية في أبنائه.
 
وبدون ذلك، فإن على الجميع أن يستعدوا لمواجهة المزيد من المصائب، وأن يقبلوا ـ شاۆوا أم أبوا ـ باستمرار حالة الضعف والتقهقر، بل وانهيار بناء الإسلام الشامخ.
 
المصادر:
(1) الآية 67 من سورة المائدة.
(2) الآية 3 من سورة المائدة.
(3) راجع: الغدير للعلامة الأميني ج1 ص 9 ـ 12 وغيرها من الصفحات.
(4) الآية 67 من سورة المائدة.
(5) راجع: كتاب الغدير للعلامة الأميني، وكتاب دلائل الصدق، والمراجعات، وغير ذلك.
(6) الآية 67 من سورة المائدة.
 
*موقع التبيان/ جعفر مرتضى العاملي

ارسال التعليق

You are replying to: .
captcha