۳۰ فروردین ۱۴۰۳ |۹ شوال ۱۴۴۵ | Apr 18, 2024
السيد الصافي

وكالة الحوزة - قال السيد الصافي: "اليوم نحن نستذكر شهداءنا بأحرفٍ من نور، ونقف أمام الإخوة من الجرحى حتّى يقبلوا منّا أن نكرّمهم، فهم الذين منعوا الظلام أن يخترق البلد".

وكالة أنباء الحوزة - الحضور الكريم.. سلامٌ من الله عليكم ورحمةٌ وبركات، وأخصّ بالسلام والدعاء أبناءنا الأعزّاء الذين نتشرّف أن نلثمَ أياديهم الكريمة، لما بذلوه من جهدٍ كبير وعناءٍ طويل، فكانوا نِعم العون لهذا البلد ليحموه ممّا ألمَّ به من إصابةٍ أرادتْ أن تدمّرَ العبادَ والبلاد، فلنا منهم الشكرُ المتواصلُ والدعاءُ الدائم، أن يحميهم اللهُ تعالى دائماً وأن يكتبَ لهم أعماراً في خدمة هذا البلد.
بهذه العبارات استَهَلَّ المتولّي الشرعيّ للعتبة العبّاسية المقدّسة سماحةُ السيّد أحمد الصافي (دام عزّه)، كلمته التي ألقاها في حفل التكريم الأوّل لجرحى فتوى الدّفاع الكفائيّ، الذي أُقِيم بعد ظهر هذا اليوم الجمعة.
وقال السيّد الصافي: "أرجو الله تعالى أن تكون هذه بادرةً أولى تتبعها بوادرُ أُخر، من أجل أن نُلفتَ نظر مَنْ يريد أن يرى العراق بوجهٍ قويّ، ومَنْ يريد أن يراه وهو يتعافى، ويراه وهو ينعم بأبطالٍ أعزّة وسواعدَ مؤمنةٍ وأقوالٍ راجحة".
وأضاف "بعد أن أنعم اللهُ تعالى علينا بالتغيير وبدأ العراقيّون يرسمون مستقبلهم الواعد، وما رافق ذلك من مشاكل ومصاعب قد صبر فيها العراقيّون جميعاً، وتحمّلوا وتحمّلت صدورهم كلّ ما يُمكن أن يحافظ على هذا البلد، فاندفعوا بأجسادٍ خالية واستهدفتهم تلك المفخّخات التي ذهب ضحيّتها العديد من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب".
وتابع "إلى أن تعرّض العراق إلى تحدٍّ كبير وهجمةٍ شرسة، حتّى أخذت بقلب الشجاع وتزلزلت الأرض ببعض الخائفين، وبدأ الشجرُ والتراب والمياه يستنطق بل بدأ الترابُ يستصرخ، ألا هل من ناصرٍ ينصرُ هذا البلد؟! ألا من معينٍ يُعينُ هذا البلد؟! إلى أن نهض بهذا العبء عليٌّ ومَنْ غير عليٍّ أن يستجيب لهذه الصرخات والآهات؟! فهبّ جمعٌ مؤمنٌ واندفَعَ اندفاعةً أخرى لم تكنْ معهودةً من قبل" ، مضيفاً أنّ "المفخّخات كانت تأتينا فسقطت أجسادٌ وذهبت إلى بارئها تشتكي ظلم بني البشر، لكن هذه المرّة الأجساد هي التي ذهبت وهي التي اندفعت، والأرواح سارعت إلى أن تقف عند حدود البلد حتّى تمنع الغرباء أن يأتوا، وتمنع بعض أهل الدار ممّنْ وقَعَ في الفخّ أن يستجيب لنداءاتٍ غير وطنيّة، حتّى جاءت معركةٌ زهاء ثلاث سنوات، لا سبع ولا عشر ولا ثلاثين كما كان يتصوّرها البعض".
واستدرك السيد الصافي "حتّى إذا ما وضعت الحربُ أوزارها وتصفّحنا المشهد، وجدنا هناك أحبّةً قد فارقونا وذهبوا إلى الله تعالى مضرَّجين بدمائهم الزكيّة، قد استجابوا لنداء الفتوى ونداء الوطن والمقدّسات، وتصفّحنا مشهداً آخر وجدنا فيه مقاتِلِين أعزّة قد بقت تلك الآثارُ في أجسادهم، وهي شاهدٌ عيان على ما جرى".
وأضاف "اليوم نحن نستذكر شهداءنا بأحرفٍ من نور، ونقف أمام الإخوة من الجرحى حتّى يقبلوا منّا أن نكرّمهم، فهم الذين منعوا الظلام أن يخترق البلد، وإنّي مخاطبٌ إخوتهم أقول لهم بكلّ اعتزازٍ وفخر أنتم الفخر، وأنتم الذين صُنتُم العِرضَ والشرفَ والمقدّسات، أنتم العزّة والكرامة ، أخاطبكم ومَنْ على شاكلتكم، أخاطبكم ومَنْ يرضى بفعلكم، أمّا الذين لا يرضون بفعلكم فكفاكم أنتم الأعزّة وهم الأذلّة، وأنتم الكرامة وهم غير الكرامة، وأنتم الفخر والشرف، هذا العراق مملوءٌ على طول السنين بدماءٍ تنزف، لكن هذه الخارطة البيضاء عادت بيضاءَ من أقصاها إلى أقصاها، وما كان لها أن تعود إلّا أن تكون مطرّزةً بدماءٍ زكيّة، وما كان لسحائب الظلام أن تنقشع لولا هذا الإصرار العنيف منكم".
وأشار "على الرغم من معرفتي بظروف البلد، لكنّي أريد أن أختار عباراتٍ، ففي بعض الحالات العبارات تكون عصيّة، أعتقد أنّ كلّ واحدٍ من الإخوة لديه ليس قِصّة فقط إنّما قصص، وهذه القصص هي التي حفظت البلاد، هي التي نهضت بالبلد الآن وأعادت له الحياة، أنا أعتقد -وأقصد عموم البلد- قد نقصّر مع أبطالنا على طول التاريخ، ونقصّر مع مَنْ وقفَ شامخاً، لكن صدّقوني لولاكم لتحوّل العراق إلى مناجم من جماجم، أنتم قد لا تعلمون ما الذي أحدثتُمُوه، أحدثتُم شيئاً كبيراً وغيّرتم معالم الواقع المفترض، أنتم باندفاعكم واستجابتكم وصمودكم أسّستُم إلى رؤيةٍ جديدة" ، موضّحاً أنّ "البعض قد يقول: لم نرَ اهتماماً من بعضِ الساسة والمسؤولين، أنا لا أتحدّث عن هذه الجهة، أنا أتحدّث عن شعبٍ حيّ وعن بطولاتٍ كُتِبت بأحرفٍ من نور، أتحدّث عن أبطالٍ نُباهي بهم باقي البلدان، أنتم صنعتُم تاريخاً لكن المشكلة أنّ البعض لا يحبّ أن يقرأ ولا يريد أن يقرأ، وأنتم قد صنعتم تاريخاً لمَنْ يريد أن يقرأ، وقرّاءُ التاريخ ليس بالضرورة أن تشهدوهم اليوم، ما امتدّ بنا الزمن إذا شاء الله كما قرأنا بطولات الآخرين وهم أجداكم، فالأحفاد سيقرأون بطولاتكم، مهما صنعنا فهو جزاءٌ قليلٌ بحقّكم، هذا أمرٌ لابُدّ أن نقرّ به مهما فعلنا".
وأوضح السيّد الصافي "هناك قضيّتان تُرسَمان في هذا العصر، القضيّة الأولى التي لابُدّ أن تؤرّخ، وهنا نؤكّد على ضرورة أن توثّقوا بطولاتكم ولا تهملوها، سيُكتَبُ التاريخُ المزوَّر إذا لم تكتبوها أنتم، والقضيّةُ الثانية أمرٌ مهمّ، وهي أنّ ما صنعته النجف وسيّدُ النجف كان أمراً كبيراً وعظيماً، القضيّة الأولى أعتقد أنّها لم تأخذ المحلّ الكافي من اهتمامات البعض، والثانية هي أنتم والشهداء الذين ذهبوا إلى الله تعالى، هذا الجهد الذي بُذِل منكم، وأرى هؤلاء أراهم صورةً لم يكونوا يحلمون بها، البعض منّا عندما كان يرى بطولاتكم يستغرب، يقول: من أين جاءت الشجاعة لهؤلاء الفتية والشيوخ؟!".
وأضاف "أنا رأيتُ في جبهات القتال رجلاً سبعينيّاً وآخر لم يبلغ الحُلم، مَن الذي أخرَجَهم؟ وما الذي أخرَجَهم؟ هذا العراق بلدٌ يمتلك شعباً حيّاً، وهذا الشعب سيتغلّب على جميع الصعوبات، كونوا على أتمّ اليقظة والحذر، هذا العراق بلدٌ قَدَرُنا أن نحبَّه رغم مآسيه، نقدّسه رغم جراحاته، نعيش فيه رغم صعوبته، وإنّنا نعشق هذا البلد لأنّنا نزفنا لأجله دماءً على مدى سنين".
وخاطب الجرحى "أنتم يا إخواني بنفس هذا الوجود المبارك، أنتم شاهدٌ على هذه الحقبة، لكن هذا لا يكفي بل لابُدّ أن تكتبوا، فكلّنا ضيوفٌ على هذه الدنيا وسرعان ما سننتهي منها، والشاهد يموت والسامع يموت، وسائلُ بقاء هذا الشعب حيّاً هو الكتاب والمذكّرات والسيرة، لا تستوهِنْ ولا توهِنْ نفسَكَ ولا تقُلْ إنّي لم أصنعْ شيئاً، أنتَ كنت تتمنّى الشهادة والمقاتلون معك جميعهم أيضاً، عندما ينظرون إليك يرونك وكأنّك تحمل وساماً، نحن نخجل عندما نرى هؤلاء الشباب والفتية وهم بهذه الحرارة والإصرار، الذي يتمنّون أنْ لو كانت المعركةُ باقية، لا لكي يتأذّى العراق بل لأنّهم يحبّون أن يكونوا دائماً في أُهبة الاستعداد والمنازلة، فهنيئاً لكم وهنيئاً لهذا البلد بكم".
وبيّن "أنتم شبابٌ من حقّنا أن نفتخر بكم، وبالعوائل الكريمة التي أنجبتْ هؤلاء الأبطال الذين ضحّوا بالغالي والنفيس، وأنتم عندما ذهبتم إلى القتال لم يكنْ في حسبانكم أن ترجعوا، لا يهمّكم شيء ما دمتم على الحقّ، عليّ الأكبر(عليه السلام) يقول لأبيه الإمام الحسين(عليه السلام): أَوَلسنا على الحقّ؟ لا يهمّنا إن وقعنا على الموت أو وقع الموتُ علينا، المهمّ هذا الحقّ الذي تجسّد فيكم وكنتم أبطال هذا الحقّ ونِعمَ الأبطال".
واختتم السيّد الصافي "أسأل الله تعالى لكم دوام التوفيق والتسديد، وأدعو الله تعالى بكم لهذا البلد الجريح أن يضمّد جراحه من أقصاه إلى أقصاه، وأن يزيد هذه اللّحمة الاجتماعيّة والتكاتف بين أبناء هذا البلد كما صنعتموه أنتم ، اليوم نشهد هذا الحضور الكريم في كلّ محافظاتنا العزيزة، لأنّ الهدف واحد والمعاناة واحدة، أبقاكم الله تعالى ذخراً وذخيرةً لهذا البلد، ومنَعَ الله تعالى بكم وبغيركم كلّ الشرور عن هذا البلد".

ارسال التعليق

You are replying to: .