۹ فروردین ۱۴۰۳ |۱۸ رمضان ۱۴۴۵ | Mar 28, 2024
سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد هاشم الحيدري

وكالة الحوزة ـ أجرى الباحث الإسلامي العراقي سماحة السيد هاشم الحيدري سلسلة حوارات حول قضية عاشوراء والنهج الحسيني، إذ تطرق في القسم الثالث من الحلقة الخامسة إلى تجلي الإسلام المحمدي الأصيل في العصور المختلفة، مع بيان أهم خصائص حركة الإمام الخميني باعتبارها هي التي مثّلت وما زالت تمثل الإسلام المحمدي الأصيل في عصرنا، كما شرح سماحته معالم الإسلام الإمريكي أيضاً.

أفادت وكالة أنباء الحوزة أن الباحث الإسلامي العراقي سماحة السيد هاشم الحيدري أجرى سلسلة حوارات حول قضية عاشوراء والنهج الحسيني،  إذ تطرق في القسم الثالث من الحلقة الخامسة إلى تجلي الإسلام المحمدي الأصيل في العصور المختلفة، مع بيان أهم خصائص حركة الإمام الخميني باعتبارها هي التي مثّلت وما زالت تمثل الإسلام المحمدي الأصيل في عصرنا، كما شرح سماحته معالم الإسلام الإمريكي أيضاً، وفيما يلي نص الحوار.

المقدم: سماحة السيد! هل تجلى الإسلام المحمدي الأصيل في زماننا وكيف ذلك؟
سماحة السيد: لا شك أن الإسلام المحمدي الأصيل في كل زمن يجب أن يتجلى، ولكن تارة يتجلى بمظلومية. فقد تجلى في زمن الإمام الجواد والإمام الصادق والإمام الباقر، ولكن تصورا لو كانت الأمة مطيعة للإمام الصادق، ماذا كان يحصل؟ في قصه التنور عندما جاء شخص إلى الإمام الصادق وقام بمعاتبته قائلاً: لماذا لا تنهض بالأمر وتقوم يا بن رسول الله؟ اختبره الإمام في تنوره وقال: يا فلان أو يا فلانة اسجري التنور، فسجرت التنور اشتعلت النار، ثم قال لهذا الشخص: اجلس في التنور، وهو يدعي القتال ويدعى أنه جاء رائداً ورسولاً ومبعوثاً من قبل سبعين ألف مقاتل، إلا أنه لم يستطع أن يجلس في النار، فتركه الإمام، وعندما دخل أحد الأصحاب وعلى رواية أبو بصير، قال له الإمام بعد التحية وردها: يا فلان اجلس في التنور، فجلس في التنور على الفور، فخاطب الإمام هذا الشخص وقال: كم عندك مثل هذا؟ أجاب: والله لا يوجد عندي واحد مثل هذا. فقال له الإمام: نحن أهل بيت لا نقوم وليس لنا خمسة معاضدين. علماً بأنه كان في زمن الإمام الصادق بحسب الروايات أربعة آلاف رجل كلٌّ يقول: حدثني جعفر بن محمد الصادق، فالحوزة العلمية كانت عامرة، لكن المطيعين كانوا قلة. 

نعم الإسلام المحمدي الأصيل قد تجلى في زماننا بوضوح وكسر طوق المظلومية، وذلك في حركة الإمام الخميني. أنا أعتقد أن حامل لواء الإسلام المحمدي الأصيل في زماننا هو الإمام الخميني واليوم هو الإمام القائد الخامنئي، وهذا ليس بحثاً سياسياً لأن مشكلتنا هي أنه عندما نتحدث عن الامام الحسين ويزيد، أو نتحدث عن فرعون وعن موسى، فهو أمر طبيعي، ولكن عندما نأتي إلى زماننا ونقول أمريكا، يقال لنا لا تتدخلوا في السياسة. ولكن عندما نذكر يزيد أو الحجاج أو المتوكل أو هارون أو أو، لماذا لا يقولون لنا: لا تتدخلوا في السياسة؟

المشكلة هي أننا كثيراً ما نستغرق في التأريخ، وننسى الواقع وقد فشلنا في الواقع. فإن الله لا يسألنا عن كربلاء، ونحن الآن في هذا الزمن، ولا يقول لنا في يوم القيامة: لماذا لم تذهبوا إلى أرض كربلاء في سنة 61 للهجرة وفي 10 محرم وتنصروا أبا عبد الله، وإنما يسألنا الله عن اليوم. نعم اقرأوا التاريخ والطموا وابكوا، ولكن اليوم هو المهم، وهذه هي الدروس والعبر. المشكلة هي أن الكثير منا نحن المسلمين والشيعة نبكي على التأريخ، ونتوقف عند التأريخ، ونتفاعل مع التأريخ، ونتصور أننا ننجو بالتأريخ. 

يجب أن نقول بأن حامل لواء الإسلام المحمدي الأصيل اليوم هو الإمام الخميني، وذلك من خلال نقاط لكي نوضح كيف تجلى في زماننا هذا الإسلام، ونربط ما ذكرناه في البداية من معالم الإسلام المحمدي الأصيل أو الإسلام الحسيني أو الإسلام القرآني الحقيقي، في زماننا وفي حركة الامام الخميني؛ هناك عدة معالم: 
أولاً رفضه للظلم، قلنا إن الإسلام يرفض الظلم، والإمام الخميني رفض الظلم في إيران، ورفض الظلم في فلسطين، ورفض الظلم في العالم، وقام رافضاً للظلم، ولذلك عندما يتجلى اسم الإمام الخميني لأي انسان، يتجلى بصفته إنساناً ثائراً، ولا يتجلى باعتباره فقيهاً لديه مكتب ومرجعية ورسالة وقد اكتفى بالدرس والبحث؛ كلا، طبعاً لكلٍّ تكليفه، ولكن الإمام اتخذ هذا المسار، والذي اتخذ ذلك المسار أيضاً قد أدى تكليفه وهذا ليس قدحا بأحد. إذن رفض الظلم هو المعلم الأول، وقد تجلى في حركة الإمام الخميني بأجلى صورة. 

ثانياً كان مدافعاً عن المستضعفين في العالم بمقدار وسعه وقدرته، وبالنسبة لأهل البيت أيضاً يتحركون بحسب قدرتهم وقدرة أتباعهم، علماً بأن الإمام المعصوم يمتلك قدره هائلة ولكنه يتحرك بأتباعه وأنصاره، وإن لم يكن لديه أحد، يسكت ويجلس ويكتفي بالدعاء والفقه، ولكن إن كان لديه أتباع لجلس في القصر الرئاسي ولحكم، ولكن هذه كانت مظلومية أهل البيت. إذن فقد كان الإمام الخميني مدافعاً عن جميع المستضعفين، وهذا هو حال أجداده المعصومين والأنبياء والصالحين، وهذا التأريخ كله أمامكم. 

النقطة الثالثة هو أنّ مصداق الظلم في زماننا كان الثنائية القطبية المتمثلة في الاتحاد السوفيتي وأمريكا، والإمام واجه كلا القطبين، وهذه كانت قضية عجيبة. تعلمون أنه في السبعينات والثمانينات كان من يخالف أمريكا لابد له أن يكون سوفيتياً أو ماركسياً. ولكن الإمام الخميني قال: نحن لأننا الإسلام ولأننا امتداد للحسين ولأننا الحق، نخالف القطبين، وكان صلباً وصريحاً في ذلك، ولكن نضيف أن الإمام نجح في هذا الأمر، لأنه وجد الأرضية ووجد شعباً، وهو الشعب الإيراني الذي انبثقت كل الخيرات منه، ولذلك أعلن بكل وضوح أن أمريكا هي الشيطان الأكبر. ولطالما ذكرت هذا الأمر أن صدام كان صدام يقاتل الإمام ويهاجم ويفعل و و و و، ولكن رغم ذلك يقول الإمام: أمريكا هي الشيطان الأكبر، فإنّ تشخيص العدو مهم أيضاً. هذا هو الإسلام المحمدي الأصيل الذي لا ينخدع بالأدوات، بل يذهب إلى الأصل. فقد كان الإمام صريحاً وعرف من هو عدوه وشخصه، بل وحتى لم يشخص السوفييت بأنها الشيطان الأكبر، لأنه ثبت لديه أن أمريكا هي الشيطان الأكبر. 

رابعاً جاء الإمام بمشروع الدولة لو توافرت له إمكانية ذلك، وكان مستعداً للشهادة أيضاً. فإن الذي يأخذوه وحيداً إلى السجن، ويهجروه إلى الخارج، وليس لديه شيء، ويمكن أن يقتل بأي لحظه، ولكنه لم يسكت، يعني أنه كان مستعداً للشهادة. ولكن كان كذلك مستعداً لإقامة الدولة التي تحتاج إلى الأمة وإلى الأنصار؛ يعني الشهادة إن لم يكن هناك أنصار، والدولة إن وجد الأنصار. وعندما وجد الأنصار لم يقل الإمام قد تورّطنا وكيف سوف نبني دولة وليس لدينا تجربه؛ كلا، بل بنى الدولة وأسقط الشاه وقال في أول خطاب له بعد العودة إلى إيران في مقبرة جنة الزهراء عام 1979: أنا سوف أقيم الدولة. . أنا سوف أشكل الدولة. وبالفعل قد أسس دولة مؤسساتية وليست دولة الوراثة، وأول ما ابتدأ الإمام به هو إجراء استفتاءحول الجمهورية الإسلامية، حيث قال: أيها الشعب أنا رأيي هو الجمهورية الإسلامية لا الملكيه ولا الديمقراطية، في حين كانوا قد طالبوه بأن يضيف على ذلك كلمة الديمقراطية، فقال إذا كان في الديمقراطية شيء جيد فمن المؤكد أنه موجود في الإسلام لأن فيه تبيان كل شيء، وإن كان فيها شيء غير موجود في الإسلام فنحن نرفضه، هذا ما قاله بكل وضوح وصراحة. فخاطب الشعب بأني رأيي هو الجمهورية الإسلامية، والجمهورية تعني الناس والإسلامية تعني القرآن، فاقتنعت الناس. وهذا يعني أنّ الإمام لم يأمر الناس، وإنما بيّن لهم رأيه مع الدليل، علماً بأنه المرجع والقائد، وكان بإمكانه أن يصدّر أمراً في ذلك. إذن جاء الإمام بهذا الإسلام، وهو إسلام الدولة. كما هو النبي (ص) فإنه عندما تهيأت الأرضية وجاء الأوس والخزرج كأنصار في المدينة، فإن أول عمل قام به النبي ليس بناء مسجد، بل أول عمل قام به هو بناء دولة، لأن المسجد كان هو الدولة وكان هو القصر الرئاسي وهو قصر الجمهورية وهو قصر الحكم. والإمام الخميني اتبع رسول الله (ص) في ذلك، فبمجرد أن تهيأت الأرضية له، أول شيء قام به هو بناء الدولة الإسلامية لأنها هي الأساس. إذن كان هذا الإسلام متجليا في زمن الإمام الخميني. 

النقطة الخامسة دعمه لحركات المقاومة، وهذا هو الإسلام العالمي، فالإسلام المحمدي الأصيل ليس إسلاماً مناطقياً ولا وطنياً ولا قومياً، ولذلك دعم فلسطين ولبنان والعراق والكل، وهو اضطر أن يجلس في إيران، كما أن أمير المؤمنين اضطر أن يعيش في الكوفة، ولكن لم يكن أمير المؤمنين كوفياً ولم يكن عراقياً أو لم يكن رسول الله مدنياً رغم أنّ المدينة نسبت باسمه. فهذا الإسلام إسلام عالمي وإسلام أممي كما يعبرون اليوم، والإمام الخميني تجلت عنده هذه الحقيقة وإلى اليوم. ولقد أشرت سابقاً: لا تزال الصواريخ التي تنطلق من غزة والتي تعتبر بالتصنيف الطائفي من غير مذهب الثورة الإسلامية هي صواريخ خمينية خامنئية وهذا أمر واقع. إذن هذا هو الإمام ولا زال خليفته الإمام الخامنئي يقتفي أثره، وهذا هو الإسلام المحمدي الأصيل. 

والنقطة السادسة والأخيرة هي أن الإمام قد جسّد الزهد، فقد كان زاهداً جداً، وهو أمرٌ مذهل لكل من يزور بيت الإمام وكل من يذهب إلى القصر الرئاسي للإمام الخميني، حيث يجده غرفة صغيرة. يقول وزير خارجية الاتحاد السوفيتي: أدخلوني في غرفه وكان الإمام لم يأت بعد، فتصورت أنها قاعة انتظار وأنهم سوف يدخلونني على قاعه أجمل، أجد فيها الإمام على كرسي الحكم بتعبيرهم، وإذا بالإمام يدخل بكل بساطة ومن دون عمامة، فجلس وقطعة قماش على رجله، وراح يخاطب وزير خارجية ثاني أكبر دولة. هذا الإمام الزاهد نفسه بنى الدولة والجيش وحرس الثورة والاقتصاد والجامعات والعلم. فإن هذا الإسلام هو إسلام إعمار الدنيا للآخرة، وليس جلب الدنيا للمصلحة الشخصية أو الحزبية. أنا أعتقد أنّ من الإجحاف أن نقول: أين هو الإسلام المحمدي الأصيل؟ ومن لا يعتقد بذلك فليراجع نفسه لأنه تجلى بأبهى صوره عند الإمام الخميني والإمام القائد وهذه الثورة.

وأما الإسلام الأمريكي، فهو بالضبط يقف مقابل الإسلام المحمدي الأصيل، وأذكر معالمه في عدة نقاط: 
أولاً: إسلام التجملات، يعني الشكل الخارجي والقشور والزي والدعة والراحة وعدم تحمل المسؤولية؛ هذه هي من معالم هذا الإسلام، وهذا في كل زمن. 
ثانياً: الإسلام الذي لا يبالي تجاه الظلم والساكت أمام الظالم إن لم نقل المصافح للظالم؛ هذه من معالم هذا الإسلام، وقد ابتلى به الأنبياء والأوصياء، وهو موجود في زماننا أيضاً. إذن كمعلم هو إسلام لا يبالي تجاه الظلم، والمهم لدينه إقامة الصلاة وتلاوة القرآن، وأما في المجتمع أين الظالم؟ أين تشخيص العدو؟ أين ﴿اجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾؟ فهو لا يكترث بذلك، ويمكن القول أنه يفصل بين الدين والسياسة. 

ثالثاً: الإسلام الساكت أمام المعتدين، ففي كل مجتمع يوجد مظلوم وظالم تارة بعنوان الحاكم الظالم وتارة بعناوين أخرى، وهذا الإسلام لا شأن له بذلك، بل إن لم نقل أنه يتجه دائما إلى القوي وإلى الغني، لأنه إسلام مصالح، ولذا فالفقير دائماً عنده مسحوق ومهان؛ هذا هو الإسلام الأمريكي. بل أكثر من ذلك، فإن هذا الإسلام معين للظالمين. يعني إذا قلنا أنه في مرحلة يسكت، ففي مرحلة أخرى يعين الظالمين ويعين الأقوياء ضد الضعفاء ويعين الأغنياء ضد الفقراء لأنه إسلام المصالح. 

رابعاً: إسلام الدنيا للدنيا وليس للآخرة، فإن الإسلام المحمدي الأصيل أيضاً يريد الدنيا ولكن للآخرة، أما هذا الإسلام فيعمل للدنيا ويبني الأبراج وناطحات السحاب لمصالح إما ليزيد من ثروته أو لتجميل أو لضرب أرقام قياسية. 

خامساً: إسلام الشكليات، يعني مظاهر فقط دون عمق، ولذلك دائماً يكتفي بالمظهر ولا يذهب إلى العمق، أو يجبن عندما يذهب للعمق. 

سادساً: إسلام العواطف دون المواقف، فقد يتفاعل مع الحق عاطفياً، ولكنه خالٍ من المواقف، وكما في قول الفرزدق للإمام الحسين (ع): قلوبهم معك وسيوفهم عليك. ففي العواطف مع الحسين، ولكن في المواقف ضده، وهذا ما حصل بالفعل في كربلاء، فإن نفس أولئك الذين بكوا والذين كتبوا الرسائل جاؤوا وقاتلوا الإمام الحسين (ع). وعلى حدّ قول أمير المؤمنين (ع): «من لم يعطِ للحق، أعطى للباطل مثلييه». هذا هو الإسلام الأمريكي؛ إسلام عواطف وإسلام دموع من دون مواقف. ﴿اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾. 

الإمام الخميني الذي أطلق اسم الإسلام الأمريكي، لم يقصد به ‏أن هذا الإسلام ‏موجود في دولة أمريكا أو أن أفراده من الأمريكان، وإنما يقصد أنه إسلام يخدم أمريكا، ويصب أخيراً في منفعة أمريكا. قد يقول قائل: إن القضية خاصة فقط بأمريكا وزمانها، والجواب: كلا، فإنّ هذا الإسلام نفسه موجود ‏في كل زمان، ‏ولكن لأن الشيطان الأكبر ‏في زماننا أمريكا‏ قيل: الإسلام الأمريكي. فإن رجعنا إلى الوراء وإلى زمن يزيد ‏مثلاً نقول الإسلام اليزيدي، وإذا رجعنا إلى زمن فرعون نقول الدين الفرعوني أو ‏الدين النمرودي أو الإسلام الحجاجي وهكذا. لكنّ الإمام ‏الخميني لم ‏يكن خطابه ‏تأريخياً و‏لم يستغرق في التأريخ، بل جاء إلى الواقع، و‏هذا مهم جداً، فشخص ‏هذا النوع من الإسلام ‏وقال: الإسلام الأمريكي. ‏فعندما نقول: الإسلام الأمريكي أو الإسلام ‏الأموي أو الإسلام ‏العباسي ‏أو اليزيدي، يعني أن ‏هنالك ‏مجموعة من الناس ‏مسلمة متدينة ملتزمة بالوضع الكلاسيكي ‏الظاهري، ‏ولكن في عملها وفي تفكيرها وفي خطواتها تنفع الإسلام ‏الأمريكي المعادي للإسلام الأصيل. 

عندما نأتي إلى قضية فرعون وموسى ‏عليه السلام التي تكررت في القرآن الكريم كثيراً ونقول: الدين الموسوي والدين الفرعوني، فهي ‏نفس ‏المعالم في زمن الإمام ‏الحسين عليه السلام ‏ويزيد. إذن هي ليست ‏قضية حاضر ومستقبل، بل ‏هي قضية واحدة، ‏لكن الأمام الخميني ‏أراد أن يقول هنا: ‏يجب أن نشخّص الأمر في زماننا ‏لأننا لا نريد أن نعيش ‏التأريخ للتأريخ، وإنما ‏نعيش التأريخ لواقعنا، وندرس التأريخ لحياتنا في هذا اليوم، و‏لكي لا‏ يحدث لنا ‏كما حدث ‏للسابقين؛ ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْض ثُمَّ اُنْظُرُوا كَيْف كَانَ عَاقِبَة الْمُكَذِّبِينَ﴾، ﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّ هُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾. يعني نحتاج إلى الواقع، ولذلك نقول: ‏الإسلام الأمريكي ‏في زماننا، و‏هو الشيء الذي ينسجم مع ما تريده الإدارة الأمريكية أو إسرائيل. 

وهنالك نقطة مهمة وهي أنّ أفراد هذا الإسلام ليس بالضرورة أن يكونوا ‏من مذهب واحد، وهذا من عجائب الأمور، وأنا أيضاً سوف أستدل من كربلاء. نحن الآن عندما نتحدث عن كربلاء وعن عاشوراء وعن الإمام الحسين، نتصوّر أن هذا أمرٌ مختص بالشيعة، ولكن ‏اسمحوا لي بهذا الاستدلال ‏أن أقول بأن ‏الأمام الحسين جاء بجون المسيحي، والظاهر ‏بحسب بالتأريخ أن الإمام لم يطلب منه الشهادتين أو الشهادة الثالثة؛ هذا هو الإسلام المحمدي الأصيل. أو الحر الذي كان مسلماً ولم يكن شيعياً، وبتعبير آخر، لم تكن صلاته كصلاة الحسين، وقد التحق بالإمام الحسين بعد صلاة الصبح، ‏وطلب منه أن يعود إلى ساحة المعركة، ورجع إلى القتال قبل صلاه الظهر، إذن لم يصلِّ صلاة حسينية واستشهد. فإنّ الذي رفع الحر وجون ‏إلى هذا المستوى هو الموقف، هو أنه دخل في هذا الإسلام، لأن فيه هذه المزايا حيث يرفض الظلم ويقف أمام الظلم، وهذا هو الإسلام الحقيقي. نعم أنا لا أريد أن أُلغي الوضع المذهبي ‏لكل الأطراف، ولكن أقول في المواقف قد يكون مسيحياً ‏ويدخل في هذا الإسلام، هذا الذي جاء به الإمام الخميني بحسب ما هو واضح على الصعيد الاجتماعي والسياسي. 

إذن لا ينفع أن يشترك شخص مع أهل البيت بالعاطفة واللفظ فقط، و‏لكن في كل حركة يعاديهم وإن كان لا يقصد‏، وهو يخدم عدوهم. يعني ما الذي ينفعني أن أكون جالساً في الكوفة وعواطفي مع الحسين عليه السلام، ويأتي مسلم بن عقيل، فأقول له: أنا أبكي الحسين وأنصره بالدعاء وزيارة عاشوراء و و و. . الأمام الحسين يقول لي: تعساً لك! ‏بعثت لك مسلم بن عقيل، والمهم عندي هي نصرة مسلم التي هي نصرة لي. ‏فعندما نزن الأمور ‏نجد أن ‏هذا الإسلام ‏يرتقي مستوى الطوائف والمذاهب بهذا البعد. فالأمة التي تكون ساكتة وخاضعة ومهزومة ‏أمام الظلم هل تدخل في هذا الأسلام؟ والأمة التي لا همّ ‏لها إلا الدنيا ولا تحمل من الدين إلا اسمه هل تدخل في هذا الإسلام؟ والأمة التي لا تهتم إلا بالمظاهر وحفظ القرآن والشعائر والطقوس هل تدخل في هذا الإسلام؟ والأمة التي لا تنصر المظلوم ولا تعادي  الظالم هل ‏تدخل في هذا الإسلام؟ ‏ولذلك يقول الإمام أمير المؤمنين: «وقد ترون عهودا لله منقوضة فلا تفزعون وأنتم لبعض ذم مآبائكم تفزعون». ‏‏هذا الأمر ليس له ربط بطائفة، وإنما الموقف هو الأساس، وأكثر ما ألّـم بأهل ‏البيت وبالأنبياء‏ وكسر راية الحق هو المواقف، فلا تكفي محبتهم. بل حتى بالنسبة إلى الحبّ يقول القرآن الكريم: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾، «اتبعوني» تعني المواقف، وتعني الطاعة، وتعني رفض الظلم، وتعني الدعوة إلى العدالة، وتعني عدم الجلوس في البيت تابعوني، وتعني عاطفة مع عمل وسيف وشهادة، عندذلك﴿يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾. ‏إذن ‏فقط حب أهل البيت أو حب الله أو حب المقدسات أو حبّ الملائكة والرسل غير كافٍ، ويحتاج إلى «اتبعوني». هذا هو المناط بين الإسلام المحمدي الأصيل والإسلام الأمريكي. 

ارسال التعليق

You are replying to: .