۱ آذر ۱۴۰۳ |۱۹ جمادی‌الاول ۱۴۴۶ | Nov 21, 2024
راشد

وکالة الحوزة - الدكتور راشد الراشد يكشف عن مشروع داعش الأول الذي سبق مشروع داعش الحالي في المنطقة ويقول هناك من اخترعها قبل مائتي عام..

وکالة أنباء الحوزة- بعد سقوط صدام قاومت الأنظمة السياسية الخليجية استحقاقات الديمقراطية وقيام دولة المواطنة في العراق بكل ما لديها من طاقة وأمكانات وتعاملت مع الوضع وكأنه أحد المهددات الخطيرة على إستقرار نظمها الإستبدادية الشمولية، وقامت بحركة طوارئ غير معلنة تم خلالها رصد الميزانيات الهائلة وإطلاق اليد للأجهزة الإستخباراتية وكذلك جميع الأجهزة المعنية للتحرك الفوري والسريع لمنع التحول الديمقراطي في العراق وبأي ثمن كان.

وعلى إثر ذلك تولدت فكرة صنع وضخ الجماعات التكفيرية للعراق وأستيقظ العالم على مشروع ”داعش“ الدموي الرهيب، والذي تم الإعلان عنه وتبنيه وتمويله بلا حياء أو خجل من خلال القنوات الفضائية ووسائل الإعلامية، وذلك في محاولة لإخلال الوضع ولإرباك الوضع السياسي المستجد، وفرض معادلات تناسب المحيط العربي والخليجي، المتسم بأبشع صور الاستبداد والديكتاتورية، ومنع شعب العراق من تحقيق الديمقراطية، والحيلولة بكل ما يستطيعون دون حصول الشعب العراقي على حقوقه السياسية في السيادة وبناء نظام سياسي يمثل الإرادة الشعبية ويستمد منها النظام السياسي الجديد شرعيته السياسية منها، وكانت الديمقراطية طموح وتطلع كل فئات الشعب العراقي بكل مكوناته وأطيافه خاصة بعد سنوات طويلة من القمع والبطش والتنكيل الذي عاشوه.

لم يهدأ للأنظمة الخليجية قرار وتصرفت على أن سقوط صدام وبداية التحول الديمقراطي في العراق هو بمثابة مقدمة خطيرة تنذر تداعياتها بسقوط سائر الأنظمة التي تعتاش على الديكتاتورية والقمع وسياسات تكميم الأفواه، فعمدت إلى تحفيز بعض مكونات الشعب العراقي لدعم داعش وقامت بتقديم الدعم المالي الكبير لتحريكها ضد التجربة الديمقراطية الوليدة، بغية ارباك الوضع، كما قامت بدفع بعض الأقليات والجماعات الطائفية ايضا للتحرك السريع والمطالبة ببعض الحقوق السياسية ولكن بنفس فئوي وطائفي بغيض، وبصورة تتناقض مع أبسط صور الديمقراطية ودولة المواطنة التي كان ينشدها جميع العراقيين. وبدات تغذي النزعة العنصرية والطائفية وتمدها بالمال السياسي الملوث وبالتغطية السياسية الممجوجة، لتنطلق أصوات تنادي بالمحاصصة على أسس عرقية وطائفية كريهة، كانت تستهدف في المضمون الأخلاقي لها ضرب التجربة الديمقراطية الحرة والنزيهة. وللأسف وقع كثيرون ضحية اغراءات المال السياسي الفاسد ومؤامرات لم تتوقف إستهدفت الإستحقاقات الديمقراطية وحالت دون قيام دولة المواطنة.

في البحرين في عام ١٩٢٠ شهد ذروة اجتماع وجهاء شعب البحرين على مجموعة من المطالب تحد من تغول شيوخ العائلة الحاكمة واحتجاجا على ممارسات منهجية اجرامية كان يقوم بها هؤلاء الشيوخ وعبيدهم ضد الشعب، فقد كانت تستبيح الدماء والأعراض والحرمات، وكانت تستحوذ على أملاك السكان الخاصة وتنهب مناطقهم وقراهم وحتى مساكنهم بصورة متوحشة للغاية لم تراعى فيها أية قيمة أخلاقية لدين وأعراف وقيم مجتمع.

خلال ال ١٥٠ عاماً التي سبقت تلك الإحتجاجات، كانت العائلة الغازية ترتكب كل تلك الجرائم بلا حسيب ولا رقيب، حيث كان من يطلقون على أنفسهم شيوخ القبيلة وعبيدهم ينهبون القرى ويخطفون النساء والاطفال، ويفرضون الضرائب ويسرقون المحاصيل ويقتلون الرجال سيما الذين يرفضون سرقة ونهب ممتلكاتهم ومساكنهم، وكذلك اولئك الذي يرفضون استيلاء آل خليفة وعبيدهم على المزارع والاراضي والدور،

ومن الجرائم النكرة التي أقترفها آل خليفة في البحرين هو قيامهم بتهجير قرى باكملها بسبب غاراتهم الإجرامية المتوحشة مثل قرية الفارسية وقرى جو وعسكر التي إضطر أهلها الأصليين إلى مغادرتها مكرهين ومجبرين إلى مناطق آخرى وبعضهم اضطروا للهجرة خارج البحرين وبصورة نهائية، وأحفادهم الآن منتشرون في عدد من البلدان كالقطيف والإحساء وايران والعراق وسوريا وحتى تنزانيا.

واليوم رغم مرور أكثر من قرنين ونيف من الزمن على استيلاء قبيلة آل خليفة على الحكم والسلطة في البحرين لازالت العلاقة بينها وبين الشعب علاقة مختلة وغير متوازنة، وقد فشل فيها آل خليفة فشلاً ذريعاً في التعايش مع شعب البحرين رغم كل الفرص التي مرت منذ السنوات الأولى إحتلالها البحرين واغتصابها للشرعية، بل إزدادت توتراً ووصلت إلى حد قاد إلى عدم إمكانية ترقيع هذه العلاقة المأزومة.

وتعود هذه العلاقة القائمة على أساس الكراهية المفرطة والعداء عند آل خليفة ضد شعب البحرين منذ اليوم الأول من غزوهم البحرين للاستيلاء عليها والإستحواذ الكامل عليها والتي بدأت بالقتل والنهب وسلب اهلها وما تصل إليه أيديهم، والتنكيل بهم وذلك بهدف الاستيلاء المطلق على الحكم والسيطرة على الموارد والتحكم في المقدرات،

والحقيقة إنه منذ تلك اللحظة أسس آل خليفة لطبيعة علاقتهم العدائية مع الشعب مبنية على أفكار الغزو والإحتلال بالقوة والقهر والغلبة، ولكن ربما يمكن فهم طبيعة السلوك والذي كان مبني على فكر الغزو والاحتلال والسيطرة ولكن ما لا يمكن استيعابه هو إستمرار ذات العقلية في التعاطي مع الشعب رغم مرور أكثر من قرنين من الزمن، لم تؤثر فيها كل ما حدث طيلة هذه المدة من تحولات ضخمة على صعيد الفكر والعلاقات الإنسانية، كما لم يؤثر فيها ما حدث من تطور في بنية النظم السياسية وإدارة الدولة، حيث تثبت آل خليفة عند كل محطة من محطات حركة الشعب المطالبة بالإصلاح والتغيير السياسي بما ينسجم مع التطورات الحاصلة في عالم اليوم إلاّ إن آل خليفة يتعاطون مع الشعب بذات الرؤية التي قامت عليها عملية الغزو الرهيبة للبحرين في العام ١٧٨٣م بل وتزداد توحشاً وشراسة كلما وصلت الحركة المطلبية للشعب لتحقيق هامش من التغيير وتحقيق قدر من المشاركة السياسية وتحصيل الاستحقاقات التي تفرضها المواطنة حيث تتعاطى معها بكل قسوة ووحشية وبذات منهجية الإصرار على الاستئثار المطلق بالسلطة والموارد والتحكم المطلق فيها وفيها المقدرات.

في عام ١٩٢٠ اجتمع وجهاء الشعب على مجموعة من المطالب لوقف استهتار وجرائم العائلة الخليفية بالنفوس والدماء والاعراض والأموال والحقوق من خلال توجيه مجموعة من العرائض والاحتجاجات للضغط على المستشارين وممثلي المستعمر الانجليزي في البحرين الذين كانوا يديرون شؤون آل خليفة ويوظفونهم ويعينونهم ويعزلونهم وفق مصالح بريطانيا الاستعمارية، وذلك لعزل احد رؤوس الفساد والظلم والجرائم والانتهاكات المدعو عيسى بن على آل خليفة، وإجراء اصلاحات إدارية تحد من جرائم ال خليفة ونهبهم وسرقاتهم وتعدياتهم غير المبررة واللااخلاقية والتي وصلت إلى حد التعدّي على حتى أملاك وحقوق الغير والمستمرة بكل أسف حتى يومنا هذا، ولدى الكثير من أبناء شعب البحرين وثائق وقصص مؤلمة في هذا السياق.

وقبل أن ينجح الشعب في تلك الفترة في مساعيهم لعزل عيسى بن علي ووقف بعض الانتهاكات والجرائم، حاول آل خليفة مقاومة المطالب الشعبية من خلال تشكيل مجموعات إرهابية ذات نفس إجرامي كريه أطلقوا عليها إسم أو لقب (الفداوية)، كانت مهمتها الأساسية فرض معادلة رعب على الأرض ومهاجمة القرى وقتل الرجال وهدم الدور وانتهاك الأعراض وسرقة الممتلكات. وقد استهدفت هذه الجماعات قتل وتصفية قيادات الشعب الذين قادوا العرائض المطلبية والاحتجاجات مثل الحاج احمد بن خميس وآخرون لعقابهم وثنيهم عن المطالبة بحقوق الشعب واستحقاقاتهم وعن ردع الباقين من أبناء الشعب وثني إرادتهم عن العمل على حماية قراهم والدفاع عن حرماتهم. وهذه واحدة من أهم إنجازات آل خليفة في هذا التاريخ البغيض والذي يبدأ منذ الأيام السوداء الحالكة التي تمت فيها عملية السطو والاحتلال واغتصاب السلطة والشرعية معها.

لقد كانت تلك أول تجربة في التوحش ذات نزعة تتسم بالداعشية وتحمل سمات نفس المشروع ونفس الأهداف والدوافع المرصودة في المنطقة الخليجية والتي سبقت داعش الحالية بقرن كامل وقد سجل براءة اختراعها بجدارة وإستحقاق ال خليفة في البحرين.

لقد كانت تلك الجماعات التي اطلق عليها الفداوية ذات الفكر والعقيدة الداعشية مدفوعة من قبل شيوخ ال خليفة وبعض التجار من بعض العوائل الإقطاعية وأصحاب المصالح وكان لها عدد كبير من العبيد المسلحين، والتي كانت قرى البحرين بالنسبة اليهم مجرد ساحات غنائم متاحة ومباحة حيث بحسب عقيدتهم المبنية على نزعة القتل والسلب والاغتصاب والنهب، يمكن فعل أي شيء دون رادع أو وازع من أخلاق أو ضمير، وكانوا يتصرفون من الناحية العملية والميدانية بطريقة قاسية ومتوحشة، والتي فرضتها عقلية الإحتلال والسيطرة والهيمنة، وكما كانت في القرون الغابرة، والذي يعتبر فيها القتل والسلب والنهب من أهم أدواتها اللازمة، حيث يعمدون بشكل أساسي بإستغلال بشع لسطوة القوة والسيف ومنطق القهر والغلبة في جميع عمليات النهب والسلب والسيطرة والإستحواذ.

كما كان هؤلاء الفداوية من ذوي التاريخ الحافل بالجريمة، يرفضون المساواة بينهم وبين بقية أفراد الشعب في الحقوق وكانوا يعارضون بعد ذلك حتى فتح المدارس في مناطق البحرين المأهولة وإعطائهم حق التعليم.

ولكن بالرغم من وحشية وقسوة العمليات الإجرامية للفداوية، فإن التجربة (الداعشية) لفداوية آل خليفة في البحرين في العشرينات انتهت بالفشل في ثني الشعب عن المطالبة بالحقوق والدفاع عن الناموس والشرف والعرض، مع إنها نجحت بإمتياز في تدمير بعض القرى والمناطق المأهولة في البحرين وتهجير اهالي العديد من المناطق وقتل الكثيرين منهم وسلب بعضهم الأموال والممتلكات الخاصة بالإضافة إلى انتهاك الاعراض والحرمات والناموس.

أما اليوم فقد انتهت التجربة (الداعشية) في البحرين كعقيدة وفكر وسلوك في صورتها الأولى انذاك، لكنها كمنت بعد ذلك في عقيدة النظام السياسية والأمنية والعسكرية والمعادية لأهل البحرين، خصوصاً بعد صياغة الإنجليز لشكل الدولة الحديث، فعلى ايقاعها مارس النظام كل جرائمه ضد شعب البحرين وما يزال حتى اليوم من قتل وتعذيب وسجن عشرات الآلاف وتلفيق التهم ضدهم، ومن تجنيس سياسي يستهدف ضرب النسيج الاجتماعي الذي يتشكل منه مجتمع البحرين، ومن هدم مساجد ودور عبادة، ومن فصل من أعمال، وتهميش وافقار، مواصلًا جرائمه وسيرته (الفداوية) السابقة على ذات السلوك والمنهج، ولكن هذه المرة تحت غطاء الدولة والنظام السياسي والتي تجري تحت مسماهما اليوم أبشع صور الظلم والاضطهاد والقهر السياسي.

تلك بوضوح تام هي النزعة السياسية لآل خليفة، والتي تتسم بأقصى درجات العداء لشعب البحرين صاحب الأرض، وهي العقيدة التي حكمت سلوك وعلاقة النظام الخليفي العدوانية ضد شعب البحرين منذ اليوم الأول التي تم فيه إحتلال الأرض وإغتصاب الشرعية، بغرض إخضاعه وإجباره على الإستسلام لمنطق السيف والغلبة والقبول بسلطة الأمر الواقع. وهي ذات السياسة والعقيدة بعينها التي يقوم عليها نظام حكم آل خليفة اليوم والتي بدورها تلتقي اليوم مع المشروع الصهيوني الأمريكي ضد شعوب المنطقة ومنها ضد شعب البحرين خصوصاً، وذلك من خلال جريمة التطبيع وإقامة العلاقات السياسية والأمنية التي دشنها نظام آل خليفة مع الكيان الصهيوني مؤخراً، والتي تأتي بلا شك كوسيلة إستراتيجية إضافية للإستقواء بها على شعب البحرين كما استقوى من قبل بالجماعات الإجرامية والإرهابية التي كانت تعرف بالفداوية.

بقلم الدكتور راشد الراشد

ارسال التعليق

You are replying to: .
captcha