وكالة أنباء الحوزة - يحلو للمعجبين بأمريكا أن يمدحوا ويتغنوا بما يتخيلون أنها تتمتع به من ديمقراطية مزعومة وحرية التعبير عن الرأي. والحال أن النظام الحاكم في واشنطن أثبت -عمليا وواقعيا- انه نظام قمعي استبدادي وغير ديمقراطي وداعم لكل الأنظمة الظالمة الاستبدادية القمعية البعيدة عن الانتخابات والحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان؛ بُعد المشرقين.
كيف؟! لا نحتاج إلى جهد جهيد ولا استدلال طويل للتدليل على طبيعة الأنظمة التي تحظى بصداقة واشنطن ودعمها المطلق سياسيا وعسكريا ويكفي أن ننظر نظرة عابرة على خارطة العالم لنرى أسوأ البلدان من حيث حقوق الإنسان وفقدان أبسط ملامح الحرية والعدالة فنجدها تتسابق سابقا وحاليا لكسب ود البيت الأبيض؛ وتدعمها واشنطن.
وللإدارة الأمريكية سجل طويل عريض في انتهاك القيم الديمقراطية والمثل الأخلاقية والأعراف الإنسانية عبر التدخلات الأمريكية المتواصلة في بلدان الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب شرق آسيا فضلا عن امريكا اللاتينية والجنوبية بل وحتى أوروبا نفسها.
وفيما يخص منطقتنا نحن؛ شهدنا تدبير الانقلابات العسكرية (1952 الاطاحة بمصدق واعادة شاه إيران، وعام 1968 تمكين عصابة صدام والبكر من الاستيلاء على السلطة في العراق) فضلا عن شن الهجوم الجوي على ايران "طبس" وتاسيس ودعم الجماعات الانفصالية والعصابات الإرهابية (القاعدة، مجاهدي [منافقي] خلق، داعش واخواتها).
وليس بعيدا ما قامت به الإدارة الأمريكية بعد الانتخابات البرلمانية العراقية في 2014 والتي تمخضت عن فوز كبير للسيد نوري المالكي وائتلافه دولة القانون إلا أن ذلك لم يعجب الأميركان وعملاءهم في الساحة العراقية فوضعوا "فيتو" على ترشيحه لرئاسة الوزراء واعانهم "إخوة يوسف"وبقية القصة معروفة.
فهل كان تصرف امريكا ينسجم مع الديمقراطية أصلا؟ وأين رأي الاكثرية واحترام نتائج الانتخابات التشريعية واستقلال الدول؟
أما الآن؛ فإن الرئيس الأمريكي المعتوه ترمب قرر اعتبار القدس عاصمة للكيان "الاسرائيلي" المحتل ونقل سفارته اليها. فنهضت الشعوب العربية والإسلامية من أقصى الأرض إلى أقصاها في أضخم تظاهرات جماهيرية لثني المعتوه عن قراره الجائر فلم يعبأ بها.
وعقدت منظمة التعاون الاسلامي مؤتمرها في اسطنبول وطالبته بإلغاء قراره فلم يهتم بقراراتها ومطالبها. فكان لا بد من طرح القضية في مجلس الأمن الدولي، فشهدنا التعنت الأمريكي والصلف الذي جسدته نيكي هيلي بتلك الجلسة.
والشيء بالشيء يذكر كما يقال؛ نيكي هذه هندية سيخية عنصرية متطرفة اسمها الحقيقي (Nimrata نيمراتا) وابوها هو الهندي "آجيت سينغ رانداهاو" وامها الهندية (راج كاوور راندهاو) وهي مدعومة بشدة من اللوبي الصهيوني "ايباك" منذ أن كانت حاكمة لولاية ساوث كارولاينا ورغم أنها ليست يهودية لكن أعز صديقاتها يهوديات، وزوجها (هايلي) يعمل في الحرس الوطني الأمريكي.
وماذا بعد؟ طرح موضوع القدس في الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي تعتبر -نوعا ما- صورة مصغرة للرأي العام العالمي فلم تكتف حكومة المخبول ترمب باستخدام الفيتو مقابل 14 صوتا رافضا لقراره الاعتباطي بمجلس الأمن بل هددت الدول التي تعارض قرارها – سيء الصيت - في الجمعية العامة بقطع المساعدات المالية عنها! هذه هي ديمقراطية امريكا !
لقد تلقت امريكا [صفعة القرن] مقابل "صفقة القرن" التي كانت تروج لها ومثلت ال14 صوتا مؤيدا لمشروع القرار المصري في مجلس الأمن ضد امريكا وال128 صوتا المؤيدة للقدس وفلسطين في الجمعية العامة أكبر إهانة للبيت الأبيض حسب تعبير نيماراتا الهندية المتأمركة!
نقولها بوضوح: إن الذين يعلقون آمالهم على ديمقراطية امريكا واحترام واشنطن لحرية الشعوب واستقلال الدول ولحقوق الإنسان كمن هو (متكلّفٌ في الماءِ جذوةَ نارِ) فعليهم أن يفتحوا أعينهم على الوقائع ولا يخدعوا انفسهم بديمقراطية الكاوبوي؛ (كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا) (النور/٣٩)
رعد هادي جبارة
كاتب وخبير في الشؤون العربية