وكالة أنباء الحوزة - وفيما يلي نص كلمة سماحته بهذه المناسبة:
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
أمّا بعد
لقد طال الحوار محتدماً بين الفريقين، لا بمعنى أنّ للوهم قوة أمام الحقيقة، لكنّها جلبة وصخب من أنصار الأوهام تناطح دعوة الحق.([1])
نعم طال الحوار بين حملة الحقيقة وأتباع الهوى، منذ هبط أبونا آدم على البسيطة، وكان الحوار محتدماً بين الطائفتين.
فأقام الله سبحانه في كلّ قرن من الزمان، رجالاً سماويّين لتبيين الحقائق ومحاربة الأهواء، غير أنّ زمرة من جند الشيطان حاربوهم بكلّ قوّة وعناد، ومع ذلك لم تزل الحقائق الراهنة الإلهية وضاءة مشعّة طول القرون، منذ عهد النبي نوح(عليه السلام) إلى عصر الخليل، ومن عصره(عليه السلام) إلى عصر النبيّ الخاتم(صلى الله عليه وآله وسلم)، الذي جاء بشريعة كاملة خالدة شاملة لكلّ جوانب الحياة.
وقد أمر(صلى الله عليه وآله وسلم) باقتفاء إثر الثقلين بعد رحليه، فقال: «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي» فأبناء الأُمّة المرحومة لو رجعوا إلى هذين الكنزين لما اختلفوا في معتقد أو حكم شرعي، ومع ذلك كلّه أخبر(صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّه يحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين وتحريف الغالين وانتحال الجاهلين.([2])
وقد تحقّق ما أخبر عنه النبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) في كل عصر ظهر بفساد العقيدة والتفرقة في الأُمّة الإسلامية، قام بوجهه رجال صالحون، فقطعوا الطريق أمامه، وواجهوه بكتاب الله وسنّة نبيه وحاجُّوه ببراهين جلية، ليكتسحوا الأشواك التي زُرعت في طريق الأُمّة الإسلامية، ومن نماذج من حاول تفريق الأُمّة وزرع التفرقة، هو أحمد بن تيمية(661ـ 728هـ).
وهذا الرجل قام بتفريق الأُمّة، وذلك بإنكار مسائل اتّفق عليها علماؤهم كافّة، فأنكر شرعية التوسل بالنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، وشدّ الرحال لزيارة مرقده الشريف، والأسوأ من كلّ ذلك دعا إلى التجسيم والتشبيه في غير واحد من كتبه، حتّى صرّح بأنّ الله سبحانه جالس على عرشه، إلى غير ذلك من الخرافات التي لا تنسجم مع العقل والنقل.
فقام لفيف من علماء عصره وما بعده، من غير فرق بين علماء السنّة والشيعة، فألّفوا كتباً ورسائل في ردّ ضلالاته، حتى حُكم عليه بالسجن الذي مات فيه. وبقيت أوهام ابن تيمية وضلالاته خامدة هامدة عدة قرون، ولا يرغب فيها أحد من المسلمين، إلى أن جاء محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر، فأحيا ما اندثر من أفكار ابن تيمية، ودعا إلى متابعته في وسط بيئة تسود فيها الأُميّة، وقامت السلطة السعودية بمساندته في الحجاز، من خلال بذل الأموال، والإغارة على العشائر، فنشرت هذه الخرافات والشبهات، فتصدّى لردها علماء الفريقين ببيان الحقائق وإزالة الشكوك والشبهات، فألّفوا كتباً ورسائل لا تعدّ ولا تحصى.
ونحن إذ نبارك لكم هذا المؤتمر القيّم، نأمل منكم نشرَ الكتب الصغيرة التي تناقش هذه الشبهات،وترد عليها بدلائل واضحة بين الأمة الإسلامية، وبين أبنائكم.
قال الإمام الصادق(عليه السلام):«علماء شيعتنا مرابطون بالثغر الذي يلي إبليس وعفاريته، يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا».([3])
فأنتم إن شاء الله في مقدمة هذه الطائفة تواجهون هذه الشبهات وهذه الأباطيل بالبراهين الجلية ونشر الحقائق.
وفي الختام ندعو الله لكم بالتوفيق في هذا المضمار، ونتمنى مواصلة هذا العمل المبارك بنيّة خالصة والله من وراء القصد.
جعفر السبحاني
قم المقدسة، مؤسسة الإمام الصادق(عليه السلام)
11 ربيع الثاني 1443هـ