قال الشیخ الأحمدي عبدالفتاح المتخصص في علوم اهل البیت واستاذ علم الحدیث بجامعة الأزهر الشریف في مقابلة مع مراسل وكالة أنباء الحوزة في القاهرة إن الله أعطی العقل البشري طاقات الخلافة، بها أقام المباني والسدود والحواجز والحدود وأشاد البیوت العالیة وصنع السیارات الفارهة وأنشأ السفن والطائرات والصواریخ والقاذفات، ولم یستخدم الإنسان إلا عُشر عقله فکیف لو استثمر كل طاقات عقله.
وفيما يلي نص الحوار:
الحوزة: هل سیرة أهل البیت (ع) تساعد الأمة الإسلامیة في بث أجواء الوحدة؟
المطلع علی سیرة آل البیت، یجد فیها العلاج الشافي والحل الکافي لجمیع أمراض المجتمع؛ وفیها الوقایة من الوقوع في الزلل، بجانب القضاء علی الفرقة والتنازع المسیطران علی الأمة وبمعنی آخر هم رمز الوحدة . قال تعالی:«و اعتصموا بحبل الله جمیعا ولاتفرقوا» «ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ریحکم واصبروا إن الله مع الصابرین»؛ وما لنا لا نتحد وربنا واحد، ونبینا واحد ، و کتابنا واحد، و قبلتنا واحدة ، بل إن أمتنا واحدة.
قال تعالی:«إن هذه أمتکم أمة واحدة وأنا ربکم فاعبدون» (الأنبیاء 92) وقال أیضا: «و إن هذه أمتکم أمة واحدة وأنا ربکم فاعبدون»(المؤمنون 52)
وصدق من قال:
کونوا جمیعا یا بني إذا اعتری ... خطب ولا تفرقوا آحـــــــادا
تأبی الرماح إذا اجتمعن تکسرا...و إذا افترقن تکسرت أعوادا
إن المسلمین إذا جمّعوا صفوفهم، لسادوا العالم
إن المسلمین في أنحاء العالم کله، إذا نزعوا فتیل الخلافات فیما بینهم، وجمّعوا صفوفهم کانوا قوة هائلة بما وهبهم الله من طاقات وإمکانیات «کنتم خیر أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنکر وتؤمنون بالله».
ولماذا نذهب إلی القوانین الوضعیة ونلجأ إلی التشریعات البشریة في حین أننا نمتلك کتاب ربنا وسنة نبینا وفیهما الصلاح والفلاح والاستقامة والرشاد «إن هذا القرآن یهدي للتي هي أقوم»، «ألا إني تارك فیکم الثقلین: کتاب الله وعترتي أهل بیتي» فهل آن لنا أن نستفیق من سباتنا، ونعود إلی صوابنا، ونحتمي فیما أنزل ربنا، هنا تکمن السعادة، ونحوز شرف القیادة.
الحوزة: ما هو دور العقل في بناء الحضارة الإسلامیة الحدیثة؟
العقل یتوقف علیه أحکام الإسلام، وعلیه جمیع مدار التکلیف وهو أحد الأصول الخمسة التي یجب المحافظة علیها، لذلك رعاه الدین رعایة کاملة واهتم به اهتماماً بالغاً.
قال الله تعالی: « إن في خلق السماوت والارض واختلاف اللیل والنهار لآیات لأولی الألباب»؛ وأیضا قال:«کلوا وأرعوا أنعامکم إن في ذلك لآیات لأولی النهی». و قال کذلك:« هل في ذلك قسم لذي حجر».
ویؤکد النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) حیث یقول :«إن الله تعالی خلق العقل من نور مخزون مکنون في سابق علمه، الذي لم یطلع علیه نبي مرسل ولا ملكا مقرب، فجعل العلم نفسه، والفهم وجهه، والزهد رأسه، والجباء عینیه، والحکمة لسانه، والرأفة همه، و الرحمة قلبه.
أساس الدین بني علی العقل وفرضت الفرائض علی العقل
الله سبحانه وتعالی غشا العقل وقواه بعشرة أشیاء: بالیقین، والإیمان، والصدق، والسکینة، والإخلاص، والرفق، والعطیة، والقنوع، والتسلیم، والشکر؛ ثم قال له عز وجل: أدبر،فأدبر، ثم قال له : أقبل، فأقبل، ثم قال له: تکلم. فقال: الحمد لله الذي لیس له ضد ولا ند ولا شبیه ولا کفء ولا عدیل ولا مثل ،الذي کل شيء لعظمته خاضع ذلیل.
فقال له الرب تعالی:«وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أحسن منك ولا أطوع لي منك، ولا أرفع منك، ولا أشرف منك، ولا أعز منك؛ بك اُوحَدُ، و بك اُعبَدُ ، و بك اُدعَي، و بك اُرتجَی، وبك اُبتَغی، و بك اُخافُ، وبك اُحذر، وبك الثواب وبك العقاب.
فخرّ العقل عند ذلك ساجدا، فکان في سجوده ألف عام ؛ وقال الرب تبارك وتعالی: ارفع رأسك، و سل تعط، واشفع تشفع. فرفع العقل رأسه فقال: إلهی أسالك أن تشفعني فیمن خلقتني فیه، فقال الله جل جلاله لملائکته: أشهدکم أني قد شفعته فیمن خلقته فیه.
وقال ابن عباس: أساس الدین بني علی العقل، وفرضت الفرائض علی العقل، وربنا یعرف بالعقل، ویُتوسلُ إلیه بالعقل.
کتاب «نهج البلاغة» خیر دلیل علی أن الإمام علي (ع) أعقل العقلاء من بعد النبي(ص)
وأعقل العقلاء بعد النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) هو الإمام علي (علیه السلام)، ویکفیه شرفا کتاب«نهج البلاغة» وصدق من قال: «اسألوني قبل أن تفقدوني» ؛وما وصلت إلیه البشریة من حضارات وما تصل إلیه من إنجازات لم یکن إلا بالعقل.
فالله أعطی العقل البشري طاقات الخلافة، بها أقام المباني والسدود والحواجز والحدود وأشاد البیوت العالیة وصنع السیارات الفارهة وأنشأ السفن والطائرات والصواریخ والقاذفات، ولم یستخدم الإنسان إلا عُشر عقله فکیف لو استثمر كل طاقات عقله في العلم النافع والعمل الصالح واستکشاف ما یخدم البشریة وینفع الإنسانیة لا ما یؤدي إلی الدمار والهلاك وإفساد الحیاة من قنابل قاتلة وأدویة مسرطنة وکیماویات مفسدة.
إن کل ذي عقل حکیم وفؤاد بصیر، یعیش في هذه الحیاة لخدمة خلق الله، فهذا هو العاقل فعلاً والمصیب حقا وهذا ما ینطبق علی الکرار صدقاً.
قال سیدنا محمد (صلی الله علیه وآله وسلم):« أعطاني الله تعالی خمسا، وأعطی عليا خمسا ،أعطاني جوامع الکلم وأعطی علیا جوامع العلم ، وجعلني نبیا وجعله وصیا ، وأعطاني الکوثر وأعطاه السلسبیل، وأعطاني الوحي وأعطاه الإلهام، وأسری بي إلی السماء وفتح له أبواب السموات والحجب».
و قال أیضا: «علي في السماء کالشمس بالنهار في الأرض، وفي سماء الدنیا کالقمر باللیل في الأرض؛ أعطی الله علیا من الفضل جزءا، لو قسم علی أهل الأرض لَوَسعهُم...».
الحوزة: ما هو رأيكم بالتصوف والصوفیة ونشاطاتها؟
التصوف علم أصیل، یعتمد علی الأخلاق الفاضلة التي جاء بها القرآن، و ارتضاها رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وطبّقها آل بیت النبي العدنان، علیه الصلاة وأزکی السلام، وهو مأخوذ من الصفاء.
قال قومٌ إنما سمیت الصوفیة صوفیة لصفاء أسرارها، و نقاء آثارها؛ و قال قومٌإنما سُموا صوفیة لأنهم في الصف الأول بین یدی الله عزوجل بارتفاع همهم إلیه، و إقبالهم علیه، و وقوفهم بین یدیه.
قوم إنما سموا صوفیة لقرب أوصافهم من أوصاف أهل الصفة، الذین کانوا علی عهد رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم). و قال قوم: إنما سموا صوفیة للبسهم الصوف، فالصوف لباس الأنبیاء، و زي الأولیاء. و قال أبوموسی الأشعري: کأنه النبي (صلی الله علیه و آله وسلم)، یلبس الصوف و یرکب الحمار، و یأتي مدعاة الضعیف.
یقول الحسن البصري، لقد أدرکت سبعین بدریا، ما کان لباسهم إلا الصوف.
قال أبوالفتح البستي(رحمه الله):
تنازع الناس في الصوفي و اختلفوا ... وظنه البعض مشتقا من الصوف
ولست أمنح هذا الاسم غیر فتی ... صــــافي فصوفي حتی سمي الصوفي
و لقد وقف رسول الله (صلی الله علیه و آله وسلم) یوما علی أهل الصفة، فرأی فقرهم، و جهدهم، و طیب قلوبهم، فقال: أبشروا یا أصحاب الصفة، ممن بقی منکم علی النعت الذي أنتم علیه الیوم، راضیا بما هو فیه فإنه من رفقائي یوم القیامة.
صدق النبي(صلی الله علیه و آله وسلم)حیث قال البسوا الصوف، و شمّروا، و کلوا في أنصاف البطونة«تدخلوا في ملکوت السماء»(قوت القلوب لأبي طالب الملکي 2/167).
لقد دخل النبي و معه سیدنا علي بستانا لسیدنا عامر بن سعد یوما، فصاحت نخلة بأختها : هذا محمد المصطفی، و هذا علي المرتضی، فتبسم النبي ثم قال: یاعلي، سمّ نخل المدینة صیحانیا فقد صاحت بفضلي و فضلك.
قال ابن الحمّاد:
فتکلّم النخلُ الذي فی وسطه... بفصاحة تتعجبُ الثقلانِ
من نخلة قالت هناك لأختها ... هذان أكرمُ مَن مشى هذانِ
هذا ابن عبدلله هذا صنوهُ ... هذا على العالمُ الربّانى
قد صاح هذا النخل ينشى فضلهم ... فلأجل ذلك سمى الصيحاني
و أختم هذا المقال بهذه الروائع من الأبيات:
لو أن عبدا أتي بالصالحات غداً ... وود كل بنى مرسل وولى
وصام ماصام صوماً بلا ضجيٍ... وقــــــــام ماقام قوماً لا ملل
و حج ما حج من فرض و من سنن... و طاف ما طاف حافٍ غير منتعل
و طار في الجو لا يأوي الي احدٍ...و غاص في البحر مأمونا من البلل
يكسو اليتامى من الديباج كلّهمو... و يطعم الجائعين البر بالعسل
و عاش في الناس الافا مؤلفة ... عارٍ من الذنب معصوما من الزلل
ما كان في الحشر عندلله منتفعا ... إلا بحب أمير المؤمنين علي