وكالة أنباء الحوزة ـ نزل القرآن الكريم على قلب سيد المرسلين هاديًا للإنسان ومنيرًا له طريق السعادة، وقد وضع علماء الإسلام علومًا جمة لفهم حقائقه وكشف أسراره ومعانيه، وعلى الرغم من ذلك، لم يزل المفسرون في كلّ عصر يستخرجون منه حقائق غفل عنها الأقدمون، وكأنّ الإنسان أمام بحر موّاج بالحقائق العلمية لا يُدرك غوره ولا يتوصل إلى أعماقه، ولا يمكن لأحد الإحاطة بأسراره وعجائبه.
وكأنّ القرآن هو النسخة الثانية لعالم الطبيعة الذي لم يزل يبحث عن أسراره الباحثون، وهم بعد في الأشواط الأولى من الوقوف على حقائقه الكامنة.
ولا غرو أن يكون الكتاب العزيز كذلك أيضًا، لأنّه كتاب صدر من لدن حكيم عليم لا نهاية لوجوده وعلمه، فيجب أن يكون كتابه المنزّل رشحة من رشحات وجوده.
وهذا هو متكلّم قريش وخطيبهم الوليد بن المغيرة المخزومي لمّا جلس إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسمع شيئًا من آيات سورة غافر، ذهب إلى قومه ليبيّن موقفه من الكتاب، وقال: واللّه قد سمعت من محمّد آنفًا كلامًا ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، وانّ له لحلاوة، وان أاّعليه لطلاوة، وانّ أعلاه لمثمر، وإنّ أسفله لمغدق، وانّه ليعلو وما يعلى عليه(1).
فقد أدرك مُنطيق قريش بصفاء ذهنه ما يحتوي عليه القرآن من أسرار وكنوز.
نعم، قد سبقه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك حيث عَرّف القرآن، بقوله: "له ظهر وبطن، وظاهره حُكْم، وباطنُه عِلْم، وظاهره أنيق، وباطنه عميق، له نجوم وعلى نجومه نجوم، لا تحصى عجائبه، ولا تبلى غرائبه، فيه مصابيح الهدى و منار الحكمة"(2).
وقد أفاض الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في بيان أبعاد القرآن غير المتناهية، وقال في خطبة يصف فيها القرآن بقوله: "أنزل عليه الكتاب نورًا لا تطفأ مصابيحه، وسراجًا لا يخبو توقّده، وبحرًا لا يدرك قع-ره - إلى أن قال: - و ينابيع العلم و بحوره، ورياض العدل وغدرانه، وأثافي الإسلام وبنيانه، وأودية الحق وغيطانه، وبحر لا ينزفه المنتزفون، وعيون لا ينضبها الماتحون، ومناهل لا يغيضها الواردون"(3).
وقد أثبت توالي التأليف حول القرآن الكريم على مختلف الأصعدة، انّه كتاب القرون والأعصار، وحجّة خالدة للناس إلى يوم القيامة، وقد استحوذ الكتاب العزيز على اهتمام بالغ لم يَحظ به أي كتاب آخر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - مجمع البيان: 10|387.
2 - الكافي: 2|599، كتاب القرآن.
3 - نهج البلاغة: 2|202، طبعة عبده.
بقلم: سماحة آية الله الشيخ جعفر سبحاني
*المصدر: موقع مؤسسة السبطين العالمية