۹ فروردین ۱۴۰۳ |۱۸ رمضان ۱۴۴۵ | Mar 28, 2024
القرآن الكريم

وكالة أنباء الحوزة _ ثمة سؤال يطرح: ما تفسير (الإرادات الثلاث) الواردة في سورة الكهف في قوله تعالى (.. فأردتُ، فأردنا، فأرادَ ربُّكَ..)؟ وقد جاء الرد على هذا السؤال في الموقع الالكتروني لمركز الابحاث العقائدية الذي يشرف عليه مكتب المرجع الديني السيد علي الحسيني السيستاني.

السؤال: ما تفسير (الإرادات الثلاث) الواردة في سورة الكهف الآيات (79، 81، 82) في قوله تعالى (.. فأردتُ، فأردنا، فأرادَ ربُّكَ..)؟

الجواب: اجتمعت كلمات المفسرين من الموافقين والمخالفين على ان الاسلوب الذي استعمله الخضر (عليه السلام) كان من الادب الجميل مع الله تعالي ففي تفسير الميزان 13/350 قال:
وذكر بعضهم: أن من الأدب الجميل الذي استعمله الخضر مع ربه في كلامه أن ما كان من الأعمال التي لا تخلو عن نقص ما نسبه إلى نفسه كقوله: فأردت أن أعيبها، وما جاز انتسابه إلى ربه وإلى نفسه أتي فيه بصيغة المتكلم مع الغير كقوله: (( فَأَرَدنَا أَن يُبدِلَهُمَا رَبُّهُمَا )) (الكهف:81)، (( فَخَشِينَا )) (الكهف:80) وما يختص به تعالى لتعلقه بربوبيته وتدبيره ملكه نسبه إليه كقوله: (( فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبلُغَا أَشُدَّهُمَا )) (الكهف:82).

وفي الإنصاف فيما تضمنه الكشاف لأحمد بن محمد الإسكندري المالكي ج 2 ص 496قال:
ولقد تأملت من فصاحة هذه الآية والمخالفة بينها في الأسلوب عجبا، ألا تراه في الأولى أسند الفعل إلى ضميره خاصة بقوله (( فَأَرَدتُ أَن أَعِيبَهَا )) (الكهف:79) وأسنده في الثانية إلى ضمير الجماعة والمعظم نفسه في قوله (( فَأَرَدنَا أَن يُبدِلَهُمَا رَبُّهُمَا )) وخشينا أن يرهقهما، ولعل إسناد الأول إلى نفسه خاصة من باب الأدب مع الله تعالى لأن المراد ثم عيب فتأدب بأن نسب الإعابة إلى نفسه، وأما إسناد الثاني إلى الضمير المذكور فالظاهر أنه من باب قول خواص الملك أمرنا بكذا أو دبرنا كذا، وإنما يعنون أمر الملك ودبر، ويدل على ذلك قوله في الثالثة (( فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبلُغَا أَشُدَّهُمَا )) فانظر كيف تغايرت هذه الأساليب ولم تأت على نمط واحد مكرر يمجها السمع وينبو عنها، ثم انطوت هذه المخالفة على رعاية الأسرار المذكورة، فسبحان اللطيف الخبير.

وفي المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية الأندلسي ج 3 ص 537 قال:
وجاء في أنباء الخضر (عليه السلام) في أول قصة (( فَأَرَدتُ أَن أَعِيبَهَا )) وفي الثانية (( فَأَرَدنَا أَن يُبدِلَهُمَا )) وفي الثالثة (( فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبلُغَا )) وإنما انفراد أولا في الإرادة لأنها لفظة عيب فتأدب بأن لم يسند الإرادة فيها إلا إلى نفسه كما تأدب إبراهيم (عليه السلام) في قوله (( وَإِذَا مَرِضتُ فَهُوَ يَشفِينِ )) (الشعراء:80) فأسند الفعل قبل وبعد إلى الله تعالى وأسند المرض إلى لنفسه إذ هو معنى نقص ومصيبة وهذا المنزع يطرد في فصاحة القرآن كثيرا ألا ترى إلى تقديم فعل البشر في قوله تعالى (( فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ )) (الصف:5) وتقديم فعل الله تعالى في قوله (( ثُمَّ تَابَ عَلَيهِم لِيَتُوبُوا )) (التوبة:118) وإنما قال الخضر في الثانية (( فَأَرَدنَا )) لأنه أمل قد كان رواه هو وأصحابه الصالحون وتكلم فيه في معنى الخشية على الوالدين وتمنى البديل لهما وإنما أسند الإرادة في الثالثة إلى الله تعالى لأنها في أمر مستأنف في الزمن طويل غيب من الغيوب فحسن إفادة هذا الموضع بذكر الله تعالى وإن كان الخضر قد أراد أيضا ذلك الذي أعلمه الله أنه يريده فهذا توجيه فصاحة هذه العبارة بحسب فهمنا المقصر والله أعلم

وفي تفسير الرازي ج 21 ص 162 قال:
بقي في الآية سؤال، وهو أنه قال: (( فَأَرَدتُ أَن أَعِيبَهَا )) وقال: (( فَأَرَدنَا أَن يُبدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيرًا مِنهُ زَكَاةً )) وقال: (( فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبلُغَا أَشُدَّهُمَا )) كيف اختلفت الإضافة في هذه الإرادات الثلاث وهي كلها في قصة واحدة وفعل واحد؟ والجواب: أنه لما ذكر العيب أضافه إلى إرادة نفسه فقال: أردت أن أعيبها ولما ذكر القتل عبر عن نفسه بلفظ الجمع تنبيهاً على أنه من العظماء في علوم الحكمة فلم يقدم على هذا القتل إلا لحكمة عالية، ولما ذكر رعاية مصالح اليتيمين لأجل صلاح أبيهما أضافه إلى الله تعالى، لأن المتكفل بمصالح الأبناء لرعاية حق الآباء ليس إلا الله سبحانه وتعالى.

لكن السيد مرتضى العاملي في كتاب مختصر مفيد 4/29 احتمل معنى اخر فقال:
فربما يكون السبب في هذا التنويع هو الإلماح إلى:
أولاً: إنه حين خرق السفينة، فإنما كان ذلك بقرار شخصي منه، فإن التكليف بحفظ أولئك المساكين من ذلك الظالم تكليف عام لجميع الناس، والخضر واحد منهم، ولكن المكلف هو الذي يختار الكيفية والطريقة المجدية، والموجبة لسقوط ذلك التكليف، فالخضر (عليه السلام) قد بادر إلى هذا الأمر من حيث هو إنسان مكلف، لا بصفته نبياً حاكماً.. وهذا نظير قول الله سبحانه: (( وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحسَنَ مِنهَا أَو رُدُّوهَا.. )) (النساء:86) فإن التحيات هي من اختراع الناس، والرد عليها أيضاً هو من اختراعهم.. وكذلك الحال في قولهم (عليهم السلام): أحيوا أمرنا. فإنه أمر عام، نحن نخترع مصاديقه فننشد الشعر فيهم تارة، ونعلق اللافتات المعبرة عن منزلتهم، ومقامهم أخرى، وننظم المسيرات ثالثة، وقد نؤلف كتاباً، أو نكتب ونخرج مسرحية أو فيلماً عنهم.. وما إلى ذلك..

ثانياً: وحين قال (عليه السلام) عن قتله للغلام: (( فَأَرَدنَا أَن يُبدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيراً مِنهُ )) فإنه قد تحدث عن أمر ذي جنبتين: إحداهما: ترتبط بالله سبحانه، من حيث إنه تعالى هو الذي حدّد حكم من يعتدي على والديه، ويظلمهما ظلماً فاحشاً، يصل بهما إلى حد إرهاقهما بالطغيان والكفر الذي لا يطيقانه (( فَخَشِينَا أَن يُرهِقَهُمَا طُغيَاناً وَكُفراً )) (الكهف:80).
فإن حكم إنسان كهذا هو القتل، خصوصاً إذا كان المستهدف بظلمه وطغيانه هو والديه. فالحكم بقتل إنسان كهذا لا شك في أنه صادر من الله سبحانه، وهو قرار إلهي بكل ما لهذه الكلمة من معنى.. وثانيتهما: ترتبط بالخضر نفسه (عليه السلام) فإنه المكلف بإجراء هذا الحكم وتنفيذه من موقع الولاية والحاكمية والسلطة المجعولة له من قبل الله، وقد أطلعه الله على هذا الطغيان والكفر، بالوسائل التي تخوله إجراء حكم الله سبحانه بالفاعل.. فصح نسبة الإرادة إليه، لأنه هو المتصدي لإجراء حكم الله، ونسبته أيضاً إلى الله لأن القرار قرار إلهي لا مجال للتردد فيه، ولا للتخلف عنه..

ثالثاً: وحين قال الخضر في قصة إقامة الجدار: (( فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَستَخرِجَا كَنزَهُمَا.. )) فإنه قد نسب الإرادة إلى الله سبحانه، وأن الله سبحانه هو الذي أخبره بهذا الكنز الذي هو عبارة عن لوح مكتوب فيه عبارات شريفة تشير إلى كلمة التوحيد، وإلى مسألتي الموت والقدر.. وقد أراد الله سبحانه حفظ اليتيمين - في بلد ظهر حال أهله الفاسد من موقفهم من النبي موسى (عليه السلام) والخضر (عليه السلام)، حيث إنهما استطعما أهلها، فأبوا أن يضيفوهما، ومن كان كذلك فهل يرحم هذين اليتيمين؟! اللذين استحقا الرعاية الإلهية وفاءاً لأبيهما الذي كان صالحاً.. - فأمر وليه بحفظ الكنز لهما، بإقامة الجدار. فالله إذن هو الذي أراد حفظ الكنز لليتيمين، فأجرى الخضر الإرادة الإلهية، مستنداً فقط إلى الأمر الإلهي، وإلى ما أطلعه الله عليه من غيبه في أمر الغلامين، وأبيهما والكنز ولزوم حفظه لهما.. وقد صرح الخضر (عليه السلام) بهذا الأمر بالذات، حين قال: (( وَمَا فَعَلتُهُ عَن أَمرِي )) (الكهف:82). والحمد لله رب العالمين.

والذي نستطيع احتماله ايضا عن عملية اقامة الجدار استغرقت وقتا وكان اعتراض موسى اثناءه او قبله فكان المناسب للخضر (عليه السلام) ان يعطي مسوغا لهذا العمل الذي بعد لم يتم مع اعتراض نبي عليه ان يأتي بارادة تفوق ارادة النبي وهي ارادة الله تعالى فقال ان الله تعالى يريد ذلك واما الخرق والقتل فلا يستغرق وقتا طويلا والاعتراض من النبي حصل بعده حصولهما بقرينة استعمال فعل الماضي جئت. فالخضر (عليه السلام) و ان كان عنده علما باطنيا يعمل بموجبه الا انه لابد ايضا ان يلتزم بالعلوم الظاهرية التي يقولها نبي الله موسى (عليه السلام).
وكذلك يحتمل انه لم تكن هناك ارادة لاعابة السفينة من الله تعالى فهذا اسلوب العاجزين غير القادرين علي دفع ظلم الظالمين واما الله سبحانه وتعالى ان اراد حفظ السفينة لاهلها امكنه فعل ذلك بأساليب تنسجم مع قدرته فيميت الملك مثلا او يعمي ابصارهم عن تلك السفينة او غير ذلك من الاساليب التي تشير الى اقتداره.

واما قتل الغلام فلما كان فعلا كبيرا فلابد ان ينسبه هذا الفعل الى الله تعالى فان هذا الفعل لا يصدر من عامة الناس فضلا عن الانبياء الا ان تكون هناك ارادة الهية بقتله لكن ارادة الله هذه بالقتل لها مقياس للتحقق وهي اسف اولياءه المخلصين مما يصدر من المذنبين من افعال شنيعة يقول تعالى (( فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمنَا مِنهُم )) (الزخرف:55) وفسر ذلك بان له اولياء يأسفون فاذا حصل ذلك حصل الانتقام لان الله تعالى لا يأسف كاسفنا لذلك لابد من نسبة فعل القتل اليهما معا.

ارسال التعليق

You are replying to: .