۱ اردیبهشت ۱۴۰۳ |۱۱ شوال ۱۴۴۵ | Apr 20, 2024
الشيخ شفيق جرادي

وكالة الحوزة - كتب الباحث الإسلامي اللبناني سماحة الشيخ شفيق جرادي مقالا تحت عنوان " الانهمام الثقافيّ.. ومشروع بناء حضارة الوعي عند الإمام الخامنئي"، وتطرق فيه إلى تعريف الثقافة، ثم تحدث عن نظرة الإمام الخامنئي حول الثقافة.

وكالة أنباء الحوزة - كتب الباحث الإسلامي اللبناني سماحة الشيخ شفيق جرادي مقالا تحت عنوان " الانهمام الثقافيّ.. ومشروع بناء حضارة الوعي عند الإمام الخامنئي"، وتطرق فيه إلى تعريف الثقافة، ثم تحدث عن نظرة الإمام الخامنئي حول الثقافة. وفیما یلی نص المقال:

مهمٌّ أنّ نعرف المعنى والمقصود من أيّ مصطلح نستخدمه؛ بما في ذلك المعنى والمقصود من كلمة الثقافة. إلّا أنّ في حياتنا النظريّة أو العمليّة أمورًا نتداولها، بحيث إنّا نعي معناها الذي نريد، دون أن نتكلّف عناء البحث عن اشتقاقها اللغويّ ومداولاتها الاصطلاحيّة عند أهل هذا الفن أو ذاك، والثقافة من الأمور التداوليّة في حياتنا. لذا، ليس من الواجب أن نوغل في مصطلحها لنعِيَها، بل أكاد أقطع، أنّ عصرنا ببنيه على اختلاف شرائحهم يتفاعلون مع الثقافة وكأنّها جزءٌ من حياتهم الخاصّة، حتّى باتت عند كلّ قوم أو شريحة من الناس تعني وعيهم ومعرفتهم. أن يتحدّث الرياضي عن الثقافة فهو يعني مضماره، وأن يتحدّث الفنان عنها فهو يقصد المعرفة الفنيّة، وكذا العالم والفيلسوف والسياسيّ.

 بناءً عليه، فإنّ الثقافة في مضمونها التداوليّ باتت تعني الانهمام المعرفيّ، العام واليوميّ، عند الإنسان، ولكي تعرف مقصود هذا أو ذاك بها، فما عليك إلّا أن تعرف الهمّ المعرفيّ الذي يعيشه. طبعًا، قد يقول قائل: إنّ الثقافة هي نحوٌ من المعرفة بكلّ ما سبق من أمور فنيّة ورياضيّة وعلميّة وغير ذلك. وهذا صحيح بوجه، إذ مثل هذا النحو من الاهتمام هو اختصاصٌ بعينه، يسمح لك أن تتحدّث عن حقل خاص اسمه الثقافة بما تعنيه من معارف إجماليّة ومتنوّعة بالعديد من الأمور والاختصاصات، دون أن تكون متخصّصًا بواحد منها بعينه. لكن مثل هذا التعريف لا يمكننا الاقتصار عليه لأنّه يحجب حقيقة انتشار الانهمام الثقافيّ في الدوائر الأصغر والأضيق.

والأهمّ من كلّ ما أوردناه حتّى الآن، هو ما يعكسه الانهمام الثقافيّ المتخصّص أو المنتشر من قيم مكوِّنة للرؤية، وباعثة على السلوك أو النمذجة (من النموذج).

وهذه القيم قد تكون مباشرة قائمة على النفعيّة أو الفردانيّة، وقد تكون غير مباشرة تقوم على فلسفة ما، أو معتقد، أو دين، أو رسالة.

وبهذا المعنى، فإنّ ما قدَّمه الإمام الخامنئي من نظرته لمعنى الثقافة هو أقرب ليكون موقفًا رساليًّا ملتزمًا منه ليكون تعريفًا فنيًّا.

فالثقافة عنده همّ رساليّ مبنيّ على إيمان عقائديّ وقيميّ وشرعيّ، كما أنّه مبنيّ على معرفة بأحوال المجتمع في مصالحه وصداقاته وخصوماته، وهو مبنيّ أيضًا على تجربة تولّد أحاسيس خاصّة وتحيّزات خاصّة في المواقف تجاه الأمور والمفاهيم والقيم والأوضاع.

لهذا كلّه، تحدّث عن ثورة ثقافيّة، وجبهة فكريّة تنويريّة، بالإضافة لجبهة فنيّة، وكلا الجبهتان إنّما ولدتا ونمتا في ظل أمرين:

الأمر الأوّل: الجهاد الثوريّ الذي خاضته فصائل الإسلام المحمّديّ الأصيل في إيران بقيادة الإمام الخميني (قده).

الأمر الثاني: الفطرة السليمة المبنيّة على لطف الله وعنايته.

وهذه الثورة البانية "تعطي فكرًا، وكذلك شعارًا، وفيها العقيدة، وكذا الشعور". فهي إذن، عملية تؤالف بين البعد الفكريّ والعقائديّ، والبعد الشعاراتيّ الوجدانيّ. والحاكم في ارتباط الناس الثوريين، رغم اختلاف حقولهم المعرفيّة الفكريّة منها أو الفنيّة، هو هذه الثورة الإسلاميّة،

 إنّ عندنا جبهةً فكريّة تنويريّة داخليّة، وجبهة فنيّة داخليّة، نشأتا من الثورة وكان منشؤهما طبيعيًّا. ففي جميع ساحات مجتمعنا نما أفراد تحت المطر المبارك للثورة ومن أرض الفطرة الإنسانيّة الخصبة... هاتان الجبهتان، أو هاتان الفئتان مستقلّتان عن بعضهما؛ لأنّ الفكر التنويريّ يختلف عن الفن، فكم من فنّان ليس بمفكّر متنور، وكم من تنويريّ ليس بفنان، إلّا أنهما قد تجتمعان معًا... وقد أعطيت الاهتمام للحدّ المشترك بينهما.

تشي هذه المقولة من قائد الثورة الإسلاميّة بجملة أمور منها:

الأمر الأوّل: وسمه الحقل الفكريّ والفنيّ بالجبهة، ليؤكّد على البعد الجهاديّ والنضاليّ في هذا الحقل الثقافيّ.

الأمر الثاني: اعتباره أنّ الفكر غير الفن من حيث التخصّص، إلّا أنّ الجامع بينهما هو البيئة التي تولّدا منها (الثورة والناس)، والهدف الذي يمكن أن يخدماه (الرسالة والأمّة).

الأمر الثالث: إعطاؤه صفة الجبهة الداخليّة عليهما لتأكيد الخصوصيّة فيهما، لذا اعتبر أنهما تولّدا ونميا كجميع ساحات المجتمع الرساليّ من مطر الثورة والفطرة الإنسانيّة الخصبة.

الأمر الرابع: أخيرًا، يعلن ويؤكّد القائد، على اهتمامه الخاص بهاتين الجبهتين.

مما يدعونا لنسأل عن مدى اهتمامه، وعن سبب هذا الاهتمام؟

وهذا ما يتحدّث الإمام الخامنئي حوله:

"لا توجد لديّ أيّ هواجس في عالم السياسة، لأنّ وضعنا جيد جدًّا [...] إنّ جبهتنا السياسيّة قويّة جدًّا [...] وفيما يتعلّق بالقضايا الاقتصاديّة فليس لديّ أيّ قلق في هذا المجال [...] سوى ما يعتصر القلب من معاناة الفقراء [...] إنّ عملًا جيدًا بات على مشارف الإنجاز [في الجانت الاقتصاديّ]. أمّا في المجال الثقافيّ، فأنا أشعر بالقلب بكلّ ما للكلمة من معنى، لا بل وأحمل الكثير من الهواجس في المسألة الثقافيّة[...]"[1].

أمّا مدى هذا الاهتمام ومستواه ونوعيته فهو "من النوع الذي يجعل الشخص يستيقظ من نومه في منتصف الليل ليتضرّع إلى الله تعالى". وهذا المستوى من القلق لا تثيره إلّا المخاوف الرساليّة على أصل الهويّة والواجب المنوط بالجانب العقدي تجاه حفظ أمّته وشعبه في وجودهم وقيمهم وتدينهم وانتمائهم. المسألة إذن، جدّية للغاية، بحيث يستشعر المرء أنّ مصبَّ القلق يتّجه نحو مبدإ قيام الثورة الإسلاميّة بفاعليتها وتأثيراتها التي صنعت إنسانًا رساليًّا مجاهدًا ومنافحًا عن الحق الذي آمن به، الثورة التي أعادت لإنساننا المسلم ثقته بنفسه.

 

[1] الثقافة هنا تعني الجبهة الفكريّة والجبهة الفنيّة.

ارسال التعليق

You are replying to: .