۱ اردیبهشت ۱۴۰۳ |۱۱ شوال ۱۴۴۵ | Apr 20, 2024
سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد هاشم الحيدري

وكالة الحوزة ـ أجرى الباحث الإسلامي العراقي سماحة السيد هاشم الحيدري سلسلة حوارات حول قضية عاشوراء والنهج الحسيني، إذ تطرق في القسم الثاني منها إلى كيفية معالجة الانحرافات الاجتماعية من قبل المعصوم (ع).

أفادت وكالة أنباء الحوزة أن الباحث الإسلامي العراقي سماحة السيد هاشم الحيدري أجرى سلسلة حوارات حول قضية عاشوراء والنهج الحسيني، إذ تطرق في القسم الثاني منها إلى كيفية معالجة الانحرافات الاجتماعية من قبل المعصوم (ع). وفيما يلي متابعة الحلقة الأولى:
المقدم: سيدنا! قبل أن أسال، تحدثتم في هذه الإجابة وذكرتم أمراً أساسياً وهو أن الهدف الأساسي هو إنقاذ الإسلام من الانحراف.
سماحة السيد: أحسنتم
الحركة إلى الشهادة أمر عقلاني، لكن بشرط أن تكونَ لشيءٍ واجب أو راجح، يعني أنا كإنسان وأنت كإنسان وذاك كإنسان والإنسان بالتالي مُكرَّم عنـد الله سبحانه وتعالى. ونحن نعلم في الفقه أنه لا يجوز إلقاء النفس في التهلكة، إلا أن يكون هناك شيء أهم. ففي المجوزات الشرعية على سبيل المثال، أنتَ في صحراء، وقاربت الموت، وشاهدت ميتة أو خمراً في ذلك المكان، يجوز لكَ الأكل أو الشرب، وقد يصل إلى الوجوب في بعض الأحيان برأي بعض الفقهاء. ولكن إذا كان الإسلام في خطر، وإذا كان الدين في خطر، فهنا يقدّم الإمام وجوده، لذلكَ تصبح الشهادة من أجلِ إنقاذ الإسلام. وأما أن يكون قياماً فقط دونَ شيء، بمعنى أن الإمام لا يستطيع أن يفعل شيئاً، فيقول إذن أقوم فقط وأذهب إلى الشهادة، فهذا ليس أمراً راجحاً. إنما الحركة حركة إنقاذية باحتمال إحدى النتيجتين، فهو مستعد للحكومة ومستعد للشهادة أيضاً، إذ هنا سوف تكون الشهادة أمراً مرجَّحاً أو أمراً واجباً أو أمراً عقلائياً أو فقهياً أو شرعياً، والإمام يتجه إليها لإنها تؤدي إلى إنقاذ الإسلام. وأما لنفترض مثلاً أن يكون الإنسان جالساً، والإسلام ليس في خطر، ولكن هناك انحرافات وخمر وسفور و. . . ، فيأتي ويفجر نفسه في الشارع تحت عنوان إنقاذ الإسلام، فهذا إلقاء النفس في التهلكة، لأن هذه الحركة هنا ليست حركة عقلائية، ولذلك نأتي هنا إلى البراءة الشرعية.

الإمام الحسين (ع) بلا شك هو الـمُشرِّع لأنه الإمام المعصوم، يعني هو حجة الله، وفي زماننا هناك الولي الفقيه. ويوجد من لا يؤمن بالولاية فهناك المرجعية العليا في أي مكانوفي أيّ زمن. لذلك بعض المراجع والقيادات الشرعية الحقة قد تفتي بالجهاد، كما في حزب الله حيث قام بعمليات استشهادية، وكان الإمام الخميني والسيد القائد يجوّزان هذه العمليات ضمن هذه الشروط، وهي أن تكون العملية ضمن أمرٍ واجبٍ أو راجحٍ، لكي لا تُعنون ضمن عنوان إلقاء النفس في التهلكة. ولذلك لابد من براءة الذمة في العمليات الاستشهادية، حتى في الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية. فالبعض في البدايات - كما يُنقل - كان متعطشاً إلى الشهادة، فقال الإمام الخميني (قدس الله نفسه): يجب العمل في الجبهة ضمن الضوابط العسكرية والفقهية. يعني لابد أن تكون بأمر الضابط والمسؤول والآمر أنه هنا عملية تستحق أن يريق الانسان دمه لكي يؤدي إلى نتيجة أكبر، إذن هو أمر راجح أو واجب.

بشكل عام، وخصوصاً في زمن الإمام الحسين، تارة تنحرف الناس، يعني تجد أن هناك - كما في زماننا وفي كل زمن - أناس لا يصلون، يشربون الخمر، يسرقون، يستغيبون، يمارسون الزنا والعياذ بالله، وأمثال ذلك، ولكن هل معنى ذلك أنه انحرف الإسلام وانتهى؟ الجواب لا، ولذلك يقول سماحة السيد: لدينا نوعان من الانحراف، تارة يفسد الناس وهذا ما يحدث كثيراً، ولكن تارة ينحرف الناس ويفسد الحكام والعلماء، يعني لم يبق شيء إذا انحرفت كل هذه المراتب. ولذلك شخّص الإمام الحسين (ع) أولاً الحاكم؛ «ويزيد رجل فاسق فاجر معلن بالفسق والفجور»، وبيّن أن الحاكم فاسق، والعلماء كُلُهم أصبحوا علماء البلاط وعلماء السوء، والناس في شللٍ ذهني وجبن وخوف وإعراض عن الآخرة، ولم يبق شيء، هنا أصبح وجود الإمام لوحده غير كافٍ، بل هناك حاجة إلى حركة إنقاذية تؤدي إلى إحدى النتيجتين، ولكن هذهِ الحركة إن أُدِّيت بشكل صحيح، والمعصوم بلا شك يؤديها بالشكل الصحيح، تؤدي غرضها ونتيجتها أنها تُنقذ الإسلام، ولذلك يقول السيد: في الأساس لا يصدر الدين الصحيح عن قوم فاسدين. يعني إذا فسق الحاكم فالنتيجة أنّ الناس على دين ملوكها. والعلماء والخواص والعوام والنخب والنساء والرجال، الكل فسدوا، والكل في سبات وفي نوم وفي موت. هنا قام الإمام بدور الإنقاذ، لأن الإسلام انتهى، ولذلك دور الإمام الحسين (ع) كان انفرادياً بهذا المعنى.

نحن ذكرنا أنّ سماحة القائد يقول:إن لدينا نوعان من الانحراف، نوع تنحرف شرائح من الناس، وهذه منكرات عادية كما يعبر عنها بعض الفقهاء، أو منكرات متعارف عليها، ولكن إذا انحرفت الأمة بعلمائها وحكامها، فهذا يعني أنّ مصدر الإصلاح انتهى، ولا يوجد توليد إلا الفساد، فيصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً. في ذلك الوقت، انحرف الإسلام ١٨٠ درجة تقريباً، يعني لا مجال للرجوع، وبالتالي تسقط الحُجّية، وتترتب عليه آثار كثيرة. ولذلك هذا التكليف قام به الإمام الحسين، وهنا أستشهد بكلام للإمام الحسين عليه السلام يبين هذه الحقيقة ويقول: «أيها الناس لقد سمعت جدي رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، فلم يُغيّر عليه بقولٍ ولا فعلٍ، كان حقاً على الله أن يُدخله مُدخله». فالامام يستشهد أن الحاكم وصل إلى مرحلة أنه يجعل الحلال حراماً والحرام حلالاً. أظنّ أنّ الشهيد مطهري يطرح هذه المسألة وهي أن معاوية كان على كل حال واضحاً لدينا، لكنه ليس مثل يزيد، فقد وصل يزيد إلى حالة أن يقول وهو شاعر:
لعبت هاشم بالملك فلا         خبر جاء ولا وحي نزل

هذا الكلام لم يتفوه به حاكم أموي أو عباسي بأنه ينكر الوحي. والملفت هنا أنه أبقى اسم خليفة رسول الله، ولم يحذف اسم الإسلام لأنه كان محتاجاًإلى هذا اللقب، ولكن الوحي بما هو وحي أنكره.  فإذا كان هناك حاكم يتلاعب بالمحرمات، ويُعلن - بالبث مباشر كما يقول الإعلاميون وفي الفضائيات -الفساد ويحرّم الحلال ويحلّل الحرام ويجعل المنكر معروفاً والمعروف منكراً، وكان الناس غافلة تماماً، والعلماء يطرقون أبواب هذا الخليفة والسلطان المنحرف، ماذا يبقى.

ولذلك نهض الإمام الحسين بصعقة، وأنا أسميها مثل صعقة ما قبل الموت. كيف أنه تارة يكون مريض أمامك فتعطيه دواءً يعالجه، ولكن أحياناً يحتاج إلى إبرة، وأحياناً يحتاج إلى مغذي، وأحياناً يحتاج إل عملية جراحية، ولكن أحياناً تصل به المرحلة إلى أنه ينتهي ويحتاج إلى صعقة. . الإمام الحسين قام بصعقه تأريخية وصعقة إنقاذية وليست صعقة استشهادية، بلالنتيجة كانت هي الشهادة، وكان يمكن أن يأتي إلى الحكومة، وكان مستعداً لكل النتائج. إذن هي حركة وصعقةإنقاذية لإنقاذ هذا الإسلام الذي انحرف إلى درجة كبيرة وكبيرة جداً، وأعاد الأمور إلى مجراها بهذه الحركة.

هنا في هذا الإطار اسمحوا لي أن أفتح موضوعاً جديداً، وهو أنه هناك مراحل ثلاثة لأهل البيت من هذا المنظار. المرحلة الأولى هي أنه لا يكون الإسلام في معرض الخطر؛ بمعنى أنّ فيه تحريف، ولكن لم يصل إلى حالة الخطر الشديد التي وصل لها الإمام الحسين. هذا العامل الأول، وهناك أيضاً عامل عدم وجود الأنصار للإمام المعصوم.

طبعاً أنا حين أتكلم عن الإمام المعصوم، لا أخص المعصوم بما هو المعصوم بقدر ما أقول: القيادة عبر التأريخ؛ يعني الولي الشرعي سواء كان نبياً أو وصياً أو السفراء الأربعة أو الفقهاء في زماننا؛ يعني الذين يمثلون أهل البيت الذي في عقيدتنا هو الولي الفقيه.

إذن لم يكن الإسلام في معرض الخطر، ولا يوجد أنصار أيضاً، فالأمة غافله نائمة مُعرضة، ولكن الإسلام لم يصل إلى مرحلة الخطر الشديد. في مثل هذه الحالة، ما هو تكليف الإمام أو القائد؟ هنا التكليف عدم القيام. . لماذا؟ لأن الإسلام ليس في معرض الخطر، والقائد موجود كموسى، كعيسى، كإبراهيم، كنبينا محمد، كأمير المؤمنين وأهل البيت، وإلى زماننا، فإن أكثر الأنبياء والأئمة كانوا لوحدهم؛ ﴿فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾، لكن الإسلام ليس في معرض الخطر، وهذه نقطة مهمة. يعني هناك عاملان أساسيان مع بعض.

تكليف القائد الشرعي هنا أن يصبر ويتحمل. وإنّ هذا الدور وهذه المرحلة قد مر بها أكثر الأنبياء وأهل البيت والفقهاء إلى زماننا. هناك ادعاءات، وهناك شعائر، وهناك طقوس، وهناك حفظ للقرآن، وهناك صلاة جماعة، وهناك زيارات إلى مراقد أهل البيت، لكن لا وجودللنصرة بمعنى أن يكون هنالك عددٌ معتدّ به من الأنصار يبلغ حدّالنصاب، أو أن تكون  على مستوى أمة بحيث تسمى أمة مطيعة مستعدة لأن تدخل حرب ومستعدةأن تضحي وأن تقاوم وأن تصبر وأن تتحمل. فإذا لم تكن هذه الإمة، ولم يكن هناك خطر على الإسلام، فإنّ تكليف الأئمة والأنبياء والسفراء والفقهاء هو الجلوس والصبر.

انظر إلى موسى وعيسى وإبراهيم والنبي صلى الله عليه وآله في مكة. .  لماذا جلس النبي في مكة؟ولماذا أقام في المدينة؟ لأنه جاءه الأنصار. وكان قد سكت عندما لم يكن له أنصار، ولكن سكت مع عمل، فليس السكوت بمعنى الخنوع والعياذ بالله، كما أنّ أمير المؤمنين بعد وفاة النبي سكت ٢٤ سنة لعدم وجود الأمة.

المعرفة والطاعة لا تقتصر بالضرورة على المواجهة العسكرية. فالطاعة هي: اسكت اسكت، قم قم، قاتل قاتل. في بعض الأحيان يكون الاندفاع نحو المواجهة الشرعية. والقائد لا يريد ذلك المتقدم أيضاً، بل اللاحق هو المطلوب. هذه الحالة مرّ بها الإمام الحسن، واللطيف أنه مرّ بها الإمام الحسين عليه السلام أيضاً، فالإمام كان ساكتاً لمدة عشر سنوات بعد استشهاد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام في حكومة معاوية، ولكن ليس سكوتاً سلبياً، وإنما هذا السكوت لأن الأمة كانت خانعة ومبتدعة، ولكن الإسلام لم يصل إلى مرحلة الانحراف 180 درجة، والتي أشرنا إليها، وكذلك الحال في زمن الإمام السجاد بعد كربلاء والإمام الباقر والصادق والجواد، وأكثر الأزمنة. . هذه هي الحالة الأولى.
الحالة الثانية أن لا يكون الإسلام في معرض الخطر الشديد أيضاً، ولكن يوجد أنصار. فالإسلام موجود ويتضمن بعض الانحرافات، ولكن هناك أمة مطيعة مستعدة تعلن بيعتها للقائد الشرعي. عند ذلك ما هو دور الإمام؟ يقوم حتى وإن لم يكن الإسلام في معرض الخطر. يعني بتعبير آخر وجود الأنصار والأمة المطيعة يكون على الإمام حجة شرعية. وهذا ما نستدل به وببساطة من أمير أمير المؤمنين عليه السلام. فإن أمير المؤمنين بعد مقتل الخليفة الثالث، جاءته الأمة وبايعته وأعلنت وأصرت على البيعة قائلين له إننا بخدمتك يا أمير المؤمنين وأنت إمامنا، هنا قال قولته المشهورة:«لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر»، قيام الحجةِ على من؟ عليه هو، بوجود ماذا؟ الناصر. فالإسلام لم يكن في معرض الخطر ولكن الأمة جاءته. كما أنّ الأوس والخزرج كذلك جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وآله ونصروه وقالوا له تعال إلى المدينة يا رسول الله، فاستجاب لهم مباشرة، لأنه عندما شاهد هناك أرضية لأمة ما في مكان ما، ذهب ليقيم حكم الله، لأن الله يأمر أنبيائه ورسله والأئمة والفقهاء أن يقيموا حكم الله، ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّاللَّهِ﴾. وبالتالي لم يكن هناك خطر على الإسلام، ولكن بمجرد وجود الأنصار تلقى الحجة على القائد الشرعي، فيقيم الحكم ويستلم زمام الأمور، وهذا ما حصل للنبي صلى الله عليه وآله في المدينة لا في مكة، وللإمام أمير المؤمنين عليه السلام، ولداود، ولسليمان.

تصور وهذه عجيبة، منذ آدم بحسب التأريخ - قد يوجد شي لم يُذكر فنحن لا نعلم الغيب - من آدم عليه السلام وإلى 2014، تصور كم حكومة دينية حقيقية أُسست؟ داود، سليمان، النبي صلى الله عليه وآله في المدينة، أمير المؤمنين عليه السلام، الإمام الحسن في ستة أشهر فقط، والإمام الخميني عام 1979، وهذا كله لوجود الأنصار. وبتعبير آخر أتكلم بكل وضوح حول قضية الحكم، فإنها ليست قرعة يانصيب، بمعنى أنه هنا جاء الإمام الخميني وهناك جاء رسول الله كحاكم وأمير. . لا، «كيف ما تكونوا يوّلى عليكم»كما عن أمير المؤمنين. فإنّ الأمة عندما تتبع الإمام أو القائد الشرعي يحكم. ولا يوجد إمام كان عنده الأنصار الفعليون الحقيقيون وسكت. . هذا مستحيل. قد يقول قائل هنا أو هناك  بأن الإمام الحسن المجتبى كان عنده أنصار، إلا أن هذا كلام غير دقيق.

الحالة الثالثة والأخيرة هي وجود خطر حقيقي على الإسلام وعدم وجود أنصار، وهذا ما مرّ به الإمام الحسين. فإنه بغض النظر عن وجود الناصر وعدم وجوده، أساساً مادام تشخيص القائد هنا سواء المعصوم أو القائد الشرعي؛ النبي أو الفقهاء في زماننا، هو أن الإسلام في مرحلة يخاف به ومنه وعليه وكل شيء ينتهي، ولا يبقى منه شيء، لابد من صعقة إنقاذيه تنقذ الإسلام، ومن استعداد لإحدى نتيجتين كما ذكر السيد إما النصر أو الشهادة، وهو الذي أشار إليه القرآن الكريم. إذن فهذه الحالة حصلت للإمام الحسين، ولكنها لو حصلت لأمير المؤمنين، أو للإمام الحسن المجتبى، أو للإمام الهادي، أو للإمام الكاظم، أو للإمام الرضا، لحدث نفس الشيء بالضبط، لأنها قاعدة عقلية منطقية فقهية عقائدية. وإلى ذلك - كما أظن - أشار النبي صلى الله عليه وآله للإمامين الحسن والحسين بأنهما إمامان قاما أو قعدا. فالبعض يفهم منه أن الإمام الحسن المجتبى وكأنه يميل إلى السلم والديمقراطية والانتخابات والإمام الحسين مندفع. . لا، هذا كلام غير دقيق، كلاهما إمامان قاما أو قعدا، لكن الظرف هو الذي حتّم  على الإمام الحسن الصلح. وأنا باعتقادي - كما يذكر البعض وأظن السيد القائد، إلا أني لست متأكداً، ولكن يقول بعض الفقهاء -إن صلح الإمام الحسن لأهميته يوازي ثورة الإمام الحسين، فإنه أدى تكليفه بحسب تشخيص الظرف السياسي والاجتماعي. ولذلك عندما نأتي إلى الإمام الخميني قدس الله نفسه، نجد أنه أول ما قام بالحركة سنة 1962 - 63 لوحده، لأنه شخص أن الإسلام أصبح في خطر. ولذلك نجد هناك بعض الخطابات اللطيفة والعجيبة حقاً، حيث يصرخ الإمام في المسجد الأعظم بقم وفي المدرسة الفيضية وينادي علماء قم وعلماء مشهد وعلماء النجف أن الإسلام في خطر. فإنه عندما قام كان لوحده، ثم جاء الأنصار.

الإمام الحسين عليه السلام لو تركه الأنصار، حيث قال لهم ليلة العاشر: أنتم في حل من بيعتي، فلو تركوه لكانت نفس النتيجة ونفس الثبات ونفس الإصرار، لأن الإمام لم تكن غايته الشهادة أو غايته الحكومة، بل كانت غايته القيام والإنقاذ. ولذلك يشير القائد أنه لو تركه علي الأكبر والعباس وبقية الأصحاب لبقيت كربلاء نفسها، ولبقي هو ذبيح كربلاء وشهيد كربلاء.

إذن نحن عندما نفهم هذه المراحل الثلاث أو هذه التكاليف الثلاثة تتوضح الصورة في كل زمان. نحن الآن في زماننا أحياناً ما نقول بالنسبة للمراجع: هذا المرجع ساكت!كلا، إنه ليس بساكت، وإنما هو شخّصَ أن الإسلام ليس في خطر، ولا يوجد عنده أنصار، كما نشاهد في أزمنتنا بأن الأنصار في قلة بشكل عام، ﴿وَأَكثَرُهُم لِلحَقِّ كَارِهُونَ﴾. إذن عندما يجد المرجع أو النبي أو المعصوم أو السفراء الأربعة الأمة غافلة معرضة، لكن الإسلام لم يعرّض للزوال، يكون دوره السكوت. نعم هنا عندما نقول السكوت لا يفهم منه السكوت المطلق، كلا، بل يحاول ويسعى ويصلح بقدر ما يستطيع وبحسب الظرف. أما الإمام الحسين فإنه عندما شاهد الخطر وصل إلى حد تجاوز الظرف، قام خارج الإطار، يعني خارج السرب، وسار عكس التيار التأريخي الذي سار عليه البقية، ولكن هذه الحالة قد تتكرر وتكررت في زمن الإمام الخميني عندما قام. نعم الفرق هو أن الإمام الخميني وجد الأنصار بعد ذلك، أما الإمام الحسين لم يجد إلا ثلة قليلة لم تكن كافية لتحقيق النصر الظاهري الحكومي، فذهب إلى الشهادة وهو كان مستعداً للشهادة. ولو كان قد وجد الأمة بعد حركته وكثر العدد، ولو أهل الكوفة لم يخذلوا مسلماً على سبيل المثال، وبالمناسبة يناقش السيد القائد هذه القضية ويقول:بقي مسلم لوحده ساعات يقاتلونه عندما جاءوا وحاصروا بيت طوعة إلى أن قتلوه فهو شجاع، فما بالك لو كان معه مئة رجل. ولكن لم يبق معه أي أحد. فلو كانت الأمة قد جاءت بجزء منها لربما كان قد وصل الإمام إلى الحكم، وهذا لا يخدش في عظم ثورته. نحن عندما نتحدث عن الشهادة، نعطيها أهمية وكأنها أهم من الحكم؛كلا، إنّ كمال وجمال وعظمة وتأثير الإمام الحسين عليه السلام بأصل ثورته وليس بشهادته فقط.

السيد القائد يقول شيئاً مهماً وهو أنّ هذا الواجب الذي تحدثنا عنه والذي يرتبط بإرجاع المجتمع المنحرف إلى الخط الصحيح، لا يقول الشهادة، بل يقول أصل الواجب؛ هذا الواجب وهذا الإنقاذ الذي يرتبط بإرجاع المجتمع المنحرف إلى الخط الصحيح، لا يقل أهمية عن الحكومة ذاتها وعن الشهادة أيضاً، لأن أصل التأثير بأصل إنجاز هذا الواجب وليس بالنتيجة. فإذن يقول لا يقل أهمية عن عن الحكومة التي من المفترض أن تكون الحكومة هي التي تغير؛ يعني نحن نفهم أنّ التأثير يتحقق بالحكم، وأنه عندما يقع الحكم بيدك تؤثر، إلا أنّ القائد يقول: أصل أداء الواجب هو الذي يؤثر، وهذا هو المهم. ويمكن أن يقال إن هذا الواجب أكثر أهميةً من جهاد الكفار ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر العاديين، يعني شرب الخمر وأمثالها في المجتمع الإسلامي، بل وحتى من العبادات الإلهية العظيمة كالحج. فالحج عظيم ولكن يقول هذا أهم من الحج، لماذا؟ هو السيد يتساءل ويجيب: لأن هذا الحكم وهذا الواجب في الحقيقة يضمن إحياء الإسلام. الضامن إذن بماذا؟ بأداء الواجب وليس بالنتيجة، لأن هذا الحكم في الحقيقة يضمن إحياء الإسلام بعد أن أشرف على الموت أو مات وانتهى.

لماذا ثار الإمام الحسين؟ لأن الحاكم يشرب الخمر، والناس تحضر وتتفرج ولا تنهى عن المنكر، ويتلاعب بالمحرمات، فلم يكن يخبئ ذنباً، بل كان يعلنه على المباشر، والعلماء طمعوا في الدنيا، والناس أحبوا الدنيا ونسوا الآخرة وأصابهم الشلل والموت والسبات، والمعصوم بلا شك لا يسكت على ذلك. هنا يتصور البعض بأن القضية خاصة بالحسين وبيزيد؛كلا، فإن من روائع كلمات الإمام الحسين هي البيان رقم واحد في ثورته، فإننا في الأخبار عندما تقوم في فنزويلا أو كوبا أو في أي دولة في العالم أو في مصر في الربيع العربي ثورة، دائما يبدأون بالبيان، ونستمع إلى بيان القادة والضباط ماذا يقولون، فلنقرأ بيان الإمام الحسين قبل أن نكتب الشعر أو ننشغل بالأوهام في بعض الأحيان وننسج بعض الأمورغير الصحيحة، والبيان الأول هو أنه عندما طُلبت منه البيعة، قال:«ويزيد رجل فاسق فاجر معلن بالفسق والفجور ومثلي لا يبايع مثله»، لم يقل الإمام عليه السلام أنا لا أبايع يزيد، فالقضية ليست قضية شخصية، وليست أنا وهو، بل مثلي ومثله، وأنا أسميها المثلية في التكليف. ولذلك الحسين اليوم لا يبايع من هو مثل يزيد، فالقضية ليست خاصة بأبي عبد الله، وإنما هي درس ومدرسة وعِبرة وعَبرة أيضاً إلى قيام الساعة إن شاء الله.

 

ارسال التعليق

You are replying to: .