وكالة أنباء الحوزة - ألقى ممثل آية الله السيستاني في اوروبا السيد مرتضى الكشميري كلمة في مؤسسة الزهراء (ع) بمدينة نوتنغهام في المملكة المتحدة وهنّأ العالمَ الإسلامي بولادة الصادقين، النبي الصادق الأمين محمد بن عبد الله (ص) وحفيده الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) وقال: لا بد لنا في ذكرى ولادة المولودين العظيمين ان نعاهدهما على العمل بكتاب الله وسنة النبي (ص) والعترة الطاهرة (ع).
واليكم نص حديثه:
يحتفل العالم الاسلامي بولادة النبي المصطفى (ص) في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول والسابع عشر منه وبولادة ولده الامام الصادق (ع) في نفس اليوم، هذه الولادة التي جاءت لتؤكد الارتباط العضوي والفكري بينه وبين جده المصطفى (ص) وهو ارتباط الفرع بأصله والمعدن بجوهره والمجدد بالمؤسس، فالأصل هو رسول الله (ص) في النسب وفي الرسالة وفي العلم وفي الامتداد الروحي والثقافي والعلمي كله والفرع هو حفيده الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع).
والسؤال الذي يجدر بنا طرحه ونحن نحتفل بهاتين المناسبتين الميمونتين: كيف نحييهما؟ هل بالاحتفالات وانشاد الاناشيد والخطب الرنانة والاهازيج والتصفيق وتوزيع الهدايا واطعام الطعام وغير ذلك مما دأب عليه المسلمون في مشرق الأرض ومغربها في احتفالاتهم بهذه المناسبات الكريمة؟
والجواب هو: أن هذا الامر مطلوب ومحبوب وجميل لإظهار البهجة والسرور بمناسباتهم ولا سيما لبراعمنا وفتياتنا لأنها تترك أثرا مهما في نفوسهم وارتباطهم بقادتهم وسادتهم، وذلك عملا بقوله (ع):(يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا). ولكن الأهم من كل هذا ان نستثمر هذه المناسبات لكي نراجع أنفسنا ونحاسبها: هل أدينا بعضا من حق أهل البيت(ع) علينا ؟ هل حفظنا رسالتهم في انفسنا وفي الناس من حولنا ؟ هل التزمنا منهاج الدين الذي بذلوا مهجهم الشريفة في تشييده وإعلاء كلمته؟ هل نحن من المتصفين بمكارم الاخلاق التي انحصرت مهمة الرسول (ص) في احيائها وبعثها في كل الأمم والشعوب والمجتمعات التي تتعرض لانتهاك فطرتها ونواميسها واخلاقها الفاضلة ؟ لذا لا بد لنا في ذكرى المولدين ان نحرص كل الحرص على ان نتثبت من ان الاسلام هو العنوان الذي يعيش بالفعل في كل نفسياتنا وافكارنا وهواجسنا. فليفحص كل واحد منا عقله وينظر هل هو عقل إسلامي او غير إسلامي، ويفحص قلبه هل هو قلب ينفتح على الإسلام او ينفتح على غيره؟
وفي ظل هذه الأجواء المباركة للولادتين، هلموا لنقرأ كلمات الله تعالى التي نتعلم منها كيف تكون علاقتنا مع رسول الله (ص) والامام (ع)؟ ليفحص كلّ واحد منا في ضوئها إسلامه ونفسه، أهو مسلم كما يجب أن يكون أم أنّ هناك بعض الأمراض في حياته تبعده عن الإسلام؟
يقول الله تعالى مخاطباً نبيّه :((قل إن كنتم تحبون الله)) أتحبون الله أم لا؟ ومن الطبيعي أن جميعنا يهتف بمحبة الله، لأنه هو الذي أوجدنا ورزقنا، وهو الذي يدبّر أمورنا، فإذا كنا نحبّ الله، فما هي علامة هذا الحبّ؟ ((فاتّبعوني)) اعملوا برسالتي واتبعوني في الفكر والعاطفة وفي كلّ حركة الحياة ((يحببكم الله)) فإذا اتبعتموني، فإنّ الله سوف يبادلكم حباً بحبّ، لأنّ حبنا لله ليس مجرّد مشاعر وأحاسيس نعبّر عنها بالكلمات، ولكن هو الموقف الذي يجعلنا نتحرّك في خطّ رسالة رسول الله (ص) ((ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم)).
ويقول تعالى في موقع آخر: ((وما أرسلنا من رسول إلا ليُطاع بإذن الله)) إن الرسول ليس مجرّد إنسان يرسله الله ليصفق له الناس ويهتفوا باسمه، ولكنّه أرسل برسالة الله وليُطاع بإذنه ((ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً)) فالله تعالى لا يُغلق رحمته ومغفرته عن التائبين ((فلا وربّك لا يؤمنون)) لا يستحقون صفة الإيمان حتى لو هتفوا بكلمة الإيمان ((حتى يحكّموك فيما شجر بينهم)) بحيث إذا تنازعوا في أيّة قضيّة تتّصل بالفكر أو العاطفة أو المعاملات أو العلاقات، فإنهم يرجعون إلى الرّسول ليحكّموه بشخصه حال حياته، أو ليحكّموا رسالته بعد غيابه عن الدّنيا، لتكون الحدّ الفاصل بين الرّفض والإثبات ((ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلّموا تسليما)).
ويؤكد الله تعالى هذا المعنى في آية مباركة أخرى، فيقول عز من قائل: ((وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم))، يعني لست حراً أيها المؤمن وأيتها المؤمنة إذا أصدر الله أو رسوله حكماً في أن تستقلّ برأيك وتنسجم مع مزاجك، لأنّك عبد لله .. ويقول الله تعالى: ((فآمنوا بالله ورسوله النبيّ الأمّي الذي يؤمن بالله وكلماته واتّبعوه لعلّكم تهتدون))، فإن في اتباع النبيّ الهدى كلّ الهدى الذي يؤدّي بك إلى الجنة.
أيها الأحبّة: إن احتفالنا بذكرى المولدين يفرض علينا أن نجدّد إسلامنا بين يديهما (ع)، وأن نؤكد التزامنا بالإسلام أمامهما، لنقول لهما كما قال المسلمون للنبي (ص) رجالاً ونساءً في بداية الدّعوة: إننا نبايعك على الإسلام كلّه. إننا نقف في هذه المناسبة لنؤكّد بيعتنا لرسول الله (ص) والامام (ع) ولنقول لهما: إنّنا نبايعك على أساس الإيمان بالله وبرسالتك، وعلى أساس الالتزام بك وبرسالتك، لأنّ الله قال لنا: ((ما آتاكم الرّسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)). إنّ الالتزام بالرسالة هو الذي يمثّل خطّ التقوى، والتقوى -كما حدّثنا الله في القرآن- هي سبيل المسلمين إلى الجنّة، فإذا أردنا الجنّة فعلينا أن نتزوَّد بالتقوى في الدنيا، والتقوى هي (أن لا يجدك الله حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمَرَك).
وإلى جانب هذا ينبغي ان نشير الى ان هذا الأسبوع هو اسبوع الوحدة الاسلامية، ومن أبرز مظاهر هذه الوحدة التي لا بد لنا من تطبيقها من منطلق كوننا مسلمين أن نرد النزاع والخلاف إلى الله والرسول ليكون الحوار من خلال ما قاله الله تعالى وقاله رسوله لا على ضوء ما قال فلان وفلان.…
أكرر التهاني للمسلمين بمناسبة هاتين الولادتين العظيمتين، كما اهيب بالمراكز والمؤسسات الإسلامية أن يحيوا المناسبتين بأبهج صورة وأبهى حلة مع الالتزام بالمنهج الرسالي والإيماني القويم. نسأل الله تعالى أن يعيد علينا هاتين المناسبتين كل عام بالوحدة والألفة والمحبة ونبذ الفتن والضغائن إنه سميع مجيب.
((واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون))
المصدر: موقع مؤسسة الإمام علي (ع) في لندن