وكالة أنباء الحوزة - يحمل شهر رمضان المبارك بين طيّاته مجموعةً من الأحداث والذكريات التاريخية، منها المفرحة وأخرى محزنة ومؤلمة. ومن تلك الذكريات المؤلمة على قلب رسول الله وأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين) هي وفاة أمّ المؤمنين والزوجة الوفية للنبيّ الأكرم محمد (عليه وعلى أهل بيته أفضل الصلاة وأتمّ التسليم)، السيّدة خديجة الكبرى (رضوان الله عليها)، التي تُصادف ذكرى وفاتها في اليوم العاشر من شهر رمضان. فبعد عشرة أعوام من البعثة النبوية المباركة وقبل الهجرة بثلاث سنوات، رحلت هذه السيّدة الطاهرة عن الدنيا تاركةً خلفها جرحاً وحزناً كبيراً في قلب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) وفي قلوب الأمّة الإسلامية. فقد كانت السند العاطفي والقلبي له؛ وممّا زاد من حزن النبي وألمه أنّ وفاتها جاءت في العام نفسه الذي توفّي فيه عمّه أبو طالب (رضوان الله عليه)، الذي كان السند السياسي والاجتماعي له. لهذا، لم ينسَ النبي هذا العام طوال حياته، وسُمّي بــ"عام الحزن".
أمّ المؤمنين السيّدة خديجة بنت خويلد (رضوان الله عليها) هي: خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العُزّى بن قصي القرشية الأسدية، وكانت تُلقّب بالطاهرة. كانت من أفضل نساء قريش والمكيين خَلقاً وخُلقاً، وتمتّعت بمواهب عديدة: منها عقلٌ راجح وحكمةٌ وثروةٌ واسعة. حتى روى الشيخ المجلسي (أعلى الله مقامه) صاحب كتاب "بحار الأنوار" أنَّ لها بيتاً يسع أهل مكّة آنذاك.
كانت خديجة أول من آمن بالله تعالى. وقد ورد عن ابن عباس أنّه قال: «أوّل مَن آمن برسول الله (صلّى الله عليه وآله) من الرجال علي (عليه السلام)، ومن النساء خديجة (رضي الله عنها)». وتحملت مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أعباء رسالة الله تعالى، فكانت تشاركه آماله وآلامه، وتتحمّل معه شظف العيش بعد غضارته. فقد بذلت كلّ ما ملكته طوال حياتها؛ لتُعطي المثلَ الأسمى للمرأة المؤمنة. وعلى كلّ حال، فإنَّ خديجة (رضوان الله تعالى عليها) بعد أن تزوّجها رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله) كان لها الدور الفعّال في مساندة النبيّ في تحمّل أعباء رسالة الله تعالى، حيث كانت تخفّف عليه المصاعب والتحدّيات التي كان يواجهها من قِبل كفّار قريش.
تزوّجت (رضي الله عنها) من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في العاشر من ربيع الأوّل، وكانت في عمر الأربعين [على بعض الآقوال]، بينما كان عمره (صلّى الله عليه وآله) خمساً وعشرين سنة. ولم يتزوّج غيرها في حياتها حتى تُوفّيت (رضي الله عنها). وقد اختلفت الأقوال في عدد أولادها من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ولكن من المسلّم أنّ القاسم والسيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) منها، والقاسم قد توفّي في حياة النبي (صلّى الله عليه وآله)، وبه كان يُكنّى.
للسيّدة خديجة (رضي الله عنها) مكانةٌ ومنزلةٌ عالية يغبطها عليها الملائكة المقرّبون، حتى أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال فيها: «خيرُ نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد».
ولمّا توفّيت خديجةُ، أخذ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في تجهيزها وغسّلها وحنّطها. فلمّا أراد أن يكفّنها، هبطَ الأمينُ جبرائيل وقال: «يا رسول الله.. إنّ الله يُقرئك السلام ويخصّك بالتحية والإكرام ويقول لك: يا محمّد، إنّ كفن خديجة من عندنا، فإنّها بذلت مالها في سبيلنا». فجاء جبرائيل بكفنٍ، وقال: «يا رسول الله، هذا كفنُ خديجة، وهو من أكفان الجنّة أهداه الله إليها».
فكفّنها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بردائه الشريف أوّلاً، وبما جاء به جبرائيل ثانياً، فكان لها كفنان: كفنٌ من الله، وكفنٌ من رسوله. وتوفّيت ولها من العمر 65 سنة، ودُفنت في مقبرة الحَجُون في مكّة المكرّمة. ونزل رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله) في حفرتها، ولم تكن يومئذٍ سُنّة صلاة الجنازة قد شُرّعت حتى يصلّي عليها.
المصدر: العتبة العباسية
تعليقك