وكالة أنباء الحوزة؛ كربلاء "نقطة جغرافية" لكن "باتساع العالم". وعاشوراء "نصف يومٍ" "ممتد عبر التاريخ". الحقيقة أن هذه "الواقعة"، لا ينبغي حصرها "في التاريخ". عاشوراء ليست "في التاريخ" بل هي "لأجل التاريخ". عندما انطلق الحسين عليه السلام من المدينة باتجاه الكوفة، يعني أنه بدأ حركته من "أول مقرٍ" للحكومة الإسلامية إلى "ثاني مقرٍ" للحكومة الإسلامية. بعبارةٍ أدقّ، بدأها من "العاصمة النبوية" إلى "العاصمة العلوية" وحتى "العاصمة المهدوية"؛ - إذ إن آخر موعود سيختار الكوفةَ عاصمةً له- فهي حركته ممتدةٌ من مدينة النبيّ إلى مدينة المهديّ.
وإذا تم فك رموز هذه الحركة ودراسة عواملها، ستتجلى حقيقة أن كربلاء باتساع عالم الإسلام والعالم الإنساني. ويا له من ظلمٍ عظيم إن حصرنا هذه الحقيقة المتجاوزة لحدود التاريخ والجغرافيا في مكان وزمان محددين. وكم هو اجحاف كبير ان الحقيقة الأبعد مدىً من التاريخ والعابرة للبلاد نُؤطرها او نُحدُّها بالزمان والمكان.
إننا في الزيارات المرتبطة بالإمام الحسين عليه السلام وقبل أن نسلّم عليه، نرجع إلى "بداية التاريخ"، نرجع إلى أول الأمر، إلى زمن آدم عليه السلام، نبدأ من آدم للتعبير عن إخلاصنا والتزامنا، نذكر نوح وإبراهيم وموسى وعيسى حتى نصل إلى خاتم الرسل، المطالِب بالحق والمقارعِ للظلم، يعني محمّد صلى الله عليه وآله، وفلسفة ذلك أن كربلاء "ليست واقعةً مفصولة ومنعزلةً" عن التاريخ، بل هي نتيجة "للتراكمات التاريخية" و "حصيلة الحوادث الغابرة" والتي وصلت إلى ذروتها في كربلاء. هذه المعركة، "لها ماضٍ" باتّساع تاريخ الإنسان. الأُناس الذين مضى نصفهم في طريق السعادة والحق، وبعضهم الآخر اختار الشقاوة والباطل طريقاً لهم.
الحقيقة الأخرى في عاشوراء هي أنها لم تنتهِ باستشهاد الحسين عليه السلام بکربلاء فی یوم عاشوراء. التقاریر التاريخية و الروایات الدینیة شاهدةٌ على هذا الأمر، فاستذكار الحسين عليه السلام للحجة علیه السلام بشكلٍ متكرر في يوم عاشوراء، وأن زينب الكبرى عليها السلام وهي في معمعة الأسر تذكر المهدي، فذلك يعني أن عاشوراء "بدايتها في كربلاء" لكن "امتدادها ما دام التاريخ"، يعني أن خيمةَ الحسين "قائمةٌ دائماً"، حتى يحتشد فيها منتظرو المهدي. ويعني أن "عاشوراء المحْمَرّة" جالسةٌ بانتظار "اخضرار الظهور". و المنتظرون لقيام المهدي فقد صاروا ما بين عاشوراء القانية الحمراء وانتظار الظهيرة الخضراء.
الحقيقة الثالثة هي أن عاشوراء "مجموعةٌ من القدوات". ففي الركبِ الحسيني، هناك الشيخ والشاب والمراهق وحتى الرضيع ذو الستة أشهر. وهناك المرأة والرجل، العرب والعجم، المسلم والمسيحي، الأبيض و الأسمر.
لماذا؟ سرّ جمال ألبوم التاريخ هذا يكمن في أنه ينفي وجود المبرر عند أي أحد كي يدّعي أنه لا يستطيع الاقتداء بعاشوراء، فعاشوراء لديها الأسوة الحسنة والنموذجية لكلّ دورٍ وصنف. شخصيات عاشوراء؛ يُعتَبرون حقاً (سوبراستار المعنوية) "الانجم المعنوية" "للجميع" و "للأبد".
أن يتمتع الأربعين بهذه الأهمية التي تجعل منه "علامةً لإيمان" الشخص المومن، يرجع سببه إلى إثبات أنّ كل مغرمٍ بمحيطِ السكينة والإيمان، لابد و يصل قلبه و نفسه "كل مرةٍ" إلى بحر كربلاء ويمتحن نفسه هناك. إذ كان هناك من ادّعوا الإيمان لكنهم خسِروا في كربلاء.
لا بد لكل من یدعي الإیمان، أن يصل كربلاء وأن يهيأ نفسه لينهل من رأسمالها وليسترجع نفسه ويستعد للسفر مع شهداءكربلاء. يعلمنا الاربعين ان لا حق لاحد بإدعاء قول: یا ليتني كنت معكم فأفوز فوزا عظیما. الأربعين يعلّمنا أن كربلاء ليست "فرصةً للتمني" بقول "يا ليتنا" فحسب، بل یجب "المُضِيّ" في الطريق الذي فتحه الحسين أمام البشرية.
بقلم: أ.د. يحيى الجهانگیري السهروردي و فاطمة الموسوي