وكالة أنباء الحوزة_ بمناسبة حلول موسم الحج وجه الإمام السيد علي خامنئي نداءً لكافة مسلمي العالم تناول فيه ما يعانيه العالم الإسلامي من ممارسات حكام السعودية. وأشار الإمام خامنئي إلى قيام السعودية بالصد عن سبيل الله ومنعها شعوب العالم الإسلامي من الحج وزيارة بيت الله الحرام. كما تناول قائد الثورة الإسلامية في ندائه تعاون الحكومة السعودية مع قوى الإستكبار العالمي والصهيونية بغية البقاء على عروشهم واستمرارهم في سياساتهم الطاغية والظالمة.
وفيما يلي الترجمة العربية لنداء قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي خامنئي:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين، وصحبه المنتجبين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها الإخوة والأخوات المسلمون في كل العالم.
موسم الحج موسم فخر وعظمة للمسلمين في أعين الخلائق، وموسم نورانية القلوب والخشوع والابتهال أمام الخالق. الحج فريضة قدسية ودنيوية وإلهية وجماهيرية، فالأمران الإلهيان: «فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبائكمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا» (1)، و«وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ» (2) من ناحية، والخطاب الإلهي القائل: «الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ» (3) من ناحية أخرى، يتناولان الأبعاد المتنوِّعة واللامتناهية للحج.
في هذه الفريضة المنقطعة النظير، ينيرُ أمنُ الزمانِ والمكانِ قلوبَ الناس كعلامة بيّنة ونجم لامع، ويُخرِج الحاجَّ من طوق العوامل التي تسلب الأمن والتي يهدِّد بها الظالمون المهيمنون جميعَ البشرية دائماً، ويتذوق لذةَ الأمان لفترة معينة.
الحج الإبراهيمي الذي أهداه الإسلام للمسلمين هو مظهر العزة والمعنوية والوحدة والعظمة، ويستعرض عظمة الأمة الإسلامية واتكالها على القدرة الإلهية الأبدية أمام أنظار الأعداء وذوي الطويّة السيئة، ويُبرِّز المسافة الفاصلة بين المسلمين وبين مستنقع الفساد والحقارة والاستضعاف الذي يفرضه العتاة والمتغطرسون الدوليون على المجتمعات البشرية.
الحج الإسلامي والتوحيدي مظهر «أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ» (4). إنه موطن البراءة من المشركين، والألفة والوحدة مع المؤمنين.
إنّ الذين يهبطون بالحجّ إلى سَفرة زيارية - سياحية، ويخفون عداءهم وحقدهم على الشعب الإيراني المؤمن الثوري وراء عنوان «تسييس الحج»، هم شياطين صغار حقراء ترتعد فرائصهم من تعرض مطامع الشيطان الأكبر - أمريكا - للخطر. الحكام السعوديون الذين صدّوا هذه السنة عن سبيل الله والمسجد الحرام، وسدّوا طريق الحجاج الإيرانيين الغيارى المؤمنين عن بيت الحبيب، هم ضالون مخزيّون يعتبرون بقاءهم على عرش السلطة الظالمة رهناً بالدفاع عن مستكبري العالم، والتحالف مع الصهيونية وأمريكا، والسعي لتحقيق مطالبهم، ولا يتورّعون في هذا السبيل عن أية خيانة.
مرّ اليوم قرابة السنة على أحداث منى المدهشة، التي قضى فيها عدة آلاف ممن نحبهم مظلومين في يوم العيد، وبثياب الإحرام، تحت الشمس، وبشفاه ظامئة. وقبل ذلك بفترة وجيزة تضرّج عددٌ من الناس في المسجد الحرام بدمائهم وهم في حال العبادة والطواف والصلاة. الحكام السعوديون مقصّرون في كلا الحادثتين، وهذا أمر أجمع عليه كل الحاضرين والمراقبين والمحللين التقنيين. وقد طرحتْ ظنونٌ من قبل بعض المختصين حول عمدية الحادث. ومن المؤكد والقطعي وجود تعلل وتقصير في إنقاذ أرواح الجرحى الذين ترافقت أرواحهم العاشقة وقلوبهم المشتاقة في يوم عيد الأضحى مع ألسنتهم الذاكرة لله والمترنّمة بالآيات الإلهية. لقد زجّهم الرجال السعوديون المجرمون القساة القلوب مع الموتى في كانتينرات مغلقة، وقتلوهم شهداءً بدل معالجتهم ومساعدتهم أو حتى إيصال الماء لشفاههم الظامئة. فقد فقدتْ عدةُ آلاف من العوائل من بلدان مختلفة أحباءها، وفُجعت شعوبها. وقد كان هناك قرابة الخمسمائة شخص من الجمهورية الإسلامية الإيرانية بين هؤلاء الشهداء. ولا تزال قلوب العوائل جريحة مكتوية، ولا يزال الشعب حزيناً غاضباً.
و بدل أن يعتذر حكام السعودية ويبدو ندمهم ويلاحقوا المقصّرين المباشرين في هذه الحادثة المهولة قضائياً، تملّصوا بمنتهى الوقاحة وعدم الخجل حتى من تشكيل هيئة تقصّي حقائق دولية إسلامية. وبدل الوقوف في موضع المتهم وقفوا في موضع المدّعي، وأعلنوا بخبث واستهتار أكبر عن عدائهم القديم للجمهورية الإسلامية الإيرانية ولكل راية إسلامية مرفوعة ضد الكفر والاستكبار.
إن أبواقهم الإعلامية - سواء الساسة الذين تعدّ تصرفاتهم حيال الصهاينة وأمريكا عاراً على العالم الإسلامي، أو مفتوهم غير الورعين وآكلو الحرام الذين يفتون علانية بخلاف الكتاب والسنة، وصولاً إلى مرتزقتهم الصحافيين الذين لا يمنعهم حتى الضمير المهني من الكذب وصناعة الأكاذيب - تسعى عبثاً إلى اتهام الحكومة الإيرانية بحرمان الحجاج الإيرانيين من حجّ هذه السنة. الحكام المثيرون للفتن الذين ورّطوا العالم الإسلامي في حروب داخلية وقتل وجرح الأبرياء عن طريق تأسيس وتجهيز الجماعات التكفيرية الشريرة، وراحوا يغرقون اليمن والعراق والشام وليبيا وبلدان أخرى في الدماء، هم متلاعبون سياسيون لا يعرفون الله، ويمدون يد الصداقة نحو الكيان الصهيوني المحتل، مغمضين أعينهم عن آلام الفلسطينيين ومصائبهم المهلكة، وينشرون مديات ظلمهم وخيانتهم إلى مدن البحرين وقراها. الحكام عديمو الدين والضمير الذين خلقوا فاجعة منى الكبرى، وانتهكوا، باسم خدمة الحرمين، حرمة الحرم الإلهي الآمن، وقتلوا ضيوف الله الرحمن في يوم العيد في منى، وفي المسجد الحرام قبل ذلك، يتشدّقون الآن بعدم تسييس الحج، ويتهمون الآخرين بالذنوب الكبرى التي ارتكبوها هم، أو تسببوا بها. إنهم مصداق تامّ للبيان القرآني الكريم الساطع بالأنوار: «وَإِذا تَوَلّىٰ سَعىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ» (5)، «وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ» (6).
وفي هذه السنة أيضاً تفيد التقارير أنه فضلاً عن صدّ الحجاج الإيرانيين وحجاج بعض الشعوب الأخرى، وضعوا حجاجَ باقي البلدان ضمن نطاق سيطرات ومراقبات غير معهودة بمساعدة الأجهزة التجسسية الأمريكية والصهيونية، وجعلوا بيت الله الآمن غير آمن على الجميع.
على العالم الإسلامي - سواء الحكومات أو الشعوب المسلمة - أن يعرف حكام السعودية، ويدرك بنحو صحيح حقيقتهم الهتّاكة غير المؤمنة التابعة المادية. على المسلمين أن لا يتركوا تلابيب الحكام السعوديين على ما تسبّبوا به من جرائم في كل العالم الإسلامي. وعليهم أن يفكروا تفكيراً جاداً بحلّ لإدارة الحرمين الشريفين وقضية الحج بسبب سلوكهم الظالم ضد ضيوف الرحمن. التقصير في هذا الواجب سيعرض الأمة الإسلامية مستقبلاً لمشاكل أشد جسامة.
أيها الإخوة والأخوات المسلمون، مكان الحجاج الإيرانيين المشتاقين المخلصين خالٍ هذه السنة في مراسم الحج، لكنهم حاضرون بقلوبهم، وهم إلى جانب الحجاج من كل أرجاء العالم، ويسألون الله أن لا يمكّن الشجرة الملعونة للطواغيت أن تنالهم بسوء. إذكروا إخوتكم وأخواتكم الإيرانيين في أدعيتكم وعباداتكم ومناجاتكم، وادعوا لرفع المعضلات عن المجتمعات الإسلامية، وتقصير أيدي المستكبرين والصهاينة وعملائهم عن الأمة الإسلامية.
إنني أحيّي ذكرى شهداء منى والمسجد الحرام في العام الماضي، وشهداء مكة في سنة 66 [1987 م]، وأسأل الله عزّ وجلّ لهم المغفرة والرحمة وعلوّ الدرجات، وأبعث السلام لسيدنا بقية الله الأعظم روحي له الفداء، سائلاً دعاءه المستجاب لرفعة الأمة الإسلامية ونجاة المسلمين من الفتنة وشرور الأعداء.
وبالله التوفيق وعليه التُكلان
آخر ذي القعدة 1437
الهوامش:
1 - سورة البقرة، الآية 200 .
2 - سورة البقرة، الآية 203 .
3 - سورة الحج، الآية 25 .
4 - سورة الفتح، الآية 29 .
5 - سورة البقرة، الآية 205 .
6 - سورة البقرة، الآية 206 .