وکالة الحوزة- قال الشیخ عبدالسلام الراجح نائب رئيس “جامعة بلاد الشام” في حوار خاص مع مراسل وكالة أنباء «الحوزة» اننا في هذه الحرب استطعنا أن نتكشف عيوبا كانت حاضرة في المجتمع وجاءت الأزمة فكشفت من هو الذي ينتسب فعلا إلى هذه الأرض ومن هو الذي يحب البلد.
وفيما يلي نص المقابلة:
سؤال: ما هدفكم و برامجكم من السفر إلى إيران؟
هدف الزيارة هدف سام عظيم يتمثل في صلة الرحم التي تجمع بين أبناء الأمة الواحدة؛ فالمسلمون كلهم رحم واحد ولابد من أن يصل الرجل رحمه وهذا هو معنى قول الله سبحانه وتعالى في بداية سورة النساء ((يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثيراً وَ نِساءً وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقيباً))(نساء، 1).
هذه الأرحام هي أرحام عالمية انسانية، أرحام من باب أولى اسلامية؛ فسبب مجيئي إلى هذا البلد حقيقة هي دعوة كريمة من هذا البلد الكريم لنرى كيف هي تلك الحالة المثالية التي يجب أن يكون عليها أمر المسلم مع أخيه المسلم و لأجل أن ننبذ وراء ظهورنا كل فكر طائفي أو مذهبي يفرق الأمة، فسبب زيارتي هذا الرحم الذي أصله مع أهلي و إخواني في إيران الإسلام.
سؤال: نذهب إلى سوريا وآخر الأحداث والتطورات فيها، كيف تقيمون الاوضاع فيها؟
نحن الآن نشهد في سوريا النصر المبين بإذن الله تعالى بعد سبع سنين لقينا فيها ما لقينا من عداء القريب قبل الغريب فصبرنا وصابرنا وربطنا وقدمنا الشهداء وقدمنا الدماء ولكن كتب الله لأغلبن أنا ورسلي. عهدُ الله في أهل الحق أنهم منصورون ولذلك هذا الجهد الذي بذل من لدن بلدي سوريا لم يكن ليضيع بإذن الله سبحانه وتعالى وأنا الآن أطمئنكم و أطمئن كل من سيسمع كلامي أننا نطوي الصفحة الأخيرة بإذن الله من العدوان الغاشم على بلدنا لنبدأ حالة جديدة من إعمار القلوب والنفوس وإعمار البلد والحجر والشجر ونعلن أننا انتصرنا حينما صبرنا فإنما النصر صبر ساعة كما يقال و هذا النصر حقيقة هو حصيلة مباركة لوحدة الأمة وتحالف إيماني جمع بين سوريا و إيران؛ هذا التحالف العظيم الذي جمع بين المسلم والمسلم من دون النظر إلى مذهب أو طائفة أو اصطفاف ممنوع في الشرع يتحدث بلغة مذهبية أو عرقية أو طائفية ولمّا اجتمعت سوريا و إيران أعلنت أن الإسلام هو قوة لا تقهر و أعلنت أن الوحدة هي قوة لا تقهر ولأجل ذلك هذا النصر هو نصر لبلدينا ولكل الأحرار.
سؤال: ربما يمكن أن نقول: عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، هل هذا صحيح؟
نعم كما وعسى أن تحبوا شيئا وهو خير لكم. فلا شك أننا تألمنا من هذه الحرب وقدمنا ما قدمنا من تضحيات، لكن هذا ثمن النصر والآن نحن معنيّون في المرحلة القادمة بالإعمار الذي سيكون ثمرة هذا النصر.
سؤال: ما هو رأي الشعب السوري حول هذه الأزمة التي بدأت منذ سبع سنين حتى الآن؟
الشعب السوري هو شعب مثقف، لكن لا يعني أنه لا توجد فيه فئات من الجهلة و محدودي الفكر. أنا الآن لا أناقش في المثقف الواعي لأن المثقف قد لا يملك وعيا إيمانيا ولا وعيا وطنيا، بل أنا أتحدث في المثقف الذي جعل ثقافته خادمة لبلده وخادمة للمكارم والفضائل والإنسان و حفظ الدماء والأعراض والأموال، أما في المقابل وجدنا أيضا مثقفين حقيقة خرجوا عن إطار ثقافهم ودخلوا في اتون الجهل والجهالات.
أنا أقول الشعب السوري شعب مثقف و هذه الثقافة جعلت الكفة الأرجح لمعطيات الثقافة. أريد أن أقول إننا في هذه الحرب استطعنا أن نتكشف عيوبا كانت حاضرة في المجتمع وجاءت الأزمة فكشفت من هو الذي ينتسب فعلا إلى هذه الأرض ومن هو الذي يحب البلد على حساب اعتبارات شخصية قد تحمله على أن يبحث عن مصلحة في حمأة الفتن.
الذين غلبوا عددا ونصرا هم اولئك الذين أيقنوا ان هذا البلد يدعو إلى الحق وتسعى إلى ترسيخ قاعدة الحق وأن الذي ندفع عنه تقرره كل الشرائع السماوية والأرضية ولذلك لما بادرنا في فكرتنا في الدفع عن بلدنا كنا ننطلق من قاعدة مهمة أساسها أننا على حق.
أنت سألت سؤالا مهما بأنه ما هي وجهة نظر الشعب السوري؟ الشعب السوري في فئتيه المثقفة وغير المثقفة استطاع أن ينتج مفهوما مهما في هذه المرحلة.
الفئة الأولى أنها ما كانت لتجد صعوبة في فهم المرحلة، أما الفئة الثانية وهي فئة الناس العوام أو الذين غرر بهم أو الذين لم يرتقوا إلى فهم المرحلة. هؤلاء الآن يقولون يا ليتنا لم نقع في الفخ الذي نصب لنا لأنا الآن نستطيع أن نسمح لأنفسنا أن نقارن بين الواقع الذي كنا عليه والواقع الذي صرنا إليه.
المثقفون وأنا كواحد من هؤلاء منذ اليوم الأول كنت أقول انتبهوا يا سادة، لأن الأمر يتوجه للنيل منكم ومن بلادكم وخيراتكم ولحمتكم وكثيرون كانوا يقولون ذلك والفئة الثانية كانوا قليلين والأرقام التي تذكر في الإعلام الغربي عنهم ليست صحيحة لأن الكثير من أبناء سوريا مخلصون لبلدهم وموجودون فيها لكن هؤلاء الذين غرر بهم أو تقاصرت أفهامهم عن فهم حقيقة الفتنة الآن يقولون ياليتنا ما غيرنا أفكارنا ويا ليتنا ما تركنا بلدنا والذين هاجروا إلى الخارج يقولون نريد فصحة للعودة ونحن نقول الآن كمواطن أن البلد تفتح ذراعيها لكل أبنائها لمن يريد أن يعود لأن الأم لا تنكر أبناءها.
سؤال: برأيك ما هي العلة الرئيسية من العدوان على سوريا و ما الذي وراء الكواليس؟
حقيقة هذا الحرب على سوريا هي حرب قديمة جديدة؛ أما كونها قديمة فلأن سوريا لم ترض في يوم من الأيام أن تنبطح وأن تركع للمعسكر الغربي الأمريكي و هذا الموقف تمثل في موقف سوريا المعاصر من أيام الرئيس حافظ الأسد رحمه الله إلى يومنا هذا.
نحن لم نغير و لم نبدل وكنّا نعلن دائما أن فلسطين هي قضيتنا المركزية و بعد سبع سنين من الحرب لم نتغير وفلسطين هي الآن قضيتنا المركزية ولعلهم أرادوا بهذا الحرب أن يشغلونا عن قضيتنا المركزية وقدسنا وأرادوا بهذا الحرب أن يصرفونا عن إيران وأنت تعلم أن وزير خارجية أمريكا الأسبق (كولن لوثر باول) جاء وقال للرئيس بشار الأسد: نحن نفتح لك الدنيا وكل ما تريد وفي المقابل يجب أن تتنازل عن حلفك مع إيران وحلفك مع حزب الله والفصائل الفلسطينية التي تحمل الحق وهنا أسجل بين معترضتين أننا وقفنا مع الفصائل الفلسطينية لأنها تملك الحق والمصداقية و نطرح الآن هذا السؤال بأنها هل كانت وفية لما بذلناه لها وحرب غزة تشهد أن نصرها كان بسبب سوريا وبسب حليفتها الإستراتيجية إيران وبسبب هذا المد المبارك من فكر الوقوف في وجه الطغيان وإستكبار العالمي.
نحن إما أن نكون موجودين فوق هذه الدنيا بمبدأ و كرامة وعزة نفس أو أن لا نكون. قد يتوهم البعض بأنها حالة مثالية أما نحن لا نمثل. نحن إما أن نكون موجودين بحالة مثالية وحالة تثبت أننا أصحاب رسالة عالمية في ترسيخ العدل ونصرة المظلوم والوقوف إلى جانب الذين ينشدون حريتهم كأهلنا في فلسطين أو أننا لا نتذبذب تبعا للمصالح و للحالة البراغماتية التي نراها في كثير من العرب الذين تخضع سياساتهم للحالة البراغماتية لأننا نعلم أن هذه الحالة لا تدوم لأن الغرب وخاصة أمريكا ليس لهم صاحب وليس لهم ود ولذلك سوريا لما تبنت هذه الفكرة؛ كل الأنظمة العربية بما فيها السلطة الفلسطينية تبحث كلها عن مخرج وكله يبحث عن حل وكله يبحث عن صيغة التطبيع والتفاهم والإتفاقيات والبعض قالوا لنا لماذا أنتم لا تفعلون ذلك؟ نحن لا نفعل ذلك لأننا يوما من الأيام لم يكن الصهيوني عندنا محل ثقة وبالتالي لما اتخذنا هذا الموقف قالوا لنا لكم حل آخر.
وبما أن الأوان والزمان والإتفاقيات الأممية تمنع الحرب المباشرة ولا تستطيع أمريكا أن ترسل جيوشها إلى سوريا فقررت إدارة أمريكا بمخابراتها أن تدخل عبر صيغة غير عسكرية من خلال هذه العصابات التي مع الأسف تزعم أنها تحمل لواء الإسلام. إذن هم لا يستطيعون أن يدخلوا بصيغة عسكرية صريحة إذن دخلوا من خلال صيغة التغيير المزعومة التي نسميه الخريف العربي ودعموا ذلك بكل الصور وآخر ما رأيناه رأينا "برنار ليوي" في أربيل ليؤكد لهم فكرة التقسيم على قاعدة فرق تسد، لا سيما فأرسلوا داعش إلى بلادنا العربية لأجل أن يكونوا موجودين بصيغ متعددة واستغلوا واستثمروا لأجل ذلك الجهلة الفقراء الموجودين في الساحات العربية لأجل أن يجندوهم وكان مطيتهم الإسلام في حين أن الإسلام منهم براء وهكذا دخلوا.
سؤال: ما هي أهم الأزمات التي تواجه عالمنا الإسلامي؟
حقيقة اول أزمة وأكبر آفة يواجهه العالم الإسلامي هي أزمة وآفة الجهل وأعظم جهل تعانيه الأمة الإسلامية أنها تجهل ذاتها وموطئ قدمها وتجهل أنه إلى أين تسير فهي لا تحدد لها مسارا. لو أني كنت أريد أن آتي إليكم هاهنا و ضِعتُ عن المكان و أتصل بكم وأقول أنا ضعت. فأنت أول شيء تسألني ماذا تقول؟ تقول أين أنت الآن. والمشكلة أنني لا أعرف أين أنا فكيف أصل إليك؟
هذه آفة الأمة أنها لا تعرف أن الله تعالى حدد لها مسارا وحدد لها سبيلا وحدد لها عنوان نهوض وحدد لها مكان وجود، لكن لا تستطيع أن تفعل ذلك وهي أكبر آفة تعانيها الأمة وهي آفة الجهل بذاتها.
هل تعلم الأمة أن الله يقول واعتصموا؟ هل تعلم أن الله يقول ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم؟ وأي ذهاب لريحنا كهذا الذهاب الذي نعيشه اليوم حينما تفتت الأمة وكل حزب بما لديهم فرحون.
أنا شخصيا أقول تعالوا أيها العرب انظروا إلى هذه العلاقة الإيمانية التي تجمعني مع إيران وأنا لا أجاملكم و لست مضطرا لمجاملة أحد ولكن أقرر الوقائع. أنا أقول انظروا إلى هذه العلاقة المثالية الإيمانية التي جمعت المسلمين وجمعت بين إيران وسوريا بما أنهما بلدين مسلمين وانظروا كيف أنهما التقيا ومثلا قوة لا تقهر. هذا الذي نحن نتحدّاه على أرض سوريا. نحن و إيران نتحدى العالم، نتحدى أمريكا بأساطيرها الحرية.
نحن نتحدى الكيان الصهيوني بكل المد الذي يأتيه من أمريكا. نحن نقول تعالوا وابحثوا عن صيغ التفاهم تجعل منكم قوة يحترمكم الآخر، لكن كلما يدخل عربي إلى البيت الأبيض منفردا وكأنها يتنكر بدخوله المنفرد لإخوانه مما وراءه من العرب ومن المسلمين وحينما يدخل رئيس مسلم إلى البيت الأبيض يتنكر مما وراءه من المسلمين وهذا يغري الأعداء أنكم لن تقوم لكم قائمة وهذا الذي يريدونه. هذه من أعظم آفات الأمة الإسلامية من أعظم ما تعانيه حقيقة ثم لك أن تضيف التشرذم وعدم فهم الواقع والإستهلاكية على حساب الإنتاج. نحن أمة الحديد (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع) لماذا قدم الله البأس؟ لأن تكون امة الإسلام أمة قوية تصنع الحديد لتدافع عن نفسها ثم تبني البنيان بالحديد؛ أما نرى اليوم أمة الحديد تستورد الحديد كما نرى أن أمة اقرأ لا تقرأ. فنحن أمة مستهلكة وهذا الإستهلاك جعلنا في مظنة النظرة الدنيا من الآخر لأن الآخر هناك في الغرب لا يحترم إلى المنتج ويرى أن العالم العربي هو المستهلك.
سؤال: ما هي اقتراحاتكم للوحدة بين دول الأمة الإسلامية؟
أول عامل من عوامل الوحدة الإسلامية أن نعرف بعضنا البعض معرفة حقيقية والعامل الثاني أن نزيل الحواجز المانعة من لقائنا. هذه الحواجز هي حواجز نفسية وهمية في الغالب. السني يقول أنا من الصعب أن ألتقي مع الشيعة، لماذا صعب عليك؟ لأنه يملك مشروعا يريد أن يأخذني من التسنن إلى التشيع. أنا أقول له أنت تملك عقلا في رأسك وإيمانا في قلبك وتعلم أن هذا الشيعي لم تنقصه أسباب الوجود حتى يبحث عن استزادة في البشر ليكبر عدده في العالم وهذا الشيعي في غنًى عن أن يأخذك إلى جادة التشيع لأنه إما يريد أن يستزيد بك المال والأمر ليس كذلك. أو يريد أن يستزيد بك العدد والأمر ليس كذلك، لأن القضية هي قضية قناعات إيمانية وهي حاضرة في الطرفين أو يريد أن يأخذ أبناءك إلى جادة التشيع فأنت عليك أن تؤسس تربية أبناءك على أن هذا الشيعي هو أخي وأنه ليس عدوي لنا اعتقادات مشتركة كالكتاب الواحد والرب الواحد والنبي الواحد والقبلة الواحدة فإذا علمت ذلك ستزيل حاجزا مهما يكون حاضرا حينما يلتقي سني مع شيعي وهذا الحاجز هو حاجز وهمي.
وفي المقابل لما يتقابل الشيعي مع سني يظن أن هذا السني يريد أن يقصيه ويبتلعه ويذيبه في المجتمع السني. نحن يجب أن نقول لأخينا الشيعي أن الأصل أن هذا السني يحترم خصوصية الشيعي ومن هنا أريد أن أنتقل إلى سبب آخر من أساب الوحدة وهي احترام خصوصية الفريق. هذا الإحترام يجعلني أقدر أن هذا الشيعي له خصوصيته التي لا تتضارب مع خصوصيتي لكن هي خصوصية على كل حال أنا أحترمها وأقدرها وهذا الشيعي أيضا يحترم خصوصية السني فإذا بنا نجد أنفسنا أمام طريق مفتوح من الإتحاد.
الأمر الرابع أن يتوقف بعض المروجين لفكر التفريق ولفكر الشك والريبة وأن يتوقفوا عن ترويج صور ظن وريبة تحمل المريدين والطلاب لدى الفريقين من أن ينظروا إلى الآخر على أنه محل تخوف وترقب، فلنفتح الأبواب والعقول لننطلق من هذا المشترك الذي يجمعنا وأنا أتحدث هنا عن النخب.
والسبب الخامس للوحدة هو أن المعول على النخب في إزالة هذه الصورة النمطية التي سادت على مدي سنين بعد أن قررت احترام الخصوصيات وقررت أن نجتمع على المشتركات هذه الصورة النمطية لابد أن تزول بجهد العلماء والمؤسسات الدينية التي لها تأثيرها في بلدانها و لابد أن تزول بالإعلام والإعلام يجب عليه أن يتوجه لترويج الأمة الواحدة ويجب أن يكون هذا التوجه وصمة عام لا أن ينحصر في برنامج واحد على حساب بقية البرامج.