۳ آذر ۱۴۰۳ |۲۱ جمادی‌الاول ۱۴۴۶ | Nov 23, 2024
رمز الخبر: 355006
٢٣ يونيو ٢٠١٨ - ١٠:٢٨
السلام عليك يا صاحب الزمان

وكالة الحوزة - يعتبر عصر الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف)- بعد ظهوره وقيامه- من أفضل عصور الكرة الأرضية منذ خلق الله الأرض، أو منذ خلق الله آدم(عليهم السلام).

وكالة أنباء الحوزة - يعتبر عصر الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف)- بعد ظهوره وقيامه- من أفضل عصور الكرة الأرضية منذ خلق الله الأرض، أو منذ خلق الله آدم(عليهم السلام).

مقدمة: 
إن التحدث عن الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) يكون تحدثاً عن موضوع ديني عقائدي له غاية الأهمية، وله الصلة الكاملة بالإسلام والمسلمين. وتعتبر شخصية الإمام المهدي حقيقة إسلامية، ومسألة من أهم المسائل الدينية، وتعتبر من صميم الدين الحنيف. وليس أسطورة كتبها الشيعة تسلية لأنفسهم، وترويحاً عن قلوبهم. وليست نظرية أو فكرة اختمرت في بعض الأذهان تخفيفاً أو تخديراً للآلام التي كانت الشيعة تشعر بها من سوء تصرفات الحاكمين، كما ذكرها بعض المتفلسفين. وليس خرافة اختلقها القصاصون وألصقوها بالإسلام، كما تصورها بعض الجهال ممن يدعى العلم والثقافة. وليس مهزلة تاريخية كي يستهزيء بها المعاندون المستهترون. بل إنها حقيقة إسلامية واقعية، تليق بالاهتمام، وتجدر بالدراسة والوعى، وتستحق كل تقدير وانتباه. 
إنها امتداد للإسلام والقرآن، إنها مسألة جوهرية مهمة بشر بها القرآن الكريم، وتحدث عنها الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) في مواطن كثيرة ومناسبات عديدة، وبشر بها أئمة المسلمين(عليهم السلام) شيعتهم، بل بشروا بها الأمة الإسلامية جمعاء. وكتب عنها العلماء والمحدثون والمفسرون والمؤرخون على مر القرون، وألفوا الكتب المفصلة حول الموضوع بالذات. 
إذن، فالموضوع استراتيجي جداً، فريد من نوعه، وحيد في ذاته، يمتاز بمزايا كبيرة خاصة، كثر حوله النقاش، وتضاربت في رحابه الآراء، وطاشت الأقلام، وطغت عليه الأقوال، فآمن به قوم، وتحير قوم، وسكت آخرون، وسخرت طائفة من طائفة، كل ذلك حول شخصية الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
فالإمام المهدي ليس من الذين قد أكل الدهر عليهم وشرب وصار نسياً منسياً، بل هو نداء الملايين، ومهوى أفئدة الأجيال، ومحط أنظار الأمم، ومعتقد آمال الشعوب. 

وسوف يكون حديثنا عن المهدي في ثلاث نقاط: 
۱. بشائر القرآن عن الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف).
٢. بشائر السنة عن الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف).
٣. حياة المجتمع في عصر الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف).

الفصل الأول: البشائر في القرآن بالإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) 
القرآن الكريم، كتاب الله الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. فيه تبيان كل شئ، لا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، ما فرطنا في الكتاب من شئ، وهو آخر الكتب السماوية، كما أن الإسلام آخر الأديان. 
أترى القرآن يسكت عن هذا الحادث الجلل الذى يعتبر تبدلاً عظيماً في الحياة؟! القرآن الذى أخبر عن غلبة الروم على الفرس، وعن قيام دولة اليهود بالتعاون مع الدول الكبرى. القرآن الذى أخبر عن يأجوج ومأجوج ومصيرهما في المستقبل. 
القرآن الكريم الذى أخبر عن إمكانية غزو الفضاء بقوله تعالى: ﴿يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ﴾.(١) 
أترى القرآن لا يخبر عن ظهور الإمام المهدي واستيلائه على الحكم؟ كلا، إن القرآن الحكيم أخبر عن الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) وقيام حكومته في مواضع عديدة وآيات متعددة.. نكتفى بآية واحدة منها هي: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾.(٢) 
لقد تكررت هذه الآية في القرآن ثلاث مرات، مما يدل على أهمية الموضوع. 
وهذه الآية لها تنزيل وتأويل، فالتفسير أو التنزيل للآية: أن الله تعالى أرسل رسوله محمداً (بِالْهُدَى) من التوحيد وإخلاص العبادة، (وَدِينِ الحَقِّ) وهو دين الإسلام (لِيُظْهِرَهُ) الظهور- هنا-: العلو بالغلبة بكل وضوح، قال تعالى: ﴿كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّة﴾.(٣) أي: يغلبوكم ويظفروا بكم. 
فمعنى: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ أي يعلو ويغلب دين الحق على جميع الأديان، فإن كان هذا الكلام قد تحقق وكانت الإرادة الإلهية قد تنجزت، فالمعنى أن الله تعالى قد أدحض وزيف جميع الأديان الباطلة والملل والشرائع المنحرفة، زيفها بالقرآن والإسلام، وبعبارة أوضح: إن الإسلام قد أبطل ونسخ جميع الأديان، ورد على كل ملحد أو زنديق وعلى كل من يعبد شيئاً غير الله. 
أما إذا أردنا أن نتحدث عن الآية على ضوء التأويل، فإن هذا الهدف الإلهي لم يتحقق بعد، فالمسلمون عددهم أقل من ربع سكان الأرض، والبلاد الإسلامية تحكمها قوانين غير إسلامية، بل تجد المسلمين في بعض البلاد أقلية مستضعفة لا تملك لنفسها نفعاً ولا ضراً، إذن فأين غلبة الحق على الباطل، وأين قوله تعالى: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ وفى أي زمان تحقق هذا المعنى؟. 
إن أئمة أهل البيت(عليهم السلام) ذكروا في تأويل الآية أنها تتعلق بعصر الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) وظهوره. 
وأما الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت في تأويل الآية فإليك بعضها: 
فى كتاب مجمع البيان- في تفسير الآية- عن عبابة أنه سمع أمير المؤمنين الإمام على بن أبي ‌طالب(عليه السلام) يقول: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ أظهر ذلك بعد؟ قالوا: نعم. قال (عليه السلام): كلا، فو الذى نفسى بيده حتى لا تبقى قرية إلا وينادى فيها بشهادة أن لا إله إلا الله بكرةً وعشياً. 
وفي تفسير البرهان: فلا، والذى نفسى بيده حتى لا تبقى قرية إلا ونودى فيها: بشهادة لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله بكرةً وعشياً. 
وفى تفسير البرهان- أيضاً- عن ابن عباس في قوله عز وجل: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾ قال: لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي ولا نصراني ولا صاحب ملة إلا صار إلى الإسلام، حتى تأمن الشاة والذئب والبقرة والأسد، والإنسان والحية، حتى لا تقرض فارة جرباً، وحتى توضع الجزية ويكسر الصليب ويقتل الخنزير، وهو قوله تعالى: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾ وذلك يكون عند قيام القائم(عجل الله تعالى فرجه الشريف).
وفى تفسير البرهان على كتاب الكافي عن أبي ‌الفضيل عن الإمام أبي ‌الحسن الكاظم(عليه السلام)، قلت: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾؟ قال(عليه السلام)؛ هو أمر الله رسوله بالولاية والوصية، والولاية: هي دين الحق. قلت: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّه﴾؟ قال (عليه السلام): يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم(عجل الله تعالى فرجه الشريف).
وروى القندوزي الحنفي في كتابه (ينابيع المودة) والمجلسي(ره) في كتابه (بحار الأنوار) عن الإمام الصادق(عليه السلام) في تفسير الآية حديثاً، أما ما ذكره القندوزي فهو كما يلى: 
قال (عليه السلام): والله ما يجئ تأويلها حتى يخرج القائم المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) فإذا خرج لم يبق مشرك إلا كره خروجه، ولا يبقى كافر إلا قتل.. إلى آخر الحديث. 
وأما ما ذكره المجلسي: فعن أبي‌بصير قال: سألت اباعبد الله- الصادق-(عليه السلام) عن قوله تعالى في كتابه: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾ فقال (عليه السلام): وبالله ما أنزل تأويلها بعد. قلت: جعلت فداك ومتى نزل؟ قال: حتى يقوم القائم إن شاء الله، فإذا خرج القائم لم يبق مشرك.. إلى آخر الحديث. 
أقول: نكتفى بهذه الآية البينة المأولة بالإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) والروايات الواردة حول تلك الآية عند أئمة أهل البيت السابقين، وأختم بتأويلها عن إمام أهل البيت الحسنى الحسينى، وهو الإمام المجدد السيد محمد ماضى أبو العزائم(ره) حيث يشير إلى أن الإسلام سوف يعلو على كل دين تحقيقاً لوعده تعالى: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾،(٤) بعد أن يعلن إمام دولة أهل البيت عن قيامها، واندحار كل خائن موالٍ للأعداء في بلاد الإسلام، وانمحاء الكفر منها، فيقول(ره) في كتابه الجفر: 
يُظهر الله دينه بإمام حقق الله بالقرآن انتصاره 
حول الحزب حزب رب قوى آية الذكر وضحت لى الإشارة 
سوف يأتى(وعد من الله حق) فاقرأنها بنصها والعبارة 
كل خب مسارع في الأعادى سوف يبلى بنكبة أو بغارة 
ينمحى الكفر من بلاد أضاءت والكرام الأبدال تمحو شراره 
وى لديها يعلو على كل دين دين ربى فاتلوا لنا أخباره 

الفصل الثاني: البشائر في الأحاديث النبوية بالإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) 
من العجيب أن أكثر الأحاديث الموجودة في كتب أهل السنة حول الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) مروية عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بأسانيد متعددة ومضامين متنوعة. 
فتارة يبشر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) المسلمين بالإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) في ضمن الأئمة الإثنى عشر، وأنه هو الثاني عشر، وتارة أخرى يخبر عنه أنه من ولد فاطمة الزهراء(عليه السلام)، وأنه من صلب الحسين(عليه السلام).
وستعرف في الأسطر الآتية أن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يخبر عن الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) في مناسبات عديدة ومواقف كثيرة ومواطن حساسة جداً، مما يدل على أهمية الموضوع غاية الأهمية، وإلا فما الداعى إلى هذا الاهتمام وإلى هذه العناية بالموضوع، والإلحاح والتكرار والتركيز في الإخبار عن الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف).
الأحاديث المروية عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) حول الإمام كثيرة جداً، ونقتطف بعضها رعاية لأسلوب البحث: 
١. عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): (إن خلفائى وأوصيائى وحجج الله على الخلق بعدى لإثنا عشر، أولهم أخى وآخرهم ولدى. قيل: يا رسول الله ومن أخوك؟ قال: على بن أبي‌طالب. قيل: ومن ولدك؟ قال: المهدي الذى يملؤها- أي يملأ الأرض- قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، والذى بعثني بالحق بشيراً لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدى المهدي، فينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلى خلفه، وتشرق الأرض بنور ربها، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب).
٢. عن حذيفة قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): (المهدي رجل من ولدى، وجهه كالكوكب الدرى).
٣. عن الإمام محمد بن على الباقر عن آبائه عن أمير المؤمنين الإمام على بن أبي‌طالب (صلوات الله عليهم أجمعين) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): (المهدي من ولدى، يكون له غيبة، وحيرة تضل فيها الأمم، يأتى بذخيرة الأنبياء(عليهم السلام) فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً).
٤. روى القندوزي الحنفى عن أبي‌بصير عن الصادق جعفر بن محمد عن آبائه عن أمير المؤمنين الإمام على بن أبي‌ طالب(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): (المهدي من ولدى، اسمه اسمى، وكنيته كنيتي، وهو أشبه الناس بى خَلقاً وخُلقاً، يكون له غيبة وحيرة في الأمم حتى تضل الخلق عن أديانهم، فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً جوراً).
٥. روى المجلسي عن الشيخ المفيد عن أبي‌أيوب الأنصارى قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)- لفاطمة-: (والذى نفسى بيده لا بد لهذه الأمة من مهدى، وهو والله من ولدى).
٦. عن مكحول عن الإمام على بن أبي‌ طالب(عليه السلام) قال: قلت يا رسول الله أمنا- آل محمد- المهدي أم من غيرنا؟ فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): (لا، بل منا، بنا يختم الله الدين كما فتح الله بنا، وبنا ينقذون عن الفتنة كما أنقذوا من الشرك، وبنا يؤلف الله بين قلوبهم بعد عداوة الفتنة إخواناً كما ألف بين قلوبهم بعد عداوة الشرك، وبنا يصبحون بعد عداوة الفتنة إخواناً كما أصبحوا بعد عداوة الشرك إخواناً).
إن سؤال الإمام أمير المؤمنين على بن أبي‌طالب من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من قبيل تجاهل العارف، فهو يسأل عما يعلم وكأنه لا يعلم وذلك لغرض يقصده، وهذا النوع من الكلام وارد في القرآن والأحاديث بل وفى العرف أيضاً قال تعالى: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾ (طه: ١٧).
٧. عن هشام بن سالم عن الإمام الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن جده(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): (القائم من ولدى، اسمه اسمى، وكنيته كنيتي، وشمائله شمائلي، وسنته سنتي، يقيم الناس على ملتي وشريعتي، ويدعوهم إلى كتاب الله عز وجل، من أطاعه أطاعني، ومن عصاه عصاني، ومن أنكره فقد أنكرني، ومن كذبه فقد كذبه، ومن صدقه فقد صدقني، إلى الله أشكو المكذبين لى في أمره، والجاحدين لقوله في شأنه، والمضلين لأمتي عن طريقته، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).
٨. عن ابن عباس قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): (على بن أبي ‌طالب إمام أمتى، وخليفتي عليهم بعدى، ومن ولده القائم المنتظر الذى يملأ الله عز وجل به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، والذى بعثني بالحق بشيراً: إن الثابتين عن القول به لأعز- أي: أقل وأندر- من الكبريت الأحمر).
٩) عن أبي سعيد الخدري- في حديث طويل- قال: قال رسول(صلى الله عليه وآله وسلم)- لفاطمة- يا بينة: إنا أعطينا- أهل البيت- سبعاً لم يعطها أحد قبلنا: 
(١) نبينا خير الأنبياء، وهو أبوك. 
(٢) ووصينا خير الأوصياء، وهو بعلك. 
(٣) وشهيدنا خير الشهداء، وهو عم أبيك حمزة. 
(٤) ومنا من له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنة، وهو ابن عمك جعفر. 
(٥ و٦) ومنا سبطا هذه الأمة، وهما ابناكِ الحسن والحسين. 
(٧) ومنا- والله الذى لا إله إلا هو- مهدى هذه الأمة، الذى يصلى خلفه عيسى ابن مريم، ثم ضرب بيده على منكب الحسين(عليه السلام) فقال: ومن هذا، ثلاثاً. أي قال(صلى الله عليه وآله وسلم): من هذا ثلاث مرات. وفى كتاب البيان للشافعى الكنجى، قال(صلى الله عليه وآله وسلم): (من هذا مهدى هذه الأمة).
١٠) عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): (ينزل عيسى ابن مريم(عليها السلام) فيقول أميرهم المهدي: تعال صل بنا، فيقول: ألا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة من الله عز وجل لهذه الأمة).
لقد مر عليك- في الأحاديث النبوية- أن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) يحلف بنفسه، ويقول: (والذى بعثني بالحق بشيراً) أو (والذى نفسى بيده) أو (منا- والله الذى لا إله إلا هو- مهدى هذه الأمة) كل ذلك تأكيداً لهذه الحقيقة، وتثبيتاً للموضوع، ولا يكتفى الرسول الصادق الأمين(صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا حتى يقول: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد..).ويقصد(صلى الله عليه وآله وسلم) أن هذا الأمر كائن قطعاً وبلا شك، وحتى إذا طالت الأزمنة، بل وحتى لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد فلا بد وأن يظهر الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) وهذا منتهي المبالغة في التأكيد والتحقيق. 
وقد سمعت وقرأت أن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) يتحدث عن الإمام المهدي بأنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعد ما ملئت ظلماً وجوراً. ولهذه الكلمة تحقيق وشرح. 
أما ذكر الظلم والجور معاً، والقسط والعدل معاً- كما مر عليك الأحاديث- فمن الممكن أن يكون المقصود من قوله: (تملأ ظلماً وجوراً) انتشار الظلم من عامة الناس، وانتشار الجور من الحكام. وأن يكون المقصود من قوله: (يملؤها قسطاً وعدلاً) القسط من الحكام والعدل من عامة الناس. 

الفصل الثالث: حياة المجتمع في عصر الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) 
يعتبر عصر الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف)- بعد ظهوره وقيامه- من أفضل عصور الكرة الأرضية منذ خلق الله الأرض، أو منذ خلق الله آدم(عليهم السلام).
ومن الصحيح أن نسمى عصر الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف): عصر النور وعصر العلم، لا العصور التي تحت نعيشها اليوم، التي هي عصور ظلمات الجهل والفقر، والانحراف والفجائع، والجور والضلالة وأمثال ذلك. 
وانطلاقاً من الكلمة الحكيمة المشهورة: (تعرف الأشياء بأضدادها) يمكن لنا أن ندرك شيئاً من ازدهار ذلك العصر، وجمال الحياة في ذلك الزمان، وحلاوة العيش في تلك السنوات، بإلقاء نظرة خاطفة إلى الوضع المأساوي الذى نعيشه في الوقت الحاضر: 
انظر إلى المجتمع الذى نعيشه اليوم، وانظر إلى المكاره التي عكرت الحياة على الناس، وسلبتهم لذة العيش وحلاوة الحياة، من أنواع الحرمان: فهذا محروم من المال، والآخر محروم من دار يسكنها، أو حانوت يتجر فيه، أو مال يؤمن به حياته وحياة عائلته، أو يداوى نفسه أو من يتعلق به، فترى المشاكل محيطة بالحياة. والأزمات تسد الأبواب على الناس، من فقد الحريات: حرية السكن، أو السفر، أو التجارة، أو العمل، أو الإقامة، أو الخطابة، أو الكتابة والتأليف، وإبداء الرأي وغيرها!. 
ومن زوال الأمن والأمان، فالإنسان يخاف على حياته وعلى أمواله وعلى عائلته، والضعفاء يخافون من الأقوياء، والأغنياء يتجبرون على الفقراء، وانتشار العقد النفسية التي لا تعد ولا تحصى مضاعفاتها!. 
ثم انظر إلى الفقر والمجاعة التي يعيشها أكثر البشر في العالم، والأمراض الناتجة من سوء التغذية، وخاصة بين الأطفال... وهكذا وهلم جراً. 
انظر إلى الناس وإلى نواقص حياتهم ومحرومياتهم، وإهدار كراماتهم، ومآسيهم ومصائبهم ومشاكلهم، فالسجون مملوءة بالملايين، والحروب تأكل وتسحق وتمزق وتدمر وتحرق. 
بعد هذا العرض الخاطف... اقلب مظاهر الحياة كلها- مائة بالمائة- عند قيام الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) فالفقر يرحل عن المجتمع البشرى، والحرمان يزول عن الناس، والعقد النفسية تنحل، والأحزان تنقلب أفراحا. وجحيم الحياة ينقلب نعيما، والذبول المستولى على الوجوه تتبدل طراوة ونضارة، والخوف يرتفع، والأمان يسود العالم، والعدالة تخيم على رؤوس البشر، والظلم يتبخر، فلا ترى ظالما ولا مظلوما، والمسلمون تتحقق أمنياتهم، والسلام يشمل الكرة الأرضية، والإسلام ينتشر في كل بقعة من بقاع الأرض، فلا يعيش على وجه الأرض إلا من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).
كل ذلك.. ببركات نهضة الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) وقيامه وانجازاته، وخطواته الإصلاحية، ومشاريعه العمرانية، وتعاليمه القيمة، وتطبيقه للقوانين الإلهية. 
وليس من السهل: الإحاطة بإنجازات الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) والاطلاع عليها بصورة مفصلة، حين قيامه ونهضته، لأن المفاسد والمآسي والمصائب والمنكرات والانحرافات المنتشرة في المجتمعات البشرية عدد نجوم السماء، لا تعد ولا تحصى!. 
ويجب أن نعلم أن أكثر الانحرافات إنما تحدث بسبب القوانين الجائرة، التي هي خلاصة أدمغة الهيئة الحاكمة الظالمة.. تلك القوانين التي سلبت من البشر الحرية والكرامة، فكانت النتيجة: انتشار الجهل والفقر، والحرمان والمشاكل، والذنوب والجرائم والفجائع، وغيرها من مظاهر الشر!!. 
نعم.. إن القوانين المنحرفة هي التي تسبب الفحشاء والسرقة والقتل والجوع وغير ذلك في المجتمعات، فإذا أزيلت تلك القوانين العوجاء وحلت مكانها الأحكام الإلهية فإن المجتمعات تنقلب إلى الرخاء والرفاه والصلاح والاعتدال. 
وينبغي أن لا ننسى أن مئات الأحاديث- الواردة عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وعن أهل البيت(عليهم السلام) المذكورة في كتب الشيعة والسنة والتي قد تجاوزت حد التواتر- قد صرحت بأن الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن تملأ ظلماً وجوراً. 

وهذه الكمية الكثيرة من الأحاديث تركز على نقطتين:
الأولى: إن الإمام المهدي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.
الثانية: بعد أن تملأ ظلماً وجوراً. 
فيمن لنا أن نقول: إن الجملة الثانية علة للجملة الأولى.
وبعبارة أوضح: إن ظهور الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) يكون إذا امتلأت الأرض بأنواع الظلم والجور، فالحكام يظلمون الشعوب، والأقوياء يظلمون الضعفاء، والرجل يظلم زوجته وبالعكس، والأولاد يظلمون الوالدينٍ وبالعكس، والجيران يظلم بعضهم بعضاً، والأجير يظلم من استأجره وبالعكس، ويشمل الظلم الأرامل والأيتام والضعفاء، بل وحتى الحيوانات، فلا ترى إلا ظالماً أو مظلوماً، بل يتجاوز الظلم إلى حد الجور، فالبريء يقتل مظلوماً، ثم يمنع أهله من البكاء عليه، أو تشييع جنازته!!. 
وقد حدث في زماننا- في بعض البلاد- أن بعض الحكومات البائدة كانت تقتل الأبرياء ظلماً. فإذا جاء أهل المقتول لاستلام جنازة القتيل كانت الحكومة تأخذ منهم قيمة الطلقات النارية- التي قتلوا بها ذلك المسكين- بأضعاف قيمتها، وذلك بعد أن يفتشوا جنازة القتيل لإحصاء مكان الطلقاء النارية في جسده، ثم كانوا يسلمون الجثة إلى ذويها!!. 
أو كان يصادرون الأموال ظلماً وبغياً، ثم لا يسمحون لصاحب تلك الأموال أن يتكلم بكلمة واحدة، أو يتظلم إلى أحد، أو يشكو مصائبه إلى أحد!!. 
إن هذه المآسي والضغوط- وملايين من أمثالها- هي التي تهيئ المجتمعات للانفجار والثورة ضد الطبقة الحاكمة الظالمة، فإذا قام من يقود الثورة فإن الملايين من المظلومين يتبعونه ويؤيدونه بصدور رحبة- ويبدون استعدادهم لمؤازرته، ويقفون إلى جانبه ولو إلى حد الموت، لأن تلك الحياة التي يعيشونها تكون مكروهة مبغوضة عندهم. 
وهذه الأمور تكون كمقدمة تمهيدية لنهضة الإمام المهدي(عليه السلام) وقيامه بنشر العدل والقسط في جميع المجتمعات البشرية..
وليس معنى ذلك أن المسلمين يتكاسلون ويتقاعسون عن العمل وبذل النشاط فلا يتكلمون ولا يكتبون ولا يعملون شيئاً- كهداية الناس ومكافحة الظلم- ظناً منهم أن ذلك يؤخر ظهور الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف).
كلا... لأن هداية الناس ومكافحة الظلم واجبة، من باب (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ولا تؤثر في تأخير ظهور الإمام أو تأخره، حتى إذا ظهر الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) وجد رجالاً لا عيالاً!!. 

أعود إلى حديثي عما يقوم به الإمام المهدي من الإنجازات والخطوات الإصلاحية فأقول:
إن حياة البشر لها جوانب عديدة ونواحي متعددة، وجميع تلك النواحي والجوانب يمكن أن ينتشر فيها الفساد، ولذلك فإن الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) يقوم بإنجازات عامة واسعة النطاق، لإصلاح جميع تلك الجوانب والنواحي. 
ويستفاد من الأحاديث الكثيرة أن تطوراً عظيماً وتبدلاً كبيراً سوف يحدث في المجتمعات البشرية كلها- في أرجاء الكرة الأرضية- وسوف تتغير صور الحياة إلى صورة أخرى رائعة، في جميع مظاهرها ومرافقها. 

وقد حدد الإمام أبو العزائم(عليه السلام) مكان إعلان دولة الإمام المهدي(عليه السلام) في كتابه الجفر فقال:
فيك تبيان ونور ساطع يملأ الأرض هدى يعلو القرآن 
هكذا في مصر غيب غامض يمحو كل الظلم من كل مكان 

ثم يكشف الإمام أبو العزائم أن هذا الإمام من ذريته، بل هو صورته الذى يظهر الله الدين على يديه، فيقول(عليه السلام):
يعقب الظلمة نور ساطع قد يعاد الدين للبدء يصان 
يحفظ الدين بأفراد لهم رتبة السبق زماناً ومكان 
صورة الختم وهم منى ولى لم يكن بعد وإن طال الزمان 
تشرق الأنوار من مصدرها تجمع الأفراد مـن عال ودان 

ثم يبشرنا الإمام أبو العزائم بفتح الكنز العظيم بأرض مصر، حيث يكثر الخير والبركات، ويحسن اقتداء الناس برسول الله(صلى اله عليه وآله وسلم)، فيقول(عليه السلام):
يفتح الكنز يكثر المال حتى قد يرى الناس زخرفاً سحابا 
فاشكروا الله يكثر الخير فيكم واذكروه في حضرة أو غيابا 
واقتدوا بالحبيب خير نبي تمنحون التقريب والانتسابا 

التوصيات
١. إن ظهور الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) بصورة مفاجئة دون تحديد زمن مخصوص أو وقت معين، يدعو كل مؤمن إلى أن يكون على حالة من الاستقامة على الشريعة، والتقيد بأوامرها ونواهيها، والابتعاد عن ظلم الآخرين، أو غصب حقوقهم، لأن ظهور الإمام المهدي يعنى قيام دولته وهي التي ينتصف فيها للمظلوم من الظالم، ويبسط فيها العدل. 
٢) أن يكون كل مؤمن في حالة طوارئ مستمرة من حيث التهيؤ للانضمام إلى جيش الإمام المهدي، والاستعداد العالي للتضحية في سبيل فرض هيمنة الإمام الكاملة، وبسط سلطته على الأرض لإقامة شرع الله تعالى، وهذا الشعور يخلق عند المؤمنين حالة من التآزر والتعاون، ورص الصفوف والانسجام. 
٣) أن يقوم كل مؤمن بتحمل مسئولياته، وخاصة في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتكون الأمة متحصنة متحفزة، إذ لا يمكن تقيد أنصار الإمام المهدي بالانتظار فحسب، دون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتقدم العلمي في شتى المجالات، استعداداً لبناء دولة الإسلام الكبرى، وتهيئة قواعدها حتى ظهور الإمام المهدي(عليه السلام).
٤) أن تعيش الأمة حالة الشعور بالعزة والكرامة، فلا تطأطئ رأسها لأعداء الله تعالى، ولا تذلُّ لجبروتهم وطغيانهم، لذلك فهي تأنف من الذل والهوان، وتستصغر قوى الاستكبار، وتستحقر كل ما يملكون من عُدةٍ وعَدد لكمال ثقتها أن النصر من عند الله، لا بكثرة عَدد، ولا بقوة عُدد.. وهذا الشعور سيخلق دافعاً قوياً للمقاومة والصمود والتضحية، وهذا هو الذى يخوف أعداء الله وأعداء الإسلام. 
٥) نبذ كل الأقلام المأجورة التي تشكك في عقيدة الإمام المهدي، وكذلك نبذ الفرق والتيارات الضالة والهدامة، التي تروج للاعتقادات الفاسدة مثل: البابية والبهائية والقاديانية والوهابية والعلمانية.. لذلك كان من الواجب الإسلامي التنبيه إلى خطر هذه الفرق والتيارات، وتوعية المسلمين بأهدافها وغاياتها، وتحصينهم بالإيمان الصحيح الذى أمر به القرآن الكريم، والسنة المطهرة، ومدرسة أهل البيت(عليهم السلام).

الهوامش:
(١) الرحمن: ٣٣. 
(٢) التوبة: ٣٣. 
(٣) التوبة: ٨. 
(٤) الفتح: ٢٨.

*  مركز الدراسات التخصصي في الإمام المهدي (عج)، بقلم: السيد محمّد علاء الدين ماضي أبو العزائم

ارسال التعليق

You are replying to: .
captcha