وكالة أنباء الحوزة - قال السكرتير العلمي لمؤتمر الملا عبد الله البهابادي اليزدي الدكتور حسن عبدي بور في مقالة حول زعامة الملا عبد الله البهابادي: إنّ الزعامة الاجتماعية للعلامة البهابادي في العراق وولاية النجف الأشرف وخاصة بعد سنوات من العزلة الشيعية كانت مدعاة لفخر الشيعة، وقد أدّت إلى بناء المجتمع الشيعي في إطار دولة شيعية.
إليكم نص مقالته:
استنادًا إلى توقيع الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) فإنّ على علماء الشيعة في عصر الغيبة مسؤولية كبيرة في صيانة الشريعة والقيم الدينية بتفويض منه (عجل الله تعالى فرجه) حيث يقول: «وَ أَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ حَدِيثِنَا فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ وَ أَنَا حُجَّةُ اللَّهِ عَلَيْهِم»( إكمال الدين، الشيخ الصدوق، ج ٢، ص ٤٨٣) لذا وفقًا لهذا التوقيع فإنّ صيانة الدين وأصالته المكنونة في مذهب التشيّع تقع على كبار العلماء.
المقصود من علماء الشيعة حفظة الدين العلماء في عصر الغيبة الكبرى الذين كان لهم دور كبير وأساسي في حفظ التشيع وصيانته. لقد انبرى علماء الشيعة في هذا العصر وبمستويات مختلفة إلى صيانة الدي، ومنهم من أرسى أسس تشكيل مجتمع شيعي في ظل حكومة دينية فاستحقوا بذلك لقب صنّاع التاريخ. هذه الثلة من علماء الإسلام التي حملت على أكتافها مسؤولية صيانة الدين مارست هذا الدور بالاستعانة بأساليب عقلانية واستدلالية وفلسفية وكلامية وجدلية، ومن هؤلاء العلماء: ابن هشام، الخواجه نصير الطوسي، المحقق الكركي، الملا عبد الله البهابادي اليزدي، الشيخ البهائي، ميرداماد، ميرفندرسكي، صدر الدين الشيرازي، العلامة الطباطبائي، الشهيد مطهري وغيرهم ... ولكن منهم من لم يكتفِ بالمباحث العلمية والنظرية فقط بل خطا خطوة أبعد في المجال الاجتماعي وتقلّد الزعامة الاجتماعية للمجتمع الشيعي.
إنّ الزعامة الاجتماعية للعلامة البهابادي في العراق وولاية النجف الأشرف وخاصة بعد سنوات من العزلة الشيعية كانت مدعاة لفخر الشيعة، وقد أدّت إلى بناء المجتمع الشيعي في إطار دولة شيعية.
ما أنجزه التشيع بواسطة علمائه المتبصرين بعصرهم في عهد الدولة الصفوية ظلّ حتى اليوم ذخرًا عظيمًا لعالم التشيع، فقد استطاع هؤلاء العلماء ترسيخ مقولة أنّ صيانة الهوية الشيعية وعزّة مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ورفعته رهن بالجهاد الفكري والحضور الاجتماعي للعلماء وخدام أهل البيت (عليهم السلام). لقد استُنفر عالم التشيّع في العصر الصفوي ممثّلًا بعلمائه صناع الحضارة وثاقبي النظر الذين تقاطروا من أماكن عديدة: من جبل عامل والعراق، وتمركزوا في إيران الشيعية ليكتبوا فصلًا جديدًا في التاريخ ويبرهنوا على أنّ توسّع مذهب أهل البيت (ع) وازدهاره متاح في ظلّ قيام الحكومة الشيعية فحسب.
على الرغم من البحوث العديدة التي أُنجزت في العصر الصفوي إلّا أنّ أهمية دور علماء الشيعة في هذا العصر وعظمته ظلت خافية علينا حتى اليوم. بل قل إنّ البعض قد وضع علامة استفهام حول نشاطات أولئك العلماء وشكك في حضورهم في الساحة السياسية والاجتماعية وراح يفسّر ولوج العلماء في حقل السياسية في العصر الصفوي وكذلك في عصر الثورة الإسلامية الإيرانية وتأسيس الحكومة الدينية تفسيرًا سلبيًا ومشوهًا، حتى جاء مفجّر الثورة الإسلامية الإمام الخميني ودحض هذه الفكرة الخاطئة التي صنعتها العقول الصغيرة والمنحرفة ليُبرز من خلال تدخل العلماء في حقل السياسة والاجتماع فاعلية وعظمة مذهب التشيّع وتفوقه المضطرد في العالم الإسلامي، بحيث صار الجميع في وقتنا الحاضر يشهد على ازدهار المذهب الشيعي واعتلائه وينهل من نمير العقائد الشيعية الصافي.
على مدى قيام الدولة الصفوية الشيعية وكذلك منذ بداية الثورة الإسلامية برز فريق من العلماء المجاهدين والواعين الذين قدّموا خدمات جليلة لعالم التشيّع متنكرين لمصالحهم الشخصية ومتمسكين بالمسؤولية السياسية والاجتماعية.
وكان العلامة البهابادي واحدًا من هذا الفريق المجاهد من العلماء وخدام المذهب الشيعي الذي رفع لواء الخدمة لسنوات مديدة بوصفه أول حاكم للنجف الأشرف منتدب من قبل الدولة الشيعية ومنح المجتمع الشيعي هوية جديدة فأدّت هذه الجهود إلى ازدهار الحوزة العلمية بالنجف الأشرف وإلى انتعاش وتوسعة العمران في هذه الولاية الشيعية المهمة.
إنّ مراجعة هذه المرحلة المهمة من تاريخ التشيع في إيران والعراق تمثّل إحدى رسالات الحوزات العلمية ويُنتظر من العلماء والباحثين أن يشمّروا عن سواعد الهمة ويساهموا في هذه المراجعة لتسليط الضوء على هذه المرحلة التاريخية المضيئة.