وكالة أنباء الحوزة/ کتب الإمام موسى الصدر مقالاً صحفياً بمناسبة عيد الفطر السعيد، نُشِر في جريدة لسان الحال في تأريخ 21-11-1971، سلط الضوء فيه على المرحلة التي يمرّ بها الإنسان بعد انتهاء الشهر الفضيل.
وفيما يلي نص المقال:
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما يتحول شهر رمضان ويوم العيد إلى طقوس، فمن الطبيعي ألّا يتجاوز كل منهما مظاهر الحياة العادية وأن يتجمد في ظرفه الزماني المحدود. أما شهر رمضان الذي هو من أركان الإسلام والفطر الذي هو من أعياد الإسلام فإنهما يختلفان كليًا عن هذا، ويتخطيان السلوك السطحي والتقاليد ويخرجان عن نطاقهما الزمني. عند ذلك ندرك أن ما بعد العيد هو الهدف، وأن شهر رمضان فترة تحضير وأن العيد بداية. وفي الحقيقة أن رمضان فترة يُولد بعدها وفي يوم العيد إنسان جديد يبتدئ بحياته الجديدة فيما بعد العيد.
إن هذا الإنسان يختلف في أبعاد وجوده عن الإنسان السابق؛ إنه يعيش بإدراك أوسع امتد وتعمّق خلال الدورة التدريبية التي قضاها. إنه يتمتع بإحساس أرهف اكتسبه من الصيام الذي أشعره بآلام المعذبين. إنه يتحرك بطاقة جديدة تزود بها في تدريبه الإلهي، فازداد صمودًا وثباتًا ونما صبره واتزانه.
هذا الإنسان الكبير يحتفل بالتحول العميق الذي يحس به في وجوده، يحتفل شكرًا وفرحًا صبيحة العيد عندما ﴿تزكى * وذكر اسم ربه فصلى﴾ [الأعلى، 14-15]، ثم يبدأ بحياة جديدة تختلف عن حياته العادية عندما كان يسلك طريقه في إطار ذاتياته وعندما كان يسجن نفسه في قوقعة الأنا وبذلك كان يحدد مداركه وأحاسيسه ونشاطاته. إنه كان فردًا من الأمة بالشكل ولكنه كان أمة بحد ذاتها. إنه كان نغمة نشاز وقطعة معزولة غير منسجمة في جسم المجتمع. انه كان غير الذي صار.
أما الآن فهو جزء حقيقي من أمته تلتقي أبعاد وجوده مع وجود بني قومه وتقترن أشعة إدراكه وإحساسه مع مدارك الآخرين ومشاعرهم فتزداد الأمة تماسكًا وتفاعلًا وعطاء.
أما الآن -بعد العيد- فإنه يتحسس آلام المعوزين والمعذبين والكادحين ويفكر في تخفيف الأعباء عنهم ويعمل في هذا الصدد. إنه الآن يتألم عندما يرى أميًّا أو مريضًا أو منحرفًا.
إن إنساننا الجديد يرفض الاحتكار فلا يحتكر ولا يسمح بوجود الاحتكار في أمته. الاحتكار الذي يرفضه لا ينحصر في احتكار الأرزاق، بل يرفض احتكار العلم، احتكار الجاه، احتكار العمران وحتى احتكار الدين والجنة.
إنه يحب الإنسان، أي إنسان، ولكن يكره انحرافه، شذوذه، إلحاده، لامبالاته فيسعى لمعالجته كما يعالج أبناءه المرضى.
هذا هو خط المسلم بعد عيد الفطر: جهد مستمر لمعالجة المشاكل الاجتماعية، لإنصاف الطبقات المحرومة لرفع مستوى الفئات والمناطق المتخلفة المظلومة. جهد مستمر بعد إدراك ابعاد المشكلة وبعد التحسس المتألم لها وبعد الاستعداد النفسي الصابر الصامد. جهد يتخذ من النشاط الجتماعي وسيلة لخدمة الإنسان لعبادة الله الذي يُعبد أيضًا في خدمة خلقه.
إنساننا الجديد واثق من النجاح، يحب الناس حتى المنحرفين ويحاول علاجهم، ويقف أمام الجيل الضائع بألم وأمل وبإيجابية ولا يكتفي بالاحتجاج والاتهام.
بهذا السلاح وبهذه الثروة -الإنسان ما بعد العيد- نبني وطننا ونرفع الضيم عن أمتنا ونخدم الإنسانية ونعبد ربنا الرحمن الرحيم.
مرکز الامام السید موسی الصدر، للابحاث و الدراسات، بیروت www.imamsadr.net