۱۰ فروردین ۱۴۰۳ |۱۹ رمضان ۱۴۴۵ | Mar 29, 2024
المبعث النبوي الشريف، نقطة عطف في تاريخ البشرية

وكالة الحوزة - عندما يقع البشر في دوامة الماديات ويشعرون بعواقبها الجسيمة من أعماقهم، فإن هذا الوحي وتعاليمه القيّمة هي التي يمكن أن تساعده وتأخذ بيده وتحرره من المتاعب مرة أخرى.

وكالة أنباء الحوزة - نشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي مقالا لسماحة الشيخ علي رضا مكتب دار يتطرق فيه الكاتب إلى شرح الظروف والأجواء المظلمة التي كانت تسود شبه الجزيرة العربية وسائر بقاع العالم قبل بعثة الرسول الأكرم (صلوات الله عليه) والتحول الكبير الذي ساد عالم الجاهلية في حينها مع بزوغ شمس نبي الإسلام حيث تبدلت القيم واتجه العالم نحو فطرته الإنسانية وارتقى نحو الأخلاق الإسلامية السامية.

وأخيراً، بعد سنوات طويلة مرّت على نبوة عيسى بن مريم (ع) ولم تطأ أي رسالة على وجه الأرض، أشرق نورٌ وأضاء كلّ العالم العالق في دوامة الظلام. وفجأة، شعّت غار حراء بالنور، وأشع هذا النور في جميع أنحاء العالم عندما نزل محمد (ص) من الجبل، وبعد ذلك أُطلقَ على الجبل اسم «جبل النور». وهكذا بدأت نبوة رسول الله الخاتم (ص)، الذي ورث جميع الأنبياء من قبله، من أجل إنقاذ الناس من الظلمات التي حلّت بهم. مَنَّ الله على الناس ببعثة آخر رسول منه[1]، وكانت هذه بداية جديدة تَعِدُ بالانتقال من عصر الجاهلية والدخول إلى عصر جديد؛ عصر الازدهار الإسلامي.

شبه الجزيرة العربية في عصر البعثة

كان الوضع في الجزيرة العربية في أيام البعثة يوصف على النحو التالي: كان سُدس أهل شبه الجزيرة العربية فقط من الحَضَر، والباقي كانوا من البدو الرُّحَل. كان عمل مجموعة منهم القتل والنهب. كان العرب البدو مهتمين جداً بالاستقلال الفردي والعيش الحرّ، لذلك فضلوا الحياة البدوية الشاقة على أي شيء آخر. كانوا شجعان ومضيافين لكنهم لا يبالون في الغزو والنهب... أمضى أعراب الصحراء أغلب وقتهم في النهب والسرقة. كان القتل أمراً عادياً وشائعاً عندهم - سواء عند الحضر أو البدو-. كان دين هذه القبائل هو عبادة الأصنام. لم يتزوجوا النساء دون قيد أو شرط فقط، بل كانوا يشترون ويبيعون النساء فيما بينهم كسلع. كانوا يعتبرون البنات وصمات عار وكانوا يدفنوهن أحياء.

العالم في عصر البعثة

بالطبع، لم يكن هذا الوضع مختصاً بشبه الجزيرة العربية، بل عانت الدول المعروفة الأخرى أيضاً من أنواع أخرى من الفوضى والمشكلات، بما في ذلك في إيران، حيث كانت هناك أديان ومذاهب مختلفة. كان الناس في صراع واضطراب وكانوا يقبعون تحت الضغط. كان الحكّام يقتلونهم بلا هوادة. كانوا يشيّدون قصوراً طويلة وعريضة مليئة بالنساء. كانت تحدث مذابح فجيعة بين المسيحيين والزردشتيين. تسلّق كهنة الزردشتية فوق ظهور الناس وكانوا شركاء مع الطبقة الحاكمة. كان التعليم حكراً خاصاً ولم يكن لكل شخص الحق في الدراسة والتعلّم. كانت تُلحظُ الامتيازات للطبقات المسحوقة بصعوبة.

وأيضاً في روما وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا ومصر والهند واليابان والصين و... كان هناك العديد من المشكلات والقضايا للبشر، والتي تم شرحها في كتب التاريخ في ذلك الوقت. وفوق كل هذه المشكلات، كان عبء المشكلات الفكرية ثقيلاً أيضاً، وكانت الاختلافات العَقَدية تُظهر تأثيرها السيئ بشدة. كانت اليهودية والمسيحية والبوذية والزردشتية والأديان الأخرى في ذلك الزمن والأديان المتحجرة عبئاً ثقيلاً على حياة البشر.

في مثل هذا الزمن الذي كانت فيه البشرية تعاني من أزمات حادة، وأصبحت الحياة جهنمية، من الظلم والنزاع والقتل والنهب والاعتداء وانتهاك الحقوق وعدم الإيمان والتفكير السطحي، كان رجل في قلب جبال مكة يعبد الله ويفكّر بمصير التاريخ والإنسانية والقيم السامية. كان محمد (ص) على مشارف الأربعين من عمره. في هذه الأربعين عاماً، اختبر الحياة بكل الطرق. يتيمٌ وحَكَمٌ بين الناس وأمينهم. هو الذي قضى أربعين عاماً من حياته في زمن الجاهلية وبين القبائل المعتدية وغير المثقفة وكان لقبه الأمين، والآن يرى نفسه على مشارف مسؤولية جسيمة.[2]

وقد قدّم علي (ع) صورة واضحة عن حالة المجتمع الحجازي في زمن البعثة، حيث قال: «إِنَّ اللهَ سُبحانَه بَعَثَ مُحَمَّداً وَآلِهِ وَسَلَّمَ نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ، وَأَمِيناً عَلَى التَّنْزِيلِ، وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ عَلَى شَرِّ دِينٍ، وَفِي شَرِّ دَارٍ، مُنِيخُونَ بَيْنَ حِجارَةٍ خُشْنٍ، وَحَيَّاتٍ صُمٍّ، تشْرَبُونَ الكَدِرَ، وَتَأْكُلُونَ الْجَشِبَ الطعامالغليظ أوما يكون منه بغير أدم، وَتَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ، وَتَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ، الْأَصْنَامُ فِيكُمْ مَنْصُوبَةٌ، وَالْآثَامُ بِكُمْ مَعْصُوبَةٌ».[3] وانعكست السمات الأخرى لهذا العصر المظلم في كلام المؤرخين البارزين. واعتبر(ع) السفاهة والحماقة والغضب وعدم التسليم أمام الإسلام وأحكامه من سمات الجاهلية.[4]

كانت السمة الرئيسية لمجتمع شبه الجزيرة العربية قبل البعثة هي التشتت والتشرذم. السبب الرئيسي لهذا التشرذم هو عدم وجود ثقافة واحدة يمكن أن تجمع من خلالها النقاط المشتركة وتوحدهم حول فكرة وهدف واحد. حتى عبادة الأصنام لم تخلق الوحدة بينهم لأن عبادة الأصنام كانت مجرد عنوان لاختلافاتهم الحادة. في الكعبة، المكان الذي تجتمع فيه الأصنام، كان لكل قبيلة صنمها الخاص.[5] وليس غريباً أنّ نعتبر الشرك من أكثر الاعتقادات الدينية انتشاراً في شبه الجزيرة العربية. كان هذا الاعتقاد قد نزّلَ أفق النظر لديهم من الإله غير الملموس إلى الأصنام الملموسة. كان لانخفاض الأفق والانشغال بالملموسات، مثل البلاء الكارثي، أثّر في أعماق وجود هؤلاء الناس، وأحدثت البعثة تحوّلاً كبيراً في أسلوب الحياة. أحيت فيهم السمات الإنسانية وأحدثت تغييراً كبيراً في الحياة البشرية. حتى اليوم أيضاً، عندما يقع البشر في دوامة الماديات ويشعرون بعواقبها الجسيمة من أعماقهم، فإن هذا الوحي وتعاليمه القيّمة هي التي يمكن أن تساعده وتأخذ بيده وتحرره من المتاعب مرة أخرى.

يمكن لفكر التوحيد، وهو محور البعثة، بما فيه من تفاصيل معقدة وشاملة، أن ينظّم جميع جوانب الحياة. يمكن لهذا الدين من خلال التأكيد على التفكير أن يفك العقدة عن قدم الإنسان العالق في قيد الجهل والخرافات، ويوجّه قوله وسلوكه من خلال الانتباه إلى النهاية التي تنتظره.

إنجازات البعثة

كان الإنسان في زمن البعثة يفتقدُ الأخلاق والمكارم الأخلاقية، ويعتبر نبي الإسلام المكرّم (ص) أن الغرض من وحيه هو استكمال الفضائل الأخلاقية،[6] الأخلاق التي فيها روح المَكْرُمَة، أي أخلاق النُبل، أخلاق الاحترام، لدرجة أن يحترم البشر بعضهم بعضاً ، كل شخص يكون لديه ترفّعاً عن الخبث والدناءة وسائر الرذائل الأخلاقية ولا يسمح لها بالاستعراض.[7]

إن التغيير الذي أحدثته بعثة النبي (ص) وتعاليم النبوة في حياة الناس خلال زمن البعثة يمكن أن يغير الوضع البائس للحياة البشرية في جميع العصور. وبحسب كلام قائد الثورة الإسلامية، فإن أهمية عيد المبعث تكمن في هذه البعثة التي حدثت، علاقة جديدة بين الله والخلق، خطة جديدة لتغيير المجتمعات البشرية والبشر الموجودين في هذه البعثة. هذه البعثة، هذا البرنامج، هذا التحول، في كل العصور، وفي جميع الظروف، وفي جميع أنحاء العالم الجغرافية، من الممكن أن تحوّل حياة البشر، كما فعلت في تلك الفترة، نحو الخير والفلاح والسعادة، حتى اليوم. هنا تكمن أهمية البعثة.[8]

ومن خلال تطبيق تعاليم الوحي التحررية، قام الإنسان المعاصر للبعثة بتحرير نفسه من الحدود الضيقة للأنانية والقبلية، وغض الطرف عن الملذات الرذيلة والمادية العابرة، وفتح نفسه على عالم أوسع نمت فيه ثمار الروحانية والإنسانية على أغصان أشجارها. فالإيثار واللطف والتسامح وسائر الفضائل الأخلاقية التي نتجت عن البعثة غيّرت حياة الإنسان في عصر البعثة، فاستخدمت الروح القبلية لتقوية الأمة الموحدة، وحوّلت التهوّر والجرأة إلى الشجاعة في طريق الإيمان وفي النضال ضد ظلم الظالمين، وشيّدت حضارة حيّرت تاريخ أهل العالم إلى الأبد.

عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ

وقد أنعم الله على آخر رسول له بصفة الرحمة، الرحمة والعطف اللتان تشملان جميع البشر في كل العصور بعد البعثة: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ».[9] وروى عليّ (ع) عن نبيّ الرحمة (ع) أنه قال: «والحب أساسي»[10]. وقد رحم رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع البشر وعاملهم بلطف. الله تعالى يوصف الرسول الأكرم (ص) على النحو التالي: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ».[11]

رأفة الرسول (ص) بالمسيحيين واليهود

يتجلى مدى الرحمة الإلهية والمحبة لجميع المخلوقات في قوله تعالى: «وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ‏»[12]. في هذه الآية الكريمة، تشمل رحمة الله بشكل مطلق أولئك الذين يتمتعون بثلاث صفات: التقوى، إيتاء الزكاة، والإيمان بالله، وليس فقط أمة النبي الخاتم (ص)[13]. من هذه الآية يمكن أن نفهم جيداً أن المؤمنين بالديانات السماوية الأخرى يتمتعون أيضاً برحمة الله، وهذه حُجّة على ضرورة العلاقة البنّاءة معهم من قبل الرسول الأكرم (ص) والمجتمع الإسلامي.

خلال حرب تبوك وفتح الشام. وبحسب قوله، بعد وصول الرسول (ص) إلى الشام، لم يكن هناك معارضة له. يعود نجاح محمد (ص) في هذه المرحلة بالدرجة الأولى إلى الرحمة والمروءة التي أظهرهما للمسيحيين وسُحروا بهما إلى الأبد.[14]

يتحدث جون ديفنبورت في كتابه «دفاع واعتذار لمحمد والقرآن» عن علاقة النبي (ص) مع غير المسلمين. كتب "جون ب. ناس" أيضاً في كتاب "Man's Religions" عن معاملة الفاتحين المسلمين مع أهالي سوريا: «لم يكن أي من أهل الشام، من اليهود والمسيحيين، مستائين من أي من هذه الأحداث [فتح الشام على يد جيوش الإسلام]، لأنهم سئموا من اضطهاد الرومان وكانوا يائسين من استمرار الحروب الدامية بين روما وبلاد فارس. وقد عاملهم العرب المسلمون بالعدل والإحسان واتبعوا أوامر القرآن الكريم فيهم، فكانوا يعتبرون إذا توقف أهل الشام عن المقاومة فلن يقاتلوهم ولن يسفكوا الدماء، وبهذه السياسة، استسلمت مدينة دمشق عاصمة الشام».[15]

الهوامش:

[1]- لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (آل عمران، 164).

[2]- خلفية وزمان البعثة، جريدة همشري كانون الثاني / يناير 2007 عدد 11.

[3]- نهج البلاغة، الخطبة 26.

[4]- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ج 1، ص 40.

[5]- رسول الإسلام وتغيير البنية الثقافية لمجتمع الجاهلية، محمود حاجي أحمدي ص 154 (النسخة الفارسية).

[6]- «إنما بعث لأتمم مكارم الأخلاق»، السنن الكبرى، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخراساني البيهقي، الحديث 20571

[7]- اقتباس: الخطابات المعنوية، مرتضى مطهري، ج 1، ص 180 (من النسخة الفارسية).

[8]- من كلمة الإمام الخامنئي في لقاء مع مسؤولي النظام وسفراء الدول الإسلامية 25/4/2017

[9]- الأنبياء، 7.

[10]- الشفا بتعريف حقوق المصطفى، الطبعة الأولى، ج 1، ص 191.

[11]- التوبة، 128.

[12]- الأعراف 156.

[13]- الميزان في تفسير القرآن، ج 8، ص 275.

[14]- دفاع واعتذار لمحمد والقرآن، جون ديفنبورت، صفحة 61 و62.

بقلم : الشيخ علي رضا مكتب دار

ارسال التعليق

You are replying to: .