۵ اردیبهشت ۱۴۰۳ |۱۵ شوال ۱۴۴۵ | Apr 24, 2024
سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد هاشم الحيدري

وكالة الحوزة ـ أجرى الباحث الإسلامي العراقي سماحة السيد هاشم الحيدري سلسلة حوارات حول قضية عاشوراء والنهج الحسيني، إذ تطرق في القسم الثاني من الحلقة الثامنة إلى دور قلة البصيرة والوعي كأحد أسباب الأمة في خذلان الإمام الحسين (ع)، مبينا أن هذا الأمر قد تكرر سابقا مع الإمام أمير المؤمنين في معركة صفين.

أفادت وكالة أنباء الحوزة أن الباحث الإسلامي العراقي سماحة السيد هاشم الحيدري أجرى سلسلة حوارات حول قضية عاشوراء والنهج الحسيني، إذ تطرق في القسم الثاني من الحلقة الثامنة إلى دور قلة البصيرة والوعي كأحد أسباب الأمة في خذلان الإمام الحسين (ع)، مبينا أن هذا الأمر قد تكرر سابقا مع الإمام أمير المؤمنين في معركة صفين.
المقدم: ما هو دور البصيرة والوعي هنا حيث انحراف الناس آنذاك وخروجهم ضد الإمام الحسين (ع)؟
سماحة السيد: بحث البصيرة بحث مطوّل ويحتاج إلى سلسلة من الحلقات، وذكرنا أن هناك بصيرة في معرفة الحق، وبصيرة في معرفة الباطل، وبصيرة في معرفة الامتحان، وبصيرة في معرفة التكليف. ولكن باختصار، عندما نتحدث عن أسباب فشل الأمة نقول: قلة البصيرة، وقلة الوعي، بمعنى عدم وجود تفكير عميق، وعدم النظر إلى الأحداث بعمق ودقة. وبتعبير أمير المؤمنين (ع): «إنما البصير من سمع فتفكّر ونظر فأبصر وانتفع بالعبر».. هذه من خصوصيات البصيرة. وهذا لم يكن موجوداً عند الأمة بشكل عام. لذلك كانت الحالة العوامية مهيمنة على أكثر الأمة، والحالة العوامية هي الحركة دون عقل ودون تمعّن. ربما شخص واحد يؤثر على آلاف، مثل عالم الدين كما في الروايات، فقد ورد في الحديث: «زلة العالم كغرق السفينة، تَغرَق وتُغرِق من عليها». 
هناك بحث عوام وخواص في بعد آخر يطرحه السيد القائد، ولكن بغير هذا الاعتبار، وهو أن الخواص هم الوجهاء، سواء كانوا فاهمين أو غير فاهمين، هؤلاء يؤثرون. فإن هؤلاء من الخواص ولكن في بعد آخر غير بعد العمق. إن أكثر الناس كانوا من العوام وينظرون إلى كبرائهم، والكبراء لم يكونوا من أهل العمق، أو كانوا من أهل العمق والإرادة والمعرفة والدقة و... ولكن كانوا من أهل الدنيا، هؤلاء هم خواص أنصار الحق من أهل الدنيا. إنهم انجذبوا إلى الدنيا، قدّموا الدنيا على نصرة الإمام الحسين عليه السلام، والعوام اتّبعوهم بطبيعة الحال. إذن للبصيرة مدخلية كبيرة جداً في تحديد مصير الأمم.
يشير السيد القائد إلى قصة لطيفة، والالتفاتة فيها بالطبع هي الألطف، لأن المقاتل تسرد القصة فقط، أما العبر والدروس فيجب علينا نحن أن نستنبطها. يقول السيد القائد: «وصل عبيد الله إلى مشارف الكوفة»، تعلمون أن مسلم بن عقيل دخل الكوفة أولاً، فذهبت رسائل إلى يزيد تخبره أن مسلم قد أقبل وانقلب الوضع عليك، ووالي الكوفة ضعيف، ففكّر يزيد مباشرة بابن زياد، وهو رجل طاغوت، وكان والي البصرة، فأرسل له رسالة تقول له: اِذهب إلى الكوفة لتكون الكوفة بيدك، لأن الوضع خطر. فتحرّك ابن زياد، وهذه قصة أخرى وهي أنه ماذا حدث في الطريق؟ من البصرة إلى الكوفة كان هناك شيعة للحسين، والملفت أن هناك أناس جاؤوا من البصرة إلى الكوفة لنصرة الحسين مع ابن زياد، وعلموا أن ابن زياد جاء ضد مسلم، ولكن لم يفعلوا شيئاً. هؤلاء أين ذهبوا في النتيجة؟ في معسكر ابن زياد ضد الإمام الحسين. إنهم جاؤوا بعد أن وصلت رسالة الإمام الحسين إلى البصرة. انظروا كيف كان التأريخ عجيباً. ولكن مع الأسف الشديد، نحن نقرأ التأريخ والقصص ونبكي ونلطم، ولكن دون أن نأخذ العبر.
يقول السيد القائد: «بعد أن وصل عبيد الله إلى مشارف الكوفة ليلاً، وما إن رأى الناس رجلاً ملثّماً قادماً ومعه الخيل والعّدة، حتى ظنّه العوام أنه الإمام الحسين عليه السلام»، شخصٌ جاء ضدّ الإمام، وإذا يتصوّرون أنه هو الإمام، «فتقدّموا إليه بكل بساطة وحيّوه قائلين: السلام عليك يابن رسول الله، هذه صفة عوام الناس. ليست لأحدهم قدرة على التحليل أو النظر في الأمر، فما إن رأوا شخصاً قادماً ومعه الخيل والعدة، حتى ظنّوه الإمام الحسين عليه السلام، حتى قبل أن يتحدث معهم بكلمة واحدة، وأخذ الجميع يرّدد أنه الإمام الحسين. وكان الجدير بهم أن يتأملوا ليعرفوا من هو». يعني قبل كل شيء، وقبل أن تقول هذا هو الحسين وتسلّم عليه وتقول له يابن رسول الله، انتظر لتشاهد وجهه ولتسمع منه كلمة.. هؤلاء هم العوام، من دون عمق ولا دقة. وهذه بالطبع حالة موجودة.
إذن عدم وجود البصيرة في الواقع، يعني سوق أمة بكاملها، وهي تقيم الطقوس والشعائر وتعبد الله، إلى معسكر الباطل، دون أن تعلم ماذا تفعل. فأهل الكوفة لم يتركوا صلاتهم ولم يأتوا بخمورهم إلى ساحة كربلاء، بل كانت شعاراتهم دينية، ومن الملفت أن عمر بن سعد عندما بدأت المعركة قال: يا خيل الله اركبي وبالجنة أبشري. هذا شعار عمر بن سعد. ومع أن العوام يعرفون أن هذا سبط رسول الله، والقضية ليست قضية قرابة، فهم يعرفون الحسين من هو، إنه الشخصية الأولى والمعصوم، ولكن صدّقوا بعمر بن سعد عندما قال: أبشروا بالجنة، وقاتَلوا وقَتَلوا. 
إذن كان أكثر الناس من المؤمنين، والكلام في المؤمنين، يهتمون بأداء العبادات والدقة في الظواهر وحفظ القرآن. كما نجد الآن في العالم الإسلامي كم من حفّاظ القرآن وتاليه يذبحون بصورة طبيعية. ونحن أيضاً، ويجب أن نكون صريحين، نحن أيضاً نعيش في الأجواء الإيمانية ونقول أننا من أتباع الإمام الحسين، ولكن الكثير منا ليس لديه بصيرة. ولنقل للمشاهد بإنصاف، كم نحن الآن نهتم بالصلاة وبالدقة في الاحتياطات في الرسالة العملية، ولكن كم نتهم بنور القلب، في الرؤية، في التحليل، في الأخبار؟ 
أنا أختم بآيتين في هذا المضمار وقصة بسيطة. يقول تعالى: ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ﴾، ولكن أيّ بُعدٍ يختاره النبي في هذه الدعوة؟ ﴿عَلَىٰ بَصِيرَةٍ﴾، يعني يختار البصيرة، ولم يقل: على شجاعة، على حلم، على أخلاق، على توكّل، على ثقة بالله، على اعتماد الناس، على كثرتهم، بل قال: ﴿عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾. انظروا إلى البصيرة كم هي مهمة. دعوة الأنبياء هذه مبتنية على البصيرة. 
والآية الأخرى أيضاً مشهورة: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾. 
صفين.. صفين معركة مهمة في بعد من الأبعاد. صفين طالت سنة وعدة أشهر. أمير المؤمنين من جانب وخليفة الشام معاوية والد يزيد من جانب آخر. شيعة علي والطرف المقابل. ولقد سار أصحاب علي مع إمامهم في القتال، وأنتم تعلمون أن المعارك آنذاك كانت تطول يوماً أو يومين أو غاية الأمر أسبوع، ولكن هذه المعركة استمرت شهراً.. شهرين.. ستة أشهر.. سنة، يقال سنة وعدة أشهر، بحسب بعض الروايات. طبعاً تململوا، اعترضوا، يا أبا الحسن كفى، نساؤنا، أطفالنا، شركاتنا. فإنهم بالتالي كانوا قد تركوهم ولا يوجد تواصل ولا توجد بنوك، فكيف يأكلون وكيف يشربون؟ ولكن أمير المؤمنين كان في حرب. هذه هي الصعوبة، عندما نقول علي، فلنعلم أنّ اتّباع علي ليس سهلاً.
استمرّت المعركة والأصحاب على كل حال نجحوا، نعم اعترضوا وناقشوا، ولكن قاتلوا واستمروا حتى وصلت القضية إلى نهاية المعركة وكاد أن يقتل خليفة الشام على يد مالك الأشتر. هنا ظهرت مؤامرة ورُفعت المصاحف على الرماح. والمصحف يعني هذا القرآن نفسه. هنا أكثر أو الكثير من جيش أمير المؤمنين سقطوا. لم يسقطوا في امتحان السيف، أين سقطوا؟ في امتحان الشبهات، الإعلام، الإشكالات. هناك كانت حاجة إلى شجاعة، إلى إرادة، إلى تصميم، طبعاً وقد يكونون هم مخلصون، وهذا بحث آخر. وهنا كانت الحاجة إلى بصيرة، إلى نور. 
إذن في بعض الأحيان قد يرتقي الامتحان ويصعد إلى مستوى أعلى من مستوى السيف.. قد أكون مقاوماً ولكن أحتاج إلى بصيرة، قد أكون رجل دين ولكن أحتاج إلى بصيرة، قد أكون طبيباً ولكن أحتاج إلى بصيرة، قد أكون مصلياً ولكن أحتاج إلى بصيرة.
وهنا أختم بقول أمير المؤمنين، عندما وصف أصحابه الخلّص الذين نجوا، حيث قال: «حملوا بصائرهم على أسيافهم». لا يكفي السيف، ولا تكفي المقاومة اليوم، وإنما لابد من البصيرة. «حملوا بصائرهم على أسيافهم». إذن حتى الجهاد دون بصيرة، قد نفس هذا السيف يتوجّه ضد الحق، كما بالنسبة إلى الخوارج خرجوا من رحم صفين. هذا السيف العلوي نفسه، كان مع علي، وأصبح بعد أيام ضدّ نفس علي بن أبي طالب عليه السلام.

 

ارسال التعليق

You are replying to: .