۳۱ فروردین ۱۴۰۳ |۱۰ شوال ۱۴۴۵ | Apr 19, 2024
الشيخ شفيق جرادي

وكالة الحوزة - كتب الباحث الإسلامي اللبناني سماحة الشيخ شفيق جرادي مقالا تحت عنوان " الانهمام الثقافيّ.. ومشروع بناء حضارة الوعي عند الإمام الخامنئي"، وتطرق فيه إلى تعريف الثقافة، وبين من خلاله ما يحمله الإمام الخامنئي من معتقد وحياني يمكننا من الوقوف أمام العدو بأساليب إيمانية.

وكالة أنباء الحوزة - كتب الباحث الإسلامي اللبناني سماحة الشيخ شفيق جرادي مقالا تحت عنوان " الانهمام الثقافيّ.. ومشروع بناء حضارة الوعي عند الإمام الخامنئي"، وتطرق فيه إلى تعريف الثقافة، وبين من خلال ما يحمله الإمام الخامنئي من معتقد وحياني يمكننا من الوقوف أمام العدو بأساليب إيمانية.

انطلق الإمام الخامنئي (حفظه المولى) في رسم خيارات استنهاض المشروع الإسلاميّ الثقافيّ من جملة وقائع وحقائق، أهمّها:

أوّلًَا: تقييم واقع المشروع المعادي ومدى قوّته الظاهرة، وقوّته الحقيقيّة.

لقد لجأ العدو في هذه الفترة من الزمان إلى خندق الحرب الثقافيّة مع الجمهوريّة الإسلاميّة، والعدو يمتلك أدوات عديدة. نعم، هو فاقد للإيمان، ولا يقين في قلبه، ولا يعتمد على السنن الإلهيّة. كيده كيد الشيطان، ولذلك فهو ضعيف،أمّا جهده فحثيث، ووسائله حديثة، وماله كثير، وإذا تمكّنا من الوقوف مقابل هذا الهجوم، فالعدو بالتأكيد سيخيب، ولكن إذا أبدينا أيّ ضعف فسيتمكّن العدو من خلال هذه الحملة من إلحاق الخسائر في صفوفنا على صعيد البعد الثقافيّ [...] وتلك الخسارة التي تطال إيمان جيل الشباب هي أمرٌ لا يعوّضه أيّ شيء آخر.

في هذا النصّ، تحديد لجبهة صراع متقدّمة بين المشروع الاستكباريّ والمشروع الإسلاميّ، وقد عمل فيها المشروع الاستكباريّ على غزو ثقافيّ لمجتمع إسلاميّ مقاوم، وجيل إسلاميّ مؤمن وثوريّ. وقد تسلّح العدو بأمور ووسائل ذات تأثير بالغ في حربه هذه. والإمام الخامنئي يعترف بواقع الجهد الحثيث للعدو، والمال الكثير الذي يبذله، والوسائل الفتّاكة التي يعتمدها والتي إذا حقّق العدو مكتسباتٍ من خلالها فإنّه سيوقع في المجتمع الإسلاميّ خسارةً لا تُعوّض، وهي تشويه هويّة وإيمان جيل إسلاميّ واسع.

إلّا أنّه وبنفس الوقت، فإنّ جبهة أهل الثورة إن استطاعوا؛ ولو بالحدّ الأدنى؛ إيقاف وتعطيل مفاعيل هذا الغزو الثقافيّ، فإنّهم بذلك سيوجّهون صفعة مصيريّة لهذا المشروع، وأبناء الأمّة وقادتها قادرون على ذلك؛ أمّا سبب يقينه من القدرة على مواجهة هذا المشروع، فلأنّ العدو مهما استطال وتعملق من حيث الشكل، فإنّه هزيل وضعيف من حيث المضمون، وهنا أهمّ مستند لدى الإمام الخامنئي ثقته بقول الله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً[1]. من هذا المستند المبنيّ على إيمان القائد بثقافة النصّ ومعياريّة هذه الثقافة في الحكم على الأمور؛ حَكَم سماّحته أنّ الفرص واسعة للقضاء على أهل الكيد الضعيف.

وبتأويل للنصّ، استنتج سماحته أنّ هؤلاء الجماعة كالشيطان بلا إيمان ولا يقين، وبلا توكّل على السنن الإلهيّة. واجتراح الأعمال الكبرى التي تصل حدّ الإعجاز، إنّما تحتاج إلى هذه العوامل الثلاث: الإيمان، اليقين القلبيّ، الاعتماد على السنن الإلهيّة. وهي عوامل متوفّرة في جبهة الإيمان الثوريّ المرتبط بالنصّ الوحيانيّ، والمدد الإلهيّ في عالم الحياة ودنيا الشهادة.

ثانيًا: تأكيده أنّ الغزو الثقافيّ الذي يقوم على "الإعلام، الفن، الكتاب، المقالة، القصة، الأفلام المستوردة، وغيرها من الأمور". لا يصحّ مواجهته بأدوات غير ثقافيّة، إذ "إنّ أداة الثقافة ضروريّة". وأهم حقل ينبغي الاهتمام به هو "ذهنيّة المجتمع"، فهل ستكون ثوريّة إيمانيّة، أم متحلّلة ميّالة للدعة؟ وأهم إنجاز يمكن تحقيقه في المجتمع الممانع للغزو الثقافيّ الغربيّ هو إرساء الحساسيّة السلبيّة والمفرطة تجاه الطاغوت والظالم والمستكبر.

ثالثًا: وهي نقطة بالغة الأهمّيّة، مفادها: أنّ من عادة المشتغلين بالثقافة إذا أرادوا توفير أيّ إنتاج أو عمل أو إصدار ثقافيّ أن يسألوا أنفسهم من المُخَاطب بهذا العمل؟ وبحسب المُخَاطب يُحدّد مستوى العمل،  ونوعيته، وتشكّله، وعناصر الجذب والإثارة فيه وإلى ما هنالك.

وأحيانًا كثيرة إذا كان المقصود من العمل هو الدخول إلى عالم أهل الفنّ والفكر العالميّ مثلًا، أو التخصّصيّ، فإنّ أهل الفن والفكر يقدّمون الأمور بالطريقة التي ترضي مزاج وشروط أهل التحكّم في شروط العمل الفكريّ أو الفنيّ. وهنا، قد يقولون ما يرضي معايير الحَكَم، وقد يبرزون قيمًا وصورًا وأنماطًا ونماذج لا تمتّ بأيّ صلة إلى روح الأهداف المتوخّاة رساليًّا.

وهذا ما يجعل العمل الثقافيّ في خدمة الأهداف الأخرى والمشروع الاستكباريّ المُعاديّ. لذا، فإنّ الإمام الخامنئي يقترح هدفًا آخر للناتج الثقافيّ وهو بدل أن يكون كيف نحاكي المُخَاطب، فليكن كيف نبني ونؤسّس لمُخَاطب جديد. وهذا ما يمكن أن ينقل العمل الثقافيّ من دائرة الترويج إلى دائرة التكوين؛ تكوين الذهنيّة، والقيم، والمزاج، والجيل... هذا فضلًا عن أنّه يُخرجنا من أسر الشروط الآسرة لنا من قبل غيرنا، إلى حال نؤسّس فيها نحن المعايير والضوابط والشروط، وهو ما يساهم بالاستقلال الفكريّ والفنيّ المبتكر. ومن ذلك على سبيل المثال، فلسفة نقل الواقع كما هو، التي تسود الأعمال الفنيّة... والتي صارت رغم فظاعة ما تنقله وتأكيدها على موضوعيّة هذه الفظاعة السيئة، هي المعيار الحاكم على نجاح أيّ عمل فنـّيّ وبدون الالتفات إلى المؤثّرات التربويّة السلبيّة التي يروِّج لها هذا العمل. من هنا، فإنّ الإمام (حفظه المولى) دعا لوضع معايير تحتضن نحو من المثاليّة التي تطمح إليها مجتماعتنا ورسالتنا الدينيّة، وأن يتمّ تقديمها بطريقة جاذبة ومؤثّرة. ومن هذه القيم وصناعة المُخَاطب، فإنّ الأصل في خطابنا وعملنا ثقافيّ ينبغي أن يكون المجتمع الداخليّ، ومنه ننطلق نحو الأفق العالميّ الآخر، لكن بشروطنا نحن.

"ابدأوا من أنفسكم وتابعوا العمل ضمن الظروف الموجودة، ومن جملة الأعمال التي ينبغي القيام بها هي أن تقوموا بصناعة وإيجاد مُخَاطبيكم"[2].

"وأنا لا أقول أن تجعلوا مُخَاطبيكم من الجبهة الموافقة فقط، فليكن مخاطبوكم من كافة البشر ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَ كَافَّةً لِلنَّاسِ[3]، بل حافظوا على مميزاتكم في نداءاتكم ودعوا مُخَاطبيكم يتذوّقون هذا الطعم ويستلذّون به"[4].

وهكذا، فإنّ الثقافة عند الإمام الخامنئي هويّة أمّة، ومشروع رسالة للعالمين، وبمقدار الإيمان بهذا المشروع الثقافيّ يمكن للأمّة أن تحفظ وجودها وخصائصها وحيثيتها. ومن أهمّ ما تحتضنه الثقافة هو القدرة الإبداعيّة على تبيان فرادة الذات وقوّة حضورها الحضاريّ الفاعل.

 

[1]سورة النساء، الآية 76.

[2]الإمام الخامئني.

[3]سورة سبأ، الآية 28.

[4]الإمام الخامنئي.

ارسال التعليق

You are replying to: .