۹ فروردین ۱۴۰۳ |۱۸ رمضان ۱۴۴۵ | Mar 28, 2024
مصطفى يوسف اللداوي من مسؤولي الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة

وكالة الحوزة ــ يقدم الباحث السياسي الدكتور مصطفى يوسف اللداوي تقريرا عن مشهد تشكيل الحكومة الإسرائيلية حتى اليوم الخميس 10/10/2019.

وكالة أنباء الحوزة ــ مضى على الانتخابات التشريعية الإسرائيلية الثانية والعشرين أكثر من أسبوعين، وما زال الفائزان عاجزين عن تشكيل الحكومة الإسرائيلية، وقد لا يتمكنا من تشكيلها، مما قد يضطرهما إلى الذهاب معاً إلى انتخاباتٍ جديدةٍ للمرة الثالثة في نفس العام، في ظل عدم وجود مؤشرات تدل على تغير الخارطة السياسية الإسرائيلية، في حال أجريت انتخاباتٌ ثالثة، فقد يعيد الناخبون الإسرائيليون التشكيلة نفسها، ما يعني أن الأزمة ستبقى مستعصية، ولن تتمكن انتخاباتٌ جديدةٌ من حلها، علماً أن زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو قد بدأ التفاوض مع الأحزاب المختلفة لتشكيل الحكومة، لكنه أكثر من يدرك أنه سيعيد خلال الأيام القليلة القادمة التكليف إلى رئيس الكيان، حيث أن الآفاق أمامه محدودة إن لم تكن مغلقة كلياً.
الانتخابات الثالثة ليست هي الخيار الوحيد الذي لا بديل عنه، بل إن هناك خيرات أخرى، قد تكون بعضها منطقية وممكنة، وإن كانت لدى البعض صعبة ومؤلمة، إلا أنها تبقى احتمالاتٌ قائمةٌ، حيث يدرك الإسرائيليون أنه لا بد من حلٍ آخر غير الانتخابات، لأنها بالتأكيد ووفق مختلف الاستقراءات الموضوعية ستعيدهم إلى نفس النقطة، وستدخلهم من جديدٍ إلى دوامة الأزمة التي لا تنتهي، ولهذا يحاول رئيس الكيان الصهيوني رؤوفين رفلين تدوير الزوايا الحادة القائمة بين الحزبين الكبيرين، عله يتمكن من إيجاد صيغة توافقية تبعد عن شعبه شبح الانتخابات التي ستكون خيار اليأس والقنوط.
وحتى نتمكن من معرفة السيناريوهات الممكنة أو المتوقعة، والحلول العملية والمخارج النظرية، سنحاول استعراض نتائج الانتخابات رقمياً وسياسياً، لنعرف الأحجام واتجاهاتها، والتكتلات واحتمالاتها، وغير ذلك من المؤشرات والمحددات التي لها دور في تشكيل الحكومة، ورسم خارطة التحالفات القادمة، خاصة العلاقات القائمة بين القيادات الإسرائيلية، وإشكالية المتدينين والعلمانيين، ومعضلة سيطرة المواطنين العرب على 10.6% من أعضاء الكنيست، الأمر الذي يجعل خيار الانتقاء والتفاوض ينحصر فقط بين 107 أعضاء من أصل 120 عضواً.
الأحزاب المشكلة للكنيست الإسرائيلي الثاني والعشرين ...
تمكنت تسعة تكتلاتٍ سياسية فقط من الفوز في الانتخابات التشريعية، بينما خرج من الحلبة السياسية أكثر من ثلاثين حزباً آخر، لم يتمكنوا من تجاوز عتبة "نسبة" الحسم والبالغة 3.25% من إجمالي عدد الناخبين، بما يعادل 160 ألف صوتٍ تقريباً، ولكن الأحزاب التسعة الفائزة ليست أحزاباً بسيطة، بل هي تكتلاتٌ مركبة، يتكون أغلبها من أكثر من حزبٍ، الأمر الذي ينبئ بخطر اختلافها تحت قبة البرلمان، وانقسامها على بعضها، بعد أن نجت من مقص نسبة الحسم، فما هي هذه التكتلات وما نسبة تمثيلها في الكنيست....
اليمين الإسرائيلي ...
حصل معسكر اليمين الإسرائيلي المتشدد على 55 مقعداً في الكنيست، إلا أنهم عدا حزب الليكود لا ينتمون إلى أحزابٍ كبيرةٍ تجمعهم، وإنما يتبعون أحزاباً صغيرة، تآلفت فيما بينها واتحدت، لتتمكن من تجاوز نسبة الحسم والفوز في الانتخابات، إلا أنها بقيت تحافظ على خصوصيتها واستقلالها، وأفكارها ومعتقداتها، ولم تتمكن من الذوبان والتلاشي في الإطار الجديد، الأمر الذي يجعل كل حزبٍ حراً في تحديد خيارته إن شاء أن يستقل برأيه، وهي كالتالي ....
حزب الليكود ...
هو الحزب الأقوى في معسكر اليمين، ويرأسه بنيامين نتنياهو، وقد حصل على 31 مقعداً، ويعتبر الحزب منسجماً مع نفسه، ومتأقلماً مع أعضائه، فهو كتلة واحدة لا يوجد فيها مجموعات أو أحزاب صغيرة تشارك في تشكيلها، وبالتالي فإن قراره نظرياً واحد، وتمثيله واحد، ولا يوجد مؤشرات جدية تهدد بانقسامه وانشطاره، رغم وجود بعض المعارضين الكبار لنتنياهو مثل جدعون ساعر، الذي يؤيد الدعوة لانتخاباتٍ تمهيدية مبكرة لاختيار رئيسٍ للحزب، في ظل الاتهامات الموجهة لنتنياهو بالفساد، واحتمال إحالته إلى القضاء وإدانته والحكم عليه.
حزب شاس الديني المتشدد...
هو الحزب الذي يمثل اليهود الشرقيين "السفارديم"، ويرأسه الوزير أرييه درعي، وقد حصل على 9 مقاعد، وهو يعتبر حزباً متماسكاً ومتحداً، لا خوف عليه من التشظي والانقسام، فهو حزبٌ قديمٌ شارك في العديد من الحكومات، وله حاخامٌ واحدٌ، وزعيمٌ واحدٌ، وكلمته أو موقفه موحد، وبالتالي يصعب المراهنة على اختراقه أو تفتيته، ويصنف حزباً يمينياً متشدداً، يكره العرب والفلسطينيين ويحتقرهم، ويرفض تقديم أي تنازلاتٍ لهم.
حزب "إسرائيل بيتنا"....
حصل حزب إسرائيل بيتنا على 8 مقاعد، وهو حزب يميني قومي متشدد يرأسه أفيغودور ليبرمان، ويتشكل في أغلبه من اليهود المهاجرين الروس، وهو حزبٌ متماسكٌ، يقوده رجلٌ واحدٌ، يصعب تفكيكه أو تفتيته واختراقه، ويتميز الحزب بعلمانيته المفرطة، وبمعارضته الشديدة للأحزاب الدينية، ويصر زعيمه على تشكيل حكومة وحدة وطنية ذات قاعدة برلمانية عريضة، وقد حذر زعيمي الحزبين الكبيرين من الاتصال به لغير تشكيل حكومة وحدة وطنية، ويعرف ليبرمان أهمية حزبه وقيمته في التركيبة الحكومية رغم أن عدد أعضائه ثمانية فقط، إلا أنه يستطيع إن شاء أن يمنح من يريد الثقة، وكلا الطرفين في حاجةٍ ماسةٍ له، ولا يستبعد على ليبرمان أن يكون له موقف مفاجئ في اللحظة الأخيرة أو في الموقف الأكثر حرجاً.
حزب "يهوديت هتوراة"...
حصل حزب يهوديت هتوراة الذي يترأسه يعقوب ليتسمان على 8 مقاعد، وهو حزب ديني يميني متشدد، يمثل المتدينين اليهود الغربيين "الأشكناز"، وهو يتكون في أصله من حزبي أجودات إسرائيل وديغل هتوراة المتشددين جداً، ولكنه اليوم حزبٌ متماسكٌ، يصعب تفتيته وتشتيت أصواته أو شراء أعضائه، وهو يميل إلى حزب الليكود ويؤيد زعيمه، ولا يوجد لدى نتنياهو أي مخاوفٍ من احتمالات انقلاب الحزب عليه أو الغدر به، علماً أن رئيس الحزب يعقوب ليتسمان متهم بقضايا جنسية كثيرة، وهو مطلوب للتحقيق معه في ملبورن بأستراليا.
قائمة يامينا...
هي القائمة اليمينية المتطرفة، وتشكل اتحاد أحزاب اليمين الصغيرة، وهي الأكثر تشدداً ويمينيةً، ويرأسها نفتالي بينيت وإيليت شاكيت، وهي على علاقة جيدة بنتنياهو وقد سبق لها أن عملت معه، حصلت على 7 مقاعد، لكنها ليست حزباً واحداً، بل هي تكتلٌ من حزبين هما، حزب اليمين الجديد وحزب البيت اليهودي،  
أحزاب يمين الوسط واليسار...
حصل اليمين الوسط وأحزاب اليسار الإسرائيلية على ما مجموعة 44 مقعداً في الكنيست الإسرائيلي، والأحزاب والقوائم المشكلة لهذا التكتل هي ...
حزب أزرق أبيض "كحول لافان"....
حصل تكتل يمين الوسط الذي تشكل ائتلافه تحت اسم كحول لافان "أزرق أبيض"، وعرف باسم حزب الجنرالات على 33 مقعداً، وبالتالي فهو التكتل الأكثر تمثيلاً في الكنسيت الإسرائيلية الثانية والعشرين، إلا أن هذا التكتل غير منسجمٍ، فلا يتشكل من حزبٍ واحدٍ، ولا يجمع قادته إطارٌ واحد أو ميثاقٌ موحد، حيث يتشكل هذا الائتلاف من حزبين مستقلين كبيرين نسبياً، لكلٍ منهما برنامجهما الخاص وأولوياتهما الذاتية، الأمر الذي يجعل الائتلاف عرضةً للتشظي والانقسام في حال لم يتم التوافق فيما بينهما، ولهذا فإن رئيسه الجنرال بيني غانتس غير حر في المفاوضات والمناورات، بل هو محكومٌ في ائتلافه لحزب "ييش عتيد" المتحالف معه، وسيجد نفسه مضطراً أن يرضي رئيسه القوي أيضاً يائير لبيد، وإلا فإنه سيفقد عدداً من مقاعده النيابية، الأمر الذي قد يفقد بعض القوة التي امتاز بها.
يتشكل حزب أزرق أبيض من ائتلاف حزب "الصمود من أجل إسرائيل" وهو حزب الجنرالات برئاسة بيني غانتس، وحزب ييش عتيد "هناك مستقبل" برئاسة يائير لبيد، وهو حزب علماني لا يتفق مع الأحزاب الحريدية الشرقية والغربية، ويعتبر يائير لبيد الرجل الثاني في تحالف أزرق أبيض بعد بيني غانتس، ويتطلع لبيد في حال تكليف بيني غانتس بتشكيل الحكومة، أن يتقاسم وإياه رئاستها بالتناوب.
تحالف حزب العمل غيشر ...
حصل تحالف حزب العمل وغيشر على 6 مقاعد، وهو بزعامة وزير الحرب الأسبق ورئيس حزب العمل عامير بيرتس، ويصنف على أنه حزب يساري.
قائمة المعسكر الديمقراطي اليساري...
حصل المعسكر الديمقراطي على 5 مقاعد، وهي قائمة مشكلة من حزب ميرتس اليساري، ومن حزب إسرائيل ديمقراطية الذي شكله وترأسه رئيس الحكومة الأسبق أيهود باراك، ويعتبر المعسكر أقرب بكثير إلى حزب أزرق أبيض، لا حباً في بيني غانتس، بل كرهاً في نتنياهو وسياساته العنصرية والرافضة لتسيل مسار السلام مع الفلسطينيين، الذي يؤمن به ميرتس ويعمل من أجله.
القائمة العربية المشتركة ...
فازت القائمة العربية المشتركة برئاسة أيمن عودة رئيس بــــ 13 مقعداً، الأمر الذي أهلها لأن تكون هي الكتلة الثالثة في الكنيست، ولكنها أيضاً قائمة ائتلافية، أي أنها تكتل متنوع يتكون من أربعة أحزاب عربية، لكلٍ منها برنامجها وإطارها، وثوابتها ومنطلقاتها، وهذا يعني أنها عرضة للتشظي والانقسام أيضاً شأنها شأن حزب أزرق أبيض، والتكتلات الدينية اليمينة، خاصة أنها توليفة من العرب والدروز والمسيحيين واليهود، وهو الأمر الذي قد يشكل خطورة على قوة تمثيلهم وتأثيرهم في الكنيست، والأحزاب المشكلة للقائمة العربية هي ...
 وهي الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة – خمسة نواب، والتجمع الوطني الديمقراطي – ثلاثة نواب، والقائمة العربية الموحدة- ثلاثة نواب، والحركة العربية للتغيير - نائبان، وتمثل القائمة تجمع القوميين والاشتراكيين والإسلاميين والمرأة، وفيها أعضاء يهودٌ ومسيحيون ودروز إلى جانب المسلمين، وهم يمثلون مختلف أرجاء الأرض المحتلة عام 1948، في الوسط والجنوب والشمال، وقد بلغت الأصوات العربية الصحيحة 470 ألف صوت، ما يمثل 10.6% من إجمالي أصحاب حق التصويت في الكيان الصهيوني، علماً أن نسبة التصويت في الأوساط العربية بلغت 59.2% فقط، وكان من الممكن زيادة نسبة التصويت لو تحسن أداء الأحزاب العربية، التي أعطت مثالاً سيئاً في الانتخابات الأولى "21" في أبريل 2019.
أوصت القائمة العربية الموحدة في لقائها مع رئيس الكيان الصهيوني رؤوفين ريفلين، بتسمية بيني غانتس رئيساً للحكومة، وذلك بتأييد عشرة أعضاء فقط، فيما امتنع عن التسمية أعضاء التجمع الوطني الديمقراطي البالغ عددهم 3 أعضاء، وبهذه التوصية يصبح رصيد غانتس المضمون في الكنيست 54 عضواً، مع احتمالية رفعه إلى 57 في حال تراجع التجمع الوطني الديمقراطي عن موقفه وأيد غانتس.
إلا أن البعض يعتبر أن تأييد القائمة العربية المشتركة لغانتس يضعفه ولا يقويه، حيث يتهمه نتنياهو وخصومه أنه يعتمد على خصوم إسرائيل في تشكيل الحكومة، وهو الأمر نفسه الذي يعارضه بشدة افيغودور ليبرمان، وهو الذي كان يتطلع إلى حرمان العرب من التمثيل في الكنيست، وهو الذي كان وراء رفع نسبة الحسم من 2% إلى 3.25% لضمان عدم تمكن الأحزاب العربية من تجاوز نسبة الحسم، إلا أنها باتفاقها واتحادها معاً ضمن القائمة العربية الموحدة نجحت في الفوز بـــ 13 مقعداً، بنسبة 10.6%، وهي نسبةٌ تفوق بكثير نسبة ليبرمان نفسه.
كما أن بيني غانتس الذي رفض أن يتفاوض مع أيمن عودة، قد تعمد أن يتجاهل تصويت الأعضاء العرب لهم، وأعلن أنه لا يتعهد لهم بالاستجابة إلى مطالبهم، وكأنه يوجه رسالة إلى ليبرمان وأحزاب اليسار أنني أتطلع إلى تأييدكم أنتم لا إلى تأييد النواب العرب، إلا أن غانتس برأي الكثيرين يكذب ويخادع، لأنه في حاجة ماسة إلى هذه الكتلة الكبيرة، التي قد تجعل حكومته في حال تشكيلها مستقرة وقوية.
تشكيلة الكنيست النهائية ( 120 نائباً) ....
تكتل اليمين= 55 نائباً
تكتل يمين الوسط واليسار= 44 نائباً
القائمة العربية المشتركة= 13 نائباً
حزب إسرائيل بيتنا= 8 نواب
الاحتمالات والتوقعات ....
أمام الكيان الصهيوني مجموعة من الاحتمالات للخروج من الأزمة السياسية المستعصية، ولكل احتمالٍ آثاره وتداعياته، وعقباته وتحدياته، وقد لا يكون فيها أحدها الخروج من الأزمة، بل قد يكون في الحلول المقترحة استعصاءات جديدة وعقباتٍ أكبر، والاحتمالات الممكنة هي ...
حكومة يمينية برئاسة نتنياهو.
حكومة برئاسة بيني غانتس.
حكومة وحدة وطنية موسعة.
حكومة وحدة وطنية بدون نتنياهو.
حكومة برئاسة شخصية ثالثة.
العودة إلى الانتخابات للمرة الثالثة.
حكومة برئاسة نتنياهو ....
يحظى نتنياهو حالياً بتأييد 55 عضواً في الكنيست (31 ليكود+9 شاس+ 8 يهوديت هتوراة + 7 يامينا)، وعليه فهو في حاجة إلى ستة مقاعد أخرى كحدٍ أدنى، وقبل أن يباشر نتنياهو بمشاوراته لتشكيل الحكومة، بعد أن حصل على التفويض من رئيس الكيان، توجه إلى الأحزاب الدينية، وأكد على متانة ائتلافها وقوة تحالفها، وصدقها في دعم حكومته وتأييدها، وأن يكون هو مرشحها الوحيد لتشكيل الحكومة، سواء داخل حزب الليكود، حيث يريد من خلال دعمهم له، أن يعزز وجوده ومكانته التي بدأت تهتز لدى حزب الليكود.
قد يحصل نتنياهو على النصاب المطلوب من خلال اختراق حزب أزرق أبيض وسحب عددٍ من أعضائه، تماماً كما فعل أرئيل شارون عندما شكل حزب كاديما، عندما نجح في استمالة عددٍ من أعضاء حزبي الليكود والعمل، ومنهم شيمعون بيرز الذي انتقل من العمل وأيهود أولمرت الذي جاء من الليكود وغيرهما، وهذا الخيار مرجحٌ، إذا أخذنا بعين الاعتبار أنه لا توجد فروقات سياسية كبيرة بين الحزبين، فضلاً عن أن أعضاءً في حزب أزرق أبيض الذين أصبحوا أعضاء كنيست، قد لا يرغبون في إجراء انتخاباتٍ جديدةٍ لسببين، الأول خشيتهم من فقدان ما اكتسبوه شخصياً، إذ أصبحوا نواباً في الكنيست، والثاني إحساسهم بعدم رغبة الشارع الإسرائيلي بالتوجه إلى صناديق الانتخابات، يأساً ومللاً، أو اعتقاداً منهم أن النتيجة لن تتغير، وسيعود الاستعصاء كما كان، وهذا قد يشجع بعضهم للقيام بخطوة إلى الأمام تجاه نتنياهو في حال وعدهم بشيء، فيمكنونه من تشكيل الحكومة بأغلبية بسيطة، وهذه المفاوضات السرية يقودها أصدقاء نتنياهو في الحزب أمثال كاتس وأردان وريغيف وغيرهم.
وقد ينجح نتنياهو في إقناع حزب العمل المتهالك، الطموح نحو المشاركة في الحكومة، حيث يوجد للتحالف العمل وجيشر ستة نواب، وهم على استعداد للتفاهم مع  الأحزاب الدينية، رغم رفضهم العلني وتأكيدهم المتكرر أنهم يرفضون التعاون مع اليمين المتطرف، لكن السوابق القريبة تؤكد أن حزب العمل يقبل مشاركة الليكود في الحكومة مقابل بعض الإغراءات، وهذا الخيار قد يكون قوياً وعالياً في حال نجاح نتنياهو في اختراق حزب الجنرالات وسحب بعضهم إليه، علماً أن قطاعاً كبيراً من الإسرائيليين لا يرون في أيهود باراك شخصيةً صهيونية قادرة على حماية مستقبل إسرائيل، لكنهم يعرفون طبيعته التي تقبل بالإغراءات.
أما بالنسبة لحزب إسرائيل بيتنا الذي يرأسه أفيغودور ليبرمان، والذي حصل على ثمانية مقاعد في الكنيست، التي يملك بها مفتاح تشكيل الحكومة، إذ يوصف بأنه بيضة القبان فيها، إلا أنه من المستبعد أن يدخل في حكومةٍ مع الأحزاب الدينية التي يعارضها، ويدعو إلى سحب وتقليص امتيازاتها، وتجنيد أبنائها، والتحرر من قانون السوبرماركت ويوم السبت، والانطلاق نحو دولة علمانية.
وهو يدعو إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية حتى بدون مشاركة حزبه، لكن الخبراء الإسرائيليون يرون أن ليبرمان صاحب مفاجئات، وبطل المواقف الأخيرة، فقد ينحاز إلى نتنياهو في اللحظة الأخيرة، ويمكنه من تشكيل الحكومة، لكن بعد أن يلزمه بما هو أكثر، ويغريه بما يريد، ولعل نتنياهو يستطيع أن يقدم لليبرمان بعض ما يتطلع إليه، خاصةً فيما يتعلق بسياسة الاستيطان وعملية السلام ومواجهة قطاع غزة.
يبدو أن نتنياهو الحريص على أن يكون هو رئيس الحكومة القادم، التي تعني بالنسبة له الحرية والفرار من السجن، والتخلص من الشماتة والإهانة، قد لا ينجح في الحصول على غالبية برلمانية تحمي حكومته، ولهذا فمن المرجح أن يقوم خلال الأيام القادمة بإعادة التكليف إلى رئيس الكيان، لكنه استفاد في الأيام القليلة الماضية من عطلة الأعياد، التي استغلها في كسب المزيد من الوقت، قبل أن يعيد التكليف في حال فشله التام إلى رئيس الكيان، وهو المر المتوقع غالباً خلال الأسبوع الجاري.
حكومة برئاسة بيني غانتس...
ينتظر بيني غانتس دعوة رئيس الكيان الصهيوني له، لينقل إليه التكليف بتشكيل الحكومة، علماً أن كتلته المكونة من 44 عضواً غير نقية وغير مستقرة، وهو في حاجةٍ إلى الكثير من الأصوات غير العربية ليتمكن من تشكيل الحكومة، لهذا فإن الخيارات التي أمامه قليلة جداً، بل تكاد تكون فرصه معدومة، وذلك بالاستناد إلى أنه لن يلجأ القائمة العربية الموحدة، التي تملك 13 مقعداً في الكنيست.
أمام غانتس فرصة أن يقنع ليبرمان بالانضمام إليه وهذا الاحتمال جداً مستبعدٌ ولن يكون، كون ليبرمان يريد حكومة وحدة وطنية، تكون مستقرة وبعيدة ابتزازات الأحزاب الدينية الصغيرة، علماً أن يائير لبيد وهو الشريك الأقوى لغانتس في حزبه، لا يقل كرهاً وانتقاداً للأحزاب الدينية من ليبرمان، فهو علماني ليبرالي مفرط في علمانيته، وحتى لو أيد ليبرمان بيني غانتس، فإن الأخير سيكون في حاجةٍ إلى الأصوات العربية، وهو ما لا يقبل به ليبرمان ابداً، ولهذا فإن خيارات تحالفه مع حزب الجنرالات بعيدة جداً، ولا يوجد أي إشارات تجعل منها منطقية أو ممكنة.
وحتى لو تمكن من إقناع حزب العمل والمعسكر الديمقراطي، فإنه بدون القائمة العربية لن يتمكن من تشكيل الحكومة، وحتى لو وافقه ليبرمان واتفق معه، فإن حصيلته ستكون 54 صوتاً (33 أزرق ابيض+6 العمل+5 المعسكر الديمقراطي)، الأمر الذي يعني حاجته المطلقة لمفاوضة العرب والتفاهم معهم، ولكن هذا الاحتمال غير واردٍ أبداً عند غانتس الخائف من اتهامه بموالاة أعداء الدولة، وفي حال تنازله الشكلي فإنه قد يخسر الكثير من أعضاء حزبه، ولهذا فهو لا ينوي التفاوض مع القائمة العربية.
حكومة وحدة وطنية موسعة...
يسعى رئيس الكيان الصهيوني رؤوفين ريفلين إلى إقناع رأسي الحزبين الكبيرين بتشكيل حكومة وحدة وطنية، يرأساها معاً بالتناوب، وقد استضافهما في مكتبه ثم في بيته، وأتاح لهما حرية الحوار المباشر عندما تركهما وحدهما لبعض الوقت.
لا يرفض نتنياهو حكومة وحدة وطنية، بل هي سبيله الأقوى للخروج من الأزمة، رغم أنه لن يستطيع أن يقنع غانتس وحزبه وأحزاب اليسار بتأييده في تشريع القانون الفرنسي، الذي يحمي رئيس الحكومة من المساءلة والمحاكمة طالما هو في منصبه الرسمي، إلا أنه يرغب في أن يطيل عمر رئاسته للحكومة سنتين أخريين، في خلالهما قد يتمكن من إسقاط الدعوات وإبطال الاتهامات الموجهة ضده، وذلك من خلال تراجع بعض الشهود الأمنيين، كما يوجد احتمال تلطيف بعض الاتهامات وتحميلها إلى شخص زوجته ساره أو بعض معاونيه، فيكونون هم كبش الفداء بالنسبة له، ولكن هذا لن يعفيه من المسؤولية العامة، وسوء استخدام السلطة.
وقد يتمكن بعد فترة من الحكم من تشكيل كتلة برلمانية تؤيد تشريع القانون الفرنسي، الذي سيكون له طود النجاة، كما قد يلجأ في نهاية المطاف وهو رئيس للحكومة إلى رئيس الكيان، يطلب منه الصفح والعفو، ويقدم اعتذاره للشعب اليهودي، وهذا الخيار ممكن جداً في حال فشلت كل الاحتمالات الأخرى.
لهذا فإن نتنياهو يقبل بحكومة وحدة وطنية، على أن يكون هو رئيسها الأول، بينما يرفض غانتس تشكيل حكومة وطنية مع الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو، الذي يتهمه بالفساد وسوء الائتمان، واستغلال السلطة والمنصب، وهي القضايا التي اعتمد عليها في خطابه الانتخابي، والتي على أساسها بنى تحالفه "أزرق ابيض"، وبالتالي فإنه في حال قبوله الشراكة مع نتنياهو، فإنه يضرب أسس تحالفاته، ويصيب مصداقيته الشعبية بالعور، وقد يضر بمستقبله السياسي، كما أن لابيد المتطلع لأن يكون رئيساً للحكومة بالتناوب مع غانتس، فإنه يرفض التحالف مع نتنياهو على أساس الشراكة في رئاسة الحكومة.
حكومة وحدة وطنية بدون نتنياهو....
يعتبر هذا الخيار هو الأنسب لبيني غانتس، وهو الأخطر بالنسبة لنتنياهو، الذي يرى فيه نفسه أنه اصبح كالحصان المريض العاجز، الذي أصابه الهرم والكبر، فوجب التخلص منه، ويعتقد بأن مقتله الحقيقي ليس في خسارة رئاسة الحكومة، وإنما هو في تخلي حزب الليكود عنه، واختيار بديلٍ له، حيث أنه يستطيع الوصول إلى رئاسة الحكومة في ظل موقعه كزعيمٍ لحزب الليكود، وعليه فإنه في حال خسارته لهذا الموقع، فإنه سيفقد كل وراقه، وسيكون عرضةً لكل مساءلة ومحاكمة، ولهذا فهو يقاتل بقوة من أجل الحفاظ على منصبه الحالي رئيساً لحزب الليكود.
ولهذا وحتى يطمئن إلى تأييد حزبه له، وليوجه رسالة مباشرة إلى غانتس وكل المراهنين على احتمال سقوطه من على ظهر صهوة جواد الليكود، فقد أشاع رغبته، وإن لم يكن قاصداً وجاداً، في إجراء انتخاباتٍ تمهيدية في حزب الليكود، لإعادة انتخابه وتأكيد مكانته، وتعزيز أوراقه التفاوضية، وقطع الطريق على غانتس في حال دعوته إلى تشكيل حكومة بدون نتنياهو.
إلا أن نتنياهو لن يقدم على هذه الخطوة بعد أن رأى أن هناك شخصياتٍ في الحزب قد أيدت اقتراحه، ورشحت غيره ليكون منافساً له، كما أن الرجل القوي في حزب الليكود جدعون ساعر قد أعلن تأييده لهذه الفكرة، واستعداده لترشيح نفسه رئيساً للحزب، رغم أن حظوظه ليست عالية جداً في ظل وجود نتنياهو نفسه في المشهد الانتخابي.
أما قاعدة الليكود فإنها أمام خيارين، الأول هو التمسك بنتنياهو رئيساً للحزب ورئيساً للحكومة، كونه الرجل القادر على جمع الحزب وقيادة الشارع، وأنهم معه يحصدون أعلى الأصوات في الانتخابات، وبدون فإنهم يخسرون الكثير، إذ نشرت جهات استطلاعية تراجع مقاعد حزب الليكود إلى أقل من 26 مقعداً في حال كان رئيسه جدعون ساعر أو أي شخصية أخرى غير نتنياهو، ولهذا فإن خيار تمسك الليكود بنتنياهو كبير جداً.
أما في حال تثبيت الاتهامات ضد نتنياهو، وانتقال ملفه إلى القضاء والمحاكم، واحتمالية إدانته ومحاكمته، فإن حزب الليكود قد يتخلى عنه، ويدعو إلى انتخاباتٍ تمهيدية لاختيار غيره رئيساً للحزب، وفي هذه الحالة قد تعود المفاوضات من جديد بين الحزبين لتشكيل حكومة وحدة وطنية بدون نتنياهو، لكن من المؤكد أن أعضاء حزب الليكود في الكنسيت المؤيدين لهذا التحالف سيقل عددهم بكثير عما هو عليه الآن، لأن فريقاً من أصدقاء نتنياهو، ممن صنعهم بنفسه ورعى ارتقاءهم الحزبي، لن يقبلوا أن يؤيدوا من ساهم في توريط نتنياهو، وسيمتنعون عن منح الثقة لحكومةٍ موسعةٍ تجمع الليكود وأزرق أبيض وإسرائيل بيتنا، وما شاء من الأحزاب الدينية الأخرى، لكن هذا الاحتمال بعيد لا لجهة أنه غير ممكن أو من الصعب تحقيق، بل لأن الوصول إليه يستغرق وقتاً طويلاً يفوق بكثير الوقت الممنوح للمرشحين بتكليف الحكومة، حيث من الممكن أن يصل رئيس الكيان الصهيوني والكنيست إلى الخيار الخير المر.
حكومة برئاسة شخصية ثالثة...
يعتبر هذا الخيار قانوني وممكن من الناحية النظرية، لكنه غير ممكن من الناحية العملية في الكيان الصهيوني وفق التشكيلة الحالية، إذ لا يوجد رجل جامع يمكن أن يلتف عليه أغلبية أعضاء الكنيست، علماً أن هذا الخيار هو خيار رئيس الكيان الصهيوني رؤوفين رفلين، فهو أكثر من يتحدث عنه، ولكنه خيار التهديد وليس خيار الحل، لأنه غير ممكن عملياً، حيث أن أكثر الشخصيات شهرةً وقدرةً في التركيبة السياسية الإسرائيلية الحالية، لن تحظى بأكثر من 40-50 عضواً في الكنيست، وغيرهم سيكون نصيبه اقل من ذلك بكثير.
وعليه فإن هذا الاحتمال معدومٌ أو قليل الحظ من النجاح، ولن يتمكن رئيس الكيان الصهيوني في حال أجرى مشاوراتٍ جديدةً، أن يحصل على توصياتٍ كافية تمكنه من تكليف شخصية ثالثة، حيث سيكون من المستبعد قيام الحزبين الكبيرين بتسمية مرشح آخر غير رئيسهما.
العودة إلى الانتخابات للمرة الثالثة....
هذا الاحتمال هو الاحتمال الأخير الممكن، إذ أنه قانوني وشرعي، ولا يخالف الأصول والقوانين المرعية الإجراء، لكنه خيارٌ مر ومرعب لدى الكثير من القطاعات الشعبية والحزبية الإسرائيلية، فهو مكلفٌ مادياً، وفيه مغامرة بخسارة البعض لما تم اكتسابه شخصياً أو حزبياً، كما أن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى أن حزب إسرائيل بيتنا بزعامة ليبرمان سيتراجع إلى ستة مقاعد، ولهذا فإن غالبية كبيرة من الإسرائيليين بمن فيهم حزب أزرق أبيض، لا يريدون العودة إلى إجراء انتخاباتٍ ثالثةٍ.
لكن هذا الخيار هو جدار القوة لبنيامين نتنياهو، الذي يرى نفسه يغرق وفق التركيبة الحالية، وهو يقترب يوماً بعد آخر من تسليم رئاسة الحكومة إلى غيره، أو الانتقال إلى أروقة المحاكم الرسمية، ومنها إلى السجن والفضيحة، ولهذا فإن من صالح نتنياهو أن تتعطل مفاوضات تشكيل الحكومة في حال فشله، حتى يذهب الجميع إلى انتخاباتٍ ثالثة، يكسب فيها المزيد من الوقت، ويبقى رئيساً للحكومة الإسرائيلية حتى إجرائها، وهذا يستغرق أشهراً إضافية، ويكسب المزيد الوقت خلال مشاورات تشكيل الحكومة، بما يعني بقاء حصانته لفترة أطول.
وعليه فإن هذا الخيار المرفوض وغير المقبول حزبياً وشعبياً، فإنه يبقى خيار نتنياهو الأفضل، وهو الخيار القانوني والشرعي الذي تسير إليه الأمور بصورة طبيعية، بغض النظر عن اعتراض البعض وخوفهم، إذ يبقى هو القانون الذي يجب على الجميع الالتزام به والتعامل معه.
نقاط الاتفاق والاختلاف بين نتنياهو وغانتس...
لا يوجد تناقض كامل في المواقف والآراء بين زعيم الليكود بنيامين نتنياهو وزعيم أزرق أبيض الجنرال بيني غانتس، فما يجمعهما كحزبين في السياسات العامة أكثر مما يفرقهما، فهما يتفقان على ....
أهمية واستراتيجية العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية.
العداء للجمهورية الإسلامية في إيران.
الموقف من القضية الفلسطينية.
العلاقة مع مصر والتطبيع مع الدول العربية.
الموقف من سياسة ضم الأراضي وإعلان السيادة الإسرائيلية عليها.
أما ما يختلفان عليه فإنه يتركز في ....
هوية الكيان، فالليكود يريد الحفاظ على الهوية الدينية والشراكة الكاملة مع الأحزاب الدينية المتشددة، بينما يؤمن غانتس وشركاؤه في الائتلاف بالدولة الليبرالية العلمانية، ويرفضون التحالف مع الأحزاب الدينية.
النظرة الشمولية لعملية السلام والموقف من الحل النهائي للقضية الفلسطينية.
سياسة عدم الحزم مع قوى المقاومة في قطاع غزة، وسياسة تسهيل امتلاك حزب الله لأسلحة فتاكة ودقيقة، وتحويل شمال فلسطين إلى رهينة بيدي حزب الله.
سياسة نتنياهو الخاطئة في سوريا، والتي أدت إلى تمدد حزب الله، وزيادة النفوذ الإيراني فيها، فضلاً عن التساهل في تثبيت نظام الأسد دون ضوابط دولية.
هذه هي صورة المشهد الإسرائيلي والمساعي المبذولة لتشكيل الحكومة، وذلك حتى يوم الأربعاء 9/10/2019، في ظل فترة تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة، والتي قد تنتهي بإعادة التكليف إلى رئيس الكيان، وعليه فإن المشهد يتغير ساعة بعد أخرى، وقد يتغير المشهد كلياً في حال تكليف بيني غانتس بتشكيل الحكومة، وعليه فإن المشهد جدُ متغير ومتبدل بسرعةٍ كبيرةٍ، ولكنه يتغير ضمن الاحتمالات الستة الواردة أعلاه، حيث لا توجد خيارات أخرى غيرها.
د. مصطفى يوسف اللداوي

ارسال التعليق

You are replying to: .