وكالة أنباء الحوزة ــ النص الكامل للمقابلة على ما يلي:
بسم الله الرحمن الرحيم، نحمد الله عزّوجل على توفّر هذه الفرصة لنا وتشرّفنا بلقاء سماحتكم ونشكركم على الفرصة التي منحتموها لنا، وفي الحقيقة منحتموها لمكتب حفظ ونشر آثار قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي.
كما تعلمون، لم تنقضِ فترة طويلة على إحياء احتفالات الذكرى السنوية الأربعين لانتصار الثورة الإسلامية، الذكرى السنوية التي لم يكن يرغب الأعداء بأن يتمّ إحياؤها ورسموا لها المخططات. الثورة الإسلامية منصهرة في القيادة ولا يمكن الفصل بين الثورة الإسلامية وقيادتها. كما أنّنا سندخل قريباً في الذكرى السنوية الثلاثين لرحيل الإمام الخميني (رضوان الله عليه) وهي في الحقيقة الذكرى السنوية الثلاثين أيضاً لقيادة آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي.
نرغب في أن نبدأ سؤالنا من مرحلة انتصار الثورة الإسلامية، كيف كانت ظروف المنطقة حينها؟ أيّ ظروف كانت تمرّ بها منطقة غرب آسيا؟ خاصّة أنّ أحد أهمّ أبعاد الثورة الإسلامية هو بُعد تأثيرها الإقليمي والدولي. ما هي التحوّلات التي شهدتها معادلات المنطقة مع انتصار الثورة الإسلامية؟ وماذا حصل على مستوى المنطقة بشكل عام وفي لبنان بشكل خاص بعد انتصار الثورة الإسلامية؟
بسم الله الرحمن الرحيم، أوّلاً أهلاً وسهلاً بكم، لو عدنا إلى الماضي سنجد بأنه قبيل انتصار الثورة الاسلامية في ايران في منطقتنا حصل حادث مهم جداً وهو خروج مصر، أي الجمهورية العربية المصرية من الصراع الاسرائيلي، وتوقيع ما سُمّي بمعاهدة كمب ديفيد. وهذا كان له تأثير خطير جدّاً على المنطقة وعلى مجمل الصراع العربي الاسرائيلي وعلى القضيّة الفلسطينية ومستقبل فلسطين، نتيجة وزن وحجم مصر في هذا الصّراع. وبدا للوهلة الأولى أن الصراع بات لمصلحة اسرائيل بدرجة كبيرة جدّاً، لأن بقية الدول العربية وفصائل المقاومة الفلسطينية في ذلك الحين لم تكن قادرة بدون مصر على المواجهة الكبرى والحقيقية. هذا أوّلاً، وهو أحدث أيضاً انقساماً كبيراً في العالم العربي.
ثانياً، أيضاً تذكرون أنه في ذلك الحين كان الاتحاد السوفييتي موجوداً والمعسكر الغربي أيضاً [كان] موجوداً بقيادة الولايات المتّحدة الأمريكية. منطقتنا أيضاً كانت منقسمة، بين دول ترتبط بالاتحاد السوفييتي والمعسكر الشرقي وبين دول ترتبط بالمعسكر الغربي والإدارة الأمريكية. إذاً كان لدينا انقسام حادّ أيضاً بين الدول العربية الموجودة في المنطقة، وهذا الانقسام كان له آثار كبيرة على الشعوب وأيضاً على الصراع مع العدو الاسرائيلي، وكانت الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية تنعكس عندنا وفي منطقتنا بشكل أساسي.
في لبنان، لبنان جزء من هذه المنطقة المتأثّر جدّاً بالوضع الاسرائيلي، بالصراع العربي الاسرائيلي، وبانقسامات المنطقة، كان له أيضاً مشاكله الداخلية في ذلك الوقت، أي أننا كنا على بوابة الخروج من الحرب الأهلية الداخلية. العدو الاسرائيلي كان قد احتلّ جزءاً من جنوب لبنان سنة ١٩٧٨ أي قبل انتصار الثورة الإسلامية بسنة واحدة، وأنشأ حزاماً أمنيّاً سُمّي بـ"الشريط الحدودي" على طول الحدود اللبنانية-الفلسطينية، وكان يمارس يوميّاً اعتداءاته وتجاوزاته على البلدات والقرى اللبنانيّة، فكانت لدينا مشكلة حقيقيّة اسمها الاحتلال الاسرائيلي لجزء من جنوب لبنان والاعتداءات الاسرائيلية الدائمة التي كانت شبه يوميّة تقريباً؛ الطيران يقصف والمدفعيّة تقصف، الاسرائيليون يقتُلون، ويخطِفون، ويفجِّرون ويهجِّرون الناس من بيوتهم. أيضاً هذا كان ١٩٨٧ إلى ١٩٧٩ أي قبيل انتصار الثورة الاسلامية في ايران.
هل كانت الحُجّة تواجد الفلسطينيّين؟
نعم كانوا يحتجّون بوجود المقاومة الفلسطينيّة والعمليات التي كان يقوم بها الفلسطينيّون، لكنّ هذه كانت حجّة لأن الاعتداءات الاسرائيلية على جنوب لبنان بدأت منذ العام ١٩٤٨ عندما لم يكن هناك مقاومة فلسطينيّة في جنوب لبنان. المقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان بدأت في أواخر الستينات وأوائل السبعينات خاصّة بعد أحداث الأردن ومجيء الفصائل الفلسطينية من الأردن إلى لبنان. في هذا المناخ انتصرت الثورة الإسلامية في ايران. طبعاً فاتني أن أقول أن جوّاً من الإحباط كان يسود الجوّ العام وجوّ من اليأس وجو من القلق بشأن المستقبل، وقلت أن خروج مصر وتوقيع كمب ديفيد وفرض مسار سلمي إذلالي على الفلسطينيّين وعلى العرب، وضعف الواقع العربي والحكومات العربية، هذا كلّه كان مبعث للإحباط وللحزن وللأسف والقلق فيما يتعلّق بالمستقبل. انتصار الثورة الإسلامية في ايران في هذه اللحظة، أوّلاً أحيا الآمال الكبيرة جدّاً في منطقتنا، أي لدى كل شعوب المنطقة، خصوصاً لدى الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني والشعوب الموجودة هنا التي تعاني من وجود إسرائيل لأن الإمام الخميني (قدّس سرّه الشريف) كان موقفه واضحاً منذ البدايات حول اسرائيل والمشروع الصهيوني وتحرير فلسطين والوقوف إلى جانب المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني وتحرير كامل الأرض، والموقف من أصل وجود دولة اسرائيل ككيان غاصب في المنطقة.
انتصار الثورة الإسلامية في ايران أعطى هذا الأمل الكبير بالمستقبل، وأعطى معنويّات عالية ودوافع كبيرة لكلّ المقاومين وحركات المقاومة في المنطقة، وأعاد التوازن؛ خرجت مصر لكن دخلت إيران. هذا أعاد التوازن إلى الصراع العربي الإسرائيلي، وبالتالي دخلت منطقتنا ودخل مشروع المقاومة في المنطقة في مرحلة تاريخية جديدة بالكامل، وكان ذلك بداية لنهوض إسلامي ونهوض جهادي ونهوض مقاوم على مستوى العالم العربي وعلى مستوى العالم الإسلامي عند الشيعة وعند السنّة، والشعارات التي أطلقها الإمام الخميني (قدّس سرّه الشريف) في موضوع فلسطين، وفي موضوع الوحدة الإسلامية، وفي موضوع المقاومة، وفي موضوع مواجهة أمريكا، وفي موضوع الصمود والثبات، وفي موضوع ثقة الشعوب بربّها وبنفسها وإحياء الإيمان بقدرتها على المواجهة وعلى صُنع الانتصار، هذا كلّه كان له تأثيرات مباشرة على أوضاع منطقتنا.
إضافة للجوّ العام الذي خُلق بواسطة الثورة الإسلامية والروحيّة الجديدة التي ضخّها الإمام الخميني (قدّس سرّه) في أرواح شعوب المنطقة وقيام سماحته بإحياء المقاومة، هل لديكم خاطرة خاصّة فيما يخصّ الإمام الخميني ومواقفه تجاه المقاومة اللبنانيّة وحزب الله؟
نعم، نحن في سنة ١٩٨٢، بالتحديد إذا أردنا شيئاً يذكّر بالأحداث في إيران، بعد تحرير مدينة خرّمشهر. الإسرائيليّون كانوا قلقين جدّاً من الحرب الإيرانيّة العراقيّة أو الحرب الصدّاميّة المفروضة على إيران. ولذلك بعد تحرير خرّمشهر، الإسرائيليّون أخذوا قرار اجتياح لبنان، وهذا طبعاً له أسبابه ويوجد ارتباط عميق بين انتصارات الجبهة في إيران وبين العدوان الإسرائيلي على لبنان. ودخلوا إلى جنوب لبنان وإلى منطقة البقاع وإلى جبل لبنان وإلى العاصمة بيروت وضواحي بيروت، إلى هذه المنطقة.
في ذلك الحين اجتمع مجموعة من العلماء والإخوة والمجاهدين وقرّروا إنشاء المقاومة الإسلاميّة، وإيجاد تشكيل إسلامي جهادي مقاوم جديد متناسب مع الوضع الجديد أو الاستحقاقات الجديدة بسبب الاجتياح الاسرائيلي. وفي ذلك الحين دخل الى لبنان، هذه المساحة الصغيرة -ليس إلى كل لبنان بل إلى ما يقارب نصف لبنان، أي ٤٠ بالمئة من مساحة لبنان- دخل مئة ألف جندي وضابط إسرائيلي، وأيضاً كانت إلى جانبهم قوات متعدّدة الجنسيّات أمريكية وفرنسيّة وبريطانيّة وإيطاليّة بحجّة الحفاظ على السّلام. وأيضاً كانت هناك ميليشيات وجماعات لبنانية لها صلة بالإسرائيليّين، وتتعاون معهم. أي أنّ الوضع كان سيّئاً جدّاً جدّاً جدّاً. هذه المجموعة من العلماء والمؤمنين والمجاهدين قرّرت أن تبدأ عملاً جهاديّاً جديداً باسم المقاومة الإسلاميّة، الذي أصبح اسمه بعد مدّة قليلة ”حزب الله“.
تزامن ذلك مع قرار سماحة الإمام الخميني (قدّس سرّه) بإرسال الحرس يعني ”سپاه پاسداران انقلاب اسلامي“، حرس الثورة الإسلامية، إلى سوريا ولبنان لمواجهة الاجتياح الإسرائيلي. طبعاً كانت النيّة في البداية أن يقاتل الحرس إلى جانب الجيش السوري والمقاومين اللبنانيين والفلسطينيّين. لكن بعد مدّة توقّف الهجوم الإسرائيلي عند حدود معيّنة ولم تعد هناك جبهة مواجهة كلاسيكيّة وأصبحت الحاجة ملحّة إلى عمل مقاوم، أي عمل شعبي.
في ذلك الحين سماحة الإمام الخميني (قدّس سرّه) بدّل المهمّة والمأموريّة من المواجهة العسكريّة المباشرة للحرس والقوات الإيرانية التي جاءت إلى سوريا ولبنان إلى مهمّة أخرى هي مساعدة الشباب اللبنانيّين وتدريبهم ليتمكّنوا هم، يعني اللبنانيّون أنفسهم، من قتال المحتلّين وتنفيذ عمليات المقاومة، هذا أوّلاً.
فأصبح دور الحرس الذي كان يتواجد في ذلك الحين في سوريا وفي منطقة البقاع اللبنانيّة -في بعلبك والهرمل وجنتا- حيث كانت هناك معسكرات تدريب، أصبح دوره استقبال الشباب اللبناني وتدريبه على أساليب القتال وتقديم الدعم اللوجستي لهم من سلاح ومهمات وتوجيه، وطبعاً نفس وجود الحرس أعطى قوّة معنويّة كبيرة للشباب اللبناني وكلّ المقاومين الذين يقفون بوجه إسرائيل.
بعد ذلك اجتمع هؤلاء الإخوة وقرّروا أن يشكّلوا كما قلنا هذا التيّار الكبير والواسع، تم انتداب مجموعة منهم، انتداب ٩ أشخاص، من بينهم كان الشهيد السيد عباس الموسوي (رضوان الله تعالى عليه)، طبعاً أنا لم أكن من بين التسعة، فأنا في ذلك الوقت كنت جدّاً صغير السّن، كان عمري حوالي الإثنين وعشرين عاماً أو ثلاثة وعشرين عاماً فقط، وهؤلاء التسعة ذهبوا إلى الجمهورية الإسلامية، في ذلك الحين التقوا بالمسؤولين وذهبوا في خدمة الإمام الخميني (قدّس سرّه). وعرضوا على الإمام أن هذه هي أوضاعنا وهذه هي أحوالنا وهذه هي نيتنا، ونحن نؤمن بإمامتك وولايتك وقيادتك، فما هو تكليفنا؟
سماحة الإمام قال أنّ واجبكم هو المقاومة وأن تواجهوا رغم إمكانيّاتكم المتواضعة وعددكم القليل، كان عدد حزب الله قليل جدّاً، إبدأوا من الصّفر، اتّكلوا على الله سبحانه وتعالى، لا تنتظروا أحداً من العالم أن يساعدكم، اعتمدوا على أنفسكم واعلموا أنّ الله سبحانه وتعالى ناصركم، وأنا أرى أنّ النصر في جبينكم. طبعاً كان أمراً عجيباً في ذلك الوقت، وهو بارك هذا المسار وهذا الخط، وهذه الجلسة التي ذهب فيها الإخوة إلى خدمة الإمام كانت الخطوة التأسيسيّة لبدء مسيرة حزب الله في لبنان، وأصبحت حركتنا تحمل هذا الإسم المبارك. طبعاً في ذلك الحين الإخوة قالوا لسماحة الإمام نحن نؤمن بولايتك وإمامتك وقيادتك، لكنّك مشغولٌ كثيراً وكبيرٌ في السّن، فلا نستطيع أن نزاحمكم دائماً في المسائل [والقضايا]، فنرجو أن تعيّنوا مندوباً لكم يمثّلكم ونرجع إليه في مسائلنا المختلفة التي نحتاج فيها بالرّجوع إليكم. وفي ذلك الحين سماحة الإمام (قدّس سرّه الشريف) عيّن وشخّص سماحة آية الله العظمى الإمام الخامنئي (دام ظلّه الشريف) عندما كان رئيساً للجمهوريّة. وقال [أنّ] الذي يمثّلني هو سماحة السيّد الخامنئي. ومنذ ذلك الحين بدأت العلاقة بين حزب الله وسماحة السيّد القائد (حفظه الله)، [أي] منذ الساعات الأولى لتأسيس ونشوء حركة حزب الله. وعلى مدار الوقت كنا دائماً على تواصل مع سماحة السيّد القائد وكنا نذهب إلى سماحة الإمام ونقدّم له التقارير عن الأوضاع وكان يبارك عمل المقاومة، فأنا أذكر من جملة الأمور الجميلة في موضوع الاستشهاديّين، تعرفون أنّ التجربة الأولى للعمل الاستشهادي كانت في لبنان، والإخوة هم الذين قاموا بذلك، وقبل أن يُنشر [ذلك] في وسائل الإعلام، أرسل الإخوة مقطع فيديو في ذلك الوقت [يتضمّن] وصايا للاستشهاديّين الذين نفّذوا عمليّات استشهاديّة كبيرة في لبنان زلزلت الاحتلال وقوات الاحتلال، وقُدّم هذا الفيديو لسماحة الإمام وشاهده وعقّب عليه، طبعاً الوصايا جميلة جدّاً وفيها الكثير من الإيمان والمعرفة والعشق والشّوق، قال الإمام (رضوان الله عليه): "هؤلاء الشباب.."، فكلّهم كانوا من الشباب، قال: "هؤلاء هم أهل العرفان الحقيقي". وكان متأثّراً جدّاً من وصايا هؤلاء الشّهداء. وإلى اليوم الأخير من حياته الشّريفة والكريمة كان دعمه لحزب الله في لبنان ومواكبته وحمايته وعنايته كبيرة جدّاً. قبل وفاته بشهرين أو أقل، وكان الإمام مريضاً جدّاً، وقلّما ما يلتقي بالمسؤولين، طبعاً بالمسؤولين من خارج إيران في الحدّ الأدنى، ذهبت أنا إلى إيران، وكنت في ذلك الوقت قد أصبحت عضواً في شورى حزب الله، ومسؤولاً تنفيذيّاً لحزب الله، فذهبت والتقيت مع سماحة السيد القائد، ومع سماحة الشيخ هاشمي [رفسنجاني] (رحمه الله)، ومع المسؤولين الآخرين، وقلت: أنا أريد أن ألتقي بسماحة الإمام، وقالوا أنّ الإمام لا يستقبل أحداً وهو مريض جدّاً. فأنا قلت: نحاول، فقالوا: لا مشكلة. فذهبت إلى مكتب الإمام وطلبت موعداً، وكان في ذلك الوقت صديقنا في بيت الإمام الذي يعتني باللبنانيّين كثيراً، كان سماحة الشيخ رحيميان (حفظه الله)، وهو نقل للمرحوم السيد أحمد (رحمة الله عليه)، وفي اليوم الثاني قالوا: تعال. وطبعاً كلّنا تفاجئنا، وذهبت للقاء الإمام (رضوان الله تعالى عليه) ولم يكن هناك أحد. أي أنّه حتى المرحوم السيّد أحمد لم يكن موجوداً، ولم يكن هناك أحد من الجهات المعنيّة، على سبيل المثال وزارة الخارجيّة وحرس الثورة عادةً كانوا يتواجدون معنا في اللقاءات. حتّى سماحة الشيخ رحيميان أدخلني إلى الغرفة عند الإمام وخرج، وبقيت وحدي. طبعاً تهيّبت الموقف كثيراً، والإمام كان يجلس على الكنبة العالية وأنا جلست على الأرض. لكن من شدّة التهيّب كان صوتي لا يخرج، فالإمام قال لي: اقترب. فجلست في جوار الإمام وتحدّثت معه وكان معي رسالة أعطيتها لسماحته وهو أجابني على المطلب الأساسي الذي كنت أنقله إلى سماحته وهو يرتبط ببعض التطوّرات والأحداث في ذلك الحين في لبنان، وبابتسامة كبيرة قال لي: قل لكلّ الإخوة لا تقلقوا، أنا معكم والإخوة في الجمهوريّة الإسلاميّة كلّهم معكم، ونحن سنقف دائماً إلى جانبكم. هذا كان آخر لقاء مع سماحة الإمام.
لقد قلتم بأنّ حزب الله تأسس وزاول نشاطه في ظلّ ظروف بالغة الصعوبة. وقلتم أنّ إيران نفسها كانت تخوض الحرب، وفي لبنان أيضاً كان الكيان الصهيوني بين حين وآخر يهاجم الناس ويمارس القتل ويُغِير على ممتلكات الشعب اللبناني، وعلى أيّ حال انطلق حزب الله في ظلّ هذه الظروف الصعبة. وخلال حديثكم الآن قلتم بأنّ الإمام الخميني عيّن الإمام الخامنئي لكي يكون صلة الوصل معكم. أطلب منكم أن تشيروا إلى أهمّ التوصيات التي كان يقدّمها لكم الإمام الخامنئي (دام ظلّه) بعد رحيل الإمام الخميني وأن تعلمونا بأهمّ التدابير التي اتّخذها سماحته طوال فترة استلامه لرئاسة الجمهورية. نحن نودّ من خلال حديثكم حول هذا الشّأن أن نتوصّل إلى سبب اطمئنانكم وفرحكم باختيار الإمام الخامنئي قائداً للثورة الإسلامية، وأن نعرف الأحداث التي جعلتكم تشعرون بهذه المشاعر.
منذ اللحظة الأولى حيث أصبحت العلاقة مع سماحة آية الله العظمى السيّد علي الخامنئي، أنا في أدبياتي أقول سماحة السيّد القائد، فاسمحولي أن أقول سماحة السيّد القائد لأنّ ذلك أهون عليّ، بدأت العلاقة وكان لدى الإخوة في حزب الله شورى مؤلّفة من عدد من الإخوة، أحياناً تكون ثمانية، أو تسعة أو عشرة، ستّة، سبعة، يعني بحسب المراحل. وكانوا يذهبون دائماً إلى خدمة سماحة السيّد القائد في زمن رئاسة الجمهوريّة. ما أودّ أن أذكره عن تلك المرحلة، أي تقريباً يمكن القول سبع سنوات من رئاسة الجمهوريّة قبل رحيل الإمام رضوان الله عليه.
هل تمّ تحديد شخص معيّن للتواصل بين حزب الله والإمام الخامنئي؟
سأعود إلى هذه النقطة، سماحة السيّد القائد كان يعطي وقتاً جيّداً لهذه المجموعة اللبنانيّة، يعني أنا أذكر، وقد كنت أذهب مع الإخوة، أذكر مثلاً أنّ بعض الجلسات [كانت تستغرق] ساعتين وثلاث ساعات وأربع ساعات، كان يعطي وقتاً جيّداً، وكان يستمع جيّداً. أي أنّ الإخوة يأخذون وقتهم، ويشرحون الأمور بشكل كامل، وفي ذلك الحين تعرفون، مثل أي مرحلة تأسيسيّة، الإخوة كانت لديهم آراء مختلفة ومتنوّعة، لم يكن لديهم اتفاق نظر ورأي في كلّ المسائل، ففي كثير من المسائل كانت هناك آراء مختلفة ومتنوّعة. كان سماحة السيّد القائد يستمع للجميع، أي أنّ كل شخص يقول رأيه ويقول استدلالاته وسماحة السيّد يستمع إليهم. طبعاً لم تكن هناك مشكلة لغة لأنّ سماحة السيّد القائد يفهم العربيّة بشكل كامل وأيضاً يتكلّم العربية بشكل جميل جدّاً، وإن كان عندما يتكلّم يفضّل أن يكون هناك مترجم. أي أنّه كان يتكلّم أغلب الأوقات بالفارسيّة، لكن باللغة العربيّة عندما كان اللبنانيّون يتكلّمون لم يكن بحاجة إلى ترجمة إلى اللغة الفارسيّة. هذا ساعد كثيراً، حيث أن سماحة السيد القائد يفهم ويحيط بمشاكلنا وقضايانا وتنوّعاتنا وآرائنا المختلفة. والأمر المهمّ جدّاً أيضاً هو أنّ سماحة السيّد القائد رغم أنه ممثّل الإمام وله اختيارات [صلاحيات] كاملة من قِبل سماحة الإمام (قدّس سرّه)، كان دائماً يحاول أن يقوم بدور تعليمي، وتوجيهي وإرشادي، أي أنّه يساعدنا في أن نتّخذ نحن القرار. وأنا دائماً أذكر في كافّة الجلسات، في ذلك الوقت وبعد أن أصبح قائداً، كان سماحة السيد القائد إذا أراد أن يبدي رأياً، يقول أنا اقتراحي هذا، مثلاً يأتي في رأيه أو نظره أن يصل إلى هذه النتيجة لكن يقول أنتم اجلسوا واتّخذوا القرار الذي ترونه مناسباً. وبحق استطاع سماحة السيّد القائد في تلك المرحلة أن يُرشّد ويرفع من مستوى قيادات حزب الله الذّهنيّة والفكريّة والعمليّة ليتّخذوا بشكل دائم القرارات بأنفسهم ويعطيهم ثقة كبيرة جدّاً بأنفسهم وبقدرتهم على اتّخاذ القرارات، حتّى في أعقد المسائل وأصعبها، كان يُبدي رأياً لكن يقول أنتم أهل مكّة وأهل مكّة أدرى بشعابها، المثل المعروف، أي أنتم أهل البلد وأنتم أدرى بشؤونكم وأموركم، في نهاية المطاف نحن نقول بعض الآراء وأنتم تستطيعون أن تستفيدوا من هذه الآراء، ولكن أنتم الذين تتّخذون القرار، لا تنتظروا أحداً ليتّخذ القرار نيابةً عنكم. هذا من الناحية التربويّة والتحضيريّة وتهيئة حزب الله للنمو والرشد والتطوّر السريع، هنا كان دور سماحة السيّد القائد في تلك المرحلة، [وكان دوراً] مهمّاً جدّاً وكبيراً جدّاً.
طبعاً في السنة الواحدة كان الإخوة يذهبون مرّتين أو ثلاث مرّات، في الأغلب مرّتين. أي أنه كل ستّة أشهر كانوا يذهبون ليطّلعوا على الأوضاع في إيران، وقراءة المسؤولين في إيران للأحداث في المنطقة، لأنّه دائماً كانت هناك أحداث متسارعة جدّاً، وكانت طبعاً الحرب موجودة، حرب الثماني سنوات المفروضة على إيران وانعكاساتها على منطقتنا، فكانوا دائماً بحاجة إلى المعلومات وإلى التشاور وإلى الحصول على الدّعم والمساندة من قِبل الجمهورية الإسلامية في إيران، أحياناً إذا كان هناك من شأنٍ طارئ أو استثنائي كان الإخوة يرسلونني إلى إيران، والسبب أنني كنت أصغر سنّاً، فأنا كنت أصغرهم سنّاً، وثانياً ليست لديّ تشكيلات من الحماية أو المرافقة، فأحمل حقيبتي وأمشي. أي أنّ سفري كان أمراً سهلاً ولم يكن أمراً معقّداً، طبعاً لم أكن شخصيّة معروفة في البلد كثيراً وبالتالي لم أكن في دائرة التهديد الأمني في ذلك الحين، وأيضاً أعرف شيئاً من اللغة الفارسية، يعني أفضل من الإخوة الآخرين الذين كانوا معنا، فكانوا يُفضّلون أن أذهب أنا، وكان يوجد منذ البداية مودّة ومحبّة بيني وبين الإخوة الإيرانيّين فكانوا يقولون لي أنت تحبّ الإيرانيّين ويحبّونك فاذهب أنت إلى إيران، وكنت أذهب إلى خدمة سماحة السيّد القائد، أجلس عنده ساعة أو ساعتين وأكثر، وحتّى عندما تنتهي المطالب وأقول أنا أريد أن أخرج، كان هو يقول لماذا العجلة؟ إبق إذا كان لديك شيء فلتتكلم به. طبعاً تلك المرحلة كانت مهمّة جدّاً لحزب الله لأنّها ركّزت الأفكار الأساسيّة، والتوجهات الأساسيّة، والأهداف والمسار الأساسي. أي أنها مجموعة تؤلّف كتاباً ولها مجموعة من الآراء لكن في نهاية المطاف استطعنا أن نؤلّف كتاباً واحداً.
الآن نحن نقول في حزب الله، كلّنا نقرأ في كتابٍ واحد، أي لدينا آراء واحدة، وهذه الآراء اتّحدت بسبب الأحداث والتطوّرات والتجارب والدراسة وأيضاً توجيهات سماحة الإمام في حياته وسماحة السيّد القائد في حياة الإمام وبعد رحيل الإمام.
نصل إلى العام ١٩٨٩ حيث ينتقل الإمام الخميني (قدّس سرّه) إلى رحمة الباري عزّ وجل ويرتدي عموم النّاس ومحبّي الثورة الإسلامية ثياب العزاء. نرجو منكم أن تتفضّلوا علينا بالحديث حول الظروف التي كنتم تعيشونها حينها عندما تمّ اختيار الإمام الخامنئي كخلف للإمام الخميني (رضوان الله عليه)؟ كما نتمنّى عليكم أن تشرحوا لنا ببعض التفصيل الأحداث التي واجهتموها بعد رحيل الإمام الخميني (قدّس سرّه) في المجالات الإقليمية والدوليّة. لقد كنا نعيش حينها مرحلة في غاية الصّعوبة لاقتران تلك الفترة تقريباً بانهيار الاتحاد السوفييتي وبداية عهد القطب الأمريكي الواحد وانتهاء الحرب الباردة. في تلك الفترة لاحظنا أنّ الكيان الصهيوني بدأ يطرح قضيّة مفاوضات السلام ومن جهة أخرى باتت الثورة الإسلامية تعيش ظروفاً مختلفة. لا ريب في أنّ الأمريكيّين كانوا قد خطّطوا لمرحلة ما بعد رحيل الإمام الخميني (قدّس سرّه). نرغب في أن تحدّثونا أيضاً حول تلك الظروف وتوصّفوها لنا وتسردوا لنا كيفيّة مواجهة الإمام الخامنئي لهذه الأحداث الهامّة على مستوى المنطقة والمستوى الدّولي؟
كما تعرفون أنه في حياة الإمام رضوان الله عليه، الحزب اللهيّون في لبنان والمقاومون كانت علاقتهم بالإمام من الناحية الفكرية والثقافية كبيرة جدّاً، لكن من الناحية العاطفية كانوا شديدي التعلّق بالإمام، أي أنّهم كانوا بالفعل عشّاقاً للإمام، مثل كثير من الايرانيين، مثل شبابكم الذين كانوا يقاتلون في الجبهات. كانوا ينظرون إلى الإمام كإمام وقائد ومرشد ومرجع تقليد وأب كبير لهم. وأنا لا أذكر عشقاً لشخص كهذا العشق الذي كان من هؤلاء الناس والشباب في لبنان لسماحة الإمام (رضوان الله تعالى عليه). فلذلك رحيل الإمام في ذلك اليوم ترك حزناً شديداً جدّاً لا يقل عن حزن الايرانيين. هذا في المجال العاطفي. لكن في المجال الآخر كان هناك قلق، تعرف أن الإعلام الغربي كان دائماً يتحدّث عن ما بعد الإمام الخميني، ويقولون المشكلة هي هذا الرّجل، فإذا مات ورحل عن الدّنيا ستنقسم إيران، وستدخل إيران في الحرب الأهليّة، وسيكون هناك صراع شديد في ايران، وليس لديهم بدائل للقيادة و…. كانت حرب نفسية كبيرة في السنوات الأخيرة، خصوصاً السنة الأخيرة من حياة الإمام رضوان الله تعالى عليه, وخصوصاً بعد القضايا الداخلية التي حصلت عندكم، في موضوع عزل الشيخ المنتظري والمسائل الأخرى. فهنا كان يوجد أيضاً قلق وترقّب، وكان يُقال لنا أن الجمهورية الإسلامية التي تستندون إليها وتعتمدون عليها وتؤمنون بها سوف تبدأ بالسقوط والانهيار بعد رحيل الإمام (رضوان الله تعالى عليه). هذا أيضاً الأمر الثاني.
الأمر الثالث، بمعزل عن الحرب النفسية هناك عدم وضوح، أي أننا هنا في لبنان لم نكن نعرف بعد رحيل الإمام إلى أين يمكن أن تذهب الأمور وماذا يمكن أن يحصل؟ أيضاً من هذه الجهة كنا قلقين. عندما شاهدنا على شاشات التلفزة اليوم الأوّل واليوم الثاني وتماسك إيران والأمن القوي في إيران، الهدوء يعني، وحضور الشعب الإيراني في تشييع الإمام (رضوان الله تعالى عليه)، بدأنا نطمئن إلى أن إيران ليست ذاهبة إلى الانقسام وإلى الحرب الأهليّة، وأنّه في نهاية المطاف سيتمكّن الإيرانيّون من انتخاب القائد المناسب في مناخ معقول وجيّد. وكنّا ننتظر مجلس الخبراء كما ينتظره كلّ الإيرانيّين. انتخاب سماحة السيد القائد (حفظه الله) بالنسبة للبنانيّين، طبعاً بكل صراحة لم يكن مُتوقّعاً، نحن لم نكن نعرف بشكل جيّد الشخصيات الايرانية وأنه هل يوجد أكفأ من سماحة السيد القائد أو أعلم أو أخبر، نحن كنا نعرف بشكل أساسي المسؤولين الذين كنّا نتواصل معهم. لكن إعلان انتخاب سماحة السيد القائد لهذه المسؤولية أدخل الاطمئنان والسعادة والهدوء إلى قلوبنا بشكل مفاجئ جدّاً وغير عادي. أستطيع أن أقول في تلك الساعة كل ما كان من قلق أو اضطراب أو غموض فيما يتعلق بالمستقبل أو خوف، كلّه زال. ودخلت إلى قلوب الجميع طمأنينة عجيبة غريبة. وأنا أعتقد طبعاً أن هذا من إرادة الله سبحانه وتعالى، ومن فضل الله سبحانه وتعالى، أنّ الله سبحانه وتعالى أدخل إلى قلوب كل المؤمنين بهذه المسيرة هذا الهدوء وهذه الطمأنينة وهذه السعادة وهذه الثقة. وطبعاً من الساعات الأولى هنا من العلماء والتجمّعات وحزب الله أرسلوا برقيّات التأييد والمبايعة لسماحة السيد القائد، قائداً للأمّة الإسلامية، قائداً للمسلمين وإماماً للمسلمين. لأنّ مجلس الخبراء لم ينتخبه بهذا العنوان، بل انتخبه بعنوان قائد الجمهورية الإسلامية في إيران، رهبر جمهوري اسلامي ايران. لكن المؤمنون خارج إيران كلهم سارعوا إلى إرسال برقيات البيعة لسماحة السيد القائد كإمام للمسلمين، ووليّ لأمر المسلمين وقائد للأمة، كما كانت الحال مع سماحة الامام الخميني (قدّس سرّه الشريف).
حسناً، تجاوزنا هذه المرحلة، وبدأنا العلاقة واستمرّت. بعدها بفترة وجيزة ذهبنا إلى إيران، أي بعد فترة أيام قليلة، وعزّينا برحيل سماحة الإمام الخميني، وذهبنا إلى سماحة السيّد القائد، وكان ما زال في مقرّ رئاسة الجمهوريّة، يستقبل الناس هناك، وبايعناه مجدّداً بشكل مباشر وحضوري، وقال له الإخوة أنّه سيّدنا في حياة الإمام كنت مندوباً للإمام في مسائل لبنان وفلسطين والمنطقة، وكنت رئيساً للجمهورية ولديك وقت، الآن أصبحتَ قائداً للجمهورية الإسلامية وقائداً للمسلمين، وقد لا يكون لديك الوقت المتوفر كما في السابق. فنحن أيضاً نرغب في أن تعيّن شخصاً نرجع إليه في مسائلنا حتى لا نزاحمكم بشكل دائم. ابتسم سماحة السيد القائد وقال أنا لا زلت شابّاً، وأنا لديّ وقت إن شاء الله وأنا أهتمّ بالمقاومة وبمنطقتكم ولذلك سوف تبقى علاقتكم معي مباشرة. ومنذ ذلك الحين سماحة السيد القائد لم يعيّن مندوباً خاصّاً له نرجع إليه في مسائلنا كما كان الحال معه في حياة الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه)، وإلى الآن طبعاً المسألة كذلك. نحن طبعاً لا نزاحم كثيراً، ولم نكن نحتاج إلى وقت طويل من سماحة السيد القائد، خصوصاً أن السنوات الأولى، أي السنوات التأسيسيّة، أجابت على كلّ شيء، ثوابتنا، أهدافنا، مبادئنا، ضوابطنا، خط مشينا، كلّها أمور الحمد لله ومن نعم الله سبحانه وتعالى، نعمة الهداية كلها واضحة وبيّنة ولا تحتاج دائماً إلى مراجعة أو مزاحمة، فاستمرّينا على هذا الأساس. فيما يعني جزء من سؤالكم، موضوع العلاقة بعد رحلة الإمام (رضوان الله تعالى عليه)، وانتخاب سماحة الإمام الخامنئي قائداً ووليّاً لأمر المسلمين. أما فيما يتعلّق بالأحداث التي حصلت، طبعاً أحداث كبيرة وخطيرة جدّاً حصلت بعد رحيل الإمام وتولّي سماحة السيد القائد المسؤولية. بالنسبة إلينا كان الاستحقاق الأهم هو موضوع استمرار المقاومة في لبنان، وهذا ما أكّد عليه سماحة السيد القائد منذ البداية. أنه كما كنا في حياة الإمام نحن نواصل نفس الطريق، نفس فكر الإمام وخطّ الإمام ونهج الإمام وثوابت الإمام وثقافة الإمام، أنا أكمل في هذا الطريق، وأؤكّد على الاستمرار في هذا الطريق. طبعاً توجيهات سماحة السيد القائد لكل المسؤولين في الجمهورية الإسلامية للعناية بالمقاومة في لبنان وفي المنطقة وتقديم الدعم والمساندة المختلفة لها كانت دائماً خلال كل السنوات منذ تولّيه للقيادة. ولذلك من نعم الله سبحانه وتعالى علينا أنّه مهما اختلفت الحكومات في إيران، يعني يأتي رئيس جمهورية ويذهب رئيس جمهورية، تأتي حكومة وتذهب حكومة، مع اختلاف الخطوط السياسيّة والسلائق السياسية، وأيضاً تنوّع وتبدّل المسؤولين في الوزارات والمؤسسات المعنيّة، لكن بالنسبة لحركة المقاومة في المنطقة وخصوصاً فيما يتعلّق بحزب الله لم يكن يتغيّر شيء، بل كانت الأمور تتحسّن، أي حكومة بعد حكومة ورئيس بعد رئيس ومسؤول بعد مسؤول، وسبب هذا الثبات وهذا التحسّن هو العناية الشخصية لسماحة الإمام الخامنئي بحزب الله والمقاومة في لبنان والمقاومة في المنطقة. هذا كان يشكّل عنصر الثبات، التأكيد الدائم على الاهتمام وعلى العناية. حسناً عندما ندخل إلى الأحداث، هنا ندخل في القضايا التي ذكرتم.
أهم شيء كان بعد تولّي سماحة السيد القائد في تلك المرحلة فيما يتعلّق بنا، أوّلاً كانت معالجة المشاكل الداخليّة الموجودة في لبنان، وفي تلك المرحلة تذكرون أنّه كان يوجد مشكلة بين حزب الله وحركة أمل، وسماحة السيد القائد أعطى وقتاً لهذا الأمر وعناية خاصّة، وببركة توجيهات سماحة السيّد القائد وأيضاً اتصالات المسؤولين في الجمهورية الإسلامية بحزب الله وبقيادة حركة أمل، الأستاذ نبيه برّي رئيس المجلس حاليّاً، وأيضاً بالمسؤولين السوريّين، أهمّ ما أنجز في بداية قيادة سماحة السيد القائد هو حلّ المشاكل الداخلية التي كانت موجودة بين حزب الله وحركة أمل، وبالتالي توحيد الحركات المقاوِمة وصفوف المقاومة في لبنان، وكان هذا ببركات سماحة السيد القائد وتأكيداته الشديدة. أي أنه كان يرفض أي مشكلة، وأي قتال وأي صراع ويصرّ بشكل دائم على التواصل والصلح وحلّ المسائل بأي ثمن، وهذا طبعاً أخذ سنوات، يعني خلال سنتين أو ثلاثة حتّى تمكنّا من تجاوز ما كنّا عليه وسماحة السيّد القائد هو الذي أسّس لهذه العلاقة المتينة التي وصلنا إليها اليوم بين حزب الله وحركة أمل. أي أنه من المعلوم اليوم أن العلاقة ليست علاقة استراتيجيّة بل علاقة وجوديّة، أنا أقول فوق الاستراتيجيّة. وببركة حلّ المشاكل بين هذين الحزبين، أي هاتين الجماعتين، وبالعكس بالتعاون الذي نشأ بينهما، نحن تمكّنا من مواصلة المقاومة والدفاع عن لبنان وجنوب لبنان، ببركة هذه الوحدة تمكّنا من الانتصار عام ٢٠٠٠ وطرد الاسرائيليّين من جنوب لبنان، وببركة هذه الوحدة تمكنا من الصّمود في ٢٠٠٦ في حرب الثلاثة وثلاثين يوماً ومن الانتصار في حرب تمّوز. وإلى اليوم، الإنجازات السياسية في لبنان أو في المنطقة وأحد العناصر الأساسية للقوة السياسيّة والشعبية والعسكرية التي تتمتّع بها المقاومة هو هذا الانسجام وهذا التلاحم وهذه العلاقة الجيّدة. أنا أذكر في ذلك الوقت بعد شهادة السيد عباس (رحمة الله عليه)، والإخوة انتخبوني أنا أميناً عامّاً، ذهبنا إلى خدمة سماحة السيد القائد، من جملة ما قال، قال إذا أردتم أن تُدخلوا الفرح والبهجة إلى قلب مولانا صاحب الزمان (عجل الله فرجه الشريف) وإلى قلوبنا جميعاً يجب أن تعملوا وتحافظوا على الهدوء في ساحتكم، وعلى التعاون في ساحتكم، بالخصوص بين حزب الله وحركة أمل وسماحة السيد فضل الله وسماحة الشيخ شمس الدين. في ذلك الوقت كان سماحة السيد فضل الله وسماحة الشيخ شمس الدين (رحمهما الله) على قيد الحياة. فكان سماحة السيد القائد يؤكّد على الوحدة الداخلية، طبعاً في الدائرة الشيعية، وعلى الوحدة الإسلامية بين الشيعة والسنّة، وبقيّة المسلمين في البلد، وعلى الانفتاح الوطني والوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين، وهذا كان يؤكّد عليه دائماً في الجلسات الداخلية. الانفتاح على بقية اللبنانيين، هذا كان الموضوع الثاني. الموضوع الأول إذاً أمل وحزب الله والوضع الشيعي الداخلي، الموضوع الثاني هو تشجيع حزب الله أكثر من أجل الانفتاح على بقيّة القوى السياسيّة اللبنانية رغم الاختلاف العقائدي أو الديني أو الفكري أو السياسي، هذا كان أيضاً من بركات بداية تلك المرحلة.
التأكيد على استمرار المقاومة ومواجهة العدوان والعزم على تحرير الجنوب، لذلك كان سماحة السيد القائد دائم الاهتمام بتطوير عمل المقاومة، وأن نواصل ونتطوّر ونكبر ونمتدّ ويقول يجب أن تحرّروا أرضكم، يعني لا يجوز لهذا الأمر أن يأخذ وقتاً أطول ممّا يأخذه فعلاً، فكان دائم التشجيع والدفع باتجاه عمل المقاومة بشكل جدّي. تعرفون أحد المشاكل كانت في ذلك الوقت أنّ عدداً من فصائل المقاومة غير حزب الله كانوا قد بدأوا ينشغلون بالمسائل السياسية الداخلية وبدأت مهمّة المقاومة تدريجيّاً تنحصر في حزب الله وفي حركة أمل ولكن حزب الله أكثر. وحتّى حزب الله كان بعض الإخوة يحبّون الذهاب إلى العمل السياسي الداخلي، كان دائماً سماحة السيد القائد يدفع باتجاه أولوية العمل المقاوم والعمل الجهادي.
يتبع........