۱ اردیبهشت ۱۴۰۳ |۱۱ شوال ۱۴۴۵ | Apr 20, 2024
الإمام موسى الصدر

وكالة الحوزة ـ اهتم الامام موسي الصدر منذ بدايات عمله في لبنان بإحياء ذکري عاشوراء، وبإلقاء الخطب في هذه المناسبة للتحدث عن مفاهيم عاشوراء والقيم التي تمثلت فيها.

وكالة أنباء الحوزة ـ اهتم الامام موسی الصدر منذ بدایات عمله في لبنان بإحیاء ذکری عاشوراء، وبإلقاء الخطب في هذه المناسبة للتحدث عن مفاهیم عاشوراء والقیم التي تمثلت فیها، فمن هذه الخطب محاضرة ألقاها في کلیة العاملیة ببیروت تحت عنوان "رحلة الشهادة"  تحدث فیها عن اسباب حادثة کربلاء و عظم المأساة و أبعاد المعرکة و عن أهداف الإمام الحسین (عليه السلام) وطریقته في الوصول الی هذه الاهداف، وذلك  في الاول من شهر شباط/فبرایر 1974، نقدم لکم فیما یلي مقتطفات من هذه المحاضرة:

بسم الله الرحمن الرحیم
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

....حتى صباح عاشوراء، أوصى «الحسين» أصحابه بما كان يوصي أصحابه به أمير المؤمنين في جميع الحروب، ومن قبلهما رسول الله معلمهم ونبيهم وسيدهم: «لا تبدأوهم قبل أن يبدأو بكم وقبل أن يبدأوكم». فحتى في نهار عاشوراء، وعندما طُوِّق «الحسين» وتبين أن الموت محتوم، حتى في هذا الوقت ما بدأ بالضرب ولا أمر أن يبدأوا بالضرب. فوجد الناس الحضور، المأجورون، المتفرجون، ومن ورائهم الأمة جميعها، وجدوا أن حرب «الحسين» حرب شريفة، وحرب «يزيد» حرب ظالمة لا تبقي ولا تذر، تقتل الكبير والصغير، وتمنع الماء، وتسبي النساء وتحرق الخيام. وهو بعد ذلك، يأمر بسحق الأجساد ويتوقع أن رمال الصحراء المتحركة تغطي أجساد «الحسين» وأهل بيته فلا تبقي منهم أثرًا.
هذه الواقعة بالشكل الذي مارسه «الحسين» أوضحت الحقيقة وكشفت الواقع ووضعت الصورة أمام الأمة. فالأمة من خلال هذه الصورة حكمت. الأمة وجدت أن السكوت لا يجوز، وأن المسايرة ذلّ، وأن «الساكت عن الحق شيطان أخرس»؛ وجدت الأمة كل ذلك، فبدأت تتحرك الثورة تلو الثورة، والحركة تلو الحركة، والاحتجاج تلو الاحتجاج. فبدأت الحركة بالمعسكرات من الرجال ومن النساء. وبدأت الحركة في كل مدينة مرّت القافلة عليها عندما كانوا يتساءلون ويسألون عن واقع الأمر، فكانت «زينب» تكشف لهم الحقيقة فيتوبون ويندبون ويلومون أنفسهم ثم يخرجون لضرب الأعداء.
بدأت الحركات، ثم بدأت ثورة «التوابين» ثم خرج «المختار بن أبي عبيد الله الثقفي»، ثم تحركت هنا فئة وهناك فئة حتى جاءت ثورة بني العباس فقضت على بني أمية. وهذه الفترة من مقتل «الحسين» إلى زوال بني أمية، الشعارات المرفوعة من قبل جميع الثوار وجميع المعترضين وجميع المحتجين وجميع الرافضين، كان شعار «يا لثارات الحسين». فالثأر والعمل والدفع والمحرك في جميع هذه الحركات كان حسينيًا. كيف تمكن «الحسين» أن يحرك كل هذه الضمائر الغافلة النائمة؟ بتضحيته، بكشف الواقع أمام أعين الناس... بخطه، بموته، بإيضاحه للحقائق، كشف الأمر للجميع فبنو أمية زالوا...
كان «يزيد» يريد أن يقضي على الإسلام، ولكن بعدما حصلت ثورة «الحسين»، حتى «يزيد» تراجع لأنه وجد أن في بيته أقيمت تعزية «الحسين»، ومن حوله من أهله بدأوا يوبخونه، فقال: «قاتل الله ابن مرجانة، إنه قد استعجل في هذا الأمر». فحمّل المسؤولية لـ «ابن مرجانة»، لـ «عبيد الله بن زياد»، وبذلك لم يمكنه «الحسين» (ع) من تقدير ما كان ينوي أو ما نُويَ وكُلِّفَ «يزيد» بتنفيذه. وبعد ذلك، وإلى مدى التاريخ، هذه الثورة التي انتقلت من الصحراء، من وسط الرمال انتقلت إلى جميع العالم الإسلامي، انتقلت أيضًا من سنة إلى سنة ومن جيل إلى جيل، ومن قرن إلى قرن، حتى بقيت إلى هذا اليوم، وبقيت بين أيدينا أمانة نستفيد منها، ونتمتع بها ونستقي منها كل يوم أمرًا جديدًا، وتصحيحًا جديدًا، وموقفًا جديدًا، وحركة جديدة، وثورة جديدة، وعملًا صالحًا، وتضحية كاملة مفيدة، في سبيل دفع الظلام ومنع الظلم وإبعاد الباطل.
إنه يحدد: «ألا ترون أن الحق لا يُعمل به وأن الباطل لا يُتناهى عنه؟» هذان العاملان فقط يكفيان: «ليرغب المؤمن في لقاء الله محقًا». وهذا اليوم، وفي كل يوم، عندما نقف أمام هذه اللوحة الخالدة، أمام هذا السراج المشتعل بزيت دم «الحسين»، أمام هذه المنارة التي بنيت على جماجم أصحاب «الحسين»، أمام هذه الواقعة التي فُجِّرَت بدمه الطاهر، ودماء أبنائه وأحفاده وأطفاله، أمام هذه الصورة التي نجد إلى جانبها تضحية الكبير، من بلغ عمره الثمانين كـ «حبيب بن مظاهر»، ومن لم يبلغ الحلم كـ«القاسم»، تضحية الأبيض إلى جانب تضحية الأسود، تضحية الموالي إلى جانب تضحية المعادي التائب كـ «زهير بن القين» و«الحر بن يزيد الرياحي». التضحية للرجال وللنساء، التضحية لكل فرد. ولكن هذه المجموعة، هذه النخبة التي كانت مع «الحسين» وضعت كل وجودها في سبيل القضاء على الظلم، ومن يضع كل وجوده في كفة الميزان ينتصر.
أتذكر يومًا كنت مع جماعة من إخواننا الفلسطينيين في مصر. فكنا على مائدة، ومن وسط المائدة قام أحد الشباب وقال: «بخاطركم»... الحضور قال له: مع السلامة. فما سمعت بكاءً ولا وداعًا ولا صوتًا ولا عويلًا ولا صريخًا لا من الرجال ولا من النساء، فسألتهم: إلى أين ذاهب؟ قالوا: إلى الجبهة. فاستغربت ذلك: أليس من وداع؟ قالوا: نحن وضعنا الجيل ثمنًا لتحرير فلسطين، ومن وضع الجيل ومن وضع نفسه في سبيل تحرير أمته ينتصر. هذا هو المقياس الذي يعلمنا إياه «الحسين». «الحسين» يقول مهما كان «يزيد» كبيرًا، ومهما كان جنده كثيرًا، ومهما كان تضليله عامًا وشاملًا، ومهما كانت أفكاره جهنمية ومنتشرة، ضع التضحية في الميدان، فيفرون عنك كالجراد المنتشر.
ويقول أحد المحدثين من كتّاب السير: فوالله ما رأيت مقتولًا قط قد قتل ولده وأهل بيته جميعًا وهو في حالة العطش [...] ولكن وجهه كالبدر، يكروّن عليه فيكرّ عليهم، فيفرقهم كالجراد المنتشر. لا في الصحراء فقط بل في التاريخ. هناك كان «الحسين» أمام ثلاثين ألفًا ولكن في خارج الساحة، كان «الحسين» أمام مئات الوجوه، فكان يفرق الظَلَمة وأهل الباطل كالجراد المنتشر. هذه الصورة تكشف أن الحق ينتصر، أن الحق من الله، أن الحق هو الغالب. القرآن الكريم يقول: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء، 18] هذا هو منطق القرآن.
نحن اليوم ماذا نقول؟ في هذا المكان: مكان الإشعاع، مكان العلم، مكان العطاء، مكان التضحيات، المكان الذي نرى على كل حجارته أثرًا وتضحية وسخاء وعطاء. نرى في كل حجارة جهدًا، ودم قلب مهاجر، ودم قلب مقيم، ودم دماغ وأعصاب وأفكار المجاهدين، في هذا المكان الذي بُنِيَ للكشف والوضوح، نقول بوضوح حتى نقضي على التضليل: لا نريد هدمًا ولا تخريبًا ولا فسادًا، نريد الإصلاح في أمتنا ما استطعنا، «ألا ترون أن الحق لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه». الثمن، «لئن يرغب المؤمن إلى لقاء الله محقًا»، هذا هو الثمن. الثمن، الوجود الحازم... الثمن، المطالبة الحقة.

 

ارسال التعليق

You are replying to: .