وكالة أنباء الحوزة - وفيما يلي نص رسالة سماحة آية الله عبد الله جوادي الآملي:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمدلله ربّ العالمین وصلّی الله علی جمیع الأنبیاء والمرسلین والأئمة الهداة المهديّين لا سیّما خاتم الأنبیاء وخاتم الأوصياء عليهم آلاف التحية والثناء، بهم نتولّی، ومن أعدائهم نتبرّأ إلی الله.
السلام علیکم
بادئ ذي بدء، نرحب بالاقتصاديين والنشطاء الثقافيين الأعزاء.
ان القرآن الكريم قد ذكر العناصر المركزية للاقتصاد في عدة آيات شريفة: أولاً، يقدم القرآن المال باعتباره العمود الفقري للأمة والمجتمع. فقد جاء في أوائل سورة النساء "لَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاما"، لأن ثروة الوطن هي سبب قيام الأمة وصمودها واستقرارها. وإذا ما استحوذ سفيهٌ على العمود الفقري للأمة، فسوف يكسر ذلك العمود الفقري، ويسوي تلك الأمة بالأرض.
لذا فإن العنصر الأول في النظام الإسلامي هو المال الذي هو العمود الفقري للأمة. والعنصر الثاني يتمثل في ضرورة الحفاظ على ذلك العمود وعدم إتلافه بالربا ونحوه، إذ إن الأمة ستصبح حينذاك أمة فقيرة.
في الثقافة القرآنية، الأمة ذات الجيوب الفارغة أمة فقيرة. والفقير ليس هو المتسول فحسب. في اللغة الفارسية، ليس لدينا كلمة دقيقة لوصف أمة مكسور عمودها الفقري فنقول متسولة، إلا أن كلمة التسول ليس لها أي قيمة علمية. في اللغة العربية يُشار إلى المتسولين على أنهم فقراء ومعوزون، ولكن القرآن الكريم يشير إلى الأمة ذات الجيوب الفارغة على أنها فقيرة. وفقير لا يعني متسول، هي على وزن فعيل بمعنى مفعول (مثل قتيل بمعنى مقتول) فيطلق وصف فقير على الأمة المكسور عمودها الفقري، لأن سبب الانتفاضة والقيام - ألا وهو الثروة - قد فقد ولم يُنتفع منه بالشكل الصحيح. والمسكين له نفس المعنى، أي أنه عاجز، فاقد للقدرة على الحركة: والآية الشريفة (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاکِینِ) لها نفس المعنى. لذا:
المسألة الأولى: إن الثروة في بلد ما هي العمود الفقري لتلك الأمة.
والمسألة الثانية: إذا لم تستطع الأمة أن تحافظ على عمودها الفقري فهي فقيرة، أي ينكسر عمودها الفقري.
المسألة الثالثة هي: الأمة المكسور عمودها الفقري لا تملك القوة على النهوض، ناهيك عن المقاومة، ناهيك عن الاقتصاد المقاوم. الآية في سورة النساء تشير إلى أن: المال سبب النهوض، والأمة التي لا تملك عامل النهوض أمة على كرسي متحرك.
المسألة الرابعة: قد حددت سورة الحشر المباركة أن هذه الثروة لا ينبغي أن تكون في يد الحكومة، ولا ينبغي أن تكون في يد القطاع الخاص، بل يجب أن تكون في يد القطاع العام، أي يجب أن تكون متاحة للجماهير، لكي يكسبوا لقمة العيش من ممتلكات الوطن ويعيشوا حياة كريمة. طبعاً كل شخص يساهم بقدر استعداداته الاقتصادية وقوته الاقتصادية وفهمه وجهده الاقتصادي ليحصل على حصة أكبر، وهذا بمنزلة الدم الذي يجب أن يتدفق في عروق هذه الدائرة الـ 360 درجة، وإذا لم يصل هذا المال إلى جزء من الناس فسيصاب هذا الجزء بالشلل، كالعضو الذي لا يصل إليه الدم فيصاب بالشلل.
وهكذا، فإن المال في الإسلام هو العمود الفقري، والأمة التي لا مال لها فقيرة، أي أن عمودها الفقري مكسور، إذا كان نظام الحكومة نظاماً اشتراكياً شرقياً فإنه يفشل، وإذا كان نظاماً رأسمالياً غربياً يتركز رأس المال فيه في أيدي مجموعة معينة، فإنه يفشل، وإذا كان تلفيقاً بين الحكومة والرأسماليين، فإنه يفشل أيضاً، أما إذا كان شعبياً فسيكون محفوظاً، وبالطبع لن يكون هذا ممكناً بدون بنوك خالية من الربا. لا يمكن الإنتاج والعمل بالربا، وهو حرب مع الله: "ویمْحَقُ اللّهُ الرِّبَا". لذلك، إذا كانت الأمة على هذا النحو، فإنها تهتم بالإنتاج والتوظيف.
المسألة التالية هي أن الاستغلال مكروه في الإسلام. هناك العديد من النواهي التي تحظر على الشخص أن يكون مستغلاً من أحد، لأنه يتخلى بذلك عن كل مكانته العلمية والعملية لهذا الشخص. بطريقة ما، يجب أن يُدار المجتمع اقتصادياً بحيث يجلس الجميع على طاولتهم الخاصة، لا أن يعمل الفرد كالمرتزقة عند شخص آخر ليحصل منه على مقابل مادي. إن شأن الأمة في ظل كرامة شعبها.
من مجموع هذه الآيات القليلة يتضح لماذا كان علي بن أبي طالب (عليه أفضل صلوات المصلين) يجلد ويهدد سوق الكوفة في عهده. ويقول: "الْفِقْهَ ثُمَّ الْمَتْجَر"، ليعرض نموذج السوق الإسلامي على المجتمع. يعني أولاً: الإلمام بأمور الفقه تجنباً للدغة الربا وضرره، ثم التجارة. وقد تم ذلك من خلال الوجود المبارك لأمير المؤمنين (عليه السلام) حتى يرتزق السوق الإسلامي بالحلال، ولا يصاب المجتمع بالفقر والتبعية، ولا يتلوث بالمحرمات.
وأخيراً، نأمل أن يكون مجتمعنا الإسلامي على هذا النحو.
اللهم؛ احفظ نظامنا وقائدنا ومراجعنا وأمتنا وبلدنا في ظل الإمام صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
واحشر الأرواح الطاهرة لإمامنا الراحل وشهدائنا مع الأولياء الربانيين، واحفظ الدولة والأمة والوطن في ظل وليك، ورد كيد العدو في نحر الاستكبار والصهيونية.
غفر الله لنا ولکم والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته.